استراتيجية الصين في المنطقة وموقفها من معركة البحر الأحمر: فلتغرق واشنطن حتى أذنيها
تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT
الجديد برس:
لا يمكن النظر إلى موقف الصين من معركة البحر الأحمر، بمعزل عن استراتيجيتها في المنطقة، والقائمة على توسيع مبادرة «الحزام والطريق»، سعياً إلى اختراق جدار هيمنة الولايات المتحدة، وتقويض القوة البحرية الأميركية، وتعزيز التعدّدية القطبية العالمية.
وتلتقي الصين في تلك الرؤية مع كثير من دول المنطقة والعالم، وأبرزها روسيا وإيران.
ويأتي «الحياد» الصيني في هذه الأزمة، في وقت لا توفر فيه الإدارة الأميركية وسيلة للضغط على اليمن لثنيه عن دعم القضية الفلسطينية، بما ذلك طرق أبواب كل الدول التي تقيم علاقات متينة مع إيران، وعلى رأسها الصين، من أجل الخروج من ورطتها اليمنية، على رغم اعتراف مسؤوليها بصعوبة مساعيها الديبلوماسية تلك، وضعف تأثيرها حتى على الحلفاء والشركاء الدوليين والإقليميين.
وفي هذا الإطار، نقلت صحيفة «فايننشال تايمز» عن مسؤولين أميركيين قولهم إن واشنطن طلبت من بكين حث طهران على كبح جماح «أنصار الله»، لكنها لم تتلقّ أي مؤشر إلى استعداد الصين لمساعدتها في ذلك.
وأشارت إلى أن الولايات المتحدة أثارت الأمر مراراً مع كبار المسؤولين الصينيين خلال الأشهر الثلاثة الماضية، موضحة أن مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، ونائبه، جون فاينر، ووزير الخارجية، أنتوني بلينكن، ناقشوا الأمر خلال اجتماعات مع رئيس الدائرة الدولية للجنة المركزية في «الحزب الشيوعي الصيني»، ليو جيان تشو، في واشنطن، وطالبوا باتخاذ إجراءات في البحر الأحمر ضد ما يعتبرونه «تهديداً حوثياً» للمصالح التجارية للصين، لكون البحر الأحمر طريقاً حاسماً للصادرات الصينية إلى أوروبا.
لكن بكين امتنعت، منذ بداية الأزمة، عن إدانة الهجمات العسكرية اليمنية على السفن الإسرائيلية. كما رفضت المشاركة في الجهود الأميركية التي تزعم حماية الملاحة الدولية، ولم تستجب سفنها الحربية لنداءات الاستغاثة من السفن التي تعرّضت للهجوم.
كذلك، أثار امتناعها، إلى جانب روسيا، عن التصويت على قرار مجلس الأمن 2722 (في العاشر من الشهر الجاري) الذي دان الهجمات على السفن التجارية وسفن النقل في البحر الأحمر، وطالب بوقفها فوراً، نقاشاً واسعاً في الأوساط السياسية المعنية، وخصوصاً أن بكين وموسكو انتهجتا منذ سنوات، بعد الحرب الروسية – الأوكرانية، نهجاً معاكساً لسياسة واشنطن، ووقفتا بوجهها في مجلس الأمن في قضايا أقل أهمية بكثير من قضية البحر الأحمر.
وذهب بعض المراقبين إلى القول إن الصين وروسيا أرادتا بالامتناع عن التصويت على القرار المذكور، تعميق أزمة الولايات المتحدة في البحر الأحمر، في مسعى ضمني لتوريطها في اليمن، لعلمهما أنها ستخرج خاسرة من هذه المعركة. وفي الوقت نفسه، فإن الدولتين تستجيبان لموجبات علاقاتهما الاقتصادية المتينة مع دول الخليج، المحايدة في نزاع البحر الأحمر.
