"مجمع بلدية ظفار".. والمشاريع المتعثرة
تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT
عمير بن الماس العشيت **
alashity4849@mail.com
تمثل بلدية ظفار القلب النابض لكافة المشاريع الخدمية المتعلقة بالولايات التابعة لمحافظة ظفار، ومن اختصاصها الكثير من المهام منها على سبيل المثال وليس الحصر، المشاريع المتعلقة بالشوارع والطرق الداخلية وتنظيم الأسواق والمحلات التجارية وتنسيق المدن والحدائق وتقديم الخدمات للمواطنين والمقيمين والزوار، وكذلك مسؤولية تنظيم مهرجان خريف صلالة بالتنسيق مع بعض مؤسسات القطاعين العام والخاص والتفتيش على المنتجعات والمطاعم والمقاهي وغيرها.
وقد استطاعت البلدية خلال العقود الماضية ومنذ الإعلان عن تأسيسها عام 1986 بالمرسوم السلطاني رقم 329 تحقيق المزيد من الإنجازات التي تحسب لها، إلا أن هناك العديد من التحديات والموانع ما زالت تعترضها، وهي تمثل عقبة كأداء أمام التطوير والتحديث في المحافظة وهي جاثمة على الأرض ويعاني منها المواطنون والمقيمون، كتعثر في المشاريع الحيوية والتنموية التي تخدم المواطنين والمقيمين والسياح وزوار خريف صلالة وهي تلامس البنية التحية، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، شبكات الطرق الداخلية وأذكر منها شارع السلطان قابوس وهو أقدم شارع في المحافظة الذي تأسس في السبعينات من القرن الماضي ومازال على حارة واحدة ويعاني من الحفر والتموجات، وطريقي السلام والمنتزه اللذين يحبذان أن يكونا طريقين ذوي اتجاهين معاكسين وليخفف الاختناق المروري على شارع السلام، ما سينشط الحركة التجارية في الاتجاه الآخر من شارع المنتزه، والازدحام المروري الخانق في الدورات الرئيسية كدوار أتين وبرج النهضة والسعادة، كذلك مشروع شاطئ الحصن وشارع الكرنيش القريبين من سوق الحصن الذي تشرف عليه البلدية واللذين وصلا للرقم القياسي في قائمة انتظار عملية الموافقة والتنفيذ، أي أكثر من 30 سنة، كذلك انتشار المواشي على الشوارع الرئيسية منها القريبة من مطار صلالة، وهو منظر غير حضاري للمحافظة أثناء زيارة المسافرين والسياح للمحافظة، والتي تسببت في الكثير من الحوادث، والمباني العشوائية في الأحياء السكنية التي تأوي العُزاب من العمالة الوافدة، وأيضًا عدم تواجد كراسٍ بمواقف الحافلات على الشوارع منذ إنشاء مشروع حافلات الأجرة في صلالة لأكثر من سنة، والركاب عليهم الوقوف أو افتراش الأرض حتى وصول الحافلات، وتوقف مياه الأمطار في الشوارع والروائح النابعة من السوق المركزي الواقع وسط الأحياء التجارية في صلالة والذي يحبذ نقله خارج هذه المنطقة، وسوق المركبات المستعملة المتعارف محليا (سوق الحراج) ومساكن العمالة الوافدة في البيوت التراثية القديمة.. وغيرها.
سبق لي أن كتبت عن كل هذه المشاريع المتعثرة في مقالات كثيرة ومتعددة خلال السنوات الماضية، لكنها لم تلق آذانًا صاغية ومازالت حتى اللحظة منتظرة الموافقة والتنفيذ من الجهات المعينة، والأمل يحدو الجميع في المسؤولين الجدد الذين تولوا مهام القيادة في محافظة ظفار والكل معول عليهم الشروع في تنفيذ هذه المشاريع التي ستعود على البلاد بكثير من المنافع والمنافذ الاقتصادية والتجارية.
المجلس البلدي لظفار انيط له العديد من الاختصاصات منها متابعة المشروعات الخدمية والتنموية في المحافظة واقتراح المشروعات المتعلقة بتطوير مدن المحافظة والوجهات السياحية وكذلك في صياغة القرارات والمشاركة في اعمالها، لكنه لم يقدم شيئًا ملموسًا للمحافظة حتى اللحظة، وعليه يقول لسان حال المواطنين اين هم؟ وكذلك أين أعضاء مجلس الشورى في ظفار من هذه المشاريع الحيوية المتعثرة التي تكبح عجلة التنمية في البلاد، مع انهم منتخبين من قبل المواطنين لهذه المهام ولديهم صلاحيات واسعة في هذه المجالات؟
من جانب آخر نلاحظ أن بلدية ظفار تحتضن أكبر هيكل اداري في المحافظة، ولها فروع في كل الولايات العشرة المترامية الأطراف في ظفار وهي من أقدم المؤسسات الحكومية، بيد أن الغريب والعجيب في الامر انها لا يوجد لديها مبنى أو مجمع اداري متكامل يقوم بتجميع كافة أنشطتها الإدارية والمالية واللوجستية وغيرها في مكان واحد، ويحتضن جميع الأقسام والفروع المتعلقة بالبلدية والذي بدوره سيساهم في إيجاد الكثير من الحلول المتعلقة بالمشاريع المتعثرة والتي ذكرناها سلفا، معتمدة بذلك على المباني المستأجرة، ولقد سبق لي أن تشرفت في كتابة مقال حول فكرة مجمع بلدية ظفار قبل انشاءه في أواخر التسعينات من القرن الماضي.
