لجريدة عمان:
2024-10-05@06:16:09 GMT

الصين تحاول اللعب على الحبلين في الشرق الأوسط

تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT

ترجمة: أحمد شافعي -

شهد الغرب في الفترة الأخيرة الكثير من القلق بشأن احتمال إزاحة الصين للولايات المتحدة من مكانة القوة العظمى الرائدة في العالم ـ أو منافستها في ذلك على الأقل. لكن الأزمة الأمنية الناشئة في البحر الأحمر توضح أن ذلك لم يزل احتمالا بعيدا.

إذ تعوّل الصين ـ التي يعتمد اقتصادها التجاري على حرية تدفق التجارة عبر نقاط من قبل مضيق باب المندب المتاخم لليمن ـ على الولايات المتحدة في حماية المسارات البحرية الدولية.

وقد لا يتبين في نهاية المطاف أن الرد العسكري أمريكي القيادة على هجمات جماعة أنصار الله على الشحن الدولي هو الرد المناسب للأزمة الراهنة ـ إذ يبدو حتى حينه أن أنصار الله لم يرتدعوا ـ لكن الولايات المتحدة أظهرت على أقل تقدير التزاما واضحا بالحفاظ على انفتاح المسارات التجارية الحيوية التي تربط الصين بالشرق الأوسط وأوروبا.

بدلا من التصرف بما يليق بالقائد العالمي الذي تزعم كونها إياه، لم تتخذ الصين أي خطوة ملموسة لتحمل تكاليف أو مخاطر ضمان الأمن في البحر الأحمر، برغم وجود قاعدتها العسكرية الخارجية الوحيدة المعلنة في جيبوتي المتاخمة للمضيق. ولا هي طرحت على المستوى العلني بديلا حيويا للأفعال الأمريكية. لكنها تبدو قانعة إلى حد كبير بالتقاعس وتوجيه الانتقاد المستمر لرد الولايات المتحدة العسكري.

بكين تلعب لعبة انتهازية، فتستفيد بالمجان من القوة الأمريكية التي تصر على ازدرائها، محاولة اللعب على الحبلين.

وبالنسبة للزعماء الصينيين، لا يخلو هذا الموقف من المنطق. فأزمة البحر الأحمر تلهي الولايات المتحدة عن التركيز على آسيا، فيتوافر وقت للصين لحشد قدراتها في غرب المحيط الهادئ مع طرح نفسها بوصفها قوة خيرة لا تقحم أنفها في شؤون البلاد الأخرى. ويفلح ذلك، من وجه مهم على الأقل، فقد أتاح القادة الحوثيون للسفن التجارية الصينية الإبحار سالمة في البحر الأحمر، ويظهر أن ذلك في مقابل عدم تدخل الصين في الصراع.

كان مقررا أن يلتقي جاك سوليفان مستشار الأمن الوطني للرئيس جو بايدن بوزير الخارجية الصيني وانج واي في تايلاند يوم الجمعة ويوم السبت لمناقشة الوضع، بحسب ما قال مسؤولون أمريكيون. ولا بد أن تدين الولايات المتحدة ازدواجية الصين وتضغط عليها للبدء في التصرف كما يليق بقوة مسؤولة ـ وبما يصب في صالحها أيضا ـ بتحمل نصيب من العبء في حماية مسارات التجارة واستعمال نفوذها على إيران لإيقاف هجمات جماعة أنصار الله على الشحن.

يطمح القادة الصينيون إلى مكانة أكبر في المنطقة. وقد وعد الرئيس شي جينبنج بـ«الإسهام بالحكمة الصينية في دعم السلام والهدوء في الشرق الأوسط» وكشف النقاب عن مجموعة من المبادرات الأمنية والتنموية في السنين الأخيرة. غير أن أفعال الصين في واقع الأمر في الشرق الأوسط تنطلق جزئيا من دافع الرغبة في تحدي قوة الولايات المتحدة. ففي حرب إسرائيل-غزة على سبيل المثال، انضمت الصين إلى روسيا وإيران في تقديم الدعم الاسميّ لحماس ورفض إدانة هجمات السابع من أكتوبر التي قامت بها على إسرائيل.

