نوافذ: «الترندات» وجرعة الشك الفردية!
تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT
قد يتفاجأ البعض من قصور معرفتنا بما يدور في الحياة، ويظن أنّ معرفته بتلك «الترندات» و«الشخصيات المؤثرة»، التي تنمو على عجل وتختفي بالسرعة ذاتها، هي ما تجعله مالكًا لشرعية المعرفة اليوم! إذ يمكن لأحدهم أن يهدر ساعات طويلة من حياته قارئًا أو مُراقبًا أو مُتلبسًا لآراء ليست له، لكنها آراءٌ تجعله في صدارة المجالس وأيقونة الأحاديث!
ولا أدري إن كان من يمارس حياته خارج «الترندات» مُفتقدًا لشيء جوهري أم أنّه في تناءٍ يُقدم له حماية صلبة لذاته التي تصرخ بشدة من فقدان المعنى!
تبدو لي «الترندات» كأسهم البورصة ترتفع وتنخفض، ترفعُ معها اضطرابًا مهولًا ثمّ تخفيه فلا يعود له وجود في اليوم التالي، يُنسى كما تُنسى زوابع الغبار العابرة في انتظار «ترند» جديد.
لستُ على يقين إن كان من الجيد أن نحمي أنفسنا من هذا السُعار أم أنّ حمايتنا لأنفسنا ستفوّتُ علينا شيئا ما يجعلنا متصلين بحياة الناس وما يشغلهم، تلك المعرفة الواهمة التي تجعلنا مُجردين من حساسيتنا الشخصية ومن الفهم الذي يذهب أعمق من سطح الأحاديث.
قرأتُ يومًا بأنّ: «الجهل ليس نعمة، ولكن لا يجب أن يُشكّل بؤسا»، لا سيما ونحنُ نتحدث عن تذبذُبِ «الترندات»، والأبطال الذين يتم اختراعهم الآن، والذين يقدّمون أنفسهم كمن يُعيدُ صياغة لغة الكون ومفاتيحه!
ديفيد دانينغ يقول: «لسنا بارعين في إدراك ما نجهله»، ولكن ما مقدار ما يفوتنا من فائدة! هكذا أحاول أن أجد أداة لقياس الأشياء بشكل أكثر برجماتية.
يكمنُ الفزع المرعب في إماطة اللثام عن الحياة بكل تعقيدها الشرس، أو في إفراغها من معانيها، لمجرد توقُّع ساذج بأنّ المشتركات التي تجمعنا كبشر ستجعلنا أكثر قابلية لأن نخضع لمشرط تحليلي واحد! أو لنموذج حياتي واحد.
يميلُ بعض الناس للعيش في وهم الفهم، بل يبالغون في تقدير معرفتهم، «فهم يعتقدون بأنّهم يفهمون النظم السببية، وهذا ناتج عن الذهن الحدسي لديهم، حيث يفكّرون في الأشياء دون عناء، لكن وهمهم يتحطّم لحظة الاستقصاء الحقيقية»، هذا ما ذكره ستيفن سلومان وفيليب فيرنباخ في كتابهما «وهم المعرفة». يظن البعض أنّ بإمكانهم من خلال «الترندات» أن يُقدموا أفكارا ستغير مصائر الناس وحيواتهم! وفي الحقيقة هم ينجحون -للأسف- في خلق ترددات شاسعة المدى، بل ويتحولون إلى أيقونات في الوعي العام! ولذا من الجيد حقا أن تُدرس هذه الظواهر في المجتمع، فلماذا يُحقق المحتوى بالغ الخفة كل هذا التأثير! ألأنّه سهل المضغ، أم لأنّه يُغذّي فضول الناس ويُخدّر رغباتهم المُلتهبة؟
إذا كان صالون الحلاقة يضعُ افتراضا بتعدد خيارات الناس في شكل قصّات الشعر المفضلة لديهم، وإذا كان مُصمم الأزياء يضع في اعتباره تباين الأذواق بصورة مذهلة، فلماذا يُصر البعض على أنّ حلولا مُحددة يمكنها أن تُنقذ جميع الناس على حد سواء؟ تنقذ الناس من قلقها ومن هواجسها المرعبة، دون دراية كافية بتعقيدات النفس البشرية غائرة العُمق؟!
هكذا نفقدُ ميكانيزماتنا الشخصية عندما نكتشف حدودنا وحدود معرفتنا بالعالم المحفوف بالمخاطر من حولنا، فنأمل أن يضع الله في طريقنا «المُنقذين» الذين يُغيّرون خطط الكون، وكأنّ عقولنا لم تُصمم لتعيش تجاربها الأكثر فرادة، بل لتنهل من معين الآخرين الذين يصرفون «روشتة» واحدة لكل الأوجاع والآلام التي تعبر البشرية!
لم يعد كسب المال مرتبط بالجهد وحسب، يمكننا أن نكسبه أيضا من قدرتنا على استمالة حدس الناس وتوقعاتهم، وعبر قول ما يرغبون في الاستماع إليه، تلك الحلول التي تجعل طريق الحياة الغامض والمبهم- على حين غرة- مُمهدا ومملوءًا بالورد!
ولعلنا لا ندركُ نوازع الديناميكيات الاجتماعية؛ لأنّها لم تُستقرأ على نحو جيد تحت مجهر الدرس، لكننا -على الأقل- إلى جوار الانبهار بالترندات والشخصيات المؤثرة، علينا أن نحظى بجرعة شك فردية، أن نمتلك سؤالنا الشخصي وقدرتنا على الانفكاك أو الالتحام بالقدر الذي لا يُجردنا من معانينا.
