أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء العدد الخامس من إصداره «مرصد السياسات العامة»، مشيراً إلى أنها سلسلة دورية ربع سنوية تأتي إيمانًا من دوره في المساهمة الفعالة لدعم متخذي القرار على صنع وتطوير السياسات العامة، وتعزيز كفاءة وفعالية جهود التنمية، وترسيخ مجتمع المعرفة، وقد جاء العدد الجديد بعنوان «تحفيز صناعة السيارات في مصر.

. ممارسات دولية رائدة».

وأوضح المركز أن صناعة السيارات تعد ركيزة مهمة للاقتصاد العالمي، حيث تلعب دورًا محوريًا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للدول وتساعد على خلق فرص عمل وتساهم في الناتج المحلي الإجمالي وتدر إيرادات عالمية كبيرة، بالإضافة إلى ذلك تلعب صناعة السيارات دورًا في تحسين الأداء الخارجي للدول من خلال زيادة الصادرات.

وخلال العقود الماضية اقترن تطور اقتصاد بعض الدول بتطور صناعة السيارات وفي السنوات الأخيرة تزايدت الحصة العالمية لصناعة السيارات في هيكل الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفي ضوء التحول الذي يشهده العالم نحو الاقتصاد الأخضر اتجهت العديد من الدول إلى تشجيع إنتاج السيارات الكهربائية وتحفيز الطلب عليها.

وانطلاقًا من الأهمية الاقتصادية لصناعة السيارات أولت الدولة المصرية اهتمامًا خاصًا لصناعة السيارات وقد تمثل هذا الاهتمام في طرح الاستراتيجية الوطنية للسيارات، وتوفير حوافز لتعزيز التصنيع المحلي والتجميع مع رفع قدرة المجمعين المحليين، واستهداف تصدير السيارات للأسواق الخارجية، وتتمتع مصر بعدد من المقومات التي تساعد على تطوير صناعة السيارات وأبرزها، قيام العديد من الشركات العالمية الرائدة في مجال تصنيع المعدات الأصلية بالإنتاج محليًا في مصر، وانخفاض الأجور في مصر مقارنة بالمستوى العالمي والتي تعتبر ميزة بالنسبة للأجانب المستثمرين، وخاصًة الذين يرغبون في استخدام مصر كقاعدة للتصدير، والموقع الجغرافي الذي يجعلها مركزًا مثاليًا للتصدير بين الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا.

ومن هذا المنطلق، تتناول الإصدارة الإطار المؤسسي والتشريعي لصناعة السيارات في مصر، مع استعراض تقييم المؤسسات الدولية لصناعة السيارات في مصر، بالإضافة إلى دراسة أبرز التجارب الدولية الرائدة في مجال صناعة السيارات وهي «الهند، وجنوب إفريقيا، والمغرب، وتايلاند، والبرازيل، وماليزيا»، لتوضيح أبرز الآليات والبرامج التي تبنتها تلك الدول لتعزيز صناعة السيارات لديها، واستخلاص أبرز عوامل النجاح التي تمكن لمصر الاستفادة منها في تطوير هذه الصناعة، مع الإشارة إلى الجهود المصرية والاستراتيجيات التي تم إطلاقها لتحفيز صناعة السيارات والصناعات المغذية، واقتراح خطة عمل لتوطين صناعة السيارات محليًّا، وذلك في ضوء التجارب الدولية التي تمت دراستها ومقترحات المؤسسات الدولية.

استعرضت الإصدارة المؤشرات المتعلقة بسوق صناعة السيارات في مصر من حيث الإنتاج والمبيعات والقدرة على التصدير واستيراد الأجزاء المكونة للسيارات وقطع الغيار فضلًًا عن إلقاء نظرة على العاملين بالقطاع، كذلك تم تقييم فعالية أبرز الاتفاقيات التجارية التي انضمت إليها مصر بشأن تعزيز سوق السيارات، وفي هذا السياق تم استعراض توقعات مؤسسة «فيتش» بأن تصل مبيعات السيارات إلى ما يقرب من 270 ألف سيارة خلال عام 2030، كما تناولت الإصدارة الاتفاقيات الاقتصادية في تعزيز التبادل التجاري لمصر مع مختلف دول العالم في قطاع المركبات.