ويوضح الوضع الأمني المتدهور في الشرق الأوسط مدى «عقم» دعم الرئيس شي للسلام والهدوء، وستكون لذلك عواقبه على الصين. فقرابة نصف ما تستورده الصين من النفط يأتي من الشرق الأوسط، كما يوفر البحر الأحمر ممرا مهما إلى أوروبا، وهي من أضخم الأسواق للصادرات الصينية. وحتى في ظل سماح الحوثيين بمرور السفن التي تحمل العلم الصيني، تتعرض شركات الشحن والمصدرين في الصين لضغط من جراء الاضطراب التجاري.

بوسع أزمة إقليمية طويلة الأمد أن تزيد الضغط على الحزب الشيوعي في الصين، حيث يواجه الاقتصاد الصيني بالفعل رياحا معاكسة قوية ويعجز عن احتمال مخاطر سلاسل التوريد المتشابكة وارتفاع أسعار الشحن وأسعار التأمين. وعلى مدى أبعد، قد تعاني سمعة الصين في حال ظهورها بمظهر المتقاعس الانتهازي في المنطقة.

تذكرنا أزمة البحر الأحمر بضعف التبادل التجاري العالمي والمسؤولية المشتركة عن حمايته. ولواشنطن بالطبع مصلحة أساسية في تأمين حرية البحار باعتبار ذلك عرفا دوليا أساسيا ومصلحة اقتصادية أمريكية في الآن نفسه. ولكن انفتاح نظام تبادل تجاري بحري مستقر يمثل مصلحة عامة تقتضي المزيد من الاشتراك في العبء من أصحاب المصلحة من أمثال الصين.

لم تقل الصين الكثير على المستوى العلني عن الهجمات الحوثية على الشحن الدولي، في ما عدا دعوات غامضة إلى إنهاء «التحرش» بالسفن المدنية. ولكن دور الصين بوصفها الحبل السري الاقتصادي لإيران يجعل لها نفوذا جوهريا. لكن بكين تبدو عازفة أو عاجزة عن كبح طهران عن صب المزيد من الوقود على النار الإقليمية أو توفير الدعم لجماعة أنصار الله، بما يقوض فعالية الصين بوصفها نصيرا أمنيا، ومن خلال الاستفادة بميزة المرور الحر في البحر الأحمر، فإن الصين تضفي ضمنيا «الشرعية» على هجمات الحوثيين على أهداف مدنية.

ربما تفتقر القوات الصينية الخارجية الناشئة إلى الثقة اللازمة للقيام بدور أكبر في البحار المتنازع عليها، وثمة أسئلة منطقية حول ما إذا كان تشجيع وجود عسكري صيني قوي في المياه الدولية أمرا مرغوبا فيه من وجهة النظر الغربية. لكن هذا لا ينبغي أن يثير الكثير من القلق في الغرب، فما من مؤشرات تذكر حتى الآن على أن الصين قادرة أو عازمة على أن تظهر بالخارج مستوى القوة العسكرية الذي تظهره الولايات المتحدة، في ما يتجاوز حماية سفنها التجارية من القرصنة، مثلما تفعل منذ ما يزيد على عقد من الزمن.

يجب على الولايات المتحدة أن تذكّر بكين بأن مصالحها بعيدة المدى في أمن الطاقة وسلاسل التوريد معرضة للخطر في البحر الأحمر وتضغط عليها لتتصرف بناء على هذا الأساس، بوصفها لاعبا بنَّاء، وذلك على سبيل المثال من خلال الإسهام في دبلوماسية أزمات منسقة للمساعدة في حل فوضى تتسبب في توليد مخاطر غير متناسبة للصين. يجب أن تظهر واشنطن عزما على العمل مع بكين لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وتشجع مزيدا من التزام الصين بثقلها الاقتصادي والدبلوماسي وربما العسكري لمجابهة الأخطار الأمنية المشتركة.

بوصفها الدولة التجارية الأولى في العالم، كانت الصين منذ أمد بعيد وستظل لأمد بعيد المستفيد الأساسي من انفتاح نظام التبادل العالمي. والالتزام الأمريكي بحماية ذلك النظام لا يمكن ضمانه إلى الأبد، وبخاصة لو أمكن تصديق سردية بكين حول انهيار القوة الأمريكية.

إن لامبالاة الصين الظاهرة بأزمة البحر الأحمر ترسخ دور الولايات المتحدة بوصفها القوة المهيمنة في العالم، وتبين أن قدرات الصين وأهدافها الموضوعية في ما يتجاوز منطقتها تظل ضيقة ومعتمدة على الزعامة الأمريكية العالمية.

إسحاق كاردون هو زميل أول في برنامج آسيا في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ومؤلف كتاب «قانون البحار الصيني: قواعد النظام العالمي الجديدة».

جينيفر كافاناه هي زميلة أولى في برنامج فن إدارة الدولة الأمريكي في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي.

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی البحر الأحمر فی الشرق الأوسط أنصار الله

إقرأ أيضاً:

مسؤول أمريكي يتهم الصين بتشجيع الحوثيين في البحر الأحمر ويقول إنها ترفض دعوات أميركية للتعاون مع الأزمة (ترجمة خاصة)

اتهم نائب وزير الخارجية الأميركي كيرت كامبل الصين بتشجيع المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران على مهاجمة سفن دول أخرى في البحر الأحمر.

 

وقال كامبل إن الصين رفضت مناشدات الولايات المتحدة باتخاذ إجراء دولي مشترك ضد هجمات الحوثيين على الشحن الدولي، وشجعت الجماعة المتمردة على مهاجمة سفن دول أخرى بدلاً من سفنها، وفق صحيفة التايمز.

 

وأضاف أن رد بكين - التي لديها قاعدة بحرية في جيبوتي، التي تقع عبر مضيق باب المندب من اليمن - كان "غير مفيد للغاية" وأثار الشكوك حول التزامها بالتعاون العالمي.

 

وتابع المسؤول الأمريكي "فور بدء الحوثيين في مهاجمة الشحن عبر البحر الأحمر، اتصلنا بالمحاورين الصينيين للعمل معنا ... في محاولة لحماية هذا الشحن، من خلال استخدام سربهم في جيبوتي بالطرق التي فعلوها في التسعينيات معنا للتعامل مع القرصنة". "لقد اعتقدنا أن هناك فرصة حقيقية لقول الصين نعم، لأن الشحن الذي تأثر كان له علاقة كبيرة بشريان الحياة للصين.

 

وقال لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وهي مؤسسة بحثية في واشنطن: "هذا غير مفيد على الإطلاق ويشير إلى نهج ... لدينا مخاوف حقيقية بشأنه".

 

ومع ذلك، يشير حساب كامبل إلى أن الرئيس شي اتخذ قرارًا بالابتعاد عن التعاون الدولي في المنطقة، ربما بحساب أن المستنقع الاستراتيجي الذي يغرق الولايات المتحدة وحلفائها سيجعلهم أقل قدرة على إعاقة الطموحات الصينية في آسيا.

 

 


مقالات مشابهة

  • مسؤول أمريكي يتهم الصين بتشجيع الحوثيين في البحر الأحمر ويقول إنها ترفض دعوات أميركية للتعاون مع الأزمة (ترجمة خاصة)
  • باحثة سياسية: الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تسير الأمور في الشرق الأوسط
  • الصين تصعق الولايات المتحدة بموقفها من الحوثيين في اليمن!
  • أين تتمركز القوات الأميركية في الشرق الأوسط؟ .. 19 موقعا بـ12 دولة
  • الصين ترفض دعوات الولايات المتحدة للتعاون في أزمة الحوثيين
  • الصين: الوضع في الشرق الأوسط "على شفا الهاوية"
  • الولايات المتحدة وإسرائيل.. الأولويات بشأن التصعيد في الشرق الأوسط
  • كيف أحرقت الولايات المتحدة أكثر من 3.3 مليار دولار في مواجهة صنعاء؟
  • 19 موقعا بـ12 دولة.. أين تتمركز القوات الأميركية في الشرق الأوسط؟
  • الصين تحض قوى العالم على منع “تدهور” الوضع في الشرق الأوسط