لجريدة عمان:
2025-02-07@14:16:53 GMT

العدل الدولية بين العدل والانحياز

تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT

يعيش العالم اليوم تصادمات كثيرة تفضي بشبابه إلى حالة من التحوّل للعبثية واللاجدوى، أو حالة أخرى من الوعي العميق بأقنعة الواقع المعاصر وتبدلها وفق مصلحة الأقوى على مسرح القوى المركزية في العالم، وبينهما إما اختيار اليأس والاستغراق في عالم مادي يستنزف ما بقي من روحه وعقله، أو اختيار الاحتراق بنار الوعي العميق والتحليل المنطقي، وبين ناري الجهل والمعرفة لا بد من ضوء يقيني يلوح في نهاية هذا النفق منتصرا للإنسان.

عمّ الصخب جماهير العالمين الواقعي والافتراضي بعد ثبوت الهجوم الدولي (ولا نقول الإسرائيلي وحسب) على غزة في أكتوبر الماضي، وعايش الجميع خذلان الحكومات لشعب غزة الأعزل مهما كانت مبررات العدوان لإبادة شعب أعزل، ومع هذا الخذلان العام تدافعت جماهير الناس التي شكل الوعي تحركاتها بعد يقينها بصحة المنشور من مواد سمعية بصرية تعكس واقع الإبادة الجماعية على أرض فلسطين، وما كان تحرك دولة جنوب أفريقيا إلى تقديم دعوى لمحكمة العدل الدولية إلا انعكاس لأثر هذا الحراك الشعبي العالمي، وقوة تأثير الرأي العام لتشكيل ردود فعل رسمية وحراك قانوني دولي.

مبادرة جنوب أفريقيا في اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لاقت ترحابا جماهيريا عالميا، واحتفاءات في كل الأوساط القانونية والتجمعات المدنية الفاعلة، وما ذلك إلا لتمثيلها صوت المقهورين المغلوب على أمرهم، وصوت الضحايا ورجع صداه قبل خفوته بفعل الإبادة المعلنة التي يشهدها العالم صامتا متخاذلا، ومع هذه المبادرة المنظمة حاول كثير التقليل من شأنها وقد أحرجت الكثيرين ممن كانوا أولى بالتصدر لها والنهوض بمسعاها، والحق أنها ما زالت تحرجهم إذ إنهم لم يدركوها بعد تخاذل متلبسا زي عدم الجدوى!

هؤلاء المتخاذلون تداولوا بينهم دعاوى عدم جدوى الدعوى رغم قوة الحجة، ودقة التفاصيل، ووضوح أركانها في اتهام إسرائيل وحلفائها بالإبادة الجماعية، مبررين هذا التهميش للدعوى بأن مهما يكن من حكم المحكمة فإنه غير ملزم لإسرائيل بأي شكل من الأشكال، وهو قول مردود منقوص رغم بعض صوابه؛ إذ إن قرارات محكمة العدل الدولية ملزمة دون آلية لتنفيذ هذا الإلزام! ولكنه مضلل في جانبه المتعلق بعدم جدوى الدعوى نهائيا؛ إذ حسب الدولة التي نهضت بهذه الدعوى انتصارها للإنسان أولا بعيدا عن أي اعتبارات مادية، ثم انتصارها للحق ولشريعة القانون الدولي الرافضة لكل أشكال الإبادات الجماعية عرقيا أو دينيا أو طائفيا، ولا يستطيع عاقل إنكار ما كان من أثر هذه الدعوى التي أجبرت إسرائيل وحلفائها على الوقوف متهمة بالإبادة الجماعية أمام قضاة محكمة العدل الدولية في سابقة نادرة، رغم كل محاولات الأخيرة للتضليل والإنكار في دفوعها المصنوعة، كما لا يمكن إنكار أثر هذه الدعوى جماهيريا وتأثيرها على الوعي الجماعي لمتابعي هذه الإبادة الوحشية، ومتابعي هذا التقاضي في محكمة العدل الدولية.

