لجريدة عمان:
2025-03-15@17:51:47 GMT

الصين تحاول اللعب على الحبلين في الشرق الأوسط

تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT

ترجمة: أحمد شافعي -

شهد الغرب في الفترة الأخيرة الكثير من القلق بشأن احتمال إزاحة الصين للولايات المتحدة من مكانة القوة العظمى الرائدة في العالم ـ أو منافستها في ذلك على الأقل. لكن الأزمة الأمنية الناشئة في البحر الأحمر توضح أن ذلك لم يزل احتمالا بعيدا.

إذ تعوّل الصين ـ التي يعتمد اقتصادها التجاري على حرية تدفق التجارة عبر نقاط من قبل مضيق باب المندب المتاخم لليمن ـ على الولايات المتحدة في حماية المسارات البحرية الدولية.

وقد لا يتبين في نهاية المطاف أن الرد العسكري أمريكي القيادة على هجمات جماعة أنصار الله على الشحن الدولي هو الرد المناسب للأزمة الراهنة ـ إذ يبدو حتى حينه أن أنصار الله لم يرتدعوا ـ لكن الولايات المتحدة أظهرت على أقل تقدير التزاما واضحا بالحفاظ على انفتاح المسارات التجارية الحيوية التي تربط الصين بالشرق الأوسط وأوروبا.

بدلا من التصرف بما يليق بالقائد العالمي الذي تزعم كونها إياه، لم تتخذ الصين أي خطوة ملموسة لتحمل تكاليف أو مخاطر ضمان الأمن في البحر الأحمر، برغم وجود قاعدتها العسكرية الخارجية الوحيدة المعلنة في جيبوتي المتاخمة للمضيق. ولا هي طرحت على المستوى العلني بديلا حيويا للأفعال الأمريكية. لكنها تبدو قانعة إلى حد كبير بالتقاعس وتوجيه الانتقاد المستمر لرد الولايات المتحدة العسكري.

بكين تلعب لعبة انتهازية، فتستفيد بالمجان من القوة الأمريكية التي تصر على ازدرائها، محاولة اللعب على الحبلين.

وبالنسبة للزعماء الصينيين، لا يخلو هذا الموقف من المنطق. فأزمة البحر الأحمر تلهي الولايات المتحدة عن التركيز على آسيا، فيتوافر وقت للصين لحشد قدراتها في غرب المحيط الهادئ مع طرح نفسها بوصفها قوة خيرة لا تقحم أنفها في شؤون البلاد الأخرى. ويفلح ذلك، من وجه مهم على الأقل، فقد أتاح القادة الحوثيون للسفن التجارية الصينية الإبحار سالمة في البحر الأحمر، ويظهر أن ذلك في مقابل عدم تدخل الصين في الصراع.

كان مقررا أن يلتقي جاك سوليفان مستشار الأمن الوطني للرئيس جو بايدن بوزير الخارجية الصيني وانج واي في تايلاند يوم الجمعة ويوم السبت لمناقشة الوضع، بحسب ما قال مسؤولون أمريكيون. ولا بد أن تدين الولايات المتحدة ازدواجية الصين وتضغط عليها للبدء في التصرف كما يليق بقوة مسؤولة ـ وبما يصب في صالحها أيضا ـ بتحمل نصيب من العبء في حماية مسارات التجارة واستعمال نفوذها على إيران لإيقاف هجمات جماعة أنصار الله على الشحن.

يطمح القادة الصينيون إلى مكانة أكبر في المنطقة. وقد وعد الرئيس شي جينبنج بـ«الإسهام بالحكمة الصينية في دعم السلام والهدوء في الشرق الأوسط» وكشف النقاب عن مجموعة من المبادرات الأمنية والتنموية في السنين الأخيرة. غير أن أفعال الصين في واقع الأمر في الشرق الأوسط تنطلق جزئيا من دافع الرغبة في تحدي قوة الولايات المتحدة. ففي حرب إسرائيل-غزة على سبيل المثال، انضمت الصين إلى روسيا وإيران في تقديم الدعم الاسميّ لحماس ورفض إدانة هجمات السابع من أكتوبر التي قامت بها على إسرائيل.

ويوضح الوضع الأمني المتدهور في الشرق الأوسط مدى «عقم» دعم الرئيس شي للسلام والهدوء، وستكون لذلك عواقبه على الصين. فقرابة نصف ما تستورده الصين من النفط يأتي من الشرق الأوسط، كما يوفر البحر الأحمر ممرا مهما إلى أوروبا، وهي من أضخم الأسواق للصادرات الصينية. وحتى في ظل سماح الحوثيين بمرور السفن التي تحمل العلم الصيني، تتعرض شركات الشحن والمصدرين في الصين لضغط من جراء الاضطراب التجاري.

