الإيقاد: يوم لم يلتق جنرالا السودان وجهاً لوجه (1-2).
تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT
ربما لم يخسر السودان كثيراً من مقاطعة الفريق ركن عبدالفتاح البرهان لمؤتمر منظمة الهيئة الحكومية للتنمية في أفريقيا (إيغاد) بكمبالا في الـ 20 من يناير الجاري وتجميد عضوية السودان فيها بتاريخ الـ 24 من الشهر نفسه، سواء كان الحق مع تظلم السودان منها أو لم يكن.
فلم يكن البرهان وحده من سجل غياباً عن القمة، فقد غاب عنها رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد معتذراً بسابق ارتباط، في حين كان في كمبالا اليوم التالي يحضر مؤتمراً آخر للدول غير المنحازة.
فكانت "إيغاد" علّقت إيقاف الحرب في السودان على لقاء بين الجنرالين البرهان وحميدتي وجهاً لوجه، ولا يعرف المرء سابقة تراضت فيها أعلى مستويات القيادة في طرفي الحرب على إيقافها أو نحوه وهي لا تزال مشتعلة كراً وفراً. ولا نعرف مثل لقاء الوجه لوجه بين قادة أطراف الحرب إلا في سياق استسلام طرف للآخر في مثال نهاية الحرب الأهلية الأميركية عام 1865، التي التقى فيها قائد القوات الكونفدرالية الجنوبية روبرت لي مع قائد القوات الفيدرالية يولسيس غرانت ليستسلم، إذ تخدم طواقم من مستويات أدنى في الدبلوماسية والدفاع وغيرهما وظيفة التفاوض نحو الهدن وإيقاف النار والسلام.
أدخل تعويل "إيغاد" على إنهاء الحرب في السودان بالضربة القاضية، أي بلقاء الجنرالين، المفاوضات في سياقات عكرت مناخها بدلاً عن ترويقه ناهيك ببلوغ إنهاء الحرب به. فبدا من نهج لقاء الجنرالين وجهاً لوجه أن حربنا بالفعل عبثية باعثها طموح كل منهما حكم السودان وحده. وكأنهم يوحون بهذا النهج أن الجنرالين ربما، متى التقيا وجهاً لوجه، عقدا صفقة ما للاشتراك في الحكم بحظوظ متفق عليها وكفى الله المسلمين شر القتال، وهذا فهم قاصر لما انطوت عليه هذه الحرب. فخلافاً لمن يريد تثبيت الجنرالين وقسمة الدولة بينهما، فالجنرالان لا مكان لهما في تطلع جماعات سودانية وثورات تتالت عبر عقود لدولة مدنية ديمقراطية. فمنشأ "الدعم السريع" نفسه كان في خصومة نظام مثل دولة الإنقاذ (1989 - 2019) لهذا التطلع فاستأجرته لطي صفحته. وعليه فهو كيان بلا هوية في مثل الدولة الوطنية الحديثة المدنية التي ينعقد للجيش فيها إدارة العنف الشرعي نيابة عن حكومة الدولة.
ولم يكف المتطلعون للدولة المدنية من مطالبة الجيش منذ احتلاله الحكم عام 1958 بالعودة للثكنات. فكلما انقلب وعاد للحكم في 1969 و1989 عاد بالثورات إلى الثكنات، وربما رأى الجيش بنفسه اضطراره اليوم ليدافع عن ثكناته واحدة بعد الأخرى بوجه "الدعم السريع" الذي عثر به في شعوائه للحكم والإصرار عليه، وها هو ينشب براثنه فيه. فالجنرال في الجيش، متى استقام في ثكناته، ممنوع في منظورنا من الطموح في الحكم. ونريد لأفراد الجيش ألا يقسموا، في قول رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة الأميركية مارك منلي، "لملك أو ملكة أو طاغية أو ديكتاتور أو لمن يطمع في أن يكون ديكتاتوراً".
وهذا المطلب في مدنية الدولة الحديثة ما ننوء تحت كاهله في زمن تفاقم ظاهرة الطوائف المسلحة من خارج الدولة من ميليشيات وعصابات ومافيات حتى تكاد تتلاشى الحدود بين السياسة والجريمة، فجاء في الأخبار عن الأكوادور أخيراً أن نفراً من عصابة للمافيا احتلوا محطة تلفزيون ما بعد هرب رفاق لهم من السجن، فتقدم أحدهم إلى الميكرفون ليقول "عندي رسالة للرئيس. حذار أن تعابث المافيا"، فأنزل رئيس الجمهورية دانيل نوابوا الجيش وأعلن حال الطوارئ قائلاً "نحن وهم في حال حرب"، وهذه حالنا وحربنا.
