جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-12@22:13:54 GMT

رسالة من عام 2714

تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT

رسالة من عام 2714

 

 

ماجد المرهون

majidomarmajid@outlook.com

 

 

وجدت هذه الرسالة القديمة مؤرخة بعام 2024؛ بمعنى أنَّها قبل 690 عامًا من اليوم، حين كان فتيل الخلافات في العالم قد اشتعل وأوشكت النزاعات على الانفجار لتشكل الحرب العالمية الثالثة حسب التاريخ الذي تعلمنا شيئًا منه في مراحل دراستنا الطفولية، وطبعًا الحديث هنا عن أبناء الجيل من مواليد عام 2670 ميلادية وما قبله، أما بالنسبة للأجيال الجديدة فقد التبست عليهم بعض الأحداث والمفاهيم المغلوطة التي يستقونها من شبكات الأقمار الاصطناعية والخلط بين الحرب العالمية الثالثة والرابعة، وإن كان التفريق بينهما لا يتطلب كثيرًا من العناء لبلوغ الحد الأدنى من الفهم، وكذلك وقع العالم القديم -العصر الحديث بتعريفهم- في الخلط بين الحرب الأولى والثانية ولسان حالي يقول: "عجبًا لحال أولئِك القوم، من كان يلعب بعقولهم؟! ألا يوجد بينهم رجلٌ رشيد؟!"

عمومًا، وكما فعل ابن جبير الأندلسي وكولومبوس وماجلان من قبل، فإنَّ الرسالة هنا تذكر أنَّ علماء وكالة "ناسا" يكتشفون المريخ باعتبار أنَّ ذلك حدثًا مُعجبًا، ثم الكواكب القريبة من الأرض التي ناء التوسع البشري وأطماعه بمساحاتها الطبيعية، وتُعرف لاحقًا تلك المساحة المُحاطة بسياجٍ أو سور بمفهوم الوطن ثم يتنازعون أمرها بينهم، ويتركز محور الرسالة حول الأحداث السابقة للحرب العالمية الثالثة وإن كانت لم تقع ضمن المفهوم المتعارف عليه للحروب العالمية كونها نشبت بعيدًا عن مراكز الدول التي تُديرها وهي أقرب ما تكون للحروب الصليبية في العصر الكلاسيكي ذات اللمسة الدينية المقدسة بمعتقد الغُزاة، وليس كما حدث في الحرب العالمية الأولى والثانية حين كان الصراع المباشر بين دولةٍ وأخرى أو تحزب دولٍ متحالفة ضد دولةٍ أو عدة دول، إلا أن المبدأ تقريبًا واحد في كل الحروب؛ إذ لا تُفهم الحقائق إبان استعار أوارها وحتى لمن عايشها باستثناء فئةٍ قليلةٍ من كبار الساسة ومن الذين يقودون تلك المفتعلات حتى تتكشف بعد عشرات السنين من انتهائها، ويتفق الجميع بأن كل فئة حاربت لأجل تغليب مصلحتها وهو حقٌ من منظورها وجب الانتصار له، مع الاعتراف بأن هذا الحق كان يعمد لفرض هيمنة طرفٍ على آخر، وبسط سطوة المنتصر ومد نفوذه على الطرف المهزوم تمهيدًا لإقصائه ومسحه من الوجود وتخلو الساحة للقوي ويستبد بالأمر ويصبح المتحكم التام والآمر الناهي والمُصدر للأنظمة والقوانين والمسيطر على مفاصل الحياة والمتحكم بمجرياتها وسحق كل إرادة مناوئة له.

قبل قرابة سبعة قرونٍ كانت دول أمريكا الشمالية متحالفة تحت إدارة رئيسٍ واحدٍ منتخب باتفاق التكتُل العام ليشكل ما كان يعرف بالولايات المتحدة الأمريكية، ومن منظور الاتحاد ورئيسه فإنهم يعتقدون بسيادتهم وأنهم أصحاب الحق الأول للتحكم ببقية دول العالم، وقد أكسبهم النفوذ العسكري والمالي والعلمي اعتناق ذلك الاعتقاد، بالمقارنة مع بقية دول العالم والعالم الثالث على وجه الخصوص بحسب تقسيماتهم الطبقية آنذاك، ويبدو أنهم كانوا يعشقون التقسيمات التعريفية الغريبة ذات الفوقية والدونية والتصنيفات التي تحمل الدلالات اللونية، والتأشيرات النفسية والسلوكية من خلال الأديان والأعراق والمِلل، ومالاحظته أيضًا أنهم كانوا يُسَمون أنفسهم بالغرب وبالعالم الأول وباللون الأبيض وبأبناء المسيح وأبناء الرب وغيرها من العنصريات التي يتظاهرون بمقتها، وهي ملاحظة جعلتني أتفكر فيها طويلًا حيث تزينت لهم الدنيا واستتبت لهم كل سبل العيش الكريم والرفاه، ولكن غوائل الزخرفة في الفلسفة الإبليسية تُمنطق الاستبداد؛ بل وتجاوز الأمر إلى أبعد من ذلك عندما وضعوا لأنفسهم المعيار الفوقي من ناحية المكان جغرافيًا والمكانة علميًا والثقافة والسياسة والإعلام، وقد تمكنوا إلى حدٍ بعيدٍ من تأصيل تلك المعايير في الوعي العام لشعوب العالم وبات من غير اليسير لدى كثيرٍ من الناس التخلص منها أو القبول بغيرها، وعلى كل حال كانت حضارة تلفظ أنفاسها الأخيرة.