حيث قامت مصر بتوقيع عدد من الاتفاقيات الدولية التي عملت على خلق فرص لزيادة الصادرات المصرية، ومن خلال تتبع حجم التبادل التجاري بين مصر وعدد من الاتفاقيات التجارية البارزة، تتضح أهمية دول الاتحاد الأوروبي كشريك تجاري لمصر سواء على مستوى الصادرات أو الواردات المصرية من المركبات ولوازمها خلال عام 2022 حيث استحوذ على نحو 41.5% من إجمالي واردات مصر من القطاع خلال العام ذاته، كما ظهرت أهمية دول تجمع الكوميسا كوجهة رئيسة لصادرات المركبات المصرية.

واستعرضت الإصدارة تقييم المؤسسات الدولية لصناعة السيارات في مصر ومن أبرز تلك المؤسسات "البنك الدولي، مؤسسة فيتش سولوشنز، هيئة التعاون الدولي اليابانية (الجايكا)، مؤسسة ديليوت"، حيث أشارت التقارير الدولية إلى وجود بعض التحديات والعقبات التي لا تزال تواجه القطاع سواء على الصعيدين المحلي أو العالمي، ومن أبرزها الاتجاهات التضخمية العالمية، والحواجز الجمركية وغير الجمركية، واتفاقيات التجارة الحرة، وعلى الرغم من تلك التحديات فإن بعض المؤسسات الدولية قد أشارت إلى أهمية سوق السيارات المصرية وذلك على الرغم من المكانة المحدودة التي تحتلها مصر كمنتج للسيارات، حيث أكدت وجود فرص كبيرة لقطاع صناعة السيارات في إطار حزمة الحوافز التي تقدمها الحكومة لصناعة السيارات.

كما استعرضت الإصدارة الجهود المصرية والاستراتيجيات التي تم إطلاقها لتحفيز صناعة السيارات والصناعات المغذية، حيث يمكن تلخيص أبرز الجهود المصرية في النقاط التالية:

- إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتوطين صناعة السيارات في مصر في 14 يونيو 2022: نتيجة التعاون المشترك بين جميع الأطراف التي تمثل هذه الصناعة وكل الشركاء الأجانب واتحاد الصناعات، وتتمثل أهمية الاستراتيجية في تلبية الطلب المصري المتزايد على السيارات وخفض الضغط على موارد الدولة من العملات الأجنبية، حيث يتوقع أن يتجاوز حجم الطلب على السيارات في مصر خلال عشر سنوات حد 8 مليارات دولار، كما تتمثل أهمية الاستراتيجية أيضًا في تعزيز القدرة على الاستجابة إلى حجم الطلب في السوق الإفريقية والذي يتوقع أن يبلغ نحو 5 ملايين سيارة خلال السنوات العشر المقبلة، وهو ما يشير إلى وجود طلب حقيقي تمكن تغطيته من خلال التصدير إلى تلك الدول.

- البرنامج الوطني لتطوير صناعة السيارات في مصر: ويعد بمثابة سياسة متكاملة لصناعة السيارات في مصر والصناعات المغذية لها بما يتوافق مع جميع الالتزامات الدولية، يتضمن البرنامج مجموعة من الحوافز تتمثل في نظام تعريفة يُسهل إجراءات الإفراج الجمركي للشركات المشاركة، وبرامج لدعم الشركات التي تتخصص في توطين صناعة المعدات الأصلية بمصر، وتشجيع التحول نحو نظام التجميع الصناعي الكامل بما يشمل تجميع السيارات بالكامل محليًا من الأجزاء المستوردة.

- الرخصة الذهبية: وتعد بمثابة موافقة واحدة نافذة بذاتها دون الحاجة إلى اتخاذ أي إجراء آخر.

- المبادرة الرئاسية لإحلال المركبات المتقادمة: وتم إطلاقها عام 2021 بهدف تعزيز وجود المركبات الصديقة للبيئة في نحو 15 محافظة في المرحلة الأولى للمبادرة تمهيدًا لتوسيع قاعدة المستفيدين من المبادرة في باقي المحافظات، كما تعمل المبادرة على توطين صناعة السيارات من خلال زيادة نسبة المكون المحلي، على نحو يسهم في تيسير امتلاك المواطنين لسيارات صديقة للبيئة.

- تعزيز البنية التحتية لصناعة المركبات: وقد أولت الحكومة المصرية اهتمامًا خاصًا للصناعات المغذية لصناعة السيارات والبنية التحتية المرتبطة بالصناعة، حيث تم إنشاء وتشغيل ما يقرب من 3000 محطة شحن بتكلفة استثمارية تقدر بنحو 450 مليون جنيه في محافظات "القاهرة، والإسكندرية، والجيزة، ومدينة شرم الشيخ، والطرق السريعة" وذلك بالتعاون بين مؤسسات عامة وخاصة، بحيث يتم ذلك في إطار شركة يشترك فيها القطاع الخاص بنسبة 25%، كما تم التوسع في إقامة محطات الغاز الطبيعي اللازم لتموين السيارات، حيث تمت زيادة عددها من 250 محطة إلى1000 محطة خلال عام واحد.

