رسالة من عام 2714
تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT
ماجد المرهون
majidomarmajid@outlook.com
وجدت هذه الرسالة القديمة مؤرخة بعام 2024؛ بمعنى أنَّها قبل 690 عامًا من اليوم، حين كان فتيل الخلافات في العالم قد اشتعل وأوشكت النزاعات على الانفجار لتشكل الحرب العالمية الثالثة حسب التاريخ الذي تعلمنا شيئًا منه في مراحل دراستنا الطفولية، وطبعًا الحديث هنا عن أبناء الجيل من مواليد عام 2670 ميلادية وما قبله، أما بالنسبة للأجيال الجديدة فقد التبست عليهم بعض الأحداث والمفاهيم المغلوطة التي يستقونها من شبكات الأقمار الاصطناعية والخلط بين الحرب العالمية الثالثة والرابعة، وإن كان التفريق بينهما لا يتطلب كثيرًا من العناء لبلوغ الحد الأدنى من الفهم، وكذلك وقع العالم القديم -العصر الحديث بتعريفهم- في الخلط بين الحرب الأولى والثانية ولسان حالي يقول: "عجبًا لحال أولئِك القوم، من كان يلعب بعقولهم؟! ألا يوجد بينهم رجلٌ رشيد؟!"
عمومًا، وكما فعل ابن جبير الأندلسي وكولومبوس وماجلان من قبل، فإنَّ الرسالة هنا تذكر أنَّ علماء وكالة "ناسا" يكتشفون المريخ باعتبار أنَّ ذلك حدثًا مُعجبًا، ثم الكواكب القريبة من الأرض التي ناء التوسع البشري وأطماعه بمساحاتها الطبيعية، وتُعرف لاحقًا تلك المساحة المُحاطة بسياجٍ أو سور بمفهوم الوطن ثم يتنازعون أمرها بينهم، ويتركز محور الرسالة حول الأحداث السابقة للحرب العالمية الثالثة وإن كانت لم تقع ضمن المفهوم المتعارف عليه للحروب العالمية كونها نشبت بعيدًا عن مراكز الدول التي تُديرها وهي أقرب ما تكون للحروب الصليبية في العصر الكلاسيكي ذات اللمسة الدينية المقدسة بمعتقد الغُزاة، وليس كما حدث في الحرب العالمية الأولى والثانية حين كان الصراع المباشر بين دولةٍ وأخرى أو تحزب دولٍ متحالفة ضد دولةٍ أو عدة دول، إلا أن المبدأ تقريبًا واحد في كل الحروب؛ إذ لا تُفهم الحقائق إبان استعار أوارها وحتى لمن عايشها باستثناء فئةٍ قليلةٍ من كبار الساسة ومن الذين يقودون تلك المفتعلات حتى تتكشف بعد عشرات السنين من انتهائها، ويتفق الجميع بأن كل فئة حاربت لأجل تغليب مصلحتها وهو حقٌ من منظورها وجب الانتصار له، مع الاعتراف بأن هذا الحق كان يعمد لفرض هيمنة طرفٍ على آخر، وبسط سطوة المنتصر ومد نفوذه على الطرف المهزوم تمهيدًا لإقصائه ومسحه من الوجود وتخلو الساحة للقوي ويستبد بالأمر ويصبح المتحكم التام والآمر الناهي والمُصدر للأنظمة والقوانين والمسيطر على مفاصل الحياة والمتحكم بمجرياتها وسحق كل إرادة مناوئة له.