لقد تمت الموافقة بإنشاء مجمع بلدية ظفار في ولاية صلالة منذ عام 2015، والمشروع ما زال متعثرًا منذ أكثر من 9 سنوات ويتم بناؤه على مراحل زمنية بطيئة، ولم تنتهِ عملية التنفيذ حتى الآن.
كم من مشاريع ضخمة جاءت بعده وتم الانتهاء منها، مع أن هذا المشروع يفترض أن يكون ضمن أوائل المشاريع المستعجلة؛ في ظل المصروفات الكبيرة نتيجة استئجار مباني البلدية، فيما أن المشروع المأمول سيساهم في القضاء على البيروقراطية من خلال تسريع اتخاذ القرارات واللوائح، وسيوفر الوقت والجهد للمواطنين والمقيمين بدلًا من انتقالهم من مبنى الى آخر، والشاهد من القول إن المشروع يعد واجهة لولاية صلالة كونه يقع وسط المدينة، وفي منطقة حيوية وامام شارعين لا يتوقفان عن الحركة المرورية، وعندما يحين إنجاز هذا المشروع فإنه سيشكل معلما حضاريا مهما في المحافظة.
لذا من يتحمل مسؤولية تأخير هذا المشروع الحيوي المهم في المحافظة؟ وأين الشرط الجزائي المترتب على الأطراف المنفذة للمشروع؟ وأين اللجان الاستشارية والقانونية المتابعة لهذا المشروع ولماذا لا تتم محاسبة المقصرين أمام القانون؟
لا شك أن هذا المشروع لو تم تنفيذه على أرض الواقع فإنه سيحقق الكثير من الأهداف التنموية والحيوية في محافظة ظفار؛ منها تيسير وسهولة الأعمال الإدارية وسرعة انجاز المشاريع؛ كون المسؤولون والمديرون متواجدين في مقر واحد، كما سيساعد في عملية الرقابة المباشر بين المسؤولين على سير عمل الموظفين، كما سيوفر هذا المجمع المرتقب والذي طال انتظاره مبالغ طائلة لميزانية الدولة من جراء الاستغناء عن المباني المؤجرة للبلدية ولعشرات السنين.
لذا نناشد الجهات المخولة لتنفيذ هذه المشاريع المتعثرة، النظر بعين الاعتبار في أهميتها الاقتصادية والتنموية في المحافظة وعمان قاطبة والعمل على تنفيذها في أقرب وقت ممكن، لا سيما وأن المحافظة أصبحت محط أنظار الجميع، ومنهم رجال الأعمال والمستثمرون، ومن المهم أن تكون البنية الأساسية مكتملة لاستقطاب المشروعات الضخمة في المحافظة، وهي واجهة سياحية تحمل بين جنباتها وطيَاتها الكثير من الكنوز السياحية وتستقبل سنويًا مئات الآلاف من الزوار.
** كاتب وباحث
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مُقايضة الحليب بالعلف!
علي بن سالم كفيتان
لا أدرى لماذا تواجه معظم المبادرات المتعلقة بمربي الماشية في جبال ظفار تحديات جمَّة؛ فالحكومة ممثلة في وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه ومكتب محافظ ظفار قدَّما العديد من الحلول للحفاظ على المراعي والغابات وتخفيض الحمولة الرعوية وتشجيع زراعة المحاصيل الاقتصادية، لرفع مستوى الرفاه الاجتماعي لهذه الشريحة المُهمة من المجتمع منذ ثمانينات القرن الماضي، لكن جميعها تتلاشى في وقت قياسي، رغم انعكاساتها البيئية والاجتماعية البارزة.
