أنيسة الهوتية
جملة ارتبطت في الأذهان كلما وجدنا أحدًا يمسك في يدهِ السبحة أو المسبحة، وجملة ترسخت في قلوب المؤمنين حينما يتعجبون من أمر ما، أو حين إعجابهم بأي شيء من حولهم، وتلقائيًا وببرمجة إيمانية ينطقون جُملة "سُبحان الله".
وقَد تعلمنا مُذ نعومة أظفارنا أنه مع كل تسبيحة تنبت لنا شجرة في الجنة، فأصبحنا نتسابقُ على زيادة أشجارنا في الجنة وكأننا ضمِنا الجنة، وكانت هذه تربية إسلامية ترغيبية صحيحة، والتي تجذب الطفل إلى تخيل جَنتهِ الخاصةِ بهِ وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر ببال إنسان.
وتعلمّنا أن التسبيح من أحب الكلمات إلى الله تعالى، ثقيلٌ في الميزان يوم القيامة، يُكفِّر الذنوب والخطايا، ويجعل المُسبِّح في درجات عُلا في الآخرة، وأن كلمة التسبيح أعظم صدقة، وأنها من غرس الجنة، وهي مفتاحٌ من مفاتيح أبواب السماء التي حين تسبق الدعاء تدفعهُ للقبول، تزيد في الرزق وصفاء الوجه ونوره وقبوله، وهي وصية الأنبياءِ عليهم السلام.
ولَكِن ما لم نتوارد فيه ولم نسمع بهِ من ذي قبل كثيرًا هو أن بجانب كل فوائد التسبيح العظيمة التي ذكرناها، أنها كذلك تَجلو القلب وتنظّفهُ وتجعلهُ مُضيئًا مُتعلقًا بالله. والإنسان المُسبِّح لله عَز وَجل يربط الله قلبهُ بنورهِ الذي هو نور السماوات والأرض، وبالتالي يرفعهُ درجات عن بقية أهل الأرض، ويبقى وكأنه يطير من فوقهم وهو على غيمة بيضاء تشع جمالًا لا ينالهُ أذاهمُ، ولا يزعجهُ قول أو فعل منهم، ويتحول إلى درجة الأولياء الصالحين حتى أنه لن يسعى للانتقام ممن يؤذيهِ إنما يدعو الله أن يهدي المؤذي ويرحمه حتى لا ينال عقاب الله ويحرم من الجنة.
ويصل الإنسان إلى تلك المرحلة العُليا من أن يكون قلبه وَنفسه في حماية من أثرِ الكلمة السيئة والفعل السيئ، وقد ذكر الله عز وجل ذلك في عدة آيات قرآنية منها:
"وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ" (الحجر: 97- 98)
"فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ" (ق: 39)
"فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا" (طه: 130)
نحن بالتسبيح لا نزرع فقط أشجارًا في جنتنا، إنما نبني درعًا منيعًا حول قلوبنا الإنسانية العاطفية الحساسة والهشة فنحميها من الأذى، والتحسس، واتخاذ مواقف شديدة مع من هم حولنا، وإيقاد الخصومة التي لايقدر عليها غير القلوب الغليظة المريرة، وكذلك ننقذ نفوسنا من الغرق في ملذات الحياة الدنيا. والتسبيحُ تطهيرٌ للقلبِ والنفس، وارتقاء بالروح إلى حضرةِ خالقها سبحانه.
فسبحان الله العظيم، الملك القدوس سبحانه عمّا يصفون.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الجنجويد أشَرْبُوا البَحَر جُوووتْ!!
مَن قال إنَّ التاريخ لا يعيد نفسه، فقد أخطأ، وكذَّبته وقاٸع و فظاٸع حرب المليشيا الإرهابية التی دارت رحاها فی ذات المكان، وهو الشريط النيلی وبذات (العقلية) التي تریٰ إن النيل كان يجب أن لا يجری إلَّا فی النواحي التي جاءوا منها، وكأنَّ مَن جعلوا من ضفاف نهر النيل سكناً قد حفروه خصيصاً لحرمانهم من تدفقه تجاه أراضيهم، وجرت المقولة التی تُضرَب عند المبالغة عن قِدَمِ أی شٸ فيقولون (ده من سَنَتْ حفروا البحر) وجاءت تسمية سكان الشريط النيلی بأهل البحر، إشارةً إلی من يقطنون علی ضفاف النيل!! وفی واحدةٍ من شطحات الدراويش الذين أُبْتُليتْ بهم بلادنا فی حقبة المهدية، قال القاٸد الميدانی لعبد الله ود تورشين (الأمير!!) يونس ود الدِّكيم مخاطباً النيل (بي الله كِي نشربوكَ جوووت).
