لجريدة عمان:
2025-03-05@01:57:10 GMT

الصين تحاول اللعب على الحبلين في الشرق الأوسط

تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT

ترجمة: أحمد شافعي -

شهد الغرب في الفترة الأخيرة الكثير من القلق بشأن احتمال إزاحة الصين للولايات المتحدة من مكانة القوة العظمى الرائدة في العالم ـ أو منافستها في ذلك على الأقل. لكن الأزمة الأمنية الناشئة في البحر الأحمر توضح أن ذلك لم يزل احتمالا بعيدا.

إذ تعوّل الصين ـ التي يعتمد اقتصادها التجاري على حرية تدفق التجارة عبر نقاط من قبل مضيق باب المندب المتاخم لليمن ـ على الولايات المتحدة في حماية المسارات البحرية الدولية.

وقد لا يتبين في نهاية المطاف أن الرد العسكري أمريكي القيادة على هجمات جماعة أنصار الله على الشحن الدولي هو الرد المناسب للأزمة الراهنة ـ إذ يبدو حتى حينه أن أنصار الله لم يرتدعوا ـ لكن الولايات المتحدة أظهرت على أقل تقدير التزاما واضحا بالحفاظ على انفتاح المسارات التجارية الحيوية التي تربط الصين بالشرق الأوسط وأوروبا.

بدلا من التصرف بما يليق بالقائد العالمي الذي تزعم كونها إياه، لم تتخذ الصين أي خطوة ملموسة لتحمل تكاليف أو مخاطر ضمان الأمن في البحر الأحمر، برغم وجود قاعدتها العسكرية الخارجية الوحيدة المعلنة في جيبوتي المتاخمة للمضيق. ولا هي طرحت على المستوى العلني بديلا حيويا للأفعال الأمريكية. لكنها تبدو قانعة إلى حد كبير بالتقاعس وتوجيه الانتقاد المستمر لرد الولايات المتحدة العسكري.

بكين تلعب لعبة انتهازية، فتستفيد بالمجان من القوة الأمريكية التي تصر على ازدرائها، محاولة اللعب على الحبلين.

وبالنسبة للزعماء الصينيين، لا يخلو هذا الموقف من المنطق. فأزمة البحر الأحمر تلهي الولايات المتحدة عن التركيز على آسيا، فيتوافر وقت للصين لحشد قدراتها في غرب المحيط الهادئ مع طرح نفسها بوصفها قوة خيرة لا تقحم أنفها في شؤون البلاد الأخرى. ويفلح ذلك، من وجه مهم على الأقل، فقد أتاح القادة الحوثيون للسفن التجارية الصينية الإبحار سالمة في البحر الأحمر، ويظهر أن ذلك في مقابل عدم تدخل الصين في الصراع.

كان مقررا أن يلتقي جاك سوليفان مستشار الأمن الوطني للرئيس جو بايدن بوزير الخارجية الصيني وانج واي في تايلاند يوم الجمعة ويوم السبت لمناقشة الوضع، بحسب ما قال مسؤولون أمريكيون. ولا بد أن تدين الولايات المتحدة ازدواجية الصين وتضغط عليها للبدء في التصرف كما يليق بقوة مسؤولة ـ وبما يصب في صالحها أيضا ـ بتحمل نصيب من العبء في حماية مسارات التجارة واستعمال نفوذها على إيران لإيقاف هجمات جماعة أنصار الله على الشحن.

يطمح القادة الصينيون إلى مكانة أكبر في المنطقة. وقد وعد الرئيس شي جينبنج بـ«الإسهام بالحكمة الصينية في دعم السلام والهدوء في الشرق الأوسط» وكشف النقاب عن مجموعة من المبادرات الأمنية والتنموية في السنين الأخيرة. غير أن أفعال الصين في واقع الأمر في الشرق الأوسط تنطلق جزئيا من دافع الرغبة في تحدي قوة الولايات المتحدة. ففي حرب إسرائيل-غزة على سبيل المثال، انضمت الصين إلى روسيا وإيران في تقديم الدعم الاسميّ لحماس ورفض إدانة هجمات السابع من أكتوبر التي قامت بها على إسرائيل.

ويوضح الوضع الأمني المتدهور في الشرق الأوسط مدى «عقم» دعم الرئيس شي للسلام والهدوء، وستكون لذلك عواقبه على الصين. فقرابة نصف ما تستورده الصين من النفط يأتي من الشرق الأوسط، كما يوفر البحر الأحمر ممرا مهما إلى أوروبا، وهي من أضخم الأسواق للصادرات الصينية. وحتى في ظل سماح الحوثيين بمرور السفن التي تحمل العلم الصيني، تتعرض شركات الشحن والمصدرين في الصين لضغط من جراء الاضطراب التجاري.