عمومًا، كان ماسبق هو تلخيص مفهوم الفكر والثقافة السائدة في العالم في ذلك الوقت، وعودًا على مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثالثة قبل 690 عامًا، والتي اتخذت أشكالًا متعددة من النزاعات وكان أبرزها محاولة فرض كيان صهيوني متعدد الجنسيات والقوميات مع مسحةٍ دينية أو على الأقل في المظهر العام، كانت المحاولة تستهدف العالم العربي الذي كان حينها شديد التفكك، وفي مرحلة ضعفٍ هي أقرب ما تكون إلى دويلات الطوائف في الأندلس قبل سقوطها كلها، وقد استمرت فترة محاولة إحلال ذلك الكيان الذي لا يتحمل النفخ لأكثر من 80 عامًا بغرض السيطرة على موارد تلك المناطق ثم تعظيمه للتحكم بالمنافذ البحرية المُطلة على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، ويصبح التحكم بعد ذلك بالمحيطين الأطلسي والهندي تحصيل حاصل من خلال السيطرة على الحكومات التي تُشرف على جبل طارق وباب المندب؛ إذ كانوا يعتمدون- آنذاك- على السفن والتجارة البحرية ومحركات احتراق الوقود الأحفوري وليس كما هو الحال اليوم في الاعتماد على النقل الجوي الهيدروجيني وما تحت البري في الكبسولات الكهرومغناطيسية منخفضة الضغط أو كما تُسمى عرفيًا بـ"أنفاق غزة".

وأكثر ما يدعو للغرابة هو أنَّ قوة الولايات الأمريكية التي كانت كلها متحدة مع إسناد من بعض دول أوروبا لم تتمكن من فرض الكيان الصهيوني مع كل المقومات الصناعية والممكنات المالية والعلمية التي لا تبقي مجالًا للشك بإمكانية بسط نفوذها كيفما شاءت وأينما أرادت.

في عام 2023، وتحديدًا في شهر أكتوبر تعاظمت قوة حركةٍ شعبيةٍ للمقاومة تسمى "حماس" ويقال إنها تأسست قبل ذلك ولكن لم يكن مفعولها العملي قد اتخذ منحنى جادًا، من حيث التخطيط لإطالة عمر المعركة إلا بعد "طوفان الأقصى" وهو العيد الوطني الذي ما زالت تحتفل به دول الشام إلى اليوم، وأنهكت هذه الحركة الناشئة بجنود قلائل من "كتائب القسام" التحالف الأمريكي والأوروبي والإسرائيلي الصهيوني الباحث بظلفهِ عن موطئ قدم على التراب العربي -الوطن العربي بحسب التقسيمات المعروفة آنذاك- ووقفت في وجه جيشهم المؤدلج حين أشيعت تقريظاتٍ بأنه لا يقهر، وقد أذاقتهم المقاومة المرار والخسار وعصفت بقواتهم عصفًا عظيمًا، مع أنها في مقاييس الردع العسكري لاتدخل ضمن نطاق تصنيفات القوة المضادة ولا المكافئة ولكنها فعلت وتمكنت من إحكام قبضتها على مجريات الأحداث رغم الحجم الهائل للتضحيات التي قدمتها؛ سواءً على مستوى عدد القتلى والمصابين أو الدمار الشامل الذي لحق بمنطقتهم -غزة الحرة- حسب ماجاء في مذكرات الحفيد الثامن للمناضل الشهير السنوار، ومن تحت أرض هذه البقعة الصغيرة من العالم تأججت الخلافات في عمق الكيان المزعوم والذي صدره بدوره ليطال القيادة الأمريكية وتحفيز ولاياتهم المتحدة على الانفصال.