ووفقاً لـ«بلومبرغ إنتليجنس»، فإن الزعيم الصيني، شي جين بينغ، يعتبر أن التكاليف ليست مرتفعة إلى درجة تدفع بلاده إلى التورّط في مواجهة «أنصار الله»، وخاصة أن هناك من يقوم بتلك المهمة التي يُعتقد أنها تزيد من مشاعر العداء لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط.
وفي الاتجاه نفسه، تقول كبيرة محلّلي الاقتصاد الجغرافي في «بلومبرغ إيكونوميكس»، جنيفر ويلش، إن القادة الصينيين «ليس لديهم الكثير ليكسبوه في حال قرّروا اتخاذ مواقف أقوى»، وذلك مشابه لنهجهم في الحرب الروسية – الأوكرانية، حيث يدعون إلى السلام، لكنهم يرفضون إدانة روسيا أو المساهمة بشكل كبير في الجهود المبذولة لإحلال السلام في تلك البقعة من أوروبا.
ولرفع اللبس عن الموقف الصيني، ورداً على التسريبات الأميركية، اعتبرت بكين أنه لا يمكن حلّ المشكلة بالنهج الذي تتّبعه واشنطن. ونقلت وكالة «بلومبرغ» عن المبعوث الصيني لدى الاتحاد الأوروبي، فو كونغ، قوله إن «هجمات الحوثيين هي امتداد للأزمة في قطاع غزة».
ورأى كونغ أن العمليات الأميركية والبريطانية ضد «أنصار الله» تزيد الأمور سوءاً، معتبراً أن تلك العمليات لن تحافظ على المرور الآمن للسفن، وإنما تجعل الممر أكثر خطورة. وحث الولايات المتحدة على الضغط على السلطات الإسرائيلية لوقف القصف العشوائي على غزة.
في المقابل، رحب عضو «المجلس الأعلى» الحاكم في صنعاء، محمد علي الحوثي، بموقف الصين إزاء التطورات في البحر الأحمر.
وأشار في منشور على منصة «إكس» إلى ما تداولته وسائل الإعلام، نقلاً عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينيغ، التي قالت إنّ «الأولوية القصوى هي وقف الحرب على غزة في أقرب وقت لمنع النزاع من التمدد أكثر حتى خروجه عن السيطرة»، معتبراً أن العمليات في البحرين العربي والأحمر تتوافق مع ما تدعو إليه بكين.
والواقع أن اليمن، إلى جانب معركته العسكرية مع التحالف الأميركي – البريطاني، معنيّ أيضاً بكسب الرأي العام العربي والعالمي، وهو نجح في فرض سرديته القائلة إن ما يحصل في البحر الأحمر يستهدف الكيان الإسرائيلي بالتحديد، دون غيره.
*جريدة الأخبار اللبنانية
المصدر: الجديد برس
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی البحر الأحمر
إقرأ أيضاً:
إجبار 75 % من السفن الأمريكية على تحويل مسارها إلى رأس الرجاء الصالح، بتكاليف إضافية كبيرة
الجعدبي: أمريكا تعول على دور الموانئ السعودية والإماراتية في كسر الحصار على الكيان الصهيوني معهد واشنطن: الحظر اليمني يعيق قدرة الجيش الأمريكي على الانتشار السريع من المحيط الهندي إلى الهادئ شركتا “تروك نت” و “بيور ترانس” الإسرائيلية الإماراتية اهم المرشحين للتعاقد مع الجيش الأمريكي لتفادي الحصار اليمني التأثير اليمني يعطل حركة الإمدادات العسكرية للجيش الأمريكي نفسه
أكد خبراء اقتصاد أن شركات السلاح الأمريكية تأثرت بالفعل، وبشكل مباشر من تداعيات اضطراب سلسلة التوريد الأمريكية بسبب عمليات القوات المسلحة اليمنية، وإعلان صنعاء عن فرض عقوبات على 15 شركة أسلحة أمريكية داعمة لإسرائيل في ارتكاب جرائم الإرهاب والإبادة ضد المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء الفلسطينيين في غزة، وهو الأمر الذي ساهم في الزيادات الكبيرة في أسعار الشحن والتي وصلت إلى ثلاثة أضعاف، مع التأخيرات الكبيرة في وصول الشحنات والتي بلغت في بعض الحالات إلى قرابة شهر.