ويستغرب المرء لماذا احتاجت الدول الأفريقية التي زارها حميدتي إلى الحماسة في استقباله كرجل دولة، فيما لم يحتج هو لغير "فوتو أوب" تزين انتصاراته الأخيرة في ميدان الحرب. فتطفلت بإدخال الأنا على صراع الجنرالين العلني حول من له الدولة فعكرت بغير داع سياق المفاوضات التي دعت الجنرالين إليها، بل وقوضته.
ويستغرب المرء لماذا احتاجت الدول الأفريقية التي زارها حميدتي للحماسة في استقباله كرجل دولة فيما لم يحتج هو لغير فوتو أوب تزين انتصاراته الأخيرة في ميدان الحرب. فتطفلت، بإدخال الأنا ego، على صراع الجنرالين العلني حول من له الدولة. فعكرت بغير داع سياق المفاوضات التي دعت الجنرالين لها. بل وقوضته.
وعاد استقبال جنوب أفريقي ورواندا الحفي بحميدتي بما قد لا يرضيانه. فاستهولت الإيكونيميست زيارة حميدتي، وهو الذي تلاحقه الإدانات بالجنوسايد منذ 2004 إلى أن أعملت قواته والمليشيات المتحالفة يدها في شعب المساليت في يوم الناس هذا، لضريح ذكرى ضحايا جنوسايد روندا في كيقالي. فكتبت المجلة تقول: "من الصعب تصور سخرية قدر أعظم من تلك التي يُرحب فيها برجل متهم بالتطهير العرقي في جولة رسمية لنصب لذكرى هذه الجريمة البشعة". أما أمر استقبال جنوب أفريقيا لحميدتي على الرحب والسعة فأشد نكالاً بها. فوجدت نفسها في "خشم" الإسرائيليين كما نقول. فكتبت مجلة "الديلي مافرك" تسأل عن تفسير لمجيئها إلى محكمة العدل الدولية بلاهاي خصماً لإسرائيل بتهمة ارتكاب التطهير العرقي للفلسطينيين في غزة بعد أسبوع من تناول رئيسها فنجان الشاي مع لورد حرب مضرج اليد بدم ضحايا تطهيره العرقي. وسمت المجلة طريق جنوب أفريقيا من حفل الشاي إلى محكمة العدل "طريقاً شقياً مقرفاً إلى النفاق". وهكذا اعتور نبل جنوب أفريقيا غير المسبوق لوقفتها بجانب شعب فلسطين نقصاً لا يريده أي أحد منا له. ونواصل.
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
تقرير: اسرائيل قد تغتال جنرالا إيرانيا لإرباك التفاوض النووي
أفادت صحيفة "جيروازليم بوست" نقلا عن مصادر إسرائيلية بحثية، فإن أحد السيناريوهات التي قد تلجأ لها إسرائيل هو اغتيال قائد سلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني، العميد أمير علي حاجي زاده، بهدف تقويض أي اتفاق نووي "ضعيف" قد تُبرمه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع طهران، وجر إيران إلى مواجهة مباشرة.
وبحسب الصحيفة العبرية، نقلا عن مصادر في مراكز أبحاث، فإن الخطة الإسرائيلية المحتملة تقوم على تنفيذ عملية اغتيال استباقية تستفز طهران للرد بهجوم مباشر جديد، ما يمنح إسرائيل المبرر لشن ضربة واسعة النطاق على المنشآت النووية الإيرانية، حتى في حال توقيع اتفاق جديد بين واشنطن وطهران.
وكان حاجي زاده قد أعلن سابقًا مسؤوليته عن الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل عام 2024، الذي شمل أكثر من 400 صاروخ باليستي، إلا أن الهجوم لم يسفر عن إصابات مباشرة، بسبب منظومات الدفاع الجوي الأميركي والإسرائيلي، بحسب ما نقلته الصحيفة.
وتخشى إسرائيل، وفق التقرير، من أن تتضمن المفاوضات الجارية بين واشنطن وطهران تنازلات كبيرة، ما سيمنح طهران وقتًا إضافيًا لتعزيز مشروعها النووي. واعتبر ديفيد أولبرايت، رئيس معهد العلوم والأمن الدولي في إسرائيل، أن "الضغط الأقصى بدأ يؤتي ثماره"، داعيًا إلى التصعيد ودراسة "الخيار العسكري الجدي" لإسقاط النظام الإيراني.
من جانبه، حذر جاكوب ناجل، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، من انخراط إدارة ترامب في مفاوضات نووية دون الحصول على تنازلات جوهرية من إيران، محذرًا من أن النموذج التفاوضي الذي يقوم على "الأقل مقابل الأقل" قد يقيّد إسرائيل عن تنفيذ ضربة عسكرية حاسمة، ويعيد تمكين إيران من استئناف برنامجها النووي