كانت لا تقرأ ولا تكتب، وفي شبابها كانت تحتطب، وتعود إلى دارها بحزمة من الشيح والوسبة والبلّان على رأسها وقد سترت وجهها بمنديل في حين لم يكن في البرّية تلك سوى الأودية والجبال.
والكتابة أمانةٌ يا أمّي، فقد نجوتِ من الأفعى التي كانت نائمة في كيس الطحين، وقد عجنتِ وخبزتِ على الصّاج، وحملت أحد عشر بطناً بين ذكر وأنثى، وكنت طويلة القامة، معتدلة مثل سنبلة، وحين قسم الله أن يتزوّجك أحمد.
ذات يوم لم يكن شاي في الدار، فعمدتِ إلى تنشيف بقايا شاي الأمس في الإبريق، وقمت بِغَليْه مرة ثانية لتصنعي شاياً للعائلة، يا عمود العائلة..
كيف خطرت لك فكرة الشاي تلك، أيتها الحطّابة الشابة، وكيف أسقيتِ أحد عشر فماً حليباً صافياً، وقبل ذلك، كنت خرجتِ مع أبيك هاشم من بئر السبع إلى أريحا، ومن أريحا إلى مأدبا، ومن مأدبا إلى القبر؟
رأيتِ في الدنيا الكبيرة هذه كلها ثلاث مدن:.. مكّة لفريضة الحج، وعمّان للعلاج، والشارقة كي تري الدنيا، وجئتِ بحقيبة يد رمادية، أوّل مرة تحملين حقيبة.. وأنتِ فوق السبعين، أنتِ التي كنتِ تحتطبين الأغصان والعيدان التي تشبه قامتك النحيلة.
والكتابة أمانة يا أم محمود، فلم أرك ذات يوم شرهة على طعام، ولم أرك باذخة الثياب، ولم أرَ على وجهك في كل حياتي لوناً أو كُحلاً.. كنت تحبّين المخمل، وقد أتيتُ لك به، وكنت تصنعين ثوبك بخيط إبرتك، وإذا خرجت إلى زيارة أو حاجة، لم أرَ على وجهك تبرجاً أو زينة.
كانت زينتك في داخلكِ، زينة لا يعرفها أحد إلاّ خالقك رب العالمين، أيتها البسيطة مثل كسرة خبز، المكتفية دائماً بالقليل.. القليل الذي هو كثيرُ روحِك الكبريائية المفعمة بالإيمان، وأنت تبادرين إلى إفطار الناس الذين فقدوا أحباءَهم في الموت بالقليل الذي عندك منذ أوّل الصباح، وقد حملت لناسك أولئك الخبز، وما تيسّر من بيتك.
الكتابة أمانة، وأنت أمينة وآمنة ومؤمنة وأمومية منذ حطبك الأول وأنت في شبابك، ثم، حتى نومك الأبدي في كل بياضك الذي رأيته وانحنيت عليه، وقبّلته، وخرجت إلى يُتْمي في الستين.
تركت لي الحطابة الشابة حياتها كلّها على شكل شريط من الصور والألوان والأصوات، كانت تحب التطريز بالإبرة وخيوط الحرير ببطء وصمت فوق قماشها الأسود دائماً، وكانت تصنع ثياباً ليست للبيع أبداً.. فقط كانت تحتطب، وتطرّز..ورثت عنها حطبها وتطريزها:.. «الكتابة»..
يوسف أبو لوز – الحطابة الشابة
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
علاجك بالمجان وأنت في مكانك!.. قافلة طبية بقرية في المنيا تشمل كافة التخصصات الطبية
شهد اللواء عماد كدواني، محافظ المنيا، فعاليات قافلة طبية مجانية ومتكاملة نظمها حزب مستقبل وطن في قرية برطباط التابعة لمركز مغاغة، وذلك في إطار الجهود المبذولة لدعم القطاع الصحي وتوفير الرعاية الطبية الشاملة للمواطنين.
وجاءت هذه القافلة في إطار التعاون المثمر بين الجامعة البريطانية ومؤسسة أبو حتة الخيرية، وبالتنسيق مع مديرية الصحة بالمنيا، وذلك بهدف الوصول إلى الفئات الأكثر احتياجًا في القرى والمناطق النائية وتقديم الخدمات الطبية اللازمة لهم بالمجان.
وخلال تفقده للفعاليات، أكد المحافظ على دعمه الكامل لكافة المبادرات الصحية والقوافل العلاجية التي تساهم بشكل فعال في تحسين جودة الخدمات الطبية المقدمة لأهالي المحافظة، مشدداً على أن الاهتمام بالقطاع الصحي يأتي على رأس أولويات القيادة السياسية، وأن المحافظة تسعى جاهدة لتنفيذ هذه التوجيهات على أرض الواقع.
من جهته، أوضح محسن حتة، الأمين المساعد لحزب مستقبل وطن بمحافظة المنيا، أن القافلة الطبية قدمت خدمات علاجية في العديد من التخصصات الحيوية، شملت الرمد، والباطنة، والأطفال، والعظام، والقلب والصدر، والنساء والتوليد، والمخ والأعصاب. بالإضافة إلى ذلك، تم توفير خدمات التحاليل الطبية وإجراء عمليات المياه البيضاء والحول، وتوزيع نظارات طبية بالمجان على المستحقين.
كما شهدت القافلة مشاركة فعالة من كلية طب الأسنان بالجامعة البريطانية، حيث قدمت الكلية خدمات الحشو والخلع وتنظيف الأسنان مجانًا للمستفيدين.
وتأتي هذه القافلة الطبية المجانية في إطار سلسلة من المبادرات والجهود التي تبذلها محافظة المنيا بالتعاون مع مختلف الجهات لدعم المنظومة الصحية وتوفير الرعاية الطبية اللازمة لجميع المواطنين في أنحاء المحافظة.