- تصنيع الضفائر الكهربائية: وفي إطار العمل على تعزيز الصناعات المغذية لصناعة المركبات عملت الحكومة على توفير كل الدعم اللازم لشركة سوميتومو إلكتريك إيجيبت، بهدف إقامة أكبر مصنع لإنتاج الضفائر الكهربائية للسيارات والمركبات بجميع أنواعها في مدينة العاشر من رمضان وذلك باستثمارات ضخمة على مساحة 150 ألف متر إذ يتمكن المصنع من مضاعفة إنتاج الشركة في مصر، بحيث يلبي المصنع احتياجات السوق المحلية، ويصدر منتجاته لمختلف الأسواق الأوروبية والأمريكية وفقًا لتوقعات الشركة، حيث يعمل المصنع على توفير ضفائر كهربائية، وعقول إلكترونية لعدد مليون سيارة سنويًا بما يوفر 3500 فرصة عمل، وهو ما يؤكد قدرة مصر لاجتذاب كبرى الشركات العالمية للاستثمار في السوق المصرية.

- إنتاج إطارات السيارات: حيث حرصت الحكومة على جعل السوق المصرية مركزًا لإنتاج السيارات وصناعتها المغذية لتلبية احتياجات السوق المحلية والتصدير للسوقين الإقليمي والقاري، وذلك من خلال توفير حزم تحفيزية للشركات المحلية والعالمية لتعميق التصنيع المحلي، وهو ما انعكس على تحفيز إنشاء مصنع "رولينج بلس" لإنتاج إطارات السيارات الملاكي والنقل الخفيف والثقيل على مساحة 400 ألف متر مربع بمنطقة السخنة الصناعية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس باستثمارات تُقدر بنحو مليار يورو، إذ تبلغ الطاقة الإنتاجية للمشروع بالكامل نحو 7 ملايين إطار سنويًا.

- تحفيز إنتاج السيارات الكهربائية في مصر: وفي ضوء ذلك تم تدشين مشروع تصنيع سيارة كهربائية مصرية بتمويل من أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا برعاية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وذلك في إطار استراتيجية الوزارة لتهيئة بيئة محفزة لإنتاج وتوطين التكنولوجيا وخطط الوزارة للنهوض بصناعة السيارات الكهربائية، من خلال حزمة من المبادرات والمشروعات القومية وهو ما أسفر عن تطوير نموذج لتصنيع سيارة كهربائية مصرية يحقق الربط بين البحث العلمي والصناعة.

- تعزيز سبل التعاون الدولي: تم عقد عدد من الاتفاقيات الإطارية مع كبرى شركات السيارات العالمية بما يعمل على توطين صناعة السيارات في مصر وتنفيذ أهداف البرنامج الوطني لتنمية صناعة السيارات، من أبرز تلك الاتفاقيات اشتراك الحكومة المصرية مع عدد من شركات السيارات المحلية والعالمية والتي تضمنت شركة نيسان مصر وإفريقيا وشركة "ستيلانتس إيجيبت" ومجموعة المنصور للسيارات، وذلك في إطار 3 اتفاقيات ملزمة تم توقيعها خلال شهر فبراير 2023 لضخ استثمارات بقيمة 145 مليون دولار في قطاع السيارات.

قدمت الإصدارة مسارات التحرك المقترحة لتعزيز صناعة السيارات في مصر، وتم تقسيم هذه المسارات إلى عدة محاور بالاستناد إلى التجارب الدولية الرائدة التي تمت مراجعتها بجانب توصيات المنظمات الدولية المعنية بذات الشأن يمكن استعراض تلك المحاور كالتالي:

- أولًا المحور التنظيمي والمؤسسي: ويقوم على تعزيز وتقوية الأسس الإطارية والمؤسسية لتوطين صناعة السيارات في مصر من خلال عدة نقاط من أبرزها، "الإعلان عن وثيقة الاستراتيجية الوطنية لتنمية صناعة السيارات وتحديد الإطار الزمني للاستراتيجية".

- ثانيًا محور الحوافز المالية: ويضع هذا المحور بعض المعايير التي يمكن مراعاتها في نظام الحوافز الحالي التي تتبعه الحكومة وذلك من خلال الآتي، "الاعتماد على الحوافز المرتبطة بالإنتاج بحيث يتم تقديم حوافز مالية لتعزيز التصنيع وجذب الاستثمارات في سلسلة القيمة، "وتحفيز جانب الطلب المصري على شراء السيارات محلية الصنع من خال تقديم دعم نقدي أو الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة أو الإعفاء من رسوم الطرق".