بوسع أزمة إقليمية طويلة الأمد أن تزيد الضغط على الحزب الشيوعي في الصين، حيث يواجه الاقتصاد الصيني بالفعل رياحا معاكسة قوية ويعجز عن احتمال مخاطر سلاسل التوريد المتشابكة وارتفاع أسعار الشحن وأسعار التأمين. وعلى مدى أبعد، قد تعاني سمعة الصين في حال ظهورها بمظهر المتقاعس الانتهازي في المنطقة.

تذكرنا أزمة البحر الأحمر بضعف التبادل التجاري العالمي والمسؤولية المشتركة عن حمايته. ولواشنطن بالطبع مصلحة أساسية في تأمين حرية البحار باعتبار ذلك عرفا دوليا أساسيا ومصلحة اقتصادية أمريكية في الآن نفسه. ولكن انفتاح نظام تبادل تجاري بحري مستقر يمثل مصلحة عامة تقتضي المزيد من الاشتراك في العبء من أصحاب المصلحة من أمثال الصين.

لم تقل الصين الكثير على المستوى العلني عن الهجمات الحوثية على الشحن الدولي، في ما عدا دعوات غامضة إلى إنهاء «التحرش» بالسفن المدنية. ولكن دور الصين بوصفها الحبل السري الاقتصادي لإيران يجعل لها نفوذا جوهريا. لكن بكين تبدو عازفة أو عاجزة عن كبح طهران عن صب المزيد من الوقود على النار الإقليمية أو توفير الدعم لجماعة أنصار الله، بما يقوض فعالية الصين بوصفها نصيرا أمنيا، ومن خلال الاستفادة بميزة المرور الحر في البحر الأحمر، فإن الصين تضفي ضمنيا «الشرعية» على هجمات الحوثيين على أهداف مدنية.

ربما تفتقر القوات الصينية الخارجية الناشئة إلى الثقة اللازمة للقيام بدور أكبر في البحار المتنازع عليها، وثمة أسئلة منطقية حول ما إذا كان تشجيع وجود عسكري صيني قوي في المياه الدولية أمرا مرغوبا فيه من وجهة النظر الغربية. لكن هذا لا ينبغي أن يثير الكثير من القلق في الغرب، فما من مؤشرات تذكر حتى الآن على أن الصين قادرة أو عازمة على أن تظهر بالخارج مستوى القوة العسكرية الذي تظهره الولايات المتحدة، في ما يتجاوز حماية سفنها التجارية من القرصنة، مثلما تفعل منذ ما يزيد على عقد من الزمن.

يجب على الولايات المتحدة أن تذكّر بكين بأن مصالحها بعيدة المدى في أمن الطاقة وسلاسل التوريد معرضة للخطر في البحر الأحمر وتضغط عليها لتتصرف بناء على هذا الأساس، بوصفها لاعبا بنَّاء، وذلك على سبيل المثال من خلال الإسهام في دبلوماسية أزمات منسقة للمساعدة في حل فوضى تتسبب في توليد مخاطر غير متناسبة للصين. يجب أن تظهر واشنطن عزما على العمل مع بكين لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وتشجع مزيدا من التزام الصين بثقلها الاقتصادي والدبلوماسي وربما العسكري لمجابهة الأخطار الأمنية المشتركة.

بوصفها الدولة التجارية الأولى في العالم، كانت الصين منذ أمد بعيد وستظل لأمد بعيد المستفيد الأساسي من انفتاح نظام التبادل العالمي. والالتزام الأمريكي بحماية ذلك النظام لا يمكن ضمانه إلى الأبد، وبخاصة لو أمكن تصديق سردية بكين حول انهيار القوة الأمريكية.

إن لامبالاة الصين الظاهرة بأزمة البحر الأحمر ترسخ دور الولايات المتحدة بوصفها القوة المهيمنة في العالم، وتبين أن قدرات الصين وأهدافها الموضوعية في ما يتجاوز منطقتها تظل ضيقة ومعتمدة على الزعامة الأمريكية العالمية.

إسحاق كاردون هو زميل أول في برنامج آسيا في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ومؤلف كتاب «قانون البحار الصيني: قواعد النظام العالمي الجديدة».

جينيفر كافاناه هي زميلة أولى في برنامج فن إدارة الدولة الأمريكي في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي.