ماتت الحركة الصهيونية كما مات اتحاد الولايات الأمريكية ودولارها وأورامها في الرأس مالية والاتحاد السوفيتي والاشتراكية من قبل والحروب الصليبية والخرافات الأسطورية ويُروى تاريخهم في صفحات كما يروى تاريخ الدولة الإسرائيلية البائدة في سطور، إلّا أن الشرارة الصغيرة في رفاة معتنقي الصهيونية لا زالت تدغدغ مشاعر الإرث القديم الساعي لإحياء تكتل جديد في بؤرة مخصصة لهم على اليابسة المتصلة بالدول، وبعث الحلم التلمودي للحياة من مرقده ولن تخبو جذوته طالما أنَّ هناك من يفكر بأنانية الاستحواذ وامتلاك كل شيء لنفسه على حساب القوانين والأعراف والقيم الإنسانية، وبما أن الكسر قد أصاب شوكتها وطال معقلها فلن تقوم لها قائمة على الأقل خلال المئة عام القادمة مع الصراعات المستمرة بين دويلات أمريكا الشمالية وحالة العوز وشح الموارد التي تعاني منها الدول الأوروبية.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

والدي الذي لم يلدني.. او قصة حياتي..

محمد لطيف

كنت أسأل نفسي دوما إن لم يقرر هو إصطحابي في ذلك العام المبكر من سني حياتي من تلك القرية الواقعة على بعد نحو عشرة كيلومترات الى الشمال الشرقي من مدينة دنقلا على حواف حوض السليم ومن أسرة متواضعة الحال .. الى مدينة عطبرة حيث البيت الكبير والحياة العريضة والآمال الكبيرة ايضا .. كيف كان يكون حالي اليوم ..؟ الشاهد أنني وبفضل والدي الذي لم يلدني الشيخ محمد سعيد محمود عليه رحمة من الله ورضوانه ..وجدت نفسي في البيت الكبير حيث الجد والحبوبة والخالات والأخوال حتى قبل أن ابلغ سن التعليم .. فقضيت شهورا قاربت العام مدللا مرفها حتى حسبت أن الحياة إن هي إلا لعب ولهو !!

ثم حدث الإنقلاب الهائل وتغير كل شيء .. فما أن بدأت اليوم الأول من سلمي التعليمي في مدرسة خليوة الأولية حيث البيت الكبير .. حتى ظننت أن شروط أن تعيش في هذه الدنيا هي الصلاة والمذاكرة ..كان الأمر بالنسبة لوالدي الذي لم يلدني مقدسا لا يقبل المساومة ولا يحتمل التأجيل ..والمصيبة أنني كنت كسولا في الإثنين ..مما جعلني في موضع المراقبة الدئمة والملاحقة المستمرة من جانبه ..وكنت أظن .. وكم من ظنون هي آثام .. أنه يرهقني بما يفعل .. حتى إذا بلغت أشدي واصبحت في موقع المربي من أبنائي .. أدركت أنني كم ارهقت الرجل بل كم عذبته جراء كسلي وغبائي ذاك .. غفر الله لي و أجزل له العطاء.

كان بر والدي الذي لم يلدني بوالديه عجيبا موحيا مثيرا مما تسير به الركبان .. فطوال حياتي في البيت الكبير لآ اذكر أنه ذهب الى فراشه ليلة واحدة قبل أن يمر على فراش والدته .. جدتنا الراحلة مريم فضل حربة عليها الرحمة .. مطمئنا عليها .. ولا اذكر أنه خرج الى صلاة الصبح قبل أن يمر عليها وهي في مصلاتها تستعد للصلاة .. بل لا اذكر قط أنه عاد يوما من خارج البيت إلا وبدأ تحيته بها .. أما بره بوالده .. جدنا الراحل سعيد محمود عليه الرحمة .. الذي كان أحد كبار خلفاء الختمية ..مما حتم أن يكون البيت الكبير محل إنعقاد الليلية الختمية الشهيرة كل أحد وخميس ..وفي كل ذلك كان والدي الذي لم يلدني ..وهو الإسلامي الملتزم تنظيميا وسياسيا .. هو القائم على ترتيبات تلك الجلسات .. وبينما كنا نحن الصغار نؤدي ادوارنا مجبرين ممتعضين .. كان هو يتابع كل صغيرة وكبيرة بمنتهى الحماس والحفاوة بدءا من التنظيم والتمويل والترحيب .. وحتى المشاركة في قراءة المولد والحرص على قراءة بعض المدائح التى كان يحبها جدي عليه الرحمة ..ولم يكن يفعل كل ذلك إلا برا بوالده كما قال لي لاحقا .. !

