الصين تحاول اللعب على الحبلين في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
شهد الغرب في الفترة الأخيرة الكثير من القلق بشأن احتمال إزاحة الصين للولايات المتحدة من مكانة القوة العظمى الرائدة في العالم ـ أو منافستها في ذلك على الأقل. لكن الأزمة الأمنية الناشئة في البحر الأحمر توضح أن ذلك لم يزل احتمالا بعيدا.
إذ تعوّل الصين ـ التي يعتمد اقتصادها التجاري على حرية تدفق التجارة عبر نقاط من قبل مضيق باب المندب المتاخم لليمن ـ على الولايات المتحدة في حماية المسارات البحرية الدولية.
بدلا من التصرف بما يليق بالقائد العالمي الذي تزعم كونها إياه، لم تتخذ الصين أي خطوة ملموسة لتحمل تكاليف أو مخاطر ضمان الأمن في البحر الأحمر، برغم وجود قاعدتها العسكرية الخارجية الوحيدة المعلنة في جيبوتي المتاخمة للمضيق. ولا هي طرحت على المستوى العلني بديلا حيويا للأفعال الأمريكية. لكنها تبدو قانعة إلى حد كبير بالتقاعس وتوجيه الانتقاد المستمر لرد الولايات المتحدة العسكري.
بكين تلعب لعبة انتهازية، فتستفيد بالمجان من القوة الأمريكية التي تصر على ازدرائها، محاولة اللعب على الحبلين.
وبالنسبة للزعماء الصينيين، لا يخلو هذا الموقف من المنطق. فأزمة البحر الأحمر تلهي الولايات المتحدة عن التركيز على آسيا، فيتوافر وقت للصين لحشد قدراتها في غرب المحيط الهادئ مع طرح نفسها بوصفها قوة خيرة لا تقحم أنفها في شؤون البلاد الأخرى. ويفلح ذلك، من وجه مهم على الأقل، فقد أتاح القادة الحوثيون للسفن التجارية الصينية الإبحار سالمة في البحر الأحمر، ويظهر أن ذلك في مقابل عدم تدخل الصين في الصراع.
كان مقررا أن يلتقي جاك سوليفان مستشار الأمن الوطني للرئيس جو بايدن بوزير الخارجية الصيني وانج واي في تايلاند يوم الجمعة ويوم السبت لمناقشة الوضع، بحسب ما قال مسؤولون أمريكيون. ولا بد أن تدين الولايات المتحدة ازدواجية الصين وتضغط عليها للبدء في التصرف كما يليق بقوة مسؤولة ـ وبما يصب في صالحها أيضا ـ بتحمل نصيب من العبء في حماية مسارات التجارة واستعمال نفوذها على إيران لإيقاف هجمات جماعة أنصار الله على الشحن.
يطمح القادة الصينيون إلى مكانة أكبر في المنطقة. وقد وعد الرئيس شي جينبنج بـ«الإسهام بالحكمة الصينية في دعم السلام والهدوء في الشرق الأوسط» وكشف النقاب عن مجموعة من المبادرات الأمنية والتنموية في السنين الأخيرة. غير أن أفعال الصين في واقع الأمر في الشرق الأوسط تنطلق جزئيا من دافع الرغبة في تحدي قوة الولايات المتحدة. ففي حرب إسرائيل-غزة على سبيل المثال، انضمت الصين إلى روسيا وإيران في تقديم الدعم الاسميّ لحماس ورفض إدانة هجمات السابع من أكتوبر التي قامت بها على إسرائيل.
ويوضح الوضع الأمني المتدهور في الشرق الأوسط مدى «عقم» دعم الرئيس شي للسلام والهدوء، وستكون لذلك عواقبه على الصين. فقرابة نصف ما تستورده الصين من النفط يأتي من الشرق الأوسط، كما يوفر البحر الأحمر ممرا مهما إلى أوروبا، وهي من أضخم الأسواق للصادرات الصينية. وحتى في ظل سماح الحوثيين بمرور السفن التي تحمل العلم الصيني، تتعرض شركات الشحن والمصدرين في الصين لضغط من جراء الاضطراب التجاري.