نأتي لحكم المحكمة الذي أراه مخيبا للآمال مع كل ما أثبتته جنوب أفريقيا بفريقها المخلص من ركني الإبادة الجماعية المادي والمعنوي، مع كل أدلة استهداف المدنيين في المدارس والمستشفيات ودور العبادة، ومع كل تصريحات الكيان الغاصب وحلفائه العسكريين العنصرية تجاه شعب فلسطين، والقول بأن الحكم أتى مخيبا للآمال لا يعني عدم جدواه يقينا لكنه لم يكن عادلا إذا ما نظرنا إلى حكم سابق للمحكمة إزاء دعوى قدمتها أوكرانيا ضد روسيا في الصراع بينهما وسرعة استجابة المحكمة للدعوى ووضوح حكمها الذي قضى بوقف فوري لإطلاق النار حينها، مع صياغتها الخجلى للحكم المتعلق بمطالبة إسرائيل ضمان سلامة المدنيين، كل ذلك مع اختلاف السياقين وقوة حجة فريق جنوب أفريقيا واتساع دائرة أدلته على جرائم ووحشية الإبادة الجماعية، لم نعد بحاجة لاستقراء ازدواج المعايير في المنظمات الدولية، كما لا ينبغي أن إغفال أن الحكم كان أفضل ما يمكن مع إدراك حرب القوى والنفوذ.

يمكننا كذلك أن نحلم بتأثير عربي إسلامي شرقي يتابع دعوى جنوب أفريقيا لنحتفي بدعاوى مستمرة تتقدم بها كل هذه الدول فرادى أو مجتمعة؛ رفضا لحرب الإبادة في غزة وانتصارا للدم العربي المهدور، وانتصارا للحق الذي لا يمكن لأي لعبة إعلامية تشتيته أو إخفاؤه.

من المضحك المبكي بعد كل ذلك استغلال إسرائيل وحلفائها عدم الوضوح في اتهامها صراحة بالإبادة من قبل محكمة العدل الدولية لتسعى لاستفزاز العالم بتصريحات من قبيل تعليق نتانياهو على الحكم «تهمة الإبادة الجماعية الموجهة ضد إسرائيل ليست كاذبة فحسب، بل إنها شنيعة، ويجب على الأشخاص المحترمين في كل مكان أن يرفضوها»، أما وزارة الخارجية البريطانية فقد أكدت أنه «لا يمكن وصف تصرفات إسرائيل في غزة بأنها إبادة جماعية، ولذلك نعتقد أن قرار جنوب أفريقيا بإحالة القضية إلى المحكمة كان خاطئا واستفزازيا»!، وأخيرا يأتي تصريح البيت الأبيض في أن «القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل لا معنى لها، لعدم وجود تعمّد إبادة جماعية، إن العدد الحقيقي للقتلى المدنيين في غزة هو صفر»! فإن كانوا يطالبون بالركن المعنوي في قصدية الإبادة الجماعية مع كل ما يقع أمام مسمع ومرأى العالم من ماديات عسكرية أعدت وجهزت واستخدمت لأشهر كاملة لتصفية الشعب واستهدافه مدنيا ومؤسساتيا ومعنويا، إضافة إلى تصريحات المسؤولين الواضحة بهدفها في القضاء على الكل فلا نملك إلا ترديد بيت المتنبي:

«وليس يصحُّ في الأذهانِ شيءٌ إذا احتاج النهارُ إلى دليل».

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: محکمة العدل الدولیة الإبادة الجماعیة جنوب أفریقیا

إقرأ أيضاً:

«أسوشيتد برس»: كيف يعكس تعهد «الرئيس الأمريكى» بمعاقبة جنوب أفريقيا انتقادات «ماسك» لوطنه؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

ذكرت وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية أن الرئيس الأمريكي؛ دونالد ترامب قال إنه سيقطع كل التمويل عن جنوب أفريقيا بسبب ما أسماه انتهاكًا لحقوق الإنسان، وهى الخطوة التى تعكس ادعاءات إيلون ماسك الحليف الوثيق لـ"ترامب" ورئيس وزارة كفاءة الحكومة الجديدة فى إدارته، المتكررة والكاذبة على مر السنين بأن السلطات فى بلد ميلاده معادية للبيض وحتى تشجع على قتل البيض.