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تقرير: معظم الشباب والمراهقين الذين يحاولون الهجرة عبر مضيق جبل طارق يأتون من شمال المغرب
قدمت منظمة « كاميناندو فرونتيراس » تقريرها السنوي لعام 2024 بعنوان « مراقبة الحق في الحياة »، والذي وثّقت فيه 10,457 حالة وفاة هذا العام بين المهاجرين الذين حاولوا الوصول إلى إسبانيا، منهم 110 ضحايا على طريق مضيق جبل طارق.
يتضمن التقرير قسمًا خاصًا بمدينة سبتة والضحايا الذين لقوا حتفهم على هذه الحدود البرية بين المغرب وإسبانيا، خاصة في محاولات المهاجرين عبور البحر سباحة عند الحاجز البحري.
تزايد الضحايا بشكل مطرديُشير التقرير إلى أن « عدد الضحايا في الحدود الغربية بين أوربا وإفريقيا خلال عام 2024 تجاوز عدد العام الماضي، مما يعكس تصاعدًا في تأثير السياسات المرتبطة بالموت وفقًا للبيانات التي وثقتها منظمتنا ».
من بين إجمالي الضحايا، بلغ عدد الوفيات في طريق المضيق 110، مما يمثل زيادة بنسبة 58% في الحوادث المميتة مقارنة بالعام الماضي. ويُسجل التقرير متوسطًا يوميًا يبلغ 30 حالة وفاة، تشمل نساءً وأطفالًا وبالغين، بالإضافة إلى اختفاء 131 قاربًا بمن كانوا على متنها.
« هل سأرى أمي؟ »تُسلط المنظمة الضوء على الوضع المأساوي الذي يعيشه شمال المغرب، حيث يؤدي الاختناق الاقتصادي إلى زيادة محاولات الدخول إلى سبتة، التي غالبًا ما يكون أبطالها من القُصّر.
يصف التقرير وضع الأطفال في طريق المضيق بـ »المروع »، حيث يمثل الأطفال 20% من الضحايا، وهي أعلى نسبة مسجلة على طرق الهجرة إلى إسبانيا. ويُشير التقرير إلى أن القيود التي فرضها إغلاق الحدود بسبب جائحة كوفيد-19 ساهمت في تفاقم الوضع، إذ أدت إلى خنق المدن المحيطة بسبتة وتقليص فرص العمل والمستقبل.
ويذكر التقرير أن « معظم الشباب والمراهقين يأتون من شمال المغرب، خاصة من الفنيدق، تطوان، طنجة، القصر الصغير، بالإضافة إلى مناطق ريفية مثل بني أحمد ومناطق أخرى مثل سلا، فاس، مكناس، قلعة السراغنة. في السابق، كان القرب الجغرافي هو الدافع الأساسي للهجرة، لكن الآن تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في تنظيم محاولات العبور ».
تجارب شخصيةأ.م.، شاب تطواني يبلغ من العمر 15 عامًا، يروي تجربته: « حاولت العبور أكثر من مرة، الحقيقة تسع مرات. في كل مرة كانت الشرطة المغربية تقبض عليّ وتضربني قبل أن تضعني في سيارة الدورية. أحيانًا كانوا ينقلونني إلى فاس ويتركونني في الشارع عاريًا إلا من ملابس السباحة. شعرت بالإهانة والخوف. كنت فقط أريد دخول سبتة للعمل ومساعدة أسرتي وأمي ».
يُضيف: « في إحدى الليالي الضبابية من غشت، تمكنت من العبور بعد 12 ساعة. كنت أسبح وأرتاح كل ساعتين، وكانت المياه باردة جدًا، لكنني واصلت حتى وصلت صباحًا. في محاولاتي السابقة، كنت أعبر مع أصدقاء، بعضهم نجح، والبعض الآخر لا نعرف مصيرهم. في حينا اختفى الكثير من الشباب. لا أحد يعرف أين هم. هل تعلم متى سأرى أمي مرة أخرى؟ ».
وسائل التواصل الاجتماعي والمآسييُبرز التقرير دور وسائل التواصل الاجتماعي في تغيير أنماط الهجرة، حيث أصبحت وسيلة لتنظيم محاولات العبور الجماعية. ويشير إلى زيادة في عدد الفتيات المراهقات اللاتي يحاولن العبور سباحة، رغم أنهن غير مرئيات في الشوارع.
ويُنتقد التقرير غياب استجابة حكومية فعالة للتعامل مع هذه الظاهرة، حيث تُركز السياسات الحالية على الرقابة الحدودية بدلاً من حماية الأرواح.
وينتقد التقرير بشدة نقص كفاءة عمليات الإنقاذ، حيث يصفها بأنها غير كافية ولا تُلبي معايير الاستجابة الطارئة. ويُشير إلى أن العديد من القوارب، حتى عندما يتم تحديد موقعها الجغرافي، لا تحصل على مساعدة فورية.
ويُوضح التقرير أن هذا النقص في الاستجابة يُفاقم الوفيات، خاصة مع استخدام قوارب مطاطية غير آمنة أو محاولات السباحة عبر الحاجز البحري بين المغرب وسبتة.
تدعو المنظمة إلى إصلاح شامل لسياسات الإنقاذ، مع التركيز على حماية الأرواح بدلًا من الأولوية الحالية للرقابة الحدودية. كما تُطالب بإنشاء بروتوكولات فعالة للبحث والإنقاذ، وضمان استجابة سريعة للحالات الطارئة لتقليل الخسائر البشرية على هذه الطرق المميتة.
كلمات دلالية المغرب بحار جريمة سبتة هجرة