وعلى ذكر إلتزامه التظيمي أذكر أمرين .. الأول أنني لم اسمعه يوما محتدا في نقاش أو منخرطا في جدال أو مسيئا لأحد أو رافعا صوته بـ (تكبيرة الجهاد) ضد آخر.. والذين عاصروه حتى في مواقع الخلاف يشهدون له بذلك ..ولعل تجربته في قيادة نقابة عمال السكة الحديد قد أثبتت تجرده ومهنيته و حياده تجاه الجميع .. قال لي مرة ( لكل حزبه والنقابة للجميع ) إندهشت حقيقة لإستخدامه العبارة وقلت له مداعبا .. يا حاج والله إنت ما بتشبه الجماعة ديل .. رد ضاحكا ( بطل لولوة يا هم بيشبهوني كويسين زيي أو أنا بشبهم كعب زيهم ابقى على واحد ) ولأنه لم يكن بوسعي أن اظلم نفسي واقول إنهم (كويسين) أو اظلمه وأقول إنه (كعب) انسحبت بهدوء.!!

أما المسألة الأهم علئ ذكر إسلاميته هذه فهي ورغم أنني عشت في كنفه بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة من إنفاق و تربية ورعاية وتوجيه وإشراف .. إلا أنني لا اذكر مرة واحدة طلب مني فيها بأي شكل من اشكال الإلتزام بما يؤمن به .. حتى عندما بدأت خوض غمار السياسة .. بوعي مستقل من وجهة نظري .. يساري من وجهة نظره .. لم يزد على أن يقول لي .. بس ما تخلي الصلاة .. له الرحمة والمغفرة .

ولكنه كان يعرف كيف يدير حواراته بما يقنع و يفحم و يضحك ايضا ..نزلنا ضيوفا عليه ذات عام رفقة بعض أصدقائي وقد تزامنت زيارتنا تلك مع احداث رابعة العدوية وكنا سعداء بـ ( بل وجغم) الإسلاميين ..(اليست هذه لغتهم ؟!) وكان هو غاضبا جدا بالطبع يصب جامه على مصر .. فقال له أحد الأصدقاء ياحاج مصر دي مذكورة في القرءان !! فضحكنا و نحن نستبطن أننا قد رددنا عليه بلغته ..ولم ندرك أن صديقنا الذي صفقنا له قد مد له حبلا ليشنقنا به .. إذ جاء رده سريعا ومباغتا على حكاية ذكر مصر في القرءان إذ قال ( أيه يعني هو إنت قايل اي حاجة مذكورة في القرءان كويسة ؟ ما هو قوم لوط مذكورين في القرءان !!) .. فغرقنا في موجة من الضحك لا لطرافة الرد فحسب .. بل لأننا لم نكن نملك ما نرد به عليه ..!

وأخيرا .. إن كانت لهذه الحرب من حسنة واحدة لي ولأسرتي فهي أنها قد منحتنا فرصة أن نقضي معه ثلاثة اشهر متواصلة .. قلت له أنا طلعت منك واحد ورجعت ليك بخمسة ..كان رده (والله أنا مبسوط من الحرب الرجعتكم لي ).. ثم استدرك ضاحكا ( بس اوعى تمشي تكتب محمد سعيد داير الحرب اصلكم بتلفحوا الكلام )..

وأشهد الله وأشهدكم أنني طوال وجودي معه لم اسمعه يوما داعما للحرب أو مؤيدا لها أو مبررا لها ..وكيف يكون كذلك وهو الذي لم يكن يوما متشددا أو عنيفا أو مؤجج فتنة أو مشعل نار ..؟ بل كان هو ما يقابل كل ذلك محضر خير وداعية سلام و منشد وفاق .. رحم الله خالي الشيخ محمد سعيد محمود والدي الذي لم يلدني ورحم الله والداي إذ منحاني فرصة الإنتقال الى كنفه لأكون ما أنا عليه .. فإن أسأت فلي وإن أحسنت فله الأجر .

الوسوممحمد لطيف

مقالات مشابهة

  • الإمارات تدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف قطارا جنوب غرب باكستان
  • يجب أن نعي قدر مصر.. أشرف صبحي يوجه رسالة مهمة
  • قائد الثورة الاسلامية في ايران: لا جدوى من التفاوض
  • عمالقة التكنولوجيا يقودون الأسواق العالمية في تسارع
  • أين تنشأ عملات البيتكوين؟ السر الذي لم يُكشف بعد
  • والدي الذي لم يلدني.. او قصة حياتي..
  • ما هو العمل الذي ندم على تقديمه؟.. الفنان أحمد التهامي يوضح
  • ما الذي يريده ترامب حقاً من الرسوم الجمركية؟
  • الأمم المتحدة: الإمارات حليف نشط وفعال في الاستجابة الإنسانية العالمية
  • مسعود يشارك في مؤتمر الطاقة والقمة العالمية للاستكشاف والإنتاج في هيوستن