لا شك بأن الزلزال الذي مر به لبنان في السنوات الماضية من خلال الانهيار الاقتصادي والمالي، والذي ترافق مع الازمة السياسية التي لا تزال مفاعيلها سارية حتى يومنا هذا، كل ذلك سيؤدي الى نتائج عملية تؤثر على الواقع الدستوري، ولعل الحديث عن انهيار النظام واسقاطه كمسار ضروري للتسوية المقبلة، خير دليل على الاضرار التي اصابت النظام اللبناني بكل تفاصيله.



واذا كان هذا الزلزال غير كاف ، فإن ما يحصل في المنطقة منذ بدء عملية" طوفان الاقصى" حتى اليوم سيساهم بالتأثير على كل التطورات، وسيزيد من المخاطر التي يتعرض لها النظام السياسي اللبناني خصوصا ان ما يحصل من معركة شاملة داخل اكثر من ساحة سيكون مدخلاً حقيقيا لتسويات جذرية في اكثر من دولة اضافة الى التسوية العامة في المنطقة.

بعيدا عن نتائج الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، لكن الصراع الحاصل اليوم والذي يفرض نفسه من اليمن والبحر الاحمر وصولا الى العراق وسوريا، حيث تقصف القواعد العسكرية الاميركية مرورا بلبنان والمعارك الحدودية القائمة، سيعيد ترتيب شكل المنطقة لصالح هذا الطرف او ذاك لكن الاكيد ان النظام الاقليمي والتوازنات السياسية لن تكون على ما هي عليه بعد انتهاء الحرب، سواء تدحرجت الامور الى الاسوأ أم لا.

وترى المصادر ان كل ما يحصل سيؤثر على وضعية كل دولة بشكل منفرد، خصوصا اذا كانت هذه الدولة مشاركة بشكل او بآخر بالحدث العسكري الفلسطيني، وعليه فإن انتهاء المعارك سيؤدي الى ارتداد القوى المنتصرة او التي تشعر انها انتصرت الى دولها لتحقيق مكاسب تراكمها وتبني عليها في المرحلة المقبلة لذلك فإن لبنان هو المرشح الاكبر بسبب ازماته الداخلية للتأثر وحصول تبدلات دستورية وسياسية داخله.. 

وتعتبر المصادر ان بعض القوى السياسية في لبنان قد تجد ان في مصلحتها الاستراتيجية توجيه ضربة للنظام الحالي، وهذا ما يتمناه "التيار الوطني الحر" مثلا وبشكل اقل واكثر حذرا "حزب الله" لذلك فإن وصول عملية التفاوض  الى هذه النقطة قد يدفع المعنيين الى تقديم تنازلات مقابل تحصيل هذا المكسب، علما ان البيئة السياسية اللبنانية قد لا تتحمل مثل هذا التحول الكبير على مستوى التوازنات الداخلية و" تقريشه" دستوريا. 

وتلفت المصادر الى ان لبنان سيكون أكثر المتأثرين، وان لم يتأثر بالحرب يشكلها الشامل، فإنه سيتأثر بالتسوية وسيكون للقوى السياسية الداخلية نصيب حقيقي بما سيحصل بعد وقف اطلاق النار، لذلك فإن الضغوط الاقليمية والغربية تركز على ضرورة الوصول الى انتخاب  رئيس جديد للجمهورية من دون انتظار انتهاء الحرب كي لا تتأثر التوازنات بما سيحصل او كي لا يتعنت هذا الفريق او ذاك لتحسين موقعه او لكي يزيد مكاسبه ربطاً بنتيجة الحرب في المنطقة. 
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

عُمان وسياسة الحكمة والاعتدال.. اليمن نموذجًا

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

وسط هذه المنطقة الجغرافية من العالم ليس من السهل أن تحافظ الدول على استقرارها، فمهما كانت حريصة لا بُد من أن تتأثر، خاصة عندما تستمر هذه الأزمات فترة زمنية طويلة، وهو ما يحدث في الشرق الأوسط منذ أكثر من 100 عام تقريبًا، وفي منطقة الخليج العربي منذ اكتشاف النفط فيها.