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی البحر الأحمر فی الشرق الأوسط أنصار الله

إقرأ أيضاً:

رغم سقوط الأسد.. مصانع الكبتاغون تتجذر في الشرق الأوسط

حوّل النظام السوري السابق اقتصاد البلاد إلى اقتصاد مخدرات يعتمد على عوائد الكبتاغون، ولكنّ انهيار النظام السياسي لا يعني نهاية تصنيعها والاتجار بهذا المُخدّر الصناعي الذي يحظى بشعبية كبيرة، بحسب نتائج تحقيق فرنسي تحدّثت عنه صحيفة "لو فيغارو"، خلص إلى أنّ حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية التابعة لإيران، قد ورثوا إدارة هذه التجارة المُربحة.

وفي السنوات الأخيرة، أغرقت هذه المخدرات منطقة الشرق الأوسط على نحوٍ غير مسبوق. وبحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنّ كميات الكبتاغون التي ضبطتها السلطات في بعض الدول بين عامي 2010 و2024، زادت بشكل أكثر من كل أنواع المخدرات الأخرى الموجودة على هذا الكوكب.

وبسبب موقعه الجغرافي، تحوّل العراق إلى أرض خصبة لتجارة المخدرات الاصطناعية، وخاصة في منطقة كردستان حيث من المستحيل احتواء الأعداد الكبيرة من التجار والمُروّجين والمُجرمين من خلال دوريات أمنية بسيطة، فضلاً عن استحالة ذلك مع وجود حدود برّية غير محكمة الإغلاق. ووفقاً لبيانات أممية، فقد زادت الكميات المُصادرة من الكبتاغون بمقدار 34 ضعفاً، من 118 كغم إلى 4 أطنان بين عامي 2019 و2024.

En savoir plus ↓https://t.co/tuaDYfCGqa

— Le Figaro (@Le_Figaro) March 7, 2025 تحوّل في طرق التصنيع والتهريب

ولكن هل سقوط بشار الأسد سيؤدّي إلى القضاء بشكل سحري على تجارة الكبتاغون إلى العراق؟ يُجيب الكاتب في "لو فيغارو" المحلل السياسي الفرنسي فينسنت جولي، بأنّه رغم أنّ ما حصل يُمثّل نهاية حقبة في تاريخ سوريا والشرق الأوسط، إلا أنّه لا يُمثّل سوى فصل واحد في تاريخ تجارة المخدرات في المنطقة. فلن يكون التدمير المُعلن من قبل القيادة السورية الجديدة لعدد قليل من المُختبرات كافياً، بل سنشهد تحوّلاً وتغيّراً في طرق التصنيع والتهريب.

وبرأيه، فإنّه في كثير من الأحيان، يؤدي القضاء على بنية ما إلى انتشار المنظمات الإجرامية الصغيرة التي تسعى إلى الاستحواذ على حصة في السوق. وهو ما تؤكده التقارير عن الاشتباكات الأخيرة عند الحدود السورية- اللبنانية، في فبراير (شباط) الماضي، بين قوات النظام السوري الجديد والعشائر المرتبطة بحزب الله.

Malgré la chute de Bachar el-Assad, qui a transformé la Syrie en une narco-économie dopée au Captagon, cette véritable drogue de guerre, d’abord utilisée par les combattants islamistes, se répand désormais dans la société au Proche-Orient. pic.twitter.com/h8EOKouAW0

— Le Figaro (@Le_Figaro) March 7, 2025 10 مليارات يورو

وفي عام 2011، انزلقت سوريا إلى الحرب. وعلى رماد هذا البلد المُدمّر، تبدأ عائلة الأسد بناء إمبراطورية جديدة من خلال التحوّل إلى التجارة الوحيدة الممكنة في ظلّ العقوبات: إنتاج المخدرات والاتجار بها، هذه الصناعة التي كانت تُولّد نحو 10 مليارات يورو في السوق السورية وحدها.

وفي غضون سنوات قليلة، نجح بشار الأسد في تحويل تصدير الكبتاغون إلى المصدر المالي الرئيسي للبلاد، مما أدّى إلى تصنيفها كدولة مخدرات، حيث كانت الإمكانات متوافرة، فالبلاد تمتلك المعرفة في الكيمياء، والمصانع اللازمة، وحتى القدرة على الوصول إلى طرق الأنهار في البحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن طرق التهريب الراسخة إلى الأردن ولبنان والعراق. وهذه هي ميّزة المخدرات المُصنّعة، فهي لا تتطلب أي زراعة أو حصاد. كل ما هو مطلوب كمية كبيرة من المواد الكيميائية ومواقع سرّية، أو سلطات مُتواطئة تُساعد في توزيع المخدرات، فتُصبح المهمّة أسهل بكثير.

