جريدة الرؤية العمانية:
2024-06-30@01:48:29 GMT

فضل التسبيح

تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT

فضل التسبيح

 

أنيسة الهوتية

جملة ارتبطت في الأذهان كلما وجدنا أحدًا يمسك في يدهِ السبحة أو المسبحة، وجملة ترسخت في قلوب المؤمنين حينما يتعجبون من أمر ما، أو حين إعجابهم بأي شيء من حولهم، وتلقائيًا وببرمجة إيمانية ينطقون جُملة "سُبحان الله".

وقَد تعلمنا مُذ نعومة أظفارنا أنه مع كل تسبيحة تنبت لنا شجرة في الجنة، فأصبحنا نتسابقُ على زيادة أشجارنا في الجنة وكأننا ضمِنا الجنة، وكانت هذه تربية إسلامية ترغيبية صحيحة، والتي تجذب الطفل إلى تخيل جَنتهِ الخاصةِ بهِ وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر ببال إنسان.

وتلقائيًا يتعلق بجنته التي لا يريد أن يخسرها أو أن تذهب من يدهِ بفعل خاطئٍ. ومع كل ذلك التعلق والتصور عن تلك الجنة الرائعة الجمال، تراهُ لا يأبه ولا ينبهر ولا ينجذب إلى أي شيءٍ دنيويٍ إلّا بما يليقُ بالمؤمن الحق، وإنْ كان يتعدى على الأعراف المجتمعية، غير أنه واثق الخطى يمشي ملكًا فيما يخص الدين الحق ويتقي ربهُ في فعله، وسمعه، وبصره، وقوله، ولا يتعدى على حدود الله أبدًا، وبذلك يكون فعلًا قد ضمن الجنة؛ لأنه قد أكمل هدف خلقِ الإنسان في الأرض العبادة أولًا، والإصلاحِ دون الفساد ثانيًا، كما هي رسالة الإسلام في قولهِ جَل وعَلا: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (الذاريات: 56)، وتكرارِ "وَلَا تُفْسِدُواْ فِى ٱلْأَرْضِ" في آياتٍ عدة كثيرات، توثيقًا بأن الإنسان الفاسد في الأرضِ هو من ينال غضب الله عليه.

وتعلمّنا أن التسبيح من أحب الكلمات إلى الله تعالى، ثقيلٌ في الميزان يوم القيامة، يُكفِّر الذنوب والخطايا، ويجعل المُسبِّح في درجات عُلا في الآخرة، وأن كلمة التسبيح أعظم صدقة، وأنها من غرس الجنة، وهي مفتاحٌ من مفاتيح أبواب السماء التي حين تسبق الدعاء تدفعهُ للقبول، تزيد في الرزق وصفاء الوجه ونوره وقبوله، وهي وصية الأنبياءِ عليهم السلام.

ولَكِن ما لم نتوارد فيه ولم نسمع بهِ من ذي قبل كثيرًا هو أن بجانب كل فوائد التسبيح العظيمة التي ذكرناها، أنها كذلك تَجلو القلب وتنظّفهُ وتجعلهُ مُضيئًا مُتعلقًا بالله. والإنسان المُسبِّح لله عَز وَجل يربط الله قلبهُ بنورهِ الذي هو نور السماوات والأرض، وبالتالي يرفعهُ درجات عن بقية أهل الأرض، ويبقى وكأنه يطير من فوقهم وهو على غيمة بيضاء تشع جمالًا لا ينالهُ أذاهمُ، ولا يزعجهُ قول أو فعل منهم، ويتحول إلى درجة الأولياء الصالحين حتى أنه لن يسعى للانتقام ممن يؤذيهِ إنما يدعو الله أن يهدي المؤذي ويرحمه حتى لا ينال عقاب الله ويحرم من الجنة.