وقد نُسِبَت له هذه المقولة غير المحققة، لكنَّ الثابت خِطابه لكتشنر والذی يقول فيه (من ود الدكيم سندانة الخيل، عفريت المشركين، إلی كتشنر زعيم الشِرك والملاحدة، يومك داك وبی الله كِی، يوم نلاقوكو فی لُبَ الوادی، نَتُفُوكُو تَفْ،ونَمْجَغُوكُو مَجِغْ ونَشَرْبُكُو جووووت، ونَتَّرعُكُو بااااع، ونعلِّقو بلابِيطْكُو لی كُلابَ الخلا،،ود أم زَقَدَة.) ومن بعض ما راج عن سيرة يونس ود الدكيم، ذلك الخطاب – الذی لا أثر له فی الوثاٸق – المُرسَل من عبد الله التعايشی خليفة مهدی الله، إلیٰ فكتوريا ملكة بريطانيا، سَلِّمی تَسْلَمِی، نعرض عليكِ الدخول فی الإسلام فإن قَبِلتِ وآمنتِ، ودخلتِ فی دين الله، طَهَّرْنَاكِ وزوجناكِ الأمير يونس ود الدكيم،إن قَبِلَ بذلك،والسلام علی من إتَّبع الهدی.
شاهدنا فی كل ذلك هو إنَّ البيٸة أو العقلية التی أنتجت (الجهدية) جنود المهدية أو الدراويش هی ذات البيٸة أو العقلية التی أنتجت الدعامة أو مليشيا الجنجويد !! فالممارسات هي ذات الممارسات، ويكاد الخلاف بين الحالتين أن ينحصر في إنَّ الدراويش يزعمون إنهم يقاتلون فی سبيل نشر المهدية!! والجنجويد أو جهدية هذا الزمان، يزعمون إنهم إنما يقاتلون فی سبيل جلب الديمقراطية مع إن منهم من ينطقها، بعد صعوبة بالغة (التيموغوراطيي) !! وإن إتَّفَقَ الجهدية والجنجويد فی قتل الآمنين، سبی النساء وتخريب العمران، ونهب الممتلكات، وتهجير السكان، واعتبار غيرهم مِن مَن لا يشاركهم الأصل (الجنيدي) بَحَّاري، أي من عيال البحر فهو إذاً حلال الدم، مستباح العِرض، مثل ما كان الجهدية يعتبرون كُلَّ من لا يٶمِن بمهدية المهدی، وخليفته عبد الله ود تور شين (كافر) قولاً واحداً، وإن شهِدَ أن لا إلٰه إلَّا الله وأنَّ محمَّداً عبده ورسوله وصلَّیٰ وصام، وقرأ القرآن !!
ومثلما خاطب خليفة المهدي قاٸد جيشه قريبه الشاب الطاٸش الغر عديم الخبرة محمود ود أحمد محرِّضاً إياه علی قتل الجعليين، وسواهم من أولاد البحر، بعد أن رَفَضَ المك الأمير عبد الله ود سعد زعيم الجعليين الطلب الشاذ الذی جاءه من التعايشی، بأن يُخلی المتمة من الرجال ويترك لهم النساء للخدمة والمتعة،(دايرين الأكلة السمحة والمَرة السمحة) فكانت كتلة المتمة، وذات العملية تتكرر فی قری الجزيرة بشكل شبه يومي حتی بلغ عدد القری التی أُجبر سكانها علی هَجْرِها قسراً بالمِٸات، وعدد النازحين بالآلاف، فما الذي يجمع بين الجهدية والجنجويد أو (جَنَاجِنيد) غير القتل والنهب والسرقة؟
وهاهم الآن يجنون ثمار ما زرعته أيديهم الآثمة، ويذيقهم جيشنا ذل الهزاٸم المتلاحقة، وهم في مُعْرَادِهِم، لا يلوون علی شٸ ويرفعون (لِباس الحكامة) رايةً لهم، ولا يجدون مَلجَأً أو مُدَّخلاً أو مغاراتٍ تَقِيهِم من جحيم الغارات التی يصليهم بها نسور الجو، ولا مركباً يعبر بهم النهر فما بقي لهم إلَّا أن (يَشَرْبُوا) البحر جووووت، ويخلو حُوتَاْ يَبَلْبِطْ فوق الطين، حالا كِی.كده الرسالة وصلت؟!!
كتب أحد الولاة لأحد عماله كتاباً مُهمل الحروف، أی غير منقوطة، وكل كلمتين في الخطاب تشبهان بعضهما وجاء فی فحویٰ الرسالة بعد ما قام بتنقيطها المرسل إليه ما يلی:-
(غَرَّك عِزُّك)
(فَصَارَ قُصارَ)
(ذلك ذلَك)
(فاخشَ فاحِشَ)
(فِعلَك، فَلَعَلَّك)
(بهذا تَهدأ)
فإذا حذفنا النقاط والحركات سنجد الخطاب مُبهماً، وهذا ما بات يُعرف بأمن المكاتبات، أو درجة السرِّيّة.
يلا يامليشيا ماعندكم طريقة غير تشربوا البحر جوووت.
-النصر لجيشنا الباسل.
-العِزة والمِنعة لشعبنا المقاتل.
-الخِزی والعار لأعداٸنا،وللعملاء.
-وما النصر إلَّا من عند الله.
-والله أكبر، ولا نامت أعين الجبناء.
محجوب فضل بدری
إنضم لقناة النيلين على واتساب