استأنف المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانس غروندبرغ مؤخرًا، جهوده الدبلوماسية في محاولة للعودة بالعملية التفاوضية اليمنية إلى ما كانت عليه قبل العدوان الإسرائيلي على غزة عقب السابع من تشرين الأول/أكتوبر، إذ كانت تلك الجهود قد قطعت خطوات للأمام وسط تفاؤل حذر بإمكانية تحقيق تقدم حقيقي في مسار الانطلاق صوب مرحلة جديدة من التوافق؛ وخاصة عقب إعلان غروندبرغ في 23 كانون الأول/ديسمبر عن توصل الأطراف اليمنية إلى توافق بخصوص عدد من الإجراءات على الصعيدين الإنساني والاقتصادي، في سياق الاتفاق على خريطة طريق كانت المفاوضات الحوثية السعودية بوساطة عمانية قد تجاوزت معظم إشكالاتها.

 

ثمة أسئلة تفرض نفسها إزاء مناقشة امكانات ومقتضيات عودة الأزمة اليمنية إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر، ويمكن اختزالها في سؤالين: إلى أي مدى تأثرت الأزمة اليمنية بالحرب الإسرائيلية على غزة؟ وكيف يمكن تجاوز التداعيات والعودة إلى ما كانت عليه هذه الأزمة قبل ذلك؟

 

مما لا شك فيه إن الأزمة اليمنية تأثرت كثيرًا بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لاسيما بعد مشاركة جماعة «أنصار الله» (الحوثيون) في الحرب من خلال توجيه صواريخها ومسيراتها صوب جنوب إسرائيل والاتجاه نحو البحر من خلال استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل، في سياق الضغط على إسرائيل لإيقاف عدوانها ورفع الحصار عن غزة، كما تؤكد الجماعة.

 

تسببت عمليات الحوثيين بتوتير الأوضاع في البحر الأحمر، مع اتهام الجماعة الحوثية باستهداف السفن جميعها؛ الأمر الذي تنفيه الجماعة. وفي هذا السياق تصاعد التوتر في جنوب البحر الأحمر مع جلب واشنطن مزيد من القطع الحربية بهدف ما تقول إنه من أجل حماية مرور السفن، وصولاً إلى تشكيل تحالف «حارس الازدهار» وانتهاء بإعلان تنفيذ عملية «بوسيدون آرتشر» من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا ضد ما قال عنه تحالف الدولتين إنها منصات إطلاق صواريخ ومراكز رادارات ومخازن صواريخ وطائرات مسيرة في اليمن؛ وهو ما اعتبرته مؤسسات يمنية عديدة عدوانًا أمريكيا وبريطانيا وانتهاكًا صارخًا للسيادة اليمنية.

 

على الرغم من قيام واشنطن بعدد من الضربات الصاروخية في عدد من المحافظات اليمنية إلا أن ذلك لم يُظهر تأثيرُا حقيقيًا في إمكانات الحوثيين؛ إذ ما زالوا مستمرين في عملياتهم الحربية في البحر ضد ما يعتبروها سفنا مرتبطة بإسرائيل؛ مع استمرار التصعيد من أكثر من طرف؛ ما يُنذر باحتمال توسع دائرة الصراع، وسط تحذيرات دولية من توسع دائرة الاستهداف، وبالتالي التأثير على الوضع الإنساني للمدنيين في اليمن، مع احتمال خروج الصراع عن السيطرة، وصولاً إلى حرب إقليمية دولية، الأمر الذي يمثل تهديدًا للمنطقة والاستقرار الاقتصادي العالمي، وينذر بانزلاق الأوضاع في البحر الأحمر إلى مستويات لا يمكن تصور مآلاتها.

 

وفي السياق ستكون عملية السلام في اليمن أكثر تضررًا؛ إذ أن جماعة «أنصار الله» (الحوثيون) لن تقبل بالمشاركة في أي مفاوضات في غمرة انشغالها بما هي عليه حاليًا، علاوة أن تصنيفها أمريكيا كمنظمة إرهابية زاد من تعقيد المسار.

