في حبّ محامِي فلسطين.. رواية الأسير عبد الله البرغوثي
تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT
مرّة أخرى مع الأسير الفلسطيني المهندس عبدالله البرغوثي صاحب أطولِ الأحكامِ بالمؤبّد في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي: (67 مؤبدًا، وخمسة آلاف ومائتي عام)، قضى منها حتى الآن العشرين عامًا الأولى في حبس انفرادي.
نقف معه في رواية جديدة، أهداها للمحامين، وكتبها عن فلسطين والمحامين والمقاومة، وكأنه يعتبر أن مفتاح النصر في هذه القضية هو في التحالف بين هذه العناصرِ الثلاثةِ: "فلسطينَ" التي تمثل الشعب والذاكرة والتراث والدين، والمحامين الذين يؤمنون بعدالة القضية، وينافحون عنها بالكلمة والقانون، والمقاومين الذين قرّروا التضحية بحياتهم من أجل القضية.
في بداية روايته "فلسطين العاشقة والمعشوق" يكتب البرغوثي إهداء إلى قائمة من المحامين، يختمها بمحامية من صنع خياله اختار أن تكون بطلة لروايته، سماها "فلسطين".
لماذا يحظى المحامون بهذه الأهمية لأسير فلسطيني؟!فلنتخيل رجلًا مثل البرغوثي، يقبع في سجنه الانفرادي منذ العام 2003، لا يرى في حياته إلا نوعين من البشر؛ هما: أعداؤه الذين يحصون أنفاسه على باب زنزانته المظلمة، والمحامون الفلسطينيون الشرفاء الذين يمثلون رئته التي تمده بهواء فلسطين، وتنقل له حكايات أهله، وتوصل لهم صوته، وهم مَن يمدونه بما يحتاج من كتب وأوراق، وهم من يسعون لجعل قسوة الحبس، أقل قسوة.
عندما يقع المقاوم في الأسر، يتوقف سلاحه عن الكلام، وينقطع صوته إلا ما تنقله أوراق مسربة، أو ينقله محامٍ مؤمن بقضيته، وقد قال عبدالله البرغوثي في صدر كتابه أنه ليس كاتبًا محترفًا، ولكنه مقاوم عشق إطلاق الرصاص على صدور الأعداء، "وعندما عزّ الرصاص في بندقيتي لم أجد سوى الرصاص في قلمي"، وهذا القلم الرصاص والأوراق أيضًا نقلهما له محامٍ، ولهؤلاء هو يشعر بالامتنان، بل يمكن اعتبار هذه القصة نداء للمحامين الفلسطينيين ليدركوا أهمية عملهم، ويجعلوا منه رسالة وسلاح مقاومة في معركة تحرير الوطن.
بطلة القصة -كما قلنا- اسمها "فلسطين"، وقد عاشت رحلة بدأت من السأم من القضية والرغبة في فكّ الارتباط بآلامها، ولكنها وجدت نفسها مدينة للقضية، ومدينة للمقاومة، بل مدينة للمقاوم الذي تصرفت معه بشكل سيّئ ثم اكتشفت أنه نفسه الذي أنقذها من عدوان الاحتلال قبل سنوات، ولولاه ربما ما كانت هنا.
شعرت "فلسطين" بالندم الشديد على إهانتها الغضنفرَ، وعدم تركه يكمل رسالته التي كانت تنتظرها أمّه التي فقدت بصرها حزنًا عليه، فقد كان ابنًا بارًا بوالدته وبفلسطين وقدسها وأقصاها
"فلسطين".. العاشقة والمعشوق"فلسطين" المحامية في رواية البرغوثي فتاة جميلة ورقيقة مثل قطعة "آيس كريم" نشأت في أسرة مَقدسية ثرية، وتمتّعت بكل ما تتيحه تلك النشأة من دلال.. ورغم أنها تتمتع بالذكاء؛ إلا أنها أهملت دراستها؛ فلم تحصل على المعدل الذي يؤهلها للالتحاق بكلية الطب التي كانت تحلُم بها، فاضطُرت لدخول كلية الحقوق التي تكرهها، ومع ذلك تخرّجت فيها بتفوق.