بوسع أزمة إقليمية طويلة الأمد أن تزيد الضغط على الحزب الشيوعي في الصين، حيث يواجه الاقتصاد الصيني بالفعل رياحا معاكسة قوية ويعجز عن احتمال مخاطر سلاسل التوريد المتشابكة وارتفاع أسعار الشحن وأسعار التأمين. وعلى مدى أبعد، قد تعاني سمعة الصين في حال ظهورها بمظهر المتقاعس الانتهازي في المنطقة.

تذكرنا أزمة البحر الأحمر بضعف التبادل التجاري العالمي والمسؤولية المشتركة عن حمايته. ولواشنطن بالطبع مصلحة أساسية في تأمين حرية البحار باعتبار ذلك عرفا دوليا أساسيا ومصلحة اقتصادية أمريكية في الآن نفسه. ولكن انفتاح نظام تبادل تجاري بحري مستقر يمثل مصلحة عامة تقتضي المزيد من الاشتراك في العبء من أصحاب المصلحة من أمثال الصين.

لم تقل الصين الكثير على المستوى العلني عن الهجمات الحوثية على الشحن الدولي، في ما عدا دعوات غامضة إلى إنهاء «التحرش» بالسفن المدنية. ولكن دور الصين بوصفها الحبل السري الاقتصادي لإيران يجعل لها نفوذا جوهريا. لكن بكين تبدو عازفة أو عاجزة عن كبح طهران عن صب المزيد من الوقود على النار الإقليمية أو توفير الدعم لجماعة أنصار الله، بما يقوض فعالية الصين بوصفها نصيرا أمنيا، ومن خلال الاستفادة بميزة المرور الحر في البحر الأحمر، فإن الصين تضفي ضمنيا «الشرعية» على هجمات الحوثيين على أهداف مدنية.

ربما تفتقر القوات الصينية الخارجية الناشئة إلى الثقة اللازمة للقيام بدور أكبر في البحار المتنازع عليها، وثمة أسئلة منطقية حول ما إذا كان تشجيع وجود عسكري صيني قوي في المياه الدولية أمرا مرغوبا فيه من وجهة النظر الغربية. لكن هذا لا ينبغي أن يثير الكثير من القلق في الغرب، فما من مؤشرات تذكر حتى الآن على أن الصين قادرة أو عازمة على أن تظهر بالخارج مستوى القوة العسكرية الذي تظهره الولايات المتحدة، في ما يتجاوز حماية سفنها التجارية من القرصنة، مثلما تفعل منذ ما يزيد على عقد من الزمن.

يجب على الولايات المتحدة أن تذكّر بكين بأن مصالحها بعيدة المدى في أمن الطاقة وسلاسل التوريد معرضة للخطر في البحر الأحمر وتضغط عليها لتتصرف بناء على هذا الأساس، بوصفها لاعبا بنَّاء، وذلك على سبيل المثال من خلال الإسهام في دبلوماسية أزمات منسقة للمساعدة في حل فوضى تتسبب في توليد مخاطر غير متناسبة للصين. يجب أن تظهر واشنطن عزما على العمل مع بكين لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وتشجع مزيدا من التزام الصين بثقلها الاقتصادي والدبلوماسي وربما العسكري لمجابهة الأخطار الأمنية المشتركة.

بوصفها الدولة التجارية الأولى في العالم، كانت الصين منذ أمد بعيد وستظل لأمد بعيد المستفيد الأساسي من انفتاح نظام التبادل العالمي. والالتزام الأمريكي بحماية ذلك النظام لا يمكن ضمانه إلى الأبد، وبخاصة لو أمكن تصديق سردية بكين حول انهيار القوة الأمريكية.

إن لامبالاة الصين الظاهرة بأزمة البحر الأحمر ترسخ دور الولايات المتحدة بوصفها القوة المهيمنة في العالم، وتبين أن قدرات الصين وأهدافها الموضوعية في ما يتجاوز منطقتها تظل ضيقة ومعتمدة على الزعامة الأمريكية العالمية.

إسحاق كاردون هو زميل أول في برنامج آسيا في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ومؤلف كتاب «قانون البحار الصيني: قواعد النظام العالمي الجديدة».

جينيفر كافاناه هي زميلة أولى في برنامج فن إدارة الدولة الأمريكي في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي.

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی البحر الأحمر فی الشرق الأوسط أنصار الله

إقرأ أيضاً:

السيسي: ترامب قادر على تحقيق السلام في الشرق الأوسط

سرايا - اكد الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي الثلاثاء خلال القمة العربية الطارئة لاعادة إعمار غزة أن الرئيس الاميركي دونالد ترامب قادر على تحقيق السلام في الشرق الأوسط.

