لجريدة عمان:
2025-05-01@11:05:42 GMT

العدل الدولية بين العدل والانحياز

تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT

يعيش العالم اليوم تصادمات كثيرة تفضي بشبابه إلى حالة من التحوّل للعبثية واللاجدوى، أو حالة أخرى من الوعي العميق بأقنعة الواقع المعاصر وتبدلها وفق مصلحة الأقوى على مسرح القوى المركزية في العالم، وبينهما إما اختيار اليأس والاستغراق في عالم مادي يستنزف ما بقي من روحه وعقله، أو اختيار الاحتراق بنار الوعي العميق والتحليل المنطقي، وبين ناري الجهل والمعرفة لا بد من ضوء يقيني يلوح في نهاية هذا النفق منتصرا للإنسان.

عمّ الصخب جماهير العالمين الواقعي والافتراضي بعد ثبوت الهجوم الدولي (ولا نقول الإسرائيلي وحسب) على غزة في أكتوبر الماضي، وعايش الجميع خذلان الحكومات لشعب غزة الأعزل مهما كانت مبررات العدوان لإبادة شعب أعزل، ومع هذا الخذلان العام تدافعت جماهير الناس التي شكل الوعي تحركاتها بعد يقينها بصحة المنشور من مواد سمعية بصرية تعكس واقع الإبادة الجماعية على أرض فلسطين، وما كان تحرك دولة جنوب أفريقيا إلى تقديم دعوى لمحكمة العدل الدولية إلا انعكاس لأثر هذا الحراك الشعبي العالمي، وقوة تأثير الرأي العام لتشكيل ردود فعل رسمية وحراك قانوني دولي.

مبادرة جنوب أفريقيا في اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لاقت ترحابا جماهيريا عالميا، واحتفاءات في كل الأوساط القانونية والتجمعات المدنية الفاعلة، وما ذلك إلا لتمثيلها صوت المقهورين المغلوب على أمرهم، وصوت الضحايا ورجع صداه قبل خفوته بفعل الإبادة المعلنة التي يشهدها العالم صامتا متخاذلا، ومع هذه المبادرة المنظمة حاول كثير التقليل من شأنها وقد أحرجت الكثيرين ممن كانوا أولى بالتصدر لها والنهوض بمسعاها، والحق أنها ما زالت تحرجهم إذ إنهم لم يدركوها بعد تخاذل متلبسا زي عدم الجدوى!

هؤلاء المتخاذلون تداولوا بينهم دعاوى عدم جدوى الدعوى رغم قوة الحجة، ودقة التفاصيل، ووضوح أركانها في اتهام إسرائيل وحلفائها بالإبادة الجماعية، مبررين هذا التهميش للدعوى بأن مهما يكن من حكم المحكمة فإنه غير ملزم لإسرائيل بأي شكل من الأشكال، وهو قول مردود منقوص رغم بعض صوابه؛ إذ إن قرارات محكمة العدل الدولية ملزمة دون آلية لتنفيذ هذا الإلزام! ولكنه مضلل في جانبه المتعلق بعدم جدوى الدعوى نهائيا؛ إذ حسب الدولة التي نهضت بهذه الدعوى انتصارها للإنسان أولا بعيدا عن أي اعتبارات مادية، ثم انتصارها للحق ولشريعة القانون الدولي الرافضة لكل أشكال الإبادات الجماعية عرقيا أو دينيا أو طائفيا، ولا يستطيع عاقل إنكار ما كان من أثر هذه الدعوى التي أجبرت إسرائيل وحلفائها على الوقوف متهمة بالإبادة الجماعية أمام قضاة محكمة العدل الدولية في سابقة نادرة، رغم كل محاولات الأخيرة للتضليل والإنكار في دفوعها المصنوعة، كما لا يمكن إنكار أثر هذه الدعوى جماهيريا وتأثيرها على الوعي الجماعي لمتابعي هذه الإبادة الوحشية، ومتابعي هذا التقاضي في محكمة العدل الدولية.