وأوضح «ترامب» يوم الأحد الماضي، أن «أشياء مروعة تحدث فى جنوب أفريقيا، إن القيادة تفعل بعض الأشياء المروعة والفظيعة» دون تقديم تفاصيل. وقال: «إنهم يأخذون الأراضى ويصادرون الأراضي، وفى الواقع يفعلون أشياء ربما تكون أسوأ من ذلك بكثير».

وأضافت «أسوشيتد برس» أنه فى حين لم يكن واضحًا على وجه التحديد ما الذى كان يشير إليه «ترامب»؛ إلا أنه بدا وكأنه يشير إلى قانون جديد فى جنوب أفريقيا يمنح الحكومة صلاحيات فى بعض الحالات لمصادرة الأراضى من الناس.

وقد سلط «ماسك»، الضوء على هذا القانون فى منشورات حديثة على وسائل التواصل الاجتماعى ووصفه بأنه تهديد للأقلية البيضاء فى جنوب أفريقيا.

واعتبر العديد من سكان جنوب أفريقيا أن تعهد «ترامب» المفاجئ بمعاقبة أكبر شريك تجارى للولايات المتحدة فى أفريقيا كان مفاجئًا ومتأثرًا على الأقل جزئيًا بمالك شركة تسلا الملياردير إيلون ماسك، الذى ولد فى العاصمة الجنوب أفريقية بريتوريا لكنه غادر إلى كندا بعد أن أنهى دراسته الثانوية.

ما القانون الذى يشير إليه «ترامب»؟
تم توقيع قانون نزع الملكية من قبل الرئيس الجنوب أفريقى سيريل رامافوزا الشهر الماضي، ويسمح للحكومة بمصادرة الأراضى فى حالات محددة حيث لا يتم استخدامها، أو حيث سيكون من المصلحة العامة إذا تم إعادة توزيعها.

ويهدف هذا المشروع إلى معالجة بعض أخطاء حقبة الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا، عندما انتزع السود أراضيهم من أنفسهم وأجبروا على العيش فى مناطق مخصصة لغير البيض.

ورد «رامافوزا» على تعليقات ترامب يوم الإثنين الماضي، قائلًا: «إن الرئيس الأمريكى كان مخطئًا ولم تتم مصادرة أى أرض»، وقال إنه يتطلع إلى «التواصل» مع إدارة ترامب بشأن هذه القضية. وقالت حكومة جنوب إفريقيا إن الولايات المتحدة لم تفهم القانون.

ماذا قال «ماسك» سابقًا عن جنوب أفريقيا؟
وأشارت الوكالة الأمريكية إلى أن «ماسك» اتهم حكومة «رامافوزا» فى عام ٢٠٢٣ بالسماح بحدوث «إبادة جماعية» بسبب عمليات قتل بعض المزارعين البيض، والتى حدثت منذ سنوات.

وعلى الرغم من إدانة هذه الجرائم، قال خبراء: «إنه لا يوجد دليل على وقوع إبادة جماعية، وأنها جزء من معدلات الجرائم العنيفة المرتفعة للغاية فى جنوب أفريقيا، وترتبط فى الغالب بسرقة المزارع».

وتؤثر الجريمة على جميع سكان جنوب أفريقيا، ويبلغ متوسط جرائم القتل فى البلاد ٧٠ جريمة قتل يوميًا، والغالبية العظمى من الضحايا من السود.

كما تدخل «ماسك» فى القضية يوم الإثنين الماضي، من خلال الرد على منشور على الحساب الرسمى لرامافوزا على «X» بالسؤال: «لماذا لديك قوانين ملكية عنصرية صريحة؟».

مرة أخرى، لا يزال من غير الواضح ما الذى كان ماسك يشير إليه بالضبط، لكن تعليقاته بدت وكأنها تشير إلى قوانين العمل الإيجابى فى جنوب إفريقيا فى مجال الأعمال التجارية والتى صُممت لتعزيز الفرص للسود وغيرهم من المجموعات العرقية المحرومة فى ظل نظام الفصل العنصري.

وتم رفض ترخيص خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية Starlink التابعة لماسك فى جنوب أفريقيا لأنها لا تلبى معايير العمل الإيجابي.

ما الواقع عندما يتعلق الأمر بالسباق فى جنوب أفريقيا؟
بعد أكثر من ٣٠ عامًا من انتهاء نظام الفصل العنصرى وحكم الأقلية البيضاء، لا يزال البيض فى جنوب أفريقيا يتمتعون عمومًا بمستوى معيشة أعلى بكثير من السود.

وينعكس هذا فى إحصاءات الفقر؛ حيث وجدت دراسة أجرتها لجنة حقوق الإنسان فى جنوب أفريقيا عام ٢٠٢١ أن ٦٤٪ من السود يعيشون فى فقر مقابل ١٪ من البيض.

وعندما يتعلق الأمر بالأرض، يشكل البيض نحو ٧٪ من السكان البالغ عددهم ٦٢ مليون نسمة ويملكون حوالى ٧٠٪ من الأراضي، وفقًا لأحدث تدقيق للأراضي، على الرغم من أن هذه الحصة انخفضت منذ الفصل العنصري.

ومع ذلك، أثار قانون الأراضى الجديد انتقادات حتى من داخل البلاد؛ حيث قالت الجماعات المدنية التى تمثل مصالح البيض وبعض الأحزاب السياسية فى جنوب أفريقيا إنها ستطعن فيه فى المحكمة لأنه يسمح بأخذ الأراضى دون تعويض فى بعض الحالات.

فى حين تعانى جنوب أفريقيا من مشاكل اجتماعية واقتصادية عميقة وإرث مدمر من ما يقرب من نصف قرن من نظام الفصل العنصري، فإنها تعتبر ديمقراطية مستقرة وليست دولة مليئة بالتوترات العنصرية كما يتم تصويرها فى بعض الأحيان.

ماذا قد يفعل ترامب؟
وقال «ترامب» على منصته «تروث سوشيال»: «إن جنوب أفريقيا تعامل فئات معينة من الناس بشكل سيئ للغاية، مرة أخرى دون الخوض فى التفاصيل، وأنه سيوقف كل التمويل المستقبلى بينما تقوم الولايات المتحدة بالتحقيق».

وهذا يهدد ما يقرب من ٤٠٠ مليون دولار سنويًا من المساعدات التى تقدمها الولايات المتحدة لجنوب أفريقيا، ومعظمها لبرنامج مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز فى البلاد من خلال خطة الرئيس الطارئة للإغاثة من الإيدز، والمعروفة باسم PEPFAR.

وكان تمويل الولايات المتحدة لجنوب أفريقيا من خلال PEPFAR مهددا بالفعل بسبب تجميد المساعدات العالمية من قبل ترامب.
 

مقالات مشابهة

  • الأورومتوسطي .. الاحتلال يواصل ارتكاب الإبادة الجماعية في غزة رغم وقف إطلاق النار
  • غزة: 85% من المدارس خارجة عن الخدمة بسبب حرب الإبادة الجماعية
  • رئيس جنوب أفريقيا: مستمرون في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني
  • «أسوشيتد برس»: كيف يعكس تعهد «الرئيس الأمريكى» بمعاقبة جنوب أفريقيا انتقادات «ماسك» لوطنه؟
  • جنوب أفريقيا: لن نخضع للترهيب الأمريكي
  • اتحاد غرف الإمارات يناقش دور المشاريع الصغيرة والمتوسطة مع جنوب أفريقيا
  • روبيو يهاجم جنوب أفريقيا ويعلن مقاطعته لاجتماعات مجموعة العشرين
  • عمرو خليل: الإبادة الجماعية للفلسطينيين هدف حكومة الاحتلال الإسرائيلي
  • “فورين بوليسي”: جنوب أفريقيا تتحدى ترامب
  • والد إيلون ماسك يعلق على إشعال ابنه أزمة مع جنوب أفريقيا