وقال السيسي إن "معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، التي تم التوصل إليها بوساطة أميركية يجب أن تكون نموذجا يُحتذى به لتحويل الصراع من حالة العداء والحرب إلى سلام دائم"، مضيفا أن "الوقت حان لبدء مسار سياسي جاد وفعّال يؤدي إلى حل عادل ودائم وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، وأنا على يقين من أن الرئيس ترامب قادر على تحقيق ذلك".





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 1000  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 04-03-2025 10:21 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
ظل ببطنه 6 سنوات .. استخراج هاتف نقال من معدة مريض في مصر خفض أسعار الدواجن فأرداه قتيلاً .. مصر تبكي "شهيد الغلابة" بالتوقيت .. أطول وأقصر ساعات الصيام في رمضان "أوبر المسلح" .. تطبيق جديد يوفر حراسًا شخصيين عند الطلب في أميركا الأمن العام يوضح حول تعرض حدث لحروق وظهر في فيديو... تفاصيل صادمة ومروعة .. طفل 11 عامًا يُحرق على يد... بالتوقيت .. أطول وأقصر ساعات الصيام في رمضان الأردن يبدأ بإخلاء الدفعة الأولى من ألفي طفل مريض... "كان يشعر بالاكتئاب والحزن" .. نجل حسن... البيان الختامي: القمة العربية اعتمدت خطة عربية...توتر بين تركيا وإيران بعد خلاف بشأن سوريا رئيس المجلس الأوروبي: ملتزمون بحل الدولتين وبالسلام...عباس قررنا إصدار عفو عام عن المفصولين من حركة فتح"صحة غزة": ارتفاع حصيلة الشهداء في القطاع...غوتيريش: نثمن عمل أونروا وندعو لدعمها بشكل كاملالرئيس الفلسطيني يجتمع مع الرئيس السوريأبو الغيط: تهجير الفلسطينيين أمر مرفوض ولن يؤدي إلى...ملك البحرين: نرفض أي محاولات للتهجير والاستيطان ما قصة "القفاز الأسود" في يد مورغان... إلهام شاهين تثير الجدل مجدداً .. "الصلاة ممكن... تعدى على زميلته فصفعته .. إيقاف فنان مصري شهير 4 أشهر جراحة بسيطة .. المطرب محمد حماقي يطمئن جمهوره على... شيرين عبد الوهاب تستعيد رشاقتها: “الدنيا فيها أكتر” دراسة علمية: صيام رمضان لا يعرقل أداء لاعبي كرة القدم تأجيل مباراة فياريال وإسبانيول في الدوري الإسباني رياضة قانون الـ"8 ثوان" الجديد .. هذا ما يجب ان تعرفه الهلال السعودي يجهز عرضا خياليا لضم نجم ليفربول نادٍ برازيلي يحلم بضم رونالدو .. من هو؟ "وزارة التعليم" الأمريكية تقدم لموظفيها حافزًا بقيمة 25 ألف دولار للاستقالة مصرع 31 شخصًا في "حادث سير" في بوليفيا وجبة كشري تنهي حياة شقيقتين ما حقيقة صورة رونالدو وجورجينا على مائدة الإفطار الرمضاني؟ بعد يوم من اختطافها .. العثور على طفلة مقتولة ذبحاً مراهق ينهي حياته بسبب تحطيم والده هاتفه المحمول مصرف يودع 81 تريليون دولار في حساب عميل .. عن طريق الخطأ! برجك اليوم زلزال بقوة 5.57 يضرب منطقة في إندونيسيا مراسل تعرّض للسرقة

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • السيسي: ترامب قادر على تحقيق السلام في الشرق الأوسط
  • "عمو فؤاد" في «رمضان المصري وأصحابه"على الشرق الأوسط
  • الصّدي عقد لقاءات مع البنك الدولي ومؤسسات دولية
  • الصين ترفض بقوة قرار الولايات المتحدة فرض تعريفة جمركية إضافية على السلع المستوردة
  • واشنطن: مبعوث ترامب يعود للشرق الأوسط خلال أيام
  • ماذا يخطط ترامب لمنطقة الشرق الأوسط!؟
  • إيران: الأمن في منطقة الشرق الأوسط يجب أن يتم داخلياً
  • ماذا يخطط ترامب لمنطقة الشرق الأوسط؟
  • النتائج المتوقعة بعد الاجتماع العاصف بين ترامب وزيلينسكي
  • ماذا بعد المشادة غير المسبوقة في المكتب البيضاوي؟