قالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، إن التنافس الخفي بين السعودية والإمارات تزايد في الفترة الأخيرة.

وذكرت المجلة في تحليل لها أن التحالف الذي دام لسنوات بين البلدين، والصداقة الوطيدة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس الإماراتي محمد بن زايد، أصيبت بشرخ كبير في ملفات عديدة، بعد وفاق طويل فيما يخص قضايا بينها محاربة نفوذ قطر.



وتابعت أنه وخلف الكواليس؛ تخوض السعودية والإمارات منافسة جيواقتصادية نشطة بأبعاد متعددة.

معركة اقتصادية
وبين الموقع أن هناك منافسة هائلة على الاستثمار الأجنبي، والتي تعود إلى عام 2009، عندما اعترضت أبو ظبي على الموقع المقترح لمقر البنك المركزي لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، والذي لعب في نهاية المطاف دورًا في إحباط إنشاء البنك نفسه. وبين عامي 2012 و2022، كان تدفق الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي في الإمارات أكبر بنحو 3.5 مرات من نظيره في السعودية، وأصبحت دبي الموقع المفضل لنحو 70 بالمئة من المقرات الرئيسية للشركات الكبرى متعددة الجنسيات في الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه؛ أدى ارتفاع أسعار النفط في عام 2022، بفضل الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى دفع الاقتصاد السعودي إلى النمو بنسبة 8.7  بالمئة، وهو أعلى معدل بين دول مجموعة العشرين، التي أنتجت تدفقات كبيرة من رأس المال.

وقد شجعت السعودية بنشاط الشركات الأجنبية العاملة في منطقة الخليج العربي على نقل مقرها الرئيسي إلى أراضيها، وأصدرت تحذيرات من أن الشركات التي تفشل في نقل مقرها الرئيسي تخاطر بوقف العلاقات التجارية مع الرياض.

وتابعت المجلة قائلًا إن سياسات الطاقة بين السعودية (أكبر مصدر للنفط في العالم) والإمارات (خامس أكبر دولة) أدت إلى زيادة حدة هذه المنافسة. ففي صيف 2021؛ برز خلاف واضح بين الرياض وأبو ظبي بشأن خطة تقودها السعودية ضمن أوبك+ لإطالة أمد تخفيضات الإنتاج، مع رفض الإمارات للمقترح. وعلى الرغم من التوصل إلى حل واضح لهذا التوتر بسرعة؛ فقد انتشرت شائعات لاحقة بشأن اعتراض أبو ظبي على هيمنة الرياض داخل أوبك + والتفكير المحتمل في الانسحاب من أوبك.

ووفق المجلة؛ فقد أدت المنافسة على المكانة العالمية إلى إحداث شرخ بين السعودية والإمارات؛ حيث يبذل كلا البلدين جهودًا إستراتيجية لتعزيز قوتهما الناعمة من خلال استضافة تجمعات دولية بارزة، فقد أنشأت السعودية مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، في حين استضافت أبو ظبي منتدى الاستثمار العالمي، وهو حدث سنوي تنظمه الأمم المتحدة. ويعمل كل من المنتديات والمؤتمرات بمثابة منصات لاجتماع القادة والمستثمرين العالميين، وتسهيل اقتراح حلول مبتكرة للتحديات العالمية.

إكسبو
وبعد أن نظمت دولة الإمارات معرض إكسبو 2020 في دبي، وهو الأول من نوعه في الشرق الأوسط، دخلت السعودية التاريخ من خلال تأمين حقوق استضافة معرض إكسبو 2030. علاوة على ذلك، تم اختيار دبي كمكان لمؤتمر الأمم المتحدة السنوي المحوري لتغير المناخ العام الماضي. ويستمر هذا الالتزام باستضافة القمة، حيث من المقرر أن تستضيف أبوظبي المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية في شباط/ فبراير. 

وأضاف الموقع أنه بعد استضافة قطر الناجحة لكأس العالم لكرة القدم 2022؛ اتخذت الرياض مبادرات لرفع مستوى الدوري الوطني لكرة القدم من خلال جذب نخبة اللاعبين. منذ أوائل عام 2021، التزمت السعودية بما لا يقل عن 6.3 مليارات دولار في الاتفاقيات الرياضية، وهو ما يتجاوز إجمالي الإنفاق في السنوات الست السابقة بأكثر من أربعة أضعاف. ويمكن أن يكون أول مظهر من مظاهر الجغرافيا السياسية لكرة القدم في العصر الجديد. 