من هنا نُجدِّدُ التساؤل ونطرح الموضوع اليوم بوجود إرادة قوية من المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم- أيده الله- ورعاية كريمة من صاحب السمو السيد محافظ ظفار وإصرار من هيئة البيئة على إحداث تغيير جوهري في الحفاظ على النظم البيئية في جبال ظفار.. فأين يكمن الخلل؟
لا شك أن السلع والمنتجات الحيوانية تعتبر مجالًا خصبًا للاستثمار في ظل وجود آلاف المربيين يمتلكون ثروة حيوانية متنوعة بين الأبقار والإبل والاغنام؛ حيث تساهم طبيعة ظفار الخصبة ومراعيها الممتدة منذ الأزل في دعم بقاء واستمرار مهنة تربية الماشية وتمسك الناس بها، رغم الزيادة المضطردة للماشية وتراجع الموارد الغابَوِيَّة وزيادة الحمولة الرعوية. والمتابع يرى أن صناعة الأعلاف راجت في هذه الظروف المثالية وارتفعت أسعارها بشكل جنوني، ووفَّر بعض المستثمرين في هذا القطاع منتجات مصاحبة كالحليب والعصائر والمشتقات الأخرى، مرتكزين على استيراد الماشية من الخارج ولسنوات طويلة، مما أدخل المُربِّي في معادلات صعبة من أجل الإبقاء عليه كمستهلك دائم، إلى أن أتت توجيهات المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- بإنشاء مجموعة شركات حكومية تخدم هذا القطاع، ومنها شركتي المروج للألبان والبشائر للحوم، وكلتا الشركتين حظيتا بدعم سخي من الحكومة، لكنهما الى اليوم لم تحققا الهدف المنشود من إنشائهما. وهنا نتساءل: لماذا؟
يُمكننا القول إن شركة المروج للألبان ورغم الحذر والشك في النجاح الذي صاحب تجربتها منذ أن تم تحديد سنتين كفترة تجريبية صاحبها بناء مراكز استقبال محدودة، لا تفي بالطلب المتوقع، وتحديد سعر منخفض للِتر الحليب من المُربِّيين، إلّا أن ملاك الماشية أصروا على إنجاح المرحلة، فتوفرت الكميات التي تستوعبها المراكز الثلاثة، وفاض الإنتاج وتوقفت الشركة منذ العام الثاني عن استقبال المربيين، ومع هذا الزخم غير المتوقع، تراجعت الشركة عن التزاماتها بتوفير المقابل المادي بشكل شهري للمستفيدين، ووصلت المتأخرات الى قرابة السنة والبعض اكثر، وأمام هذه المعضلة الاستراتيجية تم فتح سوق المملكة العربية السعودية لحليب الإبل وشركة مزون لحليب الأبقار؛ فتنفس الناس الصعداء، وعادت الروح للمشروع مجددًا، بوجود قيادة جديدة استطاعت التفكير خارج الصندوق، لكن على ما يبدو أن هناك من يقف خلف هذا التقدم الذي انعكس إيجابًا على حياة هؤلاء الناس البسطاء، فقد تحسَّنت معيشتهم بوجود دخل بديل، واستقرت أسرهم، وزادت نسب التعليم في أوساطهم، وبدأت تظهر عليهم علامات الرفاة المنشود منذ 50 عامًا، فقد تغيَّرت سلوكياتهم في إدارة القطعان، وخاصة الإبل، من حيث رعايتها بشكل مُكثَّف داخل الحظائر والتخلص من الأعداد الزائدة للحصول على أكبر كمية من الإنتاج، إلّا أن الأمور عادت الى منعطف آخر هذا العام، فقد تعذر على الشركة منح المُربِّيين مبالغ مالية، فتعاقدت مع شركة أعلاف لمقايضة الحليب بالعلف، وهنا يتجدد التساؤل: لماذا هذا التعثر؟!
بصفتي مُهتمًا بالشأن البيئي ورصد التغيرات التي حصلت خلال آخر ثلاث أعوام، يُمكن الإشارة إلى أن حوالي 30- 40% من قطعان الإبل لم تعد ترعى في الجبال، وهذا التخفيض شكّل علامة فارقة في نجاح المشروع، كما إن الرعاة لم يعودوا يفضلون المكوث في المراعي لفترات طويلة، بسبب الدعم المالي الذي حصلوا عليه من دخل الحليب، وبدأ فكرهم يتحول تدريجيًا من الاستهلاك الى الاستثمار، وهذا هو جوهر الفكرة من إنشاء الشركة وهدفها ورسالتها. ولقد لوحظ في المقابل، تعافي النظم البيئية في الجبال خلال آخر 3 سنوات؛ مما يعني أن المشروع شكّل استدامة للموارد الطبيعية في ظفار وخلق دخلًا اضافيًا لشريحة مُهمة في المجتمع.
من هنا.. ندعو صاحب السمو السيد محافظ ظفار، ومعالي الدكتور وزير الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، ومعالي رئيس جهاز الاستثمار العُماني، للعض بالنواجذ على هذا المشروع الرائد، وإعادة البوصلة إلى اتجاهها الصحيح، عبر التوسع في مراكز استقبال المُربِّين، ومنح الثقة والاستدامة والدعم الكافي للشركة، وتسليم المُربِّيين مستحقاتهم المالية شهريًا، ووقف مبدأ المقايضة الذي تجاوزته البشرية منذ زمن طويل.
رابط مختصر