بوسع أزمة إقليمية طويلة الأمد أن تزيد الضغط على الحزب الشيوعي في الصين، حيث يواجه الاقتصاد الصيني بالفعل رياحا معاكسة قوية ويعجز عن احتمال مخاطر سلاسل التوريد المتشابكة وارتفاع أسعار الشحن وأسعار التأمين. وعلى مدى أبعد، قد تعاني سمعة الصين في حال ظهورها بمظهر المتقاعس الانتهازي في المنطقة.
تذكرنا أزمة البحر الأحمر بضعف التبادل التجاري العالمي والمسؤولية المشتركة عن حمايته. ولواشنطن بالطبع مصلحة أساسية في تأمين حرية البحار باعتبار ذلك عرفا دوليا أساسيا ومصلحة اقتصادية أمريكية في الآن نفسه. ولكن انفتاح نظام تبادل تجاري بحري مستقر يمثل مصلحة عامة تقتضي المزيد من الاشتراك في العبء من أصحاب المصلحة من أمثال الصين.
لم تقل الصين الكثير على المستوى العلني عن الهجمات الحوثية على الشحن الدولي، في ما عدا دعوات غامضة إلى إنهاء «التحرش» بالسفن المدنية. ولكن دور الصين بوصفها الحبل السري الاقتصادي لإيران يجعل لها نفوذا جوهريا. لكن بكين تبدو عازفة أو عاجزة عن كبح طهران عن صب المزيد من الوقود على النار الإقليمية أو توفير الدعم لجماعة أنصار الله، بما يقوض فعالية الصين بوصفها نصيرا أمنيا، ومن خلال الاستفادة بميزة المرور الحر في البحر الأحمر، فإن الصين تضفي ضمنيا «الشرعية» على هجمات الحوثيين على أهداف مدنية.
ربما تفتقر القوات الصينية الخارجية الناشئة إلى الثقة اللازمة للقيام بدور أكبر في البحار المتنازع عليها، وثمة أسئلة منطقية حول ما إذا كان تشجيع وجود عسكري صيني قوي في المياه الدولية أمرا مرغوبا فيه من وجهة النظر الغربية. لكن هذا لا ينبغي أن يثير الكثير من القلق في الغرب، فما من مؤشرات تذكر حتى الآن على أن الصين قادرة أو عازمة على أن تظهر بالخارج مستوى القوة العسكرية الذي تظهره الولايات المتحدة، في ما يتجاوز حماية سفنها التجارية من القرصنة، مثلما تفعل منذ ما يزيد على عقد من الزمن.
يجب على الولايات المتحدة أن تذكّر بكين بأن مصالحها بعيدة المدى في أمن الطاقة وسلاسل التوريد معرضة للخطر في البحر الأحمر وتضغط عليها لتتصرف بناء على هذا الأساس، بوصفها لاعبا بنَّاء، وذلك على سبيل المثال من خلال الإسهام في دبلوماسية أزمات منسقة للمساعدة في حل فوضى تتسبب في توليد مخاطر غير متناسبة للصين. يجب أن تظهر واشنطن عزما على العمل مع بكين لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وتشجع مزيدا من التزام الصين بثقلها الاقتصادي والدبلوماسي وربما العسكري لمجابهة الأخطار الأمنية المشتركة.
بوصفها الدولة التجارية الأولى في العالم، كانت الصين منذ أمد بعيد وستظل لأمد بعيد المستفيد الأساسي من انفتاح نظام التبادل العالمي. والالتزام الأمريكي بحماية ذلك النظام لا يمكن ضمانه إلى الأبد، وبخاصة لو أمكن تصديق سردية بكين حول انهيار القوة الأمريكية.