- ثالثًا محور تحفيز صناعة السيارات الكهربائية: يستهدف هذا المحور استخلاص أبرز الإجراءات التي تساعد على تسريع توطين صناعة السيارات الكهربائية في مصر، وذلك كما يلي، "استهداف توطين المكون المحلي لصناعة السيارات الكهربائية بنحو 50 - 60% من مكونات السيارة من خال تصنيع البطاريات الكهربائية محليًا بالاستفادة من خبرات شركاء أجانب وذلك كخطوة أولية تمهيدًا لتوطين صناعة السيارة الكهربائية محليًا بالكامل"، "إعفاء كل المكونات والمواد الخام المستوردة اللازمة لإنتاج السيارات الكهربائية من الجمارك"، "تطوير منصة إلكترونية تتضمن كل البيانات المتعلقة بأماكن محطات الشحن الكهربائي وتكلفة الشحن، وذلك على مستوى كل المحافظات المصرية"

- رابعًا محور التدريب ورفع كفاءة الكوادر البشرية: وفي ضوء ذلك يمكن رفع كفاءة العمالة المصرية من خلال، "تطوير قدرات العاملين بهيئة التنمية الصناعية"، "تأسيس مجلس لتنمية مهارات العاملين في قطاع السيارات على غرار التجربة الهندية"، "إقامة مراكز تدريبية لتوفير الكوادر البشرية المؤهلة للعمل بالقطاع".

- خامسًا محور توفير المواد الخام: ويمكن مراعاة المقترحات التالية لضمان توافر المواد الخام والسلع الوسيطة، "إتاحة كل المعلومات المتعلقة بالوقت الذي تستغرقه عملية الاستيراد والإجراءات والرسوم والمستندات اللازمة عبر الإنترنت بصورة محدثة وفي التوقيت المناسب"، "تسريع إصدار خطابات الاعتماد وإجراءات الاستيراد خاصًة المتعلقة بالمدخلات الوسيطة"، "تسهيل حصول المستوردين على رقم القيد الجمركي وتقليل الوقت المستغرق للحصول عليه من خلال زيادة كفاءة النظام".

- سادسًا محور دعم الابتكار: حيث يمكن تحفيز عملية الابتكار والبحث والتطوير في مجال صناعة المركبات في مصر من خلال ما يلي، "تقديم حوافز للباحثين لتسجيل براءات الاختراع الخاصة بهم في مصر أو استيراد براءات الاختراع الخاصة بهم من الخارج للتسجيل في مصر"، "دعم أنشطة البحث والتطوير في مجال تكنولوجيا البطاريات"، "إنشاء صندوق تكنولوجي لتقديم الدعم المالي للمشاريع المبتكرة"، "جذب استثمارات لإنشاء مراكز في مجال البحث والتطوير في مجال السيارات في مصر بما يساعد على استقطاب استثمارات مصنعي المعدات الأصلية والصناعات المغذية".

اقرأ أيضاًنيابة عن رئيس مجلس الوزراء.. القباج تفتتح فعاليات النسخة الرابعة لمؤتمر التنمية المستدامة

بدء اجتماع مجلس الوزراء برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار صناعة السيارات صناعة السيارات في مصر صناعة السیارات الکهربائیة لصناعة السیارات فی مصر صناعة السیارات فی مصر توطین صناعة السیارات المؤسسات الدولیة الجهود المصریة إنتاج السیارات لتوطین صناعة التی تم من خلال فی إطار من أبرز فی مجال وهو ما مصر من ا محور فی ضوء محلی ا ذلک فی

إقرأ أيضاً:

معلومات الوزراء: توقعات بارتفاع حجم سوق الفضاء العالمي إلى 1.8 تريليون دولار بحلول 2035

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً حول "اقتصاد الفضاء"، تناول من خلاله مفهوم اقتصاد الفضاء، واستخدامات النظم الفضائية في الاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى الاستثمارات العالمية في مجال اقتصاد الفضاء، وعرض لتجربة نموذج عالمي رائد في مجال اقتصاد الفضاء، والتطورات الحديثة لمصر في مجال اقتصاد الفضاء، وفرص نمو هذا الاقتصاد، حيث أشار المركز إلى أن اقتصاد الفضاء أصبح أحد أبرز المجالات الواعدة التي تجذب اهتمام الدول والشركات على حد سواء؛ فلم يعُد الفضاء حكرًا على الاستكشافات العلمية أو الأغراض العسكرية فقط، بل تحول إلى سوق استثمارية ضخمة تتضمن فرصًا هائلة للنمو الاقتصادي والابتكار؛ مما جعل هذا القطاع يشهد تطورات هائلة، خاصة مع تزايد الاستثمارات العالمية الموجهة إلى هذه السوق، وتوافر العديد من فرص النمو مستقبلًا.

أوضح التحليل أن العالم شهد طفرة غير مسبوقة في مجال استخدام الفضاء خلال العقد والنصف الماضيين، والتي شملت القطاعين العام والخاص؛ حيث تميزت تلك الفترة بالانتشار الكبير للأقمار الصناعية الجديدة لأغراض مثل الملاحة ومراقبة الأرض والاتصالات. ومن هنا بدأ ظهور مفهوم جديد وهو (اقتصاد الفضاء)، الذي تُعرِّفه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بأنه: "الاقتصاد الذي يشمل جميع الأنشطة والموارد التي تُسهم في التقدم البشري من خلال استكشاف الفضاء وفهمه وإدارته واستخدامه"، ويشير مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA) إلى اقتصاد الفضاء بالمعنى الواسع على أنه: "الدور الذي يؤديه الفضاء لدعم التنمية المستدامة الاجتماعية والاقتصادية".

وذكر التحليل أن أبرز المجالات التي تُستخدَم فيها النظم الفضائية ما يلي:

- تغير المناخ: حيث يوجد أكثر من 160 قمرًا صناعيًّا حول الأرض لمراقبة وتقييم آثار الاحتباس الحراري والكشف عن الأنشطة السلبية، مثل: القطع غير القانوني للأشجار، وتستخدم وكالة ناسا الفضائية أداة مثبتة على قمرها الصناعي "Aqua" لمراقبة التغيرات البيئية، بما في ذلك تلك المتعلقة بمياه المحيطات وبخار الماء والسحب والجليد البحري واليابسة وهطول الأمطار، وذلك منذ أكثر من 20 عامًا. كما توفر الأقمار الصناعية الأخرى معلومات يمكن أن تساعد الدول على اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن حرائق الغابات وتآكل السواحل وغيرها من الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ.

- الأمن الغذائي: تستخدم بيانات الأقمار الصناعية بشكل متزايد لرصد نمو المحاصيل والتهديدات المحتملة للمحاصيل، مثل: الجفاف أو الحشرات، ويستخدم مشروعSERVIR، وهو شراكة بين ناسا والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، بيانات صادرة من الأقمار الصناعية لتصوير الأرض والتقنيات الجغرافية المكانية؛ من أجل مساعدة الدول على معالجة قضايا متعددة، من بينها قضية نقص الغذاء.

- الأمن القومي: من خلال استخدام صور الأقمار الصناعية والبيانات للحصول على معلومات استخباراتية ذات قيمة، مثل معلومات عن حركة القوات أو تركيب أنظمة الأسلحة.

- الخدمات: مثل: الملاحة والخدمات اللوجستية، بالإضافة إلى الاتصالات السلكية واللاسلكية وإدارة الكوارث، وهي خدمات أساسية في قطاعات مثل: الطيران، والنقل البحري، والخدمات المالية، والعمليات العسكرية.

- استخراج الموارد الفضائية: حيث أدت ندرة الموارد على كوكب الأرض إلى توجيه الاهتمام نحو استكشاف إمكانية استخراج الموارد الأرضية من خارج الكوكب؛ مما يمثل مرحلة تحويلية في استخدام الفضاء.

وأكد مركز المعلومات أن تلك الاستخدامات للنظم الفضائية أدت إلى ظهور ما يُعرف بـ (سلسلة القيمة الفضائية)، التي تشير إلى مختلف المراحل (المنبع والوسيط والمصب) والأنشطة التي ينطوي عليها تصميم وتطوير وإنتاج واستخدام المنتجات والخدمات ذات الصلة بالفضاء؛ حيث يتم تعريف سلسلة القيمة الفضائية بأنها: "نظام معقد ومتصل يشمل العديد من الجهات الفاعلة المختلفة، بما في ذلك وكالات الفضاء الحكومية وشركات الفضاء التجارية والمؤسسات البحثية والمستخدمون النهائيون"، وتعتبر كل مرحلة من مراحل سلسلة القيمة مترابطة وتتطلب مشاركة جهات فاعلة متعددة.

وتشمل سلسلة القيمة أيضًا التعاون عبر الحدود وعبر القطاعات، فضلًا عن تنسيق مختلف أنواع الاستثمارات سواء كانت خاصة أو عامة.