Do not believe what the Iranians and Hezbollah are spreading. They have lost their criminal ally in Syria and are now resorting to lies and exaggerations to gain the world's sympathy so they can continue producing Captagon in Syria.#Syria pic.twitter.com/6W8xOjHxEQ

— Rami Seid (@RamiSeid38099) March 9, 2025

وبعد أن استولت الفصائل المسلحة على العاصمة دمشق، ومن أجل إظهار مصداقيتهم، قام أسياد سوريا الجدد بتدمير المختبرات ومواقع التصنيع التي تمّ العثور عليها في كلّ مكان: في المصانع، والفيلات، والمباني المهجورة. وأظهرت مقاطع فيديو تمّ تداولها غُرفاً مليئة بتصنيع الحبوب، إلى جانب آلات ومخزونات ضخمة من منتجات الكبتاغون، وكل ما يلزم لإخفائها داخل سلع قانونية. كما تمّ العثور على شحنات في قاعدة جوية عسكرية تابعة للنظام السابق.

Captagon : « La Syrie de Bachar al-Assad était un narco-Etat » https://t.co/NfUVFfw15w

— Public Sénat (@publicsenat) December 14, 2024 حزب الله والحشد الشعبي

وبحسب خبراء المُبادرة العالمية لمُكافحة الجريمة المُنظّمة العابرة للحدود الوطنية، التابعة للأمم المتحدة، فإنّ حزب الله اللبناني أصبح بالفعل وبشكل مُستقل ثاني أكبر مُنتج لهذه المخدرات. وهو ما يُشكّل فرصة مالية ضخمة لم يتردد الحزب، الذي قضت عليه إسرائيل في سبتمبر (أيلول) الماضي، من مواصلة استغلالها لتمويل إعادة الإعمار واستمرارية نشاطه.

وأما بالنسبة لكردستان العراق، حسبما نقلته يومية "لو فيغارو" الفرنسية، فقد عانى الإقليم من زيادة الاتجار بالكبتاغون، وخاصة عن طريق أكراد إيران، والعراق يُواجه اليوم مشكلة مزدوجة: فبعد أن كان في الماضي مُجرّد ضحية للاتجار، أصبح الآن لاعباً كاملاً في هذه العملية. والسبب وراء تفاقم المشكلة هو أنّه لم يعد مُجرّد نقطة عبور، بل بات هناك أيضاً مواقع تصنيع على الأراضي العراقية، بدأت في محافظة الأنبار الحدودية مع سوريا.

Le captagon, cette drogue illicite qui a transformé la Syrie en narco-État.
L’avenir de ce trafic reste incertain dans un pays dont l’économie a été alimentée par des milliards de dollars de contrebande et une forte demande des pays voisins.https://t.co/Gb2nNnz2eP [Rediff]

— Marc Gozlan (@MarcGozlan) March 9, 2025

وتنقل عن أحد سكان كردستان العراق، قوله إنّ الكبتاغون وصل أولاً من إيران بمُشاركة الميليشيات التابعة لها، مثل الحشد الشعبي، وعبر حزب الله اللبناني، وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، والذي كان موجوداً في سوريا، وسط دوامة من الولاءات التي سيطرت عليها تجارة المخدرات على حساب السكان الذين وقعوا فريسة للإدمان أو انجرّوا إلى الاتجار بها.

مقالات مشابهة

  • الجامعة العربية: روسيا داعمة لحل الأزمة الليبية
  • الصين : تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني تعطل بسبب انسحاب الولايات المتحدة منه
  • الهادي إدريس لـ«الشرق الأوسط»: حكومتنا لإبعاد «شبح الانقسام» في السودان
  • لغز بلا أدلة.. رصاصة فى الظلام تنهى حياة صحفى بريطانى فى القاهرة 1977
  • «مجموعة السبع» تصدر بياناً بخصوص الأوضاع في الشرق الأوسط
  • الصين تؤكد التزامها بالسلام في الشرق الأوسط.. وأهمية الاتفاق الإيراني لمنع الانتشار النووي
  • الصراع بين الكنيسة المصرية ومخطط الشرق الأوسط الجديد
  • رغم سقوط الأسد.. مصانع الكبتاغون تتجذر في الشرق الأوسط
  • إعلام روسي : طائرة المبعوث الأمريكي ويتكوف تهبط في مطار فنوكوفو
  • الصين تتفوق على الولايات المتحدة في معركة الأسواق المالية بفضل التكنولوجيا