وذكر الموقع أن دبي تشتهر بمجتمعها العالمي المنفتح نسبيًا؛ حيث تجتذب المشاهير لاستضافة الحفلات الموسيقية والعروض، إلا أن هذا الامتياز لم يعد يقتصر على دولة الإمارات. ففي كانون الأول/ ديسمبر 2023؛ استضافت الرياض بنجاح "ميدل بيست ساوند ستورم"، وهو أكبر مهرجان موسيقي في الشرق الأوسط. وتعكس هذه المساعي مجتمعة الجهود المتعمدة التي بذلتها هاتان الدولتان لإعادة تشكيل صورتهما الدولية وتعزيز التصورات الإيجابية عن نفسيهما على الساحة العالمية.

رؤى مختلفة
وأشار الموقع إلى أن المنافسة الأخيرة والأكثر محورية كان فيما يتعلق بإستراتيجيات "الرؤية" التي يتبعها البلدان. وقد رسخت دولة الإمارات؛ بعد أن شرعت في رحلة التنويع منذ سنوات، مكانتها كمركز عالمي للنقل والأعمال من خلال مبادرات إستراتيجية تتعلق بميناءي خليفة وجبل علي، يكملها نجاح الناقل الجوي طيران الإمارات. 

وبحسب الموقع فإنه بالمقابل؛ أطلق محمد بن سلمان رؤية 2030، وهي خريطة طريق طموحة للتنويع الاقتصادي السعودي، في عام 2016. والمشروع الرئيسي ضمن هذه الرؤية هو مبادرة نيوم، وهو مسعى بمليارات الدولارات يهدف إلى وضع السعودية كدولة بارزة في البنية التحتية والنقل والتكنولوجيا، ومركز الأعمال والمال في المنطقة.

كما التزمت الرياض أيضًا بأكثر من 100 مليار دولار لتحويل نفسها إلى مركز لوجستي بحري وجوي، وهو ما تميز ببدء شركة طيران الرياض. وينطوي ذلك على تحدي هيمنة الموانئ الإماراتية من خلال استثمارات كبيرة في ميناء جدة الإسلامي، المقرر أن يصبح أكبر وأكثر الموانئ ازدحامًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبصياغة مختلفة، دفعت منافسة "الرؤية" الرياض وأبو ظبي إلى سباق التحديث والتنويع، وغالباً ما يكون ذلك على حساب بعضهما البعض.

التقارب مع إيران
ولفت الموقع إنه أنه من المثير للاهتمام أن التقارب مع إيران قد يزيد من حدة هذه المنافسة، فلقد أدى الانفراج الذي قادته بكين بين طهران والرياض إلى القضاء بشكل فعال على التهديد الأساسي المشترك في المنطقة بالنسبة للسعودية والإمارات، وبالتالي الحد من الصراعات الجيوسياسية طويلة الأمد بين الأجزاء الشمالية والجنوبية من الخليج العربي.

وبالمضي قدمًا؛ قد تدخل المنطقة حقبة جديدة حيث يتحول التركيز من المنافسة الجيوسياسية بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي إلى المنافسة الجيواقتصادية بين السعودية والإمارات.

إسرائيل وحرب غزة
ويتبنى كلا البلدين أيضًا سياسات تجارية ترقى إلى مستوى التحديات المباشرة لبعضهما البعض. ففي تموز/ يوليو 2021، نفذت السعودية سياسات حمائية لتعزيز إنتاجها الصناعي المحلي، وتنص هذه الأنظمة على أن البضائع المصنعة في المناطق الحرة أو التي تستخدم مدخلات إسرائيلية مستثناة من الامتيازات الجمركية التفضيلية، وهذا الموقف يتحدى بشكل مباشر المناطق الاقتصادية الحرة التي تشكل حجر الزاوية في الاقتصاد الإماراتي.

وتمثل هذه اللوائح، التي تهدف إلى جذب المستثمرين الأجانب لتأسيس أعمال تجارية داخل الدولة، بمثابة رد واضح على العلاقات التجارية المتنامية بين الإمارات وإسرائيل، بحسب المجلة.

واعتبر الموقع أن السياسة تجاه إسرائيل تشكل مجالاً محتملاً آخر للخلاف، فبينما اعترفت الإمارات رسميًا بإسرائيل في عام 2020، امتنعت السعودية حتى الآن عن الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم.

وعززت إسرائيل والإمارات العلاقات الثنائية من خلال التوقيع على اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة، وهذا التقدم الاقتصادي وضع الرياض في موقف ضعيف نسبيًّا. ولقد أدت الحرب  على غزة الآن إلى تباطؤ عملية التطبيع السعودية الإسرائيلية؛ لكن من المرجح أن تنتعش الحوارات حيث من المفترض أن تكون الرياض حجر الزاوية في الاتفاقات.

ولن يكون مفاجئًا أن يسعى محمد بن سلمان إلى الحصول على تنازلات إضافية، خاصة في البرامج النووية والضمانات الأمنية، لتطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ ومن الممكن أن تؤدي مثل هذه الخطوة إلى ممارسة الضغط على سياسة محمد بن زايد تجاه إسرائيل.

واختتم الموقع التقرير بالقول إنه مع اتساع الصدع بين السعوديين والإماراتيين؛ فهناك احتمال أن تتسارع علاقاتهم مع موسكو وبكين وحتى إيران كثقل موازن لبعضهم البعض، وهذا بدوره يمكن أن يضعف فعالية الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط ويدفع البيت الأبيض إلى إعادة تقييم أهمية المنطقة.

وختمت المجلة قائلة إنه "لا ينبغي اعتبار اصطفاف أبو ظبي والرياض مع سياسات الولايات المتحدة في المنطقة أمرًا مفروغًا منه. وكما هو الحال مع اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس؛ يمكن للمنافسة الجيواقتصادية المتزايدة بين السعودية والإمارات أن تتحدى وجهة النظر التبسيطية القائلة بأن الشرق الأوسط مقدر له أن يصبح أكثر سلامًا".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية السعودية محمد بن سلمان الإماراتي محمد بن زايد السعودية الإمارات محمد بن زايد محمد بن سلمان صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بین السعودیة والإمارات فی الشرق الأوسط الموقع أن أبو ظبی من خلال محمد بن

إقرأ أيضاً:

السعودية ترحب باستضافة قمة بين ترمب وبوتين في العاصمة الرياض

 

أشادت السعودية، الجمعة، بالمكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، بتاريخ 12 فبراير  الحالي، وما تم الإعلان عنه من إمكانية عقد قمة تجمعهما في المملكة.

التغيير ــ وكالات

وأعرب بيان عن الخارجية السعودية عن ترحيبها بعقد القمة في المملكة، مؤكدة استمرارها في بذل جهودها لتحقيق سلام دائم بين روسيا وأوكرانيا والتي بدأت منذ اندلاع الأزمة، حيث أبدى الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، خلال اتصاله في 3 مارس 2022 بكل من الرئيس بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي استعداد المملكة لبذل مساعيها الحميدة للوصول إلى حل سياسي للأزمة.

وواصلت السعودية، خلال السنوات الثلاث الماضية، هذه الجهود بما في ذلك استضافتها كثيراً من الاجتماعات بهذا الخصوص.

تحتضن العاصمة السعودية الرياض قمة أميركية – روسية؛ لإعادة إطلاق حوار بين واشنطن وموسكو، وفق ما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أول من أمس.

وقال الرئيس الأميركي إنه سيعقد اجتماعه الأول مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في السعودية، بمشاركة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي.

وأكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، أمس، أن الرئيسين الروسي والأميركي اتفقا على أن الرياض هي المكان المناسب للقاء.

وأشارت مصادر عربية إلى أن «وجود ولي العهد السعودي في هذا اللقاء يعكس الدور البارز للسعودية بوصفها دولة ذات ثقل سياسي واقتصادي في الساحة الدولية، ويعكس دورها الدولي والمحوري في صناعة الاستقرار والسلام في العالم».

وأضافت المصادر أن «السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، عززت من مكانتها بوصفها وسيطاً فاعلاً في حل النزاعات الدولية، من خلال سياستها المتوازنة وعلاقاتها الاستراتيجية مع مختلف الدول، وأن هذا اللقاء يؤكد الثقة التي تحظى بها السعودية من قِبل القوى العالمية».

الوسومالرياض السعودية بوتين ترامب قمة

مقالات مشابهة

  • إيرلندا بطلة جولة “أبوظبي لونجين لدوري الأمم” لقفز الحواجز والإمارات تحرز الفضية
  • تقرير: تدفق الأموال من السعودية والإمارات ساهم في إفشال جهود حكومة اليمن للحد من الفساد
  • الفجيرة يتعثر أمام الذيد والإمارات يوقف «العربي»
  • جولة أبوظبي في دوري الأمم لقفز الحواجز.. أيرلندا «البطل» والإمارات «الوصيف»
  • روبيو يصل إلى إسرائيل في جولة تشمل السعودية والإمارات
  • العزي: الفوضى تعصف بمناطق حكومة المرتزقة والوعي بمخاطر الاحتلال يتزايد
  • "فورين بوليسي": حروب ترامب التجارية تلحق ضررا كبيرا بحلفاء وشركاء واشنطن
  • السعودية.. هذا ما فعله لاعبو الهلال بعد التعثر أمام الرياض
  • السعودية ترحب باستضافة قمة بين ترمب وبوتين في العاصمة الرياض
  • الرياض ترحب بعقد قمة ترامب بوتين في السعودية