نأتي لحكم المحكمة الذي أراه مخيبا للآمال مع كل ما أثبتته جنوب أفريقيا بفريقها المخلص من ركني الإبادة الجماعية المادي والمعنوي، مع كل أدلة استهداف المدنيين في المدارس والمستشفيات ودور العبادة، ومع كل تصريحات الكيان الغاصب وحلفائه العسكريين العنصرية تجاه شعب فلسطين، والقول بأن الحكم أتى مخيبا للآمال لا يعني عدم جدواه يقينا لكنه لم يكن عادلا إذا ما نظرنا إلى حكم سابق للمحكمة إزاء دعوى قدمتها أوكرانيا ضد روسيا في الصراع بينهما وسرعة استجابة المحكمة للدعوى ووضوح حكمها الذي قضى بوقف فوري لإطلاق النار حينها، مع صياغتها الخجلى للحكم المتعلق بمطالبة إسرائيل ضمان سلامة المدنيين، كل ذلك مع اختلاف السياقين وقوة حجة فريق جنوب أفريقيا واتساع دائرة أدلته على جرائم ووحشية الإبادة الجماعية، لم نعد بحاجة لاستقراء ازدواج المعايير في المنظمات الدولية، كما لا ينبغي أن إغفال أن الحكم كان أفضل ما يمكن مع إدراك حرب القوى والنفوذ.

يمكننا كذلك أن نحلم بتأثير عربي إسلامي شرقي يتابع دعوى جنوب أفريقيا لنحتفي بدعاوى مستمرة تتقدم بها كل هذه الدول فرادى أو مجتمعة؛ رفضا لحرب الإبادة في غزة وانتصارا للدم العربي المهدور، وانتصارا للحق الذي لا يمكن لأي لعبة إعلامية تشتيته أو إخفاؤه.

من المضحك المبكي بعد كل ذلك استغلال إسرائيل وحلفائها عدم الوضوح في اتهامها صراحة بالإبادة من قبل محكمة العدل الدولية لتسعى لاستفزاز العالم بتصريحات من قبيل تعليق نتانياهو على الحكم «تهمة الإبادة الجماعية الموجهة ضد إسرائيل ليست كاذبة فحسب، بل إنها شنيعة، ويجب على الأشخاص المحترمين في كل مكان أن يرفضوها»، أما وزارة الخارجية البريطانية فقد أكدت أنه «لا يمكن وصف تصرفات إسرائيل في غزة بأنها إبادة جماعية، ولذلك نعتقد أن قرار جنوب أفريقيا بإحالة القضية إلى المحكمة كان خاطئا واستفزازيا»!، وأخيرا يأتي تصريح البيت الأبيض في أن «القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل لا معنى لها، لعدم وجود تعمّد إبادة جماعية، إن العدد الحقيقي للقتلى المدنيين في غزة هو صفر»! فإن كانوا يطالبون بالركن المعنوي في قصدية الإبادة الجماعية مع كل ما يقع أمام مسمع ومرأى العالم من ماديات عسكرية أعدت وجهزت واستخدمت لأشهر كاملة لتصفية الشعب واستهدافه مدنيا ومؤسساتيا ومعنويا، إضافة إلى تصريحات المسؤولين الواضحة بهدفها في القضاء على الكل فلا نملك إلا ترديد بيت المتنبي:

«وليس يصحُّ في الأذهانِ شيءٌ إذا احتاج النهارُ إلى دليل».

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: محکمة العدل الدولیة الإبادة الجماعیة جنوب أفریقیا

إقرأ أيضاً:

واشنطن بوست: على أميركا التحرك لوقف الإبادة الجماعية في السودان

حذرت صحيفة واشنطن بوست -في افتتاحية لها- من تكرار تقاعس الولايات المتحدة عن التحرك في وجه الفظائع الجماعية، كما حدث قبل 50 عاما عندما تجاهلت الإبادة الجماعية التي ارتكبها "الخمير الحمر" في كمبوديا.

ودعت الصحيفة إلى التحرك الفوري والفاعل لوقف المأساة الإنسانية الجارية في السودان، التي وصفتها بأنها الأسوأ في العالم حاليا.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مستوطن سابق يشرح أسباب رفضه الخدمة في الجيش الإسرائيليlist 2 of 2كاتب أميركي: روسيا تتفوق على الغرب بالمعركة الإعلامية في أفريقياend of list

وأوضحت أنه يوم 15 أبريل/نيسان، دخلت الحرب الأهلية السودانية عامها الثالث، حيث خلّفت حتى الآن نحو 150 ألف قتيل وأكثر من 12 مليون نازح.

ولفتت الانتباه إلى أن وزارة الخارجية الأميركية كانت قد أعلنت رسميا أن ما يحدث في إقليم دارفور يشكل إبادة جماعية، في ضوء عمليات القتل الممنهج والعنف الجنسي ضد جماعة قبيلة المساليت في غرب دارفور

فارون من مخيم زمزم للنازحين بعد سقوطه تحت سيطرة قوات الدعم السريع، يصطفون للحصول على حصص غذائية في مخيم مؤقت في حقل مفتوح بالقرب من بلدة طويلة في منطقة غرب دارفور 13 أبريل/نيسان 2025 (الفرنسية) الدعم السريع مرتكب الفظائع

وأضافت أن الوزارة قد حددت قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، بأنها مرتكبة لهذه الفظائع، مؤكدة ما سبق أن أعلنته إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.

إعلان

وترى الصحيفة أن إعلان وجود إبادة جماعية ليس كافيا، بل ينبغي اتخاذ خطوات عاجلة على الأرض. وتُشير إلى التشابه المقلق بين الوضع الحالي في السودان والصمت الدولي الذي رافق مجازر كمبوديا في السبعينيات.

وقالت إن الولايات المتحدة تجاهلت آنذاك تقارير تؤكد الإعدامات الجماعية في كمبوديا، رغم توفر الأدلة، وذلك بسبب انسحاب القوات الأميركية المحرج من فيتنام.

تهديد وحدة السودان

واليوم، تقول واشنطن بوست إن المأساة تتكرر في السودان نتيجة الصراع على السلطة. وبينما استعاد الجيش السوداني السيطرة على الخرطوم مؤخرا، أقام حميدتي معقلا في الغرب وأعلن حكومة موازية، مما يهدد بتقسيم البلاد ويزيد من عمليات القتل العرقي.

وتوضح الافتتاحية أن تعقيد الصراع السوداني يعود إلى تشابك المصالح الإقليمية، ورغم هذا التعقيد، فإن الصحيفة تحذر من أن تجاهل المأساة سيكون خطأً أخلاقيا وإستراتيجيا.

ما يجب أن يفعله ترامب

وتقترح الصحيفة أن تتجنب واشنطن التدخل العسكري المباشر، لكنها تستطيع الضغط دبلوماسيا من خلال وقف مبيعات الأسلحة للداعمين الإقليميين لحميدتي، وفرض عقوبات، وتعيين مبعوث خاص لتحريك جهود السلام.

وتختم الصحيفة بأن على الرئيس الأميركي دونالد ترامب الساعي إلى ترسيخ صورته بوصفه صانع سلام أن يجعل السودان أولوية. فبمساعدة جهود إنهاء الحرب، يمكنه المساهمة في وقف الإبادة الجماعية وتخفيف معاناة ملايين السودانيين.

مقالات مشابهة

  • ارتفاع حصيلة ضحايا حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة
  • أمام محكمة العدل الدولية جنوب أفريقيا: يجب محاسبة “إسرائيل” على جرائمها في قطاع غزة
  • جنوب أفريقيا للعدل الدولية: "غزة تحوّلت إلى جحيم مفتوح" وتدعو لمحاسبة إسرائيل
  • جنوب أفريقيا أمام العدل الدولية: يجب محاسبة “إسرائيل” على جرائمها في قطاع غزة
  • واشنطن بوست: على أميركا التحرك لوقف الإبادة الجماعية في السودان
  • ممثل جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل: غزة أصبحت جحيماً ويجب محاسبة “إسرائيل” على جرائمها
  • جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل: غزة تحولت إلى جحيم ويجب محاسبة إسرائيل
  • جنوب أفريقيا أمام «العدل الدولية»: غزة تحولت لجحيم ويجب محاسبة إسرائيل على جرائمها
  • جنوب إفريقيا تتهم إسرائيل أمام العدل الدولية بارتكاب انتهاكات جسيمة وتطالب بمحاسبتها
  • العفو الدولية: إسرائيل تمارس الإبادة الجماعية على الهواء مباشرة في غزة