وخلال هذه السنوات تعددت الأزمات والقضايا التي واجهت دول المنطقة، ولعل المعضلة الكبرى التي واجهتها هي وجود الكيان الصهيونى الغاصب الذي يقف خلف 99% ؜ من صراعات المنطقة، ولن يتوقف هذا الكيان اللقيط عن افتعال الأزمات حتى يحقق أهدافه السياسية الاستعمارية التوسعية التي يسعى إليها. وهذه حقيقة لا بُد أن تكون حاضرة في أذهان العرب والمسلمين، خاصة عندما يتعاطون مع قضية فلسطين، وكأنها أزمة مفاوضات وتقسيم وتوافقات، وهو التسطيح السياسي للقضية والذي نجحت فيه إسرائيل وأقنعت العرب به.

لقد وجدت سلطنة عُمان الحديثة منذ بزوغ فجر النهضة نفسها في صراع مباشر مع جارة شقيقة، وهي ما كان يعرف- وقتها- باليمن الجنوبي، بسبب أطماع غربية وصراعات دولية لا ناقة لها فيها ولا جمل، ولولا لُطف الله تعالى بهذه البلاد أن سخَّر لها قائدًا حكيمًا جاء في توقيت مناسب، لكُنَّا نتحدث اليوم عن صراعات مستمرة، وبفضل الله وشجاعة هذا القائد السلطان قابوس بن سعيد- رحمة الله عليه- وبسالة وإخلاص شعبه، استطاع أن يدحر المُعتدين ويُفسد مخططاتهم ويفضح أطماعهم، ويحافظ على دولته موحدة.

وبعد انتهاء الحرب مدَّ سلطان الحكمة يده البيضاء للأشقاء في اليمن، وترك الحرب والصراع والخلاف خلف ظهره، واعتبر كل ذلك من الماضي، ووقَّعت سلطنة عُمان اتفاقية مع اليمن الجنوبي في عام 1982 تُنهي حالة الحرب وتطوي صفحة من صفحات التاريخ، وتعلن بداية جديدة في علاقتها مع الدولة الجارة.

وقد ساهمت سلطنة عُمان بجهودها السياسية في ملف توحيد اليمن الشقيق، وعملت على تقريب وجهات النظر بين الأطراف اليمنية منذ بداية فكرة الوحدة إلى أن تحققت في عام 1989، معتبرةً أن هذه الخطوة هي الطريق الصحيح الذي يخدم أبناء الجمهورية اليمنية. وعندما حاولت بعض الدول وسَعَتْ لتفكيك هذه الوحدة، فيما بعد، وقفت سلطنة عُمان بحزم أمام هذا التوجه، ورفضت- من خلال مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية- التدخل في شؤون اليمن الذي سعت له بعض الدول التي كانت ترى في الوحدة ضربًا لمصالحها وأطماعها.

استمرت سلطنة عُمان في تقديم الدعم والمساندة لجهود الوحدة، وحتى عندما نشبت الحرب الأهلية وفَرَّ بعض قادة الصراع وطلبوا اللجوء السياسي، لم تغلق عُمان أبوابها؛ بل مدَّت يد السلام لمن أراد السلام، وسعت لاحتواء الأزمة واستمرار الوحدة اليمينة واستقرار النظام السياسي في اليمن، ومنعت أي شكل من أشكال الممارسة السياسية للفصائل اليمنية من داخل أراضي سلطنة عُمان، وكانت مسقط مدينة مرحبة دائمًا بهذه الأطراف للتفاوض وتقريب وجهات النظر وحل الخلافات. وبذلت سلطنة عُمان جهودَ وساطةٍ مشهودة بين القوى السياسية اليمنية على مدى السنوات الثلاثين الماضية، كل ذلك إيمانًا منها بأن استقرار اليمن يمثل جزءًا أساسيًا من الاستقرار السياسي في المنطقة.

لقد رفضت سلطنة عُمان المشاركة بأي شكل من الأشكال للتدخل في الشأن الداخلي اليمني، ووقفت بحزم أمام محاولات جرِّها إلى هذا الجانب، ورفضت بشكل صريح المشاركة في "عاصفة الحزم"، ورفضت التدخل لمصلحة أطراف معينة في الصراع الداخلي اليمني، ولم تدعم أي قوى من القوى السياسية اليمنية، ووقفت على الحياد والتزمت بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لليمن، وهذا مبدأ أساسي للسياسة الخارجية العُمانية، ينطلق من فكرة أساسية وهي أن التدخل في شؤون الآخرين يفتح الباب لتدخل الآخر في شؤونك الداخلية؛ وهو ما ترفضه سلطنة عُمان بشكل مُطلق نتيجة معرفة ودراية وخبرة حول آثر ذلك على الأمن الوطني والاستقرار الداخلي.

مواقف سلطنة عُمان وسياستها المعتدلة أغضبت أصحاب الأطماع والأهداف السياسية والاقتصادية، الذين يرون في اليمن المُتناحِر المُتصارِع فرصةً لتحقيق أطماعهم، ويسعون بكل قوة إلى استمرار حالة الفوضى والصراع وإطالة أمدها؛ تحقيقًا لمصالحهم، وهو ما جعلهم يشنون حربًا قذرة ضد سلطنة عُمان التي سعت وتسعى إلى تحقيق الاستقرار في اليمن.

وما نشاهده من حملة مسعورة مستمرة تحاول زج اسم سلطنة عُمان في هذا الصراع وتتهمها بدعم قوى معينة وتهريب الأسلحة والذخائر واحتضان قيادات هذه الفصائل، ما هي إلّا جزء من محاولة الانتقام من مواقف سلطنة عُمان وسياسة الاعتدال والنأي عن الصراعات السياسية، وجهودها لاستقرار اليمن وإنهاء حالة الحرب والفوضى التي تعصف بهذا الشعب منذ عقود طويلة.

لقد سُخِّرت جميع الإمكانيات لهذه المجموعة المُنظَّمة لتفتري الكذب على وطننا، وكل ذلك بسبب مواقفنا الثابتة، وخاصة موقف سلطنة عُمان من القضية الفلسطينية، ويبدو أن هذا الموقف هو الأشد إيلامًا لأعداء العدالة والحرية والصهاينة وأتباعهم الذين أخذوا على عاتقهم مهمة إرضاء هذا الكيان الغاصب. كما إن موقف سلطنة عُمان المُعتدل ورفضها التدخل في شؤون الآخرين وضع أصحاب الأطماع السياسية في موقف مُحرج، رغم أن ما قامت به قيادتنا الرشيدة هو حق أساسي من سيادة الدولة واستقلالية قرارها، وهو أمر تعوَّدنا عليه في عُمان؛ إذ لم ولن تكون سلطنة عُمان تابعًا لأحد في يوم من الأيام؛ فالدول العريقة التي ترتكز على تاريخ عريق وحضارة عميقة وماضٍ مجيد لا تكون إلّا هكذا.

لن تكون هناك دولة أكثر سعادة باستقرار الأوضاع في جمهورية اليمن أكثر من سلطنة عُمان، والأسباب عديدة وكثيرة ويعلمها أهل اليمن الشرفاء قبل كل أحد، ولن تجد دولة تسعى لاستقرار اليمن أكثر من سلطنة عُمان؛ ولذلك ظلَّت الحكومة تبذل جهودًا دبلوماسية مستمرة طوال أربعة عقود ونصف العقد، دون كلل أو ملل؛ وذلك لأهمية هذا الاستقرار في إعادة ضبط مستقبل المنطقة واستقرارها، ولتجنُّب الحروب والصراعات التي لا تأتي بخيرٍ، ولمعرفةٍ حقيقةٍ بأهداف الطامعين الذين يريدون تحقيق أهدافهم في المنطقة. كما لن تتوقف سلطنة عُمان عن دعم عملية السلام في اليمن الشقيق حتى يتحقق لشعبها الاستقرار والأمن والازدهار.

مقالات مشابهة

  • أستاذة أرفود التي تعرضت لهجوم همجي بين الحياة والموت
  • إيران تكشف عن القاعدة العسكرية التي ستضربها في حال تعرضها لهجوم أميركي
  • مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد.. حالات التصالح وضوابط التسوية
  • 29 رمضان الذكرى السادسة لمجزرة فض الاعتصام
  • عُمان وسياسة الحكمة والاعتدال.. اليمن نموذجًا
  • تشكيك في دوافع ترامب من تعديل النظام الانتخابي الأمريكي.. كيف ذلك؟
  • القوى التي حررت الخرطوم- داخل معادلة الهندسة السياسية أم خارج المشهد القادم؟
  • القدس المنسية: المدينة التي تُسرق في ظل دخان الحرب الإسرائيلية على غزة والضفة
  • الرئيس اللبناني: لن نسمح بتكرار الحرب التي دمرت كل شيء في بلادنا
  • حوض اليرموك: إسرائيل تعمل على توليد مقاومة شعبية