وقد استعرض التحليل كل مرحلة من مراحل سلسلة القيمة على النحو التالي:

- مرحلة المنبع: تصميم وتصنيع الأقمار الصناعية وأنظمة الإطلاق والنظم الفضائية والمكونات والمعدات الأرضية وغيرها من الأجهزة ذات الصلة بالفضاء.

- مرحلة الوسيط: تشغيل وصيانة وخدمة أنظمة الفضاء.
- مرحلة المصب: استخدام الاتصالات المعتمدة على الأقمار الصناعية، واستخدام بيانات رصد الأرض وتعزيز الوعي بالوضع الفضائي والبيانات الجغرافية المكانية.
وعن الوضع الحالي للاستثمارات العالمية في اقتصاد الفضاء، فقد أشار التحليل إلى أن الاستثمارات الموجهة إلى الفضاء على مستوى العالم شهدت تطورًا سريعًا منذ إطلاق أول قمر صناعي إلى الفضاء عام 1957، والتي ظهرت ملامحها في الانتشار السريع للدول بالفضاء عبر الأقمار الصناعية، والزيادات السريعة للموازنات الحكومية الموجهة إلى الفضاء خلال السنوات الأخيرة، حتى بات من المتوقع ارتفاع حجم سوق اقتصاد الفضاء العالمي إلى 1.8 تريليون دولار بحلول عام 2035.

ويمكن الوقوف على الوضع الحالي للاستثمارات العالمية في اقتصاد الفضاء من خلال المؤشرات التالية:
- تطور عدد الدول التي لديها أقمار صناعية في المدار: بدء إطلاق أول قمر صناعي إلى الفضاء (سبوتنيك 1) عام 1957. ومنذ ذلك التاريخ، شهد عدد الدول التي أطلقت الأقمار الصناعية تزايد مستمرًا. ففي خلال الفترة (1957 - 2023)، ارتفع عدد الدول التي أطلقت أقمار صناعية جديدة في المدار من دولة واحدة عام 1957 إلى 51 دولة عام 2008، وصولًا إلى 96 دولة عام 2023. وفي عام 2023، ارتفع إجمالي عدد الدول التي أطلقت أقمار صناعية في المدار بشكل مستقل دون الاعتماد على مساعدات خارجية إلى 12 دولة، مقابل دولة واحدة عام 1957 و10 دول عام 2008. وبحلول نهاية عام 2022، ارتفع عدد الأقمار الصناعية العاملة في مدار حول الأرض إلى ما يقرب من 6700 قمر صناعي، وهو ما يعادل ضعف عدد الأقمار الصناعية المُسجلة في عام 2020، وعليه، يعكس هذا التطور الملحوظ زيادة اعتماد الدول على الفضاء واستخداماته المختلفة عبر الزمن؛ مما يمهد الطريق إلى استخدامات أكثر تنوعًا وابتكارًا للفضاء.
- الميزانيات الحكومية الموجهة إلى مشروعات الفضاء: تُعد الجهات الحكومية حول العالم هي الجهات الممولة والعملاء الرئيسون للأنشطة الفضائية المختلفة؛ حيث تستغل هذه الجهات القدرات الفضائية لتلبية احتياجاتها في مجالات مختلفة، مثل: الدفاع، وإدارة الكوارث، وحماية البيئة، بالإضافة إلى دعم استكشاف الفضاء، كما تعمل الجهات الحكومية بتمويل عمليات البحث والتطوير التي تقوم بها الوكالات الحكومية في الداخل أو الاستعانة بمصادر خارجية من الجهات الأكاديمية والتجارية الخارجية لتحقيق أهدافها.

كما بلغ إجمالي الإنفاق الحكومي على برامج الفضاء على مستوى العالم حوالي 135 مليار دولار أمريكي في عام 2024، مرتفعًا بنحو 63.6% عن عام 2020، الذي بلغت فيه تلك القيمة نحو 82.5 مليار دولار.