وأكد الخبراء أن اضطراب سلسلة التوريد الأمريكية بسبب عمليات الجيش اليمني في البحر الأحمر، والتي اعترف البيت الأبيض بأنها أجبرت 75 % من السفن الأمريكية على تحويل مسارها حول رأس الرجاء الصالح، تسبب بتكاليف إضافية كبيرة، مع تأخيرات طويلة للبضائع، وإذا كان هذا التأثير يعطل حركة الإمدادات العسكرية للجيش الأمريكي نفسه، وفقاً لتقرير جديد صادر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، فإن سلسلة توريد قطاع الصناعات العسكرية في الولايات المتحدة لن تكون خارج نطاق هذا التأثير، حيث تكامل تأثير الحرب التجارية والاضطراب المستمر لسلسلة التوريد الأمريكي بسبب عسكرة البحر الأحمر والعربي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية دعماً للكيان الصهيوني في إبادة الشعب الفلسطيني.
الثورة / أحمد المالكي
معهد واشنطن للدراسات في تقرير جديد له قال: إنه لا يمكن حماية كل شحنة بمرافقة مسلحة، وحتى السفن المصحوبة بحماية تتعرض لهجوم يمني أحيانًا في البحر الأحمر، وأن الطرق البديلة مثل رأس الرجاء الصالح تُكلّف أمريكا مليون دولار إضافي لكل شحنة، وتأخر الإمدادات العسكرية بسبب الحظر اليمني يعيق قدرة الجيش الأمريكي على الانتشار السريع من المحيط الهندي إلى الهادئ.
وأكد معهد واشنطن للدراسات: أن استهداف اليمن للملاحة العسكرية يُجبر واشنطن على إعادة التفكير في استراتيجيات الانتشار السريع، حيث أصبحت خيارات النقل العسكري الأمريكي مُكلفة أو مُعرضة للخطر بسبب العمليات اليمنية، في حين يعتبر النقل الجوي بديل مُكلف ومحدود ولا يغني عن النقل البحري المُهدد بهجمات من اليمن.
وكشف المعهد في تقريره: أن شركتي “تروك نت الإسرائيلية” و”بيور ترانس” الإماراتية، تعتبران كناقل بري بين الإمارات و”إسرائيل” بقدرة استيعاب 350 شحنة يوميا.
وأن الشركتبن تعدان من أبرز المرشحين للتعاقد مع الجيش الأمريكي، ولفت إلى أن شبكة نقل تابعة للدفاع الأمريكية تقترح إنشاء 300 مركز لوجيستي لتنويع خيارات الشحن ومنها الرسو في ميناء جدة.
حالة ارباك
. الخبير الاقتصادي سليم الجعدبي أكد في تصريح ل “الثورة” أن العدو الأمريكي والصهيوني، يعيشان حالة من الإرباك إزاء القرارات والخيارات العسكرية والاقتصادية الاستراتيجية التي اتخذتها القيادة في اليمن ضد قوى الطغيان والإجرام الصهيوني الأمريكي إسناداً لإخواننا المظلومين في غزة وفلسطين، مشيراً إلى أن لولايات المتحدة وحلفائها، تعتبر زيادة وقت العبور حول أفريقيا خيار غير عملي في السيناريوهات التي تتطلب نقلًا سريعًا وآمنًا للموارد العسكرية عبر مسارح عملياتية شاسعة، كون الطبيعة العالمية لتنافس القوى العظمى تتطلب من البنتاغون نقل أصوله بين مسارح العمليات في أوروبا والوسطى ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ حتى في الظروف العادية، وسيكون استخدام باب المندب إلزاميًا كلما دعت الحاجة إلى ذلك وفق ما يقول الأمريكان.
كما أوضح الجعدبي أن أمريكا تعