لجريدة عمان:
2024-10-06@07:24:44 GMT

العدل الدولية بين العدل والانحياز

تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT

يعيش العالم اليوم تصادمات كثيرة تفضي بشبابه إلى حالة من التحوّل للعبثية واللاجدوى، أو حالة أخرى من الوعي العميق بأقنعة الواقع المعاصر وتبدلها وفق مصلحة الأقوى على مسرح القوى المركزية في العالم، وبينهما إما اختيار اليأس والاستغراق في عالم مادي يستنزف ما بقي من روحه وعقله، أو اختيار الاحتراق بنار الوعي العميق والتحليل المنطقي، وبين ناري الجهل والمعرفة لا بد من ضوء يقيني يلوح في نهاية هذا النفق منتصرا للإنسان.

عمّ الصخب جماهير العالمين الواقعي والافتراضي بعد ثبوت الهجوم الدولي (ولا نقول الإسرائيلي وحسب) على غزة في أكتوبر الماضي، وعايش الجميع خذلان الحكومات لشعب غزة الأعزل مهما كانت مبررات العدوان لإبادة شعب أعزل، ومع هذا الخذلان العام تدافعت جماهير الناس التي شكل الوعي تحركاتها بعد يقينها بصحة المنشور من مواد سمعية بصرية تعكس واقع الإبادة الجماعية على أرض فلسطين، وما كان تحرك دولة جنوب أفريقيا إلى تقديم دعوى لمحكمة العدل الدولية إلا انعكاس لأثر هذا الحراك الشعبي العالمي، وقوة تأثير الرأي العام لتشكيل ردود فعل رسمية وحراك قانوني دولي.

مبادرة جنوب أفريقيا في اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لاقت ترحابا جماهيريا عالميا، واحتفاءات في كل الأوساط القانونية والتجمعات المدنية الفاعلة، وما ذلك إلا لتمثيلها صوت المقهورين المغلوب على أمرهم، وصوت الضحايا ورجع صداه قبل خفوته بفعل الإبادة المعلنة التي يشهدها العالم صامتا متخاذلا، ومع هذه المبادرة المنظمة حاول كثير التقليل من شأنها وقد أحرجت الكثيرين ممن كانوا أولى بالتصدر لها والنهوض بمسعاها، والحق أنها ما زالت تحرجهم إذ إنهم لم يدركوها بعد تخاذل متلبسا زي عدم الجدوى!

هؤلاء المتخاذلون تداولوا بينهم دعاوى عدم جدوى الدعوى رغم قوة الحجة، ودقة التفاصيل، ووضوح أركانها في اتهام إسرائيل وحلفائها بالإبادة الجماعية، مبررين هذا التهميش للدعوى بأن مهما يكن من حكم المحكمة فإنه غير ملزم لإسرائيل بأي شكل من الأشكال، وهو قول مردود منقوص رغم بعض صوابه؛ إذ إن قرارات محكمة العدل الدولية ملزمة دون آلية لتنفيذ هذا الإلزام! ولكنه مضلل في جانبه المتعلق بعدم جدوى الدعوى نهائيا؛ إذ حسب الدولة التي نهضت بهذه الدعوى انتصارها للإنسان أولا بعيدا عن أي اعتبارات مادية، ثم انتصارها للحق ولشريعة القانون الدولي الرافضة لكل أشكال الإبادات الجماعية عرقيا أو دينيا أو طائفيا، ولا يستطيع عاقل إنكار ما كان من أثر هذه الدعوى التي أجبرت إسرائيل وحلفائها على الوقوف متهمة بالإبادة الجماعية أمام قضاة محكمة العدل الدولية في سابقة نادرة، رغم كل محاولات الأخيرة للتضليل والإنكار في دفوعها المصنوعة، كما لا يمكن إنكار أثر هذه الدعوى جماهيريا وتأثيرها على الوعي الجماعي لمتابعي هذه الإبادة الوحشية، ومتابعي هذا التقاضي في محكمة العدل الدولية.

نأتي لحكم المحكمة الذي أراه مخيبا للآمال مع كل ما أثبتته جنوب أفريقيا بفريقها المخلص من ركني الإبادة الجماعية المادي والمعنوي، مع كل أدلة استهداف المدنيين في المدارس والمستشفيات ودور العبادة، ومع كل تصريحات الكيان الغاصب وحلفائه العسكريين العنصرية تجاه شعب فلسطين، والقول بأن الحكم أتى مخيبا للآمال لا يعني عدم جدواه يقينا لكنه لم يكن عادلا إذا ما نظرنا إلى حكم سابق للمحكمة إزاء دعوى قدمتها أوكرانيا ضد روسيا في الصراع بينهما وسرعة استجابة المحكمة للدعوى ووضوح حكمها الذي قضى بوقف فوري لإطلاق النار حينها، مع صياغتها الخجلى للحكم المتعلق بمطالبة إسرائيل ضمان سلامة المدنيين، كل ذلك مع اختلاف السياقين وقوة حجة فريق جنوب أفريقيا واتساع دائرة أدلته على جرائم ووحشية الإبادة الجماعية، لم نعد بحاجة لاستقراء ازدواج المعايير في المنظمات الدولية، كما لا ينبغي أن إغفال أن الحكم كان أفضل ما يمكن مع إدراك حرب القوى والنفوذ.

يمكننا كذلك أن نحلم بتأثير عربي إسلامي شرقي يتابع دعوى جنوب أفريقيا لنحتفي بدعاوى مستمرة تتقدم بها كل هذه الدول فرادى أو مجتمعة؛ رفضا لحرب الإبادة في غزة وانتصارا للدم العربي المهدور، وانتصارا للحق الذي لا يمكن لأي لعبة إعلامية تشتيته أو إخفاؤه.

من المضحك المبكي بعد كل ذلك استغلال إسرائيل وحلفائها عدم الوضوح في اتهامها صراحة بالإبادة من قبل محكمة العدل الدولية لتسعى لاستفزاز العالم بتصريحات من قبيل تعليق نتانياهو على الحكم «تهمة الإبادة الجماعية الموجهة ضد إسرائيل ليست كاذبة فحسب، بل إنها شنيعة، ويجب على الأشخاص المحترمين في كل مكان أن يرفضوها»، أما وزارة الخارجية البريطانية فقد أكدت أنه «لا يمكن وصف تصرفات إسرائيل في غزة بأنها إبادة جماعية، ولذلك نعتقد أن قرار جنوب أفريقيا بإحالة القضية إلى المحكمة كان خاطئا واستفزازيا»!، وأخيرا يأتي تصريح البيت الأبيض في أن «القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل لا معنى لها، لعدم وجود تعمّد إبادة جماعية، إن العدد الحقيقي للقتلى المدنيين في غزة هو صفر»! فإن كانوا يطالبون بالركن المعنوي في قصدية الإبادة الجماعية مع كل ما يقع أمام مسمع ومرأى العالم من ماديات عسكرية أعدت وجهزت واستخدمت لأشهر كاملة لتصفية الشعب واستهدافه مدنيا ومؤسساتيا ومعنويا، إضافة إلى تصريحات المسؤولين الواضحة بهدفها في القضاء على الكل فلا نملك إلا ترديد بيت المتنبي:

«وليس يصحُّ في الأذهانِ شيءٌ إذا احتاج النهارُ إلى دليل».

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: محکمة العدل الدولیة الإبادة الجماعیة جنوب أفریقیا

إقرأ أيضاً:

مقررة أممية: ما يحدث في فلسطين يفوق الإبادة الجماعية

قالت المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في فلسطين، فرانشيسكا البانيز، إن :" إسرائيل تسعى للقضاء على الفلسطينيين عبر التصعيد الدائم للعنف والقتل، وما يحدث في فلسطين لا يمكن وصفه، وهو أكثر من الإبادة الجماعية".

وزير الخارجية يلتقي بوكيلة السكرتير العام للأمم المتحدة والمستشارة الخاصة لمنع الإبادة الجماعية جنوب إفريقيا: لم نتلقَ طلبًا لإسقاط قضية الإبادة الجماعية في غزة

وشددت البانيز، في حديث أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، اليوم السبت، على ضرورة تحمل الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة مسؤولياتهم تجاه الفلسطينيين، ووقف الإبادة الجماعية التي ترتكب بحقهم، محذرة من خطورة تفاقم الأوضاع في حال عدم تحمل كافة الأطراف مسؤوليتها تجاه ما يحدث في الأراضي الفلسطينية.

وأكدت أهمية إجبار الدول على احترام القانون الدولي وتطبيق قراراته، ووقف الإبادة الجماعية بحق أي شعب في العالم، مشيرة إلى أن المجتمع الدولي فشل في تطبيق ذلك، كما أن الدول الغربية تغض النظر عن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين.

وقالت، إن القضية الفلسطينية عادت لتصبح في صدارة المشهد الدولي، كما أننا نشهد إزديادا واضحا في الأصوات الداعمة للحقوق الفلسطينية، مشيرة إلى خسارة الكثير من الأحزاب الأوروبية في الانتخابات، نتيجة عدم دعمها لوقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

وأشارت البانيز إلى أن الأسرى الفلسطينيين يتعرضون لانتهاكات ممنهجة وظروف صعبة لا يمكن وصفها، ما يستدعي وقفة جادة من قبل المجتمع الدولي، الذي يؤكد دائما على الحقوق الإنسانية، وعدم انتهاك حقوق الانسان.. مشددة على أهمية توفير الحماية للشعب الفلسطيني، واستمرار نضاله في الداخل والخارج في وجه نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، حتى نيل الحرية والاستقلال، وحق تقرير المصير، والاعتراف بالدولة الفلسطينية.

ودعت إلى ضرورة وقف الازدواجية في تطبيق القانون الدولي، واتخاذ مواقف جماعية لتحقيق العدالة والسلام في المنطقة عبر القضاء على نظام الفصل العنصري وحصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة.

وأثنت البانيز على إنجازات الدبلوماسية الفلسطينية في المحافل الدولية وعلى المستوى الدولي، مؤكدة أنها تقوم بعمل غير مسبوق لإظهار الحق الفلسطيني وتدويل القضية الفلسطينية، واصفة هذه الانجازات بــ "العظيمة"، وبأنها تبعث بالفخر في نفوس الفلسطينيين، وكل من يدعم قضيتهم العادلة.

وحذرت من خطورة الأوضاع في مدينة القدس، عبر انتهاك حكومة الاحتلال الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك الحق الكامل في ممارسة شعائره الدينية دون قيود، ومحاربة وجوده.

وتطرقت إلى محاولات دخولها فلسطين عدة مرات خلال عملها، إلا أن الأمر لم يكن سهلا، مؤكدة أنه ليس من حق إسرائيل منعها(أي البانيز) من دخول الأراضي الفلسطينية، وعليها أن تتوقف عن ذلك كون هذه الإجراءات مخالفة للقانون الدولي، مؤكدة استمرارها في محاولة الدخول إلى فلسطين في سياق دعم ومساندة شعبها الصامد في وجه الاحتلال.

 

مقالات مشابهة

  • فلسطين: إسرائيل ترفض قرارات الشرعية الدولية ووظفت أحداث 7 أكتوبر لتحقيق أهدافها الخبيثة
  • البانيز: ما يحدث في فلسطين يفوق الإبادة الجماعية
  • مسؤولة أممية: ما يحدث في فلسطين يفوق الإبادة الجماعية
  • مقررة أممية: ما يحدث في فلسطين يفوق الإبادة الجماعية
  • عام على "الطوفان".. كيف تنظر إسرائيل للإبادة الجماعية في غزة؟
  • عام على الإبادة الجماعية.. اقتصاد غزة ينهار إلى الصفر
  • عام على الإبادة الجماعية.. أبرز 11 مجزرة اقترفتها إسرائيل بغزة
  • عام على الإبادة الجماعية.. هكذا اغتال الاحتلال اقتصاد غزة ودمر منازلها
  • نهضة رواندا … امة موحدة تنهض من ركام الإبادة الجماعية
  • 13 كاتبا فلسطينيا يقدمون شهاداتهم عن عام الإبادة الجماعية