- حجم اقتصاد الفضاء العالمي: وفقًا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي بالتعاون مع شركة الاستشارات (McKinsey & Company) بعنوان (Space: The $1.8 Trillion Opportunity for Global Economic Growth) والصادر في 8 أبريل 2024، بلغ حجم اقتصاد الفضاء نحو 630 مليار دولار في عام 2023، ومن المتوقع ارتفاع تلك القيمة لتصل إلى 1.8 تريليون دولار بحلول عام 2035.
أشار التحليل إلى أنه في عام 2024، أنفقت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 79.68 مليار دولار أمريكي على برامج الفضاء؛ مما جعلها الدولة ذات أعلى إنفاق حكومي على الفضاء في العالم، تليها الصين حيث بلغ الإنفاق الحكومي على برامج الفضاء بها أكثر من 19.89 مليار دولار أمريكي، ثم اليابان بنسبة إنفاق بلغت 6.8 مليار دولار أمريكي، تليها روسيا بنسبة إنفاق بلغت 3.96 مليار دولار أمريكي، وجاءت كوريا الجنوبية في الترتيب الأخير بنسبة إنفاق بلغت 1.03 مليار دولار أمريكي.
استعرض التحليل أبرز محطات ومعالم الولايات المتحدة الأمريكية في مجال الفضاء فيما يلي:

-تأسيس الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (NASA) في عام 1958، وبفضل تلك الوكالة كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي ثاني دولة على مستوى العالم في إرسال البشر إلى الفضاء، وأول دولة تهبط بالبشر على سطح القمر، وواحدة من المساهمين الرئيسين في محطة الفضاء الدولية.
-إطلاق برنامج (Lunar Program Artemis) التابع لإدارة (NASA)، والذي يتضمن هبوط البشر على سطح القمر وبناء قاعدة هناك، ويُعد هذا البرنامج من بين أكثر مشروعات الوكالة طموحًا.

-توظيف الولايات المتحدة الأمريكية مكتب القوة الفضائية الأمريكية (The United States Space Force) كفرع من الجيش الأمريكي مكرس تمامًا للفضاء، وأشارت الولايات المتحدة الأمريكية في قانونها (تفويض الدفاع الوطني) لعام 2020، إلى أن الغرض من هذا المكتب هو "حماية مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في الفضاء، وردع العدوان في وإلى الفضاء، وإجراء عمليات فضائية".

-التركيز على جانب التصنيع: إذا نظرنا إلى الناتج الإجمالي لسوق اقتصاد الفضاء الأمريكي لعام 2021، والبالغ حجمه 211.6 مليار دولار، نجد أن التصنيع جاء في مقدمة تلك المخرجات، مسجلًا 55.8 مليار دولار، بنسبة مساهمة بلغت 26.3%، تليه المعلومات بنسبة 25.8%، والحكومة بنسبة 19.3%.
أما عن التطورات الحديثة لمصر في مجال اقتصاد الفضاء؛ فقد أشار تحليل مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار إلى أن مصر لم تكن بمنأى عن التطورات العالمية السريعة في مجال الفضاء واستغلال إمكاناته؛ حيث تمثلت أبرز المحطات المصرية في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة فيما يلي:

-إنشاء وكالة الفضاء المصرية في أغسطس 2019، وذلك بموجب القانون رقم 3 لسنة 2018 الذي يهدف إلى إنشاء ونقل تطوير تكنولوجيا الفضاء والتوطين والقدرات الذاتية لبناء وإطلاق الأقمار الصناعية من الأراضي المصرية.
-إطلاق القمر الصناعي "مصر سات ٢" من قاعدة إطلاق (تيوتشان) بمدينة تيا أكوان بالصين في 4 ديسمبر ٢٠٢٣، وذلك في إطار اتفاقية التعاون الفني والاقتصادي بين مصر والصين، وهو يخدم أهداف التنمية المستدامة للدولة المصرية من خلال استخدام تكنولوجيا الفضاء في تطوير مجالات حيوية ومنها، على سبيل المثال لا الحصر: الزراعة، واستكشاف الثروات المعدنية، وتحديد مصادر المياه السطحية، ودراسة تأثيرات التغير المناخي على البيئة، بما يسهم في دعم الاقتصاد المصري، حيث أسهم إطلاق ذلك القمر الصناعي في توفير مسح كامل لمصر من خلال مرئياته، وإعداد التخطيط العمراني لعدد من المناطق، وكذلك متابعة ما يتم تنفيذه من مشروعات قومية بمختلف أنحاء الجمهورية في العديد من القطاعات، هذا إلى جانب إسهامه في متابعة حركة الموانئ، والملاحة في قناة السويس، وكذلك تحديد أنواع المحاصيل الزراعية الاستراتيجية وتوزيعها.

-إطلاق القمر الصناعي التجريبي "نكس سات 1" في فبراير 2024، والذي بلغت فيه نسبة توطين التكنولوجيا إلى 40%.
-الانتهاء من تصميم وتنفيذ منصة إلكترونية لتمكين المستخدمين من تصفح وشراء الصور الفضائية، والتنسيق مع الجهات المعنية لتوفير احتياجات السوق المصرية من صور الأقمار الصناعية بسعر منافس للأسعار العالمية، وتوفيرًا للعملة الأجنبية، وذلك حسب تصريحات الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء المصرية في 18 أغسطس 2024.