ويصل الإنسان إلى تلك المرحلة العُليا من أن يكون قلبه وَنفسه في حماية من أثرِ الكلمة السيئة والفعل السيئ، وقد ذكر الله عز وجل ذلك في عدة آيات قرآنية منها:

"وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ" (الحجر: 97- 98)

"فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ" (ق: 39)

"فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا" (طه: 130)

نحن بالتسبيح لا نزرع فقط أشجارًا في جنتنا، إنما نبني درعًا منيعًا حول قلوبنا الإنسانية العاطفية الحساسة والهشة فنحميها من الأذى، والتحسس، واتخاذ مواقف شديدة مع من هم حولنا، وإيقاد الخصومة التي لايقدر عليها غير القلوب الغليظة المريرة، وكذلك ننقذ نفوسنا من الغرق في ملذات الحياة الدنيا. والتسبيحُ تطهيرٌ للقلبِ والنفس، وارتقاء بالروح إلى حضرةِ خالقها سبحانه.

فسبحان الله العظيم، الملك القدوس سبحانه عمّا يصفون.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حماس فكرة أم حقيقة صلبة على الأرض؟

الاعتراف بالهزيمة والفشل مسألة غاية في الصعوبة، خصوصا من كيان يمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة وجيش مدرب على أحدث التقنيات والتكتيكات العسكرية، لكن ماذا يعني الاعتراف المتكرر بأن حماس فكرة لن تختفي، سواء كان ذلك على لسان الناطق باسم جيش الاحتلال "دانيال هغاري" أو على لسان "بيني غانتس"، العضو السابق في حكومة الحرب المنحلة -زعيم معسكر الدولة المعأرض- الذي قال الثلاثاء الماضي بأن حماس فكرة لا يمكن القضاء عليها ولكن يمكن القضاء على تطبيقاتها؟

عبارة غامضة لا تختلف عما قاله هغاري عندما أكد استحالة القضاء على حركة حماس؛ مطالبا الحكومة التي يترأسها نتنياهو تقديم رؤية واستراتيجية لليوم التالي للحرب، ذلك أن اليوم التالي إن أطل برأسه فإن حماس لن تغيب عنه، بل ستكون حاضرة في تفاصيله وفي تفاصيل الرؤية والاستراتيجية المقترحة إسرائيليا وأمريكيا.

فكرة حماس التي لن تهزم أقر بها المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي قبل أشهر قليلة، داعيا الكيان المحتل لضرورة إعداد خطة لليوم التالي للحرب، الأمر الذي يعجز الاحتلال عن صياغته لغياب البدائل الممكنة أو القادرة على الصمود في وجه المقاومة الفلسطينية كقوة صلبة، وفي مواجهة الفكرة التي تمثلها حماس كمقاومة وثقافة ملتصقة بالحاضنة الاجتماعية.

تكرار العبارة "حماس فكرة" إقرار غير مباشر وصريح بالفشل والعجز عن إقصائها وهزيمتها كحركة مقاومة فلسطينية، إلا أن التعامل مع هذه الحقيقة لا زال يتم بوضع سياق طويل من المقترحات لمواجهة الفكرة التي تمثلها حماس، إما لمحاصرتها واحتوائها، وإما بهزيمتها بأدوات عسكرية وسياسية وبمجهود دولي وأوروبي، والأهم عربي،
تكرار العبارة "حماس فكرة" إقرار غير مباشر وصريح بالفشل والعجز عن إقصائها وهزيمتها كحركة مقاومة فلسطينية، إلا أن التعامل مع هذه الحقيقة لا زال يتم بوضع سياق طويل من المقترحات لمواجهة الفكرة التي تمثلها حماس، إما لمحاصرتها واحتوائها، وإما بهزيمتها بأدوات عسكرية وسياسية وبمجهود دولي وأوروبي، والأهم عربي، وهي رؤية تتجاهل الموقف الدولي المنكشف لأمريكا والاحتلال الإسرائيلي بعد المجازر المقترفة في قطاع غزة، في مقابل صمود المقاومة وتجذر فكرتها في الإقليم وتحولها إلى أيقونة تعوزها تحالفات إقليمية يصعب القفز عنها أو فصل ساحاتها، وأخيرا صراع وتنافس دولي لن يسمح لأمريكا و"إسرائيل" بحسم المعركة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا التي تخوض مواجهة مع الصين وروسيا.