 

الحرب المتمددة

 

يقول رئيس تحرير منصة خيوط، الكاتب محمد عبد الوهاب الشيباني، في حديث لـ«القدس العربي» في قراءته لما يجري على صعيد إمكانات استئناف جهود السلام في اليمن: «حينما ظهر المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، في مؤتمر صحافي في 23 كانون الأول/ديسمبر الماضي، معلنًا للعالم عن خريطة طريق توافقت عليها الأطراف اليمنية في مسقط والرياض تمهيداً لإنهاء حالة الحرب المتمددة لتسعة أعوام، توقع الجميع أن يكون التوقيع على بنودها مطلع كانون الثاني/يناير الجاري، حتى أن تسريبات متعددة حددت التفاصيل البروتوكولية، وبنود الوثيقة».

 

وأضاف: «أمريكا وبريطانيا لعبتا دوراً محورياً في تفاهمات مسقط والرياض للوصول إلى هذه المرحلة، غير أن انخراط الحوثيين وبشكل مباشر في حرب غزة من خلال عملياتهم العسكرية (إطلاق صواريخ ومسيرات واحتجاز سفن على علاقة بإسرائيل) في البحر الحمر وباب المندب وخليج عدن منذ منتصف كانون الأول/ديسمبر الماضي، استدعي قيام الولايات المتحدة وبريطانيا بإطلاق تحالف دولي لحماية الملاحة في البحر الأحمر كما أعلنتا، قبل أن تقوم الدولتان مع دول أخرى بإطلاق أكثر من عملية عسكرية داخل العمق اليمني ابتداء من فجر الجمعة 12 كانون الثاني/يناير استهدفت مواقع عسكرية في صنعاء والحديدة وصعدة وذمار وتعز وحجة والبيضاء يعتقد أنها مخازن ومنصات اطلاق يستخدمها الحوثيون، لإيقاف تهديد الجماعة المباشر، وتبع تلك العملية أدراج الجماعة ضمن قوائم الإرهاب الأمريكية (المشروطة)!

 

ومضى الشيباني يقول: «هذه التطورات ألقت بظلالها على حالة التفاهمات التي بموجبها أعلن غروندبرغ خريطة الطريق، ففي الوقت الذي تراجع فيه المسار خطوات إلى الخلف، تقدم الحوثيون خطوات في الاتجاه المعاكس فصاروا المستفيدين الأكبر من حالة التوتر المائي، إذ استطاعوا تسويق أنفسهم للداخل والخارج باعتبارهم نصيرا فعليا لمظلومية الفلسطينيين، الذين يتعرضون لحرب إبادة وتنكيل وتهجير إسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر الماضي. الطرف الحوثي، وبذات التكتيكات المعروفة، سيستثمر في هذه الحالة كثيراً، داخلياً وخارجياً، والتي سيستخدمها لرفع سقوفه عالياً لانتزاع أكثر المكاسب السياسية والعسكرية على حساب أطراف مكون الشرعية التي ظهرت أكثر تفككاً، خصوصاً وأن العمليات العسكرية الأمريكية البريطانية، لا تستهدف تغيير المعادلة على الأرض، أو تحجيم قوة الجماعة في معادلة الداخل اليمني، اذ ما زالت الدولتان تراهنان عليه كطرف فاعل في مسارات التسوية، المرتبطة هي الأخرى بملفات إقليمية شائكة اللاعب الرئيس فيها إيران-الداعم الأبرز للحوثيين».

 

وأضاف محمد عبد الوهاب الشيباني: «وحدهم اليمنيون سيبقون رهين هذا الضغط العالي والمُستثمر سياسياً على حساب أمانيهم في الاستقرار والسلام ورفع المعاناة الثقيلة عن كواهلهم».