-بناء مدينة الفضاء المصرية: التي تعمل الدولة على إنشائها في الفترة الحالية على مساحة تبلغ 115 فدانًا، بحيث تضم مختلف الأنشطة الفضائية.

أوضح التحليل أن اقتصاد الفضاء يحمل العديد من فرص النمو المستقبلية، والتي يدلل عليها ما يلي:

-التوقعات بحدوث طفرة في حجم إيرادات سوق الفضاء، لتبلغ 1.8 تريليون دولار في عام 2035، مقارنةً بـ 630 مليار دولار في عام 2023، أي بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ حوالي 186%.

-إطلاق الأمم المتحدة مبادرة اقتصاد الفضاء في عام 2020، وذلك تحت إشراف مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA)، وهي الأولى من نوعها، وهي منصة جديدة مُكلَّفة بالجمع بين الدول الناشئة وغير المرتادة للفضاء، بهدف تعزيز اقتصاداتها الفضائية؛ حيث تجمع المبادرة الخبرات الداخلية والتبادل بين الأقران مع الدول المرتادة للفضاء لتبادل الرؤى ودراسات الحالة والممارسات الجيدة حول كيفية تنمية اقتصادات فضائية قوية وديناميكية ومستدامة.

-وقد تم تصميم تلك المبادرة بشكل أساسي بهدف دعم أصحاب المصلحة في قطاعي الفضاء العام والخاص. ويتمثل الهدف الرئيس للمبادرة في زيادة الوعي العالمي وفهم كيفية تأثير نمو قطاع الفضاء على تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بما يتماشى مع خطة التنمية المستدامة لعام 2030.

- التنافس الصيني الأمريكي في مجال الفضاء: كان من أبرز المحطات الصينية في مجال الفضاء في السنوات الأخيرة، ما حدث في عامي 2019 و2021، حيث أصبح مسبار Chang'e 4 الصيني في عام 2019، هو أول مسبار يهبط على الجانب الآخر من القمر.

وفي مايو 2021، نجحت مهمة Tianwen-1 التابعة لوكالة إدارة الفضاء الوطنية الصينية (CNSA) في هبوط مسبار على سطح المريخ؛ مما جعل الصين ثاني دولة تهبط على الكوكب الأحمر. كما تمتلك الصين أيضًا قوة فضائية عسكرية تعرف باسم قوة الدعم الاستراتيجي لجيش التحرير الشعبي الصيني (PLASSF).

أوضح التحليل في ختامه أن اقتصاد الفضاء يمثل أحد أبرز محركات النمو الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين، وذلك مع تزايد الاستثمارات العالمية في هذا القطاع، خاصة من قبل قوى اقتصادية كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية والصين؛ مما جعل الفضاء ساحة جديدة للتنافس والتعاون الدولي. ويحمل هذا الاقتصاد العديد من الفرص في ظل استمرار التقدم التكنولوجي وزيادة التعاون الدولي؛ مما يفتح آفاقًا جديدة للابتكار والازدهار.

أشار التحليل إلى أن الاستثمار في اقتصاد الفضاء ليس مجرد خيار استراتيجي للدول، بل هو ضرورة في عالم يتجه نحو الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا والموارد الفضائية.

طباعة شارك الوزراء معلومات الوزراء اقتصاد الفضاء سوق اقتصاد

مقالات مشابهة

  • رئيس الوزراء الإسباني: لا توجد معلومات قاطعة حول أسباب انقطاع الكهرباء
  • رئيس صناعة النواب يستعرض تقرير بشأن تعديل قانون الثروة المعدنية لتحويلها لهيئة اقتصادية
  • «معلومات الوزراء» يصدر تحليلًا بعنوان الصحة والسلامة في العمل حق وضرورة
  • معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025 يستعرض أكثر من 2000 فعالية
  • الرسوم الجمركية الأمريكية تفرض ضغوطا على صناعة السيارات النمساوية
  • أخبار السيارات| مواصفات رينو كارديان الجديدة.. سيارات سيدان 2025 في السوق المصرية
  • معلومات الوزراء: توقعات بارتفاع حجم سوق الفضاء العالمي إلى 1.8 تريليون دولار بحلول 2035
  • معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025 يستعرض 2000 فعالية
  • أبوظبي الدولي للكتاب يستعرض أكثر من 2000 فعالية
  • تحرير 141 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار مجلس الوزراء بالغلق لترشيد الكهرباء