عملت محامية في مكتب عابدين للمحاماة؛ بالرغم من أنها تكره المحاكم والمجرمين والقضاة، وتكره اسمها "فلسطين" ولا تعرف لماذا أسماها والدها بهذا الاسم، وترى أن قضية فلسطين لن تُحل أبدًا.
وهي تكره التوجه إلى مناطق حكم سلطة أوسلو لحضور جلسات المحاكم هناك؛ فتلك المحاكم السلطوية المدنية لا تقل فسادًا عن سلطة أوسلو، فالرِّشوة والمحسوبية والواسطة منتشرة بها انتشار النار في الهشيم، لذلك تركت تلك المحاكم السلطوية الفاسدة لكي تترافع أمام محاكم العدو الصهيوني الظالمة.
تتصاعد الأحداث عندما يطلب منها المحامي عابدين أن تتوجّه لزيارة الأسير عبد القدوس المعروف بالغضنفر في سجن بئر السبع؛ لأنها كانت المحامية الوحيدة التي قبلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي منحها التصريح بزيارته.
في اللقاء، طلب الأسير أن يُملي عليها رسالة لأمّه، لكنها بعد عدد قليل من السطور، رفضت أن تكمل كتابة الرسالة، بأسلوب يُشكِّل إهانة له؛ فلم تكن تعنيها قضية تحرير فلسطين التي يضحي هؤلاء الأسرى بحياتهم من أجلها، لذلك أرسل عبد القدوس رسالة إلى المحامي عابدين تعني أنه لا يريد رؤية هذه المحامية مرة أخرى.
الذاكرة والندمتكتشف "فلسطين" بعد ذلك ما صدمها وهز مشاعرها، فقد عرفت من زميلتها ساجدة أن هذا الأسير الغضنفر هو الذي أنقذها من تحت حوافر خيول جيش الاحتلال عندما كانت طفلة في التاسعة من عمرها، وخرجت مع زميلاتها في المدرسة تهتف لفلسطين؛ فضربها الجندي الإسرائيلي على أنفها بهِراوته، فسال دمها، وتمزق ثوبها، فأنقذها عبد القدوس الذي كان في الثامنة عشرة من عمره، وغطاها بسترته الزرقاء التي ما زالت تحتفظ بها حتى الآن، وأن عبد القدوس عاد بعد أن وضعها في سيارة الإسعاف، فهاجم الجندي الذي ضربها، وأسقطه أرضًا، وفرّ بحصانه حتى ابتعد عن المكان، لكن جيش الاحتلال تمكن من القبض عليه، وتم الحكمُ عليه بالسجن عامَين؛ بسبب ذلك، وأنه كان فارس أحلامها التي عاشت تحلُم به.
شعرت "فلسطين" بالندم الشديد على إهانتها الغضنفرَ، وعدم تركه يكمل رسالته التي كانت تنتظرها أمّه التي فقدت بصرها حزنًا عليه، فقد كان ابنًا بارًا بوالدته وبفلسطين وقدسها وأقصاها.
في حوار مع نفسها أخذت تلوم نفسها؛ لأنها حرمت الأسير من إرسال رسالة يطمئن بها أمه وأباه، ويطمئن بها فلسطين وأبناءها الذين أحبوه، وقدروا جهاده ضد أعداء الحرية والتحرر.
في حوارها مع ذاتها قالت فلسطين: إن عبد القدوس أحب القدس وضحى لأجلها بحريته؛ كم هو شامخ الرأس، مرفوع الهامة بين أولئك السجانين الأقزام.. وكم هو فلسطيني عنيد ضحّى بعمره من أجل قضية آمن بها وعمل لأجلها طويلًا.