 

ولابد من القول إن ثمة يأسا شعبيا يمنيا بمؤشر عال إزاء التعامل مع أخبار أي جهود تتعلق بالتسوية في بلادهم؛ فالوضع السياسي المترهل، وسيطرة العامل الإقليمي على قرار بيادق القوى المتصارعة، وتزاحم المشاريع الصغيرة، واستمرار تصاعد مؤشرات اقتصاد الحرب، وبلوغ المعاناة الإنسانية مبلغًا صعبًا، وقبل ذلك انعقاد جولات عديدة من المفاوضات في الكويت ومسقط وجنيف وستوكهولم وغيرها دون التوصل إلى اتفاق يفضي إلى سلام حقيقي، واستمرار الأطراف بتبادل الاتهامات عن المسؤول عن التعثر، كل ذلك أوصل اليمنيين إلى حالة غير مسبوقة من القنوط، وعدم الثقة في الأطراف المتصارعة، وصولاً إلى أنهم صاروا لا يأبهون لأي أخبار تتعلق بمفاوضات تسوية، لاسيما وهم يجدون أنفسهم يخرجون من أزمة ليغرقوا في أزمة سياسية أخرى مع استمرار اتساع الخرق على الراقع؛ وكأن استمرار الحرب وتزايد التوتر يمثل هدفًا رئيسيا للبيادق المحلية وقبلها القوى الإقليمية، التي تستهدف إفراغ البلد مما تبقى من مفاعيل قوته، وصولاً إلى توازن ضعف حقيقي يصبح معه البلد أشبه بكانتونات ممزقة (هو ما صار واقعا) تحت سيطرة قوى متصارعة تحمي مشاريع القوى الإقليمية؛ وهي مشاريع عديدة، يحرص القائمون عليها أشد الحرص على تكريس الوضع الراهن (وضع اللادولة واللاسلام واللاحرب) بما يضمن استمرار استثمارها لصالح تعزيز نفوذ سلطات الحرب، حتى أصبح البلد كما نراه مستباحا من القوى الإقليمية والدولية، إلى أن يقرر اليمنيون أنفسهم استعادة بلدهم والانتصار لحقوقهم في حياة كريمة ودولة تنتصر للمواطنة المتساوية والحقوق والحريات العامة.

 

مما سبق قد يكون هناك تأثير للحرب الإسرائيلية على غزة على مسار جهود التسوية باليمن، لكنها ليست بالقدر الذي يمكن القول إن توقف الحرب هناك سينعكس إيجابيا على وضع التسوية هنا.

 

 


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن غزة الحوثي عملية السلام البحر الأحمر البحر الأحمر فی الیمن فی البحر على غزة

إقرأ أيضاً:

أبو ضفيرة: اختارني الله تعالى خليفة في الأرض فعلى البرهان وقيادات الدعم السريع مبايعتي وإيقاف الحرب

قلت: “اختارني الله تعالى خليفة في الأرض فعلى البرهان وقيادات الدعم السريع مبايعتي وإيقاف الحرب. وعلى الناس أن ينصروني. وإثبات اختيار الله تعالى إياي خليفة ملخص في ما يلي.

ملخص مسألة الخلافة:
1. جاء أول حرف خاء في السورة الثانية في الآية رقم 4 في كلمة “وبالآخرة”. واكتمل 13 خاء في كلمة “خليفة” في الآية رقم 30 “إني جاعل في الأرض خليفة”.

2. الفرق بين رقمي الآيتين 4 و 30 هو 13 مرتين أي 26 وجاءت كلمة “خليفة” في المصحف كله مرتين كذلك والمرة الثانية منهما في الآية رقم 26 من السورة رقم 38 “يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض” والآية مختومة بكلمة “الحساب”.

3. الفرق بين السورة رقم 38 والسورة رقم 12 (سورة يوسف) هو 26 سورة كذلك وجاءت في الآية رقم 4 رؤيا يوسف عليه السلام أحد عشر كوكبا والشمس والقمر وعددها هو 13 وهي بشارة له بالإمامة والعلم فاستخلفه الله تعالى. وفي الآية 101: “رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث”. ويتكون من رقمها مع رقم الآية 4 التي فيها الرؤيا العدد المباشر 1014 وهو من مضاعفات 13.

4. أول آية جاء فيها اسم داود عليه السلام من أول المصحف هي الآية رقم 251 من السورة الثانية وفرقها من رقم الآية 30 التي فيها كلمة “خليفة” هو 13 سبع عشرة مرة والفرق بين 17 و 30 هو 13 إشارة إلى أن أول آية سيذكر الله تعالى فيها داود في السورة رقم 38 هي الآية رقم 17 في خطاب للخليفة في زمانه ألا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم والآية هي: “اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب.” وبعد 13 آية في الآية 30 في إحكام لا مثيل له ذكر الله تعالى خلافة سليمان أباه داود عليهما السلام بنفس صفته عابدا أوابا: “ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد إنه أواب.” وهو ما أشارت إليه الملائكة عليهم السلام بقولها “ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك”. فلكي لا يفسد الخليفة وجب أن يكون عابدا أوابا فأجابهم ربهم قائلا “إني أعلم ما لا تعلمون”. ومن معاني هذه العبارة سأجعل الخلفاء عبادا أوابين فيصلحون في الأرض. وقد أصلح آدم عليه السلام في السماء قبل هبوطه إلى الأرض ثم هبط تائبا. أما الذي لا تعلمه الملائكة وأشارت إليه عبارة “إني أعلم ما لا تعلمون” فهو أن معهم عابدا ليس أوابا أفسد في السماء ولم يصلح ثم هبط مفسدا في الأرض.

5. ذكر الله تعالى هبوط آدم عليه السلام بالخلافة في الأرض في الآية رقم 36 “وقلنا اهبطوا”. و 36 هو الفرق بين رقمي السورتين 2 و 38 حيث خلافة داود وابنه سليمان عليهما السلام. وجعل الله تعالى بلطفه البالغ رقم الآية 251 السابقة التي فيها خلافة داود هو 36 محسوبا من آخر السورة. وفي الآية “وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء”. ومن ذلك اللطف أن في الآية 36 من البداية هزيمة الشر للخير وحصول الخلافة في الأرض “فأزلهما الشيطان عنها” وفي الآية 36 من آخر السورة هزيمة الخير للشر وحصول الخلافة في الأرض ووقف الفساد: “فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين.”

6. وها هو الفساد قد ظهر في الأرض كلها. وظهر في هذا البلد بهذه الحرب الفاضحة الدائرة فيها. وها هي مسألة الخلافة بإثباتها بالإعجاز الحسابي الذي لا يمكن أن يدحضه أحد ففي الآية 36 – 13 من السورة الثانية تحدى الله تعالى العالمين بالإعجاز القرآني في الآية 23 وفيها: “وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله”. وفي الآية 36 – 13 بعد 36 سورة عبارة “وعزني في الخطاب” في الآية 23، أي غلبني بحجته. وفي الآية 36 معجزة ظاهرة وهي تسخير الريح للخليفة سليمان عليه السلام: “فسخرنا له الريح تجري بأمره”.

ومسألة الخلافة بإثباتها الإعجازي الذي تبين مسألة غالبة أخرجها الله تعالى على يد رجل اختاره خليفة لدعاة يريدون إيقاف الفساد الذي ظهر في الأرض بأن يستخلفهم هم المصلحين بدلا من المفسدين والله جاعل ذلك فهو قد قال: “إني جاعل في الأرض خليفة” وهو فعال لما يريد والحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله وسلم تسليما.”

د. صديق الحاج أبو ضفيرة
جامعة الخرطوم.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • عبدالسلام: تفهم روسي واضح لعمليات اليمن في البحر الأحمر المساندة لغزة
  • استئناف الرحلات من والى مطار صنعاء والمقابل الذي تم الاتفاق عليه لإطلاق طائرات اليمنية
  • عبد السلام :الموقف الروسي من عمليات اليمن المساندة لغزة متفهم وواضح
  • قبل انتهاء المهلة .. السعودية تعلن استعداها لتنفيذ خارطة السلام في اليمن
  • صحفي سعودي يكشف عن جهود المملكة الكبيرة في دعم اليمن: أكثر من 229 مشروعاً ومبادرة تنموية
  • غارات أميركية وبريطانية على الحديدة وحجة غربي اليمن
  • الجيش الأمريكي يعلن تدمير موقعي رادار وزورقين للحوثيين في البحر الأحمر
  • اختفاء ناقلة منجرفة قبالة ساحل اليمن وتوقعات بغرقها
  • أبو ضفيرة: اختارني الله تعالى خليفة في الأرض فعلى البرهان وقيادات الدعم السريع مبايعتي وإيقاف الحرب
  • أضف لمعلوماتك..أكثر الحيوانات والطيور التي شاركت في الحروب العالمية