قبل قرابة سبعة قرونٍ كانت دول أمريكا الشمالية متحالفة تحت إدارة رئيسٍ واحدٍ منتخب باتفاق التكتُل العام ليشكل ما كان يعرف بالولايات المتحدة الأمريكية، ومن منظور الاتحاد ورئيسه فإنهم يعتقدون بسيادتهم وأنهم أصحاب الحق الأول للتحكم ببقية دول العالم، وقد أكسبهم النفوذ العسكري والمالي والعلمي اعتناق ذلك الاعتقاد، بالمقارنة مع بقية دول العالم والعالم الثالث على وجه الخصوص بحسب تقسيماتهم الطبقية آنذاك، ويبدو أنهم كانوا يعشقون التقسيمات التعريفية الغريبة ذات الفوقية والدونية والتصنيفات التي تحمل الدلالات اللونية، والتأشيرات النفسية والسلوكية من خلال الأديان والأعراق والمِلل، ومالاحظته أيضًا أنهم كانوا يُسَمون أنفسهم بالغرب وبالعالم الأول وباللون الأبيض وبأبناء المسيح وأبناء الرب وغيرها من العنصريات التي يتظاهرون بمقتها، وهي ملاحظة جعلتني أتفكر فيها طويلًا حيث تزينت لهم الدنيا واستتبت لهم كل سبل العيش الكريم والرفاه، ولكن غوائل الزخرفة في الفلسفة الإبليسية تُمنطق الاستبداد؛ بل وتجاوز الأمر إلى أبعد من ذلك عندما وضعوا لأنفسهم المعيار الفوقي من ناحية المكان جغرافيًا والمكانة علميًا والثقافة والسياسة والإعلام، وقد تمكنوا إلى حدٍ بعيدٍ من تأصيل تلك المعايير في الوعي العام لشعوب العالم وبات من غير اليسير لدى كثيرٍ من الناس التخلص منها أو القبول بغيرها، وعلى كل حال كانت حضارة تلفظ أنفاسها الأخيرة.
عمومًا، كان ماسبق هو تلخيص مفهوم الفكر والثقافة السائدة في العالم في ذلك الوقت، وعودًا على مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثالثة قبل 690 عامًا، والتي اتخذت أشكالًا متعددة من النزاعات وكان أبرزها محاولة فرض كيان صهيوني متعدد الجنسيات والقوميات مع مسحةٍ دينية أو على الأقل في المظهر العام، كانت المحاولة تستهدف العالم العربي الذي كان حينها شديد التفكك، وفي مرحلة ضعفٍ هي أقرب ما تكون إلى دويلات الطوائف في الأندلس قبل سقوطها كلها، وقد استمرت فترة محاولة إحلال ذلك الكيان الذي لا يتحمل النفخ لأكثر من 80 عامًا بغرض السيطرة على موارد تلك المناطق ثم تعظيمه للتحكم بالمنافذ البحرية المُطلة على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، ويصبح التحكم بعد ذلك بالمحيطين الأطلسي والهندي تحصيل حاصل من خلال السيطرة على الحكومات التي تُشرف على جبل طارق وباب المندب؛ إذ كانوا يعتمدون- آنذاك- على السفن والتجارة البحرية ومحركات احتراق الوقود الأحفوري وليس كما هو الحال اليوم في الاعتماد على النقل الجوي الهيدروجيني وما تحت البري في الكبسولات الكهرومغناطيسية منخفضة الضغط أو كما تُسمى عرفيًا بـ"أنفاق غزة".
وأكثر ما يدعو للغرابة هو أنَّ قوة الولايات الأمريكية التي كانت كلها متحدة مع إسناد من بعض دول أوروبا لم تتمكن من فرض الكيان الصهيوني مع كل المقومات الصناعية والممكنات المالية والعلمية التي لا تبقي مجالًا للشك بإمكانية بسط نفوذها كيفما شاءت وأينما أرادت.
في عام 2023، وتحديدًا في شهر أكتوبر تعاظمت قوة حركةٍ شعبيةٍ للمقاومة تسمى "حماس" ويقال إنها تأسست قبل ذلك ولكن لم يكن مفعولها العملي قد اتخذ منحنى جادًا، من حيث التخطيط لإطالة عمر المعركة إلا بعد "طوفان الأقصى" وهو العيد الوطني الذي ما زالت تحتفل به دول الشام إلى اليوم، وأنهكت هذه الحركة الناشئة بجنود قلائل من "كتائب القسام" التحالف الأمريكي والأوروبي والإسرائيلي الصهيوني الباحث بظلفهِ عن موطئ قدم على التراب العربي -الوطن العربي بحسب التقسيمات المعروفة آنذاك- ووقفت في وجه جيشهم المؤدلج حين أشيعت تقريظاتٍ بأنه لا يقهر، وقد أذاقتهم المقاومة المرار والخسار وعصفت بقواتهم عصفًا عظيمًا، مع أنها في مقاييس الردع العسكري لاتدخل ضمن نطاق تصنيفات القوة المضادة ولا المكافئة ولكنها فعلت وتمكنت من إحكام قبضتها على مجريات الأحداث رغم الحجم الهائل للتضحيات التي قدمتها؛ سواءً على مستوى عدد القتلى والمصابين أو الدمار الشامل الذي لحق بمنطقتهم -غزة الحرة- حسب ماجاء في مذكرات الحفيد الثامن للمناضل الشهير السنوار، ومن تحت أرض هذه البقعة الصغيرة من العالم تأججت الخلافات في عمق الكيان المزعوم والذي صدره بدوره ليطال القيادة الأمريكية وتحفيز ولاياتهم المتحدة على الانفصال.
ماتت الحركة الصهيونية كما مات اتحاد الولايات الأمريكية ودولارها وأورامها في الرأس مالية والاتحاد السوفيتي والاشتراكية من قبل والحروب الصليبية والخرافات الأسطورية ويُروى تاريخهم في صفحات كما يروى تاريخ الدولة الإسرائيلية البائدة في سطور، إلّا أن الشرارة الصغيرة في رفاة معتنقي الصهيونية لا زالت تدغدغ مشاعر الإرث القديم الساعي لإحياء تكتل جديد في بؤرة مخصصة لهم على اليابسة المتصلة بالدول، وبعث الحلم التلمودي للحياة من مرقده ولن تخبو جذوته طالما أنَّ هناك من يفكر بأنانية الاستحواذ وامتلاك كل شيء لنفسه على حساب القوانين والأعراف والقيم الإنسانية، وبما أن الكسر قد أصاب شوكتها وطال معقلها فلن تقوم لها قائمة على الأقل خلال المئة عام القادمة مع الصراعات المستمرة بين دويلات أمريكا الشمالية وحالة العوز وشح الموارد التي تعاني منها الدول الأوروبية.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
"وحش لندن".. قاطع أجساد النساء الذي ظهر قبل جاك السفاح
كانت نساء لندن ترفضن كثيراً مغادرة المنزل بمفردهن، بينما يتجول في شوارع المدينة رجل مجنون، يلاحق ضحاياه الإناث ويقطع ويشوه أجسامهن، وعرض رجال أثرياء مكافآت نقدية ضخمة لمن يعثر عليه، وأصبحت دوريات الحراسة تجول ليل نهار، وفشلت الشرطة لعامين في القبض عليه.
كان هذا قبل 100 عام من ظهور جاك السفاح الشهير.
وعرف الرجل باسم "وحش لندن"، وهو مجرم متسلسل تاريخي، غير أن كثيرين لم يسمعوا عنه من قبل، وقد أرعب العاصمة البريطانية، وفق ما روت "دايلي ميل".
ووحش لندن، وهو مختل عقلي، كان له أكثر من 50 ضحية معروفة، منهن 6 في يوم واحد، وكان يهاجم النساء خارج المنازل في الأحياء والمتنزهات، مدفوعاً بما قيل إنه انحراف جنسي يسعى لتمزيق جلد المرأة.
وتم الكشف عن قصته من قبل المؤرخ الأكاديمي والهواة الدكتور جان بوندسون، الذي وجد ملصقًا عنه كمطلوب، وتاريخ الملصق يعود لـ 200 عام في سجلات المكتبة البريطانية، ثم درس بعناية الوثائق والصحف والرسوم الكاريكاتورية وسجلات المحكمة ليحكي قصة الوحش لأول مرة.
وعلى مدار عامين، من 1788 إلى 1790، قام وحش لندن بجرح النساء عبر الأرداف أو البطن أو الوجه بسكين أو مسمار أو مشرط، وكان يقترب دائماً من ضحيته من الخلف حتى لا يظهر وجهه، قبل أن يقطع هدفه بسكين حاد، و قيل إنه كان يصرف انتباه الضحية بالصراخ: "هل هذا أنت؟".
وطُعنت بعض النساء بمسامير حادة في نهاية الركبة، وكان معروفًا أيضاً بحمله باقة زهور، ويخفي في وسطها مسماراً، يستخدمه لطعن المرأة في وجهها وأنفها.
ومع انتشار الذعر، قامت بعض النساء بخياطة أواني الحساء تحت فساتينهن لحماية أنفسهن، فيما قامت النساء الثريات في المجتمع بصنع تنانير معدنية.
واستهدف الجاني الملقب بالوحش، الشابات المرتديات ملابس أنيقة.
اختراق الجلد
وأثارت جرائمه الذعر بطريقة لم تشهدها البلاد مرة أخرى إلا عندما ضرب جاك السفاح في لندن عام 1888.
ومرة أخرى عندما قتل سفاح يوركشاير 13 شخصاً بين عامي 1975 و1980 في جميع أنحاء شمال إنجلترا، وكان دافع وحش لندن هو الوخز.
وبعد قرن من الزمان، كان لدى جاك السفاح نفس الانحراف وأصبح السمة المميزة لجرائم القتل التي ارتكبها.
وكتب الدكتور جان بوندسون عنه في كتابه "وحش لندن: الرعب في الشوارع"، ورغم أن بائع الزهور وراقص الباليه الويلزي رينويك ويليامز تم اعتقاله ومحاكمته في النهاية، إلا أن الشكوك لا تزال قائمة حول ما إذا كان هو الوحش الحقيقي، أو في الواقع، ما إذا كان هناك واحد أو أكثر من المقلدين.
وقال الدكتور بوندسون: "كانت طريقة عمل وحش لندن هي الاقتراب من ضحيته من الخلف، وكان يتحدث إليهم أحياناً بلغة مسيئة أو يصرخ أوه، هل هذا أنت؟، مثل بعض الأشرار المسرحيين، ثم يقطع في الفخذين أو الأرداف، وهاجم بعض الضحايا باستخدام مسمار بارز من ركبته، وهاجم الوحش النساء في منطقة مايفير وسانت جيمس في لندن، وكذلك بالقرب من قصر باكنغهام اليوم، حول غرين بارك".
وكانت النساء في حالة ذعر، واتبعن طرقاً غير عادية لحماية أنفسهن، فاشترت سيدات لندن الميسورات "أردافًا من الفلين" لربطها أسفل تنانيرهن أو حتى ارتدين تنانير نحاسية، لكن السيدات الأقل ثراءً اضطررن إلى استخدام وعاء طبخ بدلاً من ذلك، و قال الدكتور بوندسون: "وعلى الرغم من تعرض بعض الضحايا للانتهاك، كانت هناك نساء تظاهرن بالهجمات من أجل الشهرة وأسباب أخرى، نظرا لأنه كان يُعتقد أنه يقطع النساء الصغيرات الجميلات الأنيقات فقط، فقد قامت العديد من النساء بتزوير هجمات الوحش لجعل الناس يعتقدون أنهن ما زلن جذابات".
وأضاف: "كان هناك أيضًا احتمال وجود أكثر من وحش واحد".
وحين قبض على الوحش أخيراً، قيل إنه راقص باليه ويلزي يكره النساء وقد تم فصله من دوره في ويست إند.
راقص الباليه
وفي الأشهر التي سبقت القبض على الوحش، اجتاحت الهستيريا العاصمة، ونشرت الصحف ملصقات تصور جرائمه الدنيئة وتم وضع مكافأة قدرها 100 جنيه إسترليني (7700 جنيه إسترليني بأسعار اليوم) على رأسه، و قام صائدو الجوائز بضرب الرجال الأبرياء الذين أثاروا الشكوك، وتكهن البعض بأن الوحش كان نبيلاً مجنوناً عازماً على تشويه كل امرأة جميلة في العاصمة، أو حتى كائنًا خارقًا للطبيعة يمكنه أن يجعل نفسه غير مرئي للتهرب من الاكتشاف.
و أخيراً، في 13 يونيو 1790، تم القبض على المشتبه به، باسم راينويك ويليامز، 23 عاماً، من مسرح لارتكابه سرقة وتم التعرف عليه على أنه الوحش من قبل الضحية آن بورتر في جرين بارك، وسط لندن.
وكاد أن يُشنق على يد حشد.
وقد حوكم ويليامز وأدين بجنحه في محكمة أولد بيلي، لكن حُكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات في سجن نيوجيت، وما حدث له بعد إطلاق سراحه لا يزال لغزاً.
وكشف الدكتور بوندسون عن شكوك جدية حول ما إذا كان ويليامز مسؤولاً بالفعل عن كل الجرائم القذرة، وقال إن الشرطة ربما أجبرت الضحايا على التعرف عليه، وبينما كان ويليامز شخصية "غير مرغوب فيها"، فإنه يعتقد أنه ربما استُخدم ككبش فداء للجرائم في محاولة لإنهاء الذعر في الشوارع.
وبعد إجراء بحث متعمق، قال الدكتور بوندسون إنه من المرجح أن تكون هذه الجرائم قد ارتكبها مجموعة من المجرمين الذين تورطوا في أول جريمة "تقليد" معروفة.