لذلك قررت فلسطين أن تعود إلى جذورها؛ إلى فلسطين الطفلة التي كانت تتظاهر وتشارك بالفعاليات الجماهيرية.. فلسطين الطفلة التي أحبت أميرًا شجاعًا، وما زالت تحبه، وما زال هو كما كان شجاعًا مقدامًا.
شعرت فلسطين بالحب للغضنفر عبد القدوس؛ فهو أميرها الذي كانت تحلم به، وأن حياتها لم تكن لها معنى بدونه.
هذه الرواية- كما قلنا- هي تكريم لكل محامٍ فلسطيني يؤمن بقضية المقاومة وقضية بلاده، فهؤلاء جنود في معركة لا تستقيم بدونهم، وهم شركاء لكل مقاوم.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: عبد القدوس التی کانت ه التی
إقرأ أيضاً:
لماذا اختار الله شهر رجب الذي تصب فيه الرحمات لفرض الصلاة؟ علي جمعة يوضح
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله عز وجل اختار الله هذا الشهر الشريف الكريم، الذي تصب فيه الرحمات، لفرض الصلاة على المسلمين، والصلاة آية من آيات الله تدل على أن النبي المصطفى والحبيب المجتبى ﷺ إنما هو رسول الله. فلو كان هذا الدين من عند سيدنا محمد ﷺ، ما فرض علينا الصلاة تكثيرًا للخلق حتى يدخلوا في دين الله أفواجًا. فإن صلاة المسلمين تكليف وتشريف؛ إذ ليس هناك أمة في الأرض تصلي لله كل يوم خمس مرات سوى المسلمين. فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أن "التكليف فيه مشقة، وكان من المتوقع أن يهرب الناس من المشقة، لكننا رأينا الإسلام ينتشر شرقًا وغربًا في كل العصور، حتى صرنا في أواخر هذا العصر من أكثر الأديان أتباعًا على وجه الأرض. ارتد الناس كثيرًا عن أديانهم، وأقل القليل من المسلمين من يرتد عن دينه.
فالصلاة برنامج يومي فيه تكليف ومشقة، ولكن لأنها من عند الله، فهي تدخل اللذة في قلوب المسلمين. لو عرفها الملوك وأباطرة الأرض لقاتلونا عليها، فهي صلة بين الإنسان وبين الرحمن، وعلاقة بين الإنسان وبين الأكوان.
نحن في شهر كريم فرضت فيه الصلاة على غير مثال سابق من الأديان السابقة التي أنزلها الله للبشر. وفي حديث البخاري: «أن النبي ﷺ قاوله موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فقد فرض الله خمسين صلاة، -وأخذ موسى في نصيحة النبي أن يراجع ربه في ذلك ويقول له-: لقد ابتليت بالناس من قبلك». إذا كان سيدنا النبي محمد ﷺ يعلم هذا، فكيف يفرض على الناس خمس صلوات؟ الحقيقة أنه لم يفرض شيئًا؛ الذي فرض هو الله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}. فعدّنا سبحانه وتعالى من أمة يريد منها الخشوع، ويريد منها أن تعبده بحب في قلبها، وبرحمة في سلوكها، وبوضوح في عقلها.
في هذا الشهر الكريم المحرم، الفرد صاحب الرحمات، أُسري بالنبي المصطفى والحبيب المجتبى ﷺ من مكة إلى بيت المقدس، وعرج به من بيت المقدس إلى سدرة المنتهى، إلى العرش. ونحن نسمي هذا مجازًا بالمعجزة؛ لأنها تعجز من رآها، خارقة من خوارق العادات تخرج عن سنن الله الكونية، لا يستطيع من أمامي أن يأتي بها، مع ادعاء صاحبها النبوة والرسالة وتلقي الوحي من عند رب العالمين.
ولكن الإسراء والمعراج لم يشهده أحد، ولذلك فهو فوق المعجزة. فليس الغرض منه أن يعجز الناس، لأن الناس لم تره، إنما الغرض منه أن يؤسس لعقيدة: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله.