لجريدة عمان:
2025-01-05@11:11:08 GMT

العدل الدولية بين العدل والانحياز

تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT

يعيش العالم اليوم تصادمات كثيرة تفضي بشبابه إلى حالة من التحوّل للعبثية واللاجدوى، أو حالة أخرى من الوعي العميق بأقنعة الواقع المعاصر وتبدلها وفق مصلحة الأقوى على مسرح القوى المركزية في العالم، وبينهما إما اختيار اليأس والاستغراق في عالم مادي يستنزف ما بقي من روحه وعقله، أو اختيار الاحتراق بنار الوعي العميق والتحليل المنطقي، وبين ناري الجهل والمعرفة لا بد من ضوء يقيني يلوح في نهاية هذا النفق منتصرا للإنسان.

عمّ الصخب جماهير العالمين الواقعي والافتراضي بعد ثبوت الهجوم الدولي (ولا نقول الإسرائيلي وحسب) على غزة في أكتوبر الماضي، وعايش الجميع خذلان الحكومات لشعب غزة الأعزل مهما كانت مبررات العدوان لإبادة شعب أعزل، ومع هذا الخذلان العام تدافعت جماهير الناس التي شكل الوعي تحركاتها بعد يقينها بصحة المنشور من مواد سمعية بصرية تعكس واقع الإبادة الجماعية على أرض فلسطين، وما كان تحرك دولة جنوب أفريقيا إلى تقديم دعوى لمحكمة العدل الدولية إلا انعكاس لأثر هذا الحراك الشعبي العالمي، وقوة تأثير الرأي العام لتشكيل ردود فعل رسمية وحراك قانوني دولي.

مبادرة جنوب أفريقيا في اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لاقت ترحابا جماهيريا عالميا، واحتفاءات في كل الأوساط القانونية والتجمعات المدنية الفاعلة، وما ذلك إلا لتمثيلها صوت المقهورين المغلوب على أمرهم، وصوت الضحايا ورجع صداه قبل خفوته بفعل الإبادة المعلنة التي يشهدها العالم صامتا متخاذلا، ومع هذه المبادرة المنظمة حاول كثير التقليل من شأنها وقد أحرجت الكثيرين ممن كانوا أولى بالتصدر لها والنهوض بمسعاها، والحق أنها ما زالت تحرجهم إذ إنهم لم يدركوها بعد تخاذل متلبسا زي عدم الجدوى!

هؤلاء المتخاذلون تداولوا بينهم دعاوى عدم جدوى الدعوى رغم قوة الحجة، ودقة التفاصيل، ووضوح أركانها في اتهام إسرائيل وحلفائها بالإبادة الجماعية، مبررين هذا التهميش للدعوى بأن مهما يكن من حكم المحكمة فإنه غير ملزم لإسرائيل بأي شكل من الأشكال، وهو قول مردود منقوص رغم بعض صوابه؛ إذ إن قرارات محكمة العدل الدولية ملزمة دون آلية لتنفيذ هذا الإلزام! ولكنه مضلل في جانبه المتعلق بعدم جدوى الدعوى نهائيا؛ إذ حسب الدولة التي نهضت بهذه الدعوى انتصارها للإنسان أولا بعيدا عن أي اعتبارات مادية، ثم انتصارها للحق ولشريعة القانون الدولي الرافضة لكل أشكال الإبادات الجماعية عرقيا أو دينيا أو طائفيا، ولا يستطيع عاقل إنكار ما كان من أثر هذه الدعوى التي أجبرت إسرائيل وحلفائها على الوقوف متهمة بالإبادة الجماعية أمام قضاة محكمة العدل الدولية في سابقة نادرة، رغم كل محاولات الأخيرة للتضليل والإنكار في دفوعها المصنوعة، كما لا يمكن إنكار أثر هذه الدعوى جماهيريا وتأثيرها على الوعي الجماعي لمتابعي هذه الإبادة الوحشية، ومتابعي هذا التقاضي في محكمة العدل الدولية.

نأتي لحكم المحكمة الذي أراه مخيبا للآمال مع كل ما أثبتته جنوب أفريقيا بفريقها المخلص من ركني الإبادة الجماعية المادي والمعنوي، مع كل أدلة استهداف المدنيين في المدارس والمستشفيات ودور العبادة، ومع كل تصريحات الكيان الغاصب وحلفائه العسكريين العنصرية تجاه شعب فلسطين، والقول بأن الحكم أتى مخيبا للآمال لا يعني عدم جدواه يقينا لكنه لم يكن عادلا إذا ما نظرنا إلى حكم سابق للمحكمة إزاء دعوى قدمتها أوكرانيا ضد روسيا في الصراع بينهما وسرعة استجابة المحكمة للدعوى ووضوح حكمها الذي قضى بوقف فوري لإطلاق النار حينها، مع صياغتها الخجلى للحكم المتعلق بمطالبة إسرائيل ضمان سلامة المدنيين، كل ذلك مع اختلاف السياقين وقوة حجة فريق جنوب أفريقيا واتساع دائرة أدلته على جرائم ووحشية الإبادة الجماعية، لم نعد بحاجة لاستقراء ازدواج المعايير في المنظمات الدولية، كما لا ينبغي أن إغفال أن الحكم كان أفضل ما يمكن مع إدراك حرب القوى والنفوذ.

يمكننا كذلك أن نحلم بتأثير عربي إسلامي شرقي يتابع دعوى جنوب أفريقيا لنحتفي بدعاوى مستمرة تتقدم بها كل هذه الدول فرادى أو مجتمعة؛ رفضا لحرب الإبادة في غزة وانتصارا للدم العربي المهدور، وانتصارا للحق الذي لا يمكن لأي لعبة إعلامية تشتيته أو إخفاؤه.

من المضحك المبكي بعد كل ذلك استغلال إسرائيل وحلفائها عدم الوضوح في اتهامها صراحة بالإبادة من قبل محكمة العدل الدولية لتسعى لاستفزاز العالم بتصريحات من قبيل تعليق نتانياهو على الحكم «تهمة الإبادة الجماعية الموجهة ضد إسرائيل ليست كاذبة فحسب، بل إنها شنيعة، ويجب على الأشخاص المحترمين في كل مكان أن يرفضوها»، أما وزارة الخارجية البريطانية فقد أكدت أنه «لا يمكن وصف تصرفات إسرائيل في غزة بأنها إبادة جماعية، ولذلك نعتقد أن قرار جنوب أفريقيا بإحالة القضية إلى المحكمة كان خاطئا واستفزازيا»!، وأخيرا يأتي تصريح البيت الأبيض في أن «القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل لا معنى لها، لعدم وجود تعمّد إبادة جماعية، إن العدد الحقيقي للقتلى المدنيين في غزة هو صفر»! فإن كانوا يطالبون بالركن المعنوي في قصدية الإبادة الجماعية مع كل ما يقع أمام مسمع ومرأى العالم من ماديات عسكرية أعدت وجهزت واستخدمت لأشهر كاملة لتصفية الشعب واستهدافه مدنيا ومؤسساتيا ومعنويا، إضافة إلى تصريحات المسؤولين الواضحة بهدفها في القضاء على الكل فلا نملك إلا ترديد بيت المتنبي:

«وليس يصحُّ في الأذهانِ شيءٌ إذا احتاج النهارُ إلى دليل».

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: محکمة العدل الدولیة الإبادة الجماعیة جنوب أفریقیا

إقرأ أيضاً:

حزب الله: مستعدون للرد على "خروقات" إسرائيل

أعلن الأمين العام لتنظيم حزب الله اللبناني، نعيم قاسم، اليوم السبت، أن حزبه مستعدّ للرد على خروقات إسرائيل لوقف إطلاق النار، بعد أكثر من شهر على سريان الاتفاق، الذي ينص على انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، في غضون 60 يوماً.

ودخل اتفاق الهدنة حيز التنفيذ في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعد شهرين من بدء مواجهة مفتوحة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني المدعوم من إيران، ويتبادل الجانبان الاتهامات بانتهاك الهدنة بشكل متكرر.

الوكالة الوطنية للإعلام - (*) قاسم: حريصون على انتخاب رئيس بالتعاون مع كل الأطراف والمقاومة خرجت قوية من معركة اولي البأس https://t.co/VL55SVHhCS

— National News Agency (@NNALeb) January 4, 2025

وقال قاسم، في كلمة بمناسبة الذكرى الخامسة لمقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني: "قلنا بأننا نعطي فرصة لمنع الخروقات الإسرائيلية وتطبيق الاتفاق وأننا سنصبر، لكن لا يعني هذا أننا سنصبر لمدة 60 يوماً". وأكّد "لا يوجد جدول زمني يحدد أداءنا، لا بالاتفاق، ولا بعد انتهاء مهلة الـ 60 يوماً".

وتابع نعيم قاسم: "قد ينفد صبرنا قبل الـ 60 يوماً، وقد يستمر، هذا أمر تقرره القيادة، فهي التي تقرر متى تصبر، ومتى تبادر، ومتى ترد".

وينص الاتفاق على انتشار الجيش اللبناني في جنوب البلاد، حيث تعمل أيضاً قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، وانسحاب القوات الإسرائيلية خلال 60 يوماً. وينصّ أيضاً على تراجع عناصر حزب الله إلى شمال نهر الليطاني (نحو 30 كيلومتر شمال الحدود)، وتفكيك بنيته العسكرية في جنوب النهر.

رغم وقف إطلاق النار..دبابات إسرائيلية تتوغل في جنوب لبنان - موقع 24 قصفت المدفعية الإسرائيلية اليوم السبت محيط مجمع الإمام الصدر في بلدة ميس الجبل في جنوب لبنان .

وطلب لبنان الشهر الماضي من باريس وواشنطن، "الضغط" على إسرائيل من أجل "الإسراع" في سحب جيشها من جنوب البلاد، كما حثّت اليونيفيل الشهر الماضي على الإسراع في انسحاب الجيش الإسرائيلي، ونشر القوات المسلحة اللبنانية في جنوب لبنان.

وشدد قاسم، على أن "الاتفاق يعني حصراً جنوب نهر الليطاني ويلزم إسرائيل بالانسحاب"، مشيراً إلى أن "الدولة الآن، ونحن منها مسؤولة عن أن تتابع مع الرعاة لتكف يد إسرائيل، ويطبق الاتفاق".

وفي ملف رئاسة الجمهورية، قال قاسم إن "حزبه حريص على انتخاب الرئيس على قاعدة أن تختاره الكتل بتعاون وتفاهم في جلسات مفتوحة"، معتبراً أن "هذا التوافق هو فرصة سانحة لنقلب صفحة باتجاه الإيجابية في لبنان".

ومن المقرر عقد جلسة للبرلمان اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، لانتخاب رئيس للجمهورية بعد أكثر من عامين على شغور المنصب.

مقالات مشابهة

  • الخارجية الفلسطينية: جهودنا الدولية متواصلة لوقف الإبادة والتهجير وإرهاب المستعمرين
  • أستاذ علوم سياسية: يجب تضافر الجهود الدولية لردع إسرائيل عن جرائمها الوحشية
  • خبير: تضافر الجهود الدولية يردع إسرائيل عن جرائمها الوحشية
  • بعد الشمال إسرائيل تنقل المحرقة إلى محافظة غزة
  • حزب الله: مستعدون للرد على "خروقات" إسرائيل
  • نائبة بالشيوخ الكولمبي: إسرائيل تواصل حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة
  • وقفة احتجاجية في تعز تنديدا بجرائم الإبادة الجماعية في غزة
  • “حماس”: قدمنا كل المرونة للوصول لاتفاقات وطنية لإنقاذ غزة من الإبادة الجماعية
  • إسرائيل تقر باعتقال أبو صفية ومقررتان أمميتان تطالبان بالإفراج عنه
  • مقررتان أمميتان تجددان مطالبة إسرائيل بالإفراج عن أبو صفية