فكرة حماس تدعمها بيئة دولية وإقليمية يغلب عليها الاستقطاب والصراع، وصمود يكاد يتم شهره التاسع منتقلا إلى الشهر العاشر، فما بعد رفح التي راهن على اجتياحها نتنياهو لا زالت حماس القوة الفاعلة والمؤثرة في الميدان وفي الإقليم كونها أحبطت مخططات الاحتلال في الحسم وأعجزته عن رسم ملامح المرحلة بتعزيز انقساماته وتناقضاته الداخلية.

حركة حماس بهذا المعنى تجاوزت كونها فكرة نحو كونها حقيقة مادية واقعة على الأرض ومؤثرة في فضائها المحلي والإقليمي، فهي جسم سياسي وعسكري لا زال فاعلا، ما يجعل الرهان على تفككها من خلال الضغط العسكري وهْم وسراب، في حين المراهنة على منظومة التحالفات السياسية والعسكرية للولايات المتحدة في المنطقة العربية والإقليم لتفكيك المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس يضاعف الضغوط على الشراكة الأمريكية العربية، ويهدد بتفكك وخلخلة النفوذ الأمريكي وإضعافه.

الضغوط على بنية النفوذ الأمريكي عنصر حاسم في إضعاف تحالفاتها وشراكاتها، إذ يتوقع أن تدفع دول المنطقة للبحث عن خيارات أقل ضررا كما حدث في الموقف المتخذ من الحرب الأوكرانية
الضغوط على بنية النفوذ الأمريكي عنصر حاسم في إضعاف تحالفاتها وشراكاتها، إذ يتوقع أن تدفع دول المنطقة للبحث عن خيارات أقل ضررا كما حدث في الموقف المتخذ من الحرب الأوكرانية، بتمسك دول الإقليم العربية باتفاق "أوبك بلس" النفطي مع موسكو، ورفض الانضمام لتحالفات وشراكات أمريكية عنوانها محاصرة الصين والصراع في منطقة الباسيفيك.

أمريكا تختبر تحالفاتها وشراكاتها وتضغط للدفع بها نحو أقصى طاقتها، ضغوط يتوقع أن تُلحق مزيدا من الضرر بنفوذ الولايات المتحدة الأمريكية التي فقدت تأثير قوتها الناعمة لحساب المقاومة الفلسطينية وفكرة حماس الصلبة على الأرض التي هزمت فكرة أمريكا التطبيعية في المنطقة العربية، وهو السر الكامن وراء تكرار المسؤولين الأمريكان والإسرائيليين القول: إن حماس فكرة، فهو تعبير مجازي يتجاوز الإشارة إلى الصمود الميداني والحاضنة الاجتماعية التي أشارت لها مجلة فورين أفيرز (Foreign Affairs) الأمريكية التابعة لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، في مقالة للكاتب الأمريكي روبرت بيب، "حماس تنتصر"، نحو هزيمة استراتيجية إقليمية أعمق في شقيها الناعم والصلب (التطبيعي والعسكري)، هزيمة وفشل أُخفيا خلف عبارات منمقة اعتقد الأمريكي والإسرائيلي أن التلاعب بتوصيفهما يحد من أثرهما ويساعد في احتوائهما مستقبلا.

x.com/hma36

مقالات مشابهة

  • سرد الزمن.. في لوحات عبد الله إدريس
  • ملائكة يمشون على الأرض ..
  • ???? ستضيق الأرض بما رحبت بمليشيات وعصابات الجنجويد
  • كيف فسّر الشعراوي آيات وصف الجنة في القرآن؟.. بها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت
  • حماس فكرة أم حقيقة صلبة على الأرض؟
  • واعظ بالأزهر: الزكاة والصدقة باب عظيم من أبواب الرحمة على الأرض
  • قاسم: المقاومة في لبنان هي وطنية بامتياز لأنَّها حررت الأرض
  • فلسفة الصبر
  • خليل الشكيلي : يتدرج الذاكر لله عبر ثلاث مراحل وهي التخلي والتحلي والتجلي
  • أبنية تشبه الأهرامات.. هل ثمّة حضارة مندثرة في المريخ؟