إن لامبالاة الصين الظاهرة بأزمة البحر الأحمر ترسخ دور الولايات المتحدة بوصفها القوة المهيمنة في العالم، وتبين أن قدرات الصين وأهدافها الموضوعية في ما يتجاوز منطقتها تظل ضيقة ومعتمدة على الزعامة الأمريكية العالمية.
إسحاق كاردون هو زميل أول في برنامج آسيا في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ومؤلف كتاب «قانون البحار الصيني: قواعد النظام العالمي الجديدة».
جينيفر كافاناه هي زميلة أولى في برنامج فن إدارة الدولة الأمريكي في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي.
خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی البحر الأحمر فی الشرق الأوسط أنصار الله
إقرأ أيضاً:
معهد أمريكي: تهديدات صنعاء على “إسرائيل” وأمريكا لن تنتهي بتوقف الحرب في غزة
الجديد برس|
قال معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن التهديد الذي تشكله قوات صنعاء على “إسرائيل” والولايات المتحدة لن ينتهي بتوقف الحرب في غزة، وتوقع أن يقوم “الحوثيون” بتطوير وتوسيع صناعاتهم العسكرية، مقترحاً أن تقوم واشنطن بتشكيل تحالف يتضمن دولا إقليمية كالسعودية ومصر من أجل ردعهم.
ونشر المعهد مساء أمس الثلاثاء تقريراً، جاء فيه أنه “حتى لو أدى وقف إطلاق النار في غزة إلى انخفاض ملحوظ في الهجمات في البحر الأحمر، فلن يغير ذلك من الطبيعة الانتهازية للحوثيين أو عدائهم تجاه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل”، حسب تعبير التقرير.
وأضاف: “على الرغم من الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية العديدة ضد المواقع العسكرية للجماعة في اليمن، فإن الحوثيين لا يزالون يمتلكون ترسانة متطورة تشمل الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز وطائرات بدون طيار هجومية بعيدة المدى”.
واعتبر التقرير أنه “نظراً لتاريخ الحوثيين في استخدام وقف إطلاق النار لإعادة التجمع وإعادة التسلح، فقد يعتزمون استغلال التوقف الحالي في الأعمال العدائية للتحضير لهجمات مستقبلية”.
وقال إنه من المتوقع أن تعمل قوات صنعاء على “توسيع صناعاتها العسكرية بشكل أكبر وإنتاج تصاميم أسلحة متقدمة بكميات كبيرة وبكفاءة واستقلالية”.
وقال إنه: “حتى الأسلحة الحالية التي تمتلكها الجماعة تشكل خطراً شديداً على السفن التجارية والعسكرية على مسافات كبيرة، حتى وسط البحر الأحمر وغرب بحر العرب، وقد كانت قواربها غير المأهولة المحملة بالمتفجرات- والتي غالباً ما يتم توجيهها بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي أو التحكم فيها عن بعد- صعبة بشكل خاص للكشف عنها واعتراضها، مما يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى عمليات الأمن البحري في المنطقة”.
واعتبر أن “مثل هذه الأسلحة تشكل أيضاً مخاطر على البنية التحتية الحيوية في الدول الشريكة للولايات المتحدة في المنطقة”.
وخلص المعهد إلى إنه “يتعين على الولايات المتحدة وشركائها اتخاذ خطوات حازمة منها: الحفاظ على وجود بحري منسق ومستمر يهدف إلى الحفاظ على حرية الملاحة في المنطقة، والاستثمار في التقنيات المتقدمة للكشف وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتدابير المضادة”.
وتضمنت اقتراحات المعهد أيضاً: “إنشاء تحالفات جديدة تضم دول البحر الأحمر مثل مصر وإريتريا والمملكة العربية السعودية والسودان لتنسيق التدابير الدفاعية والحفاظ على الممر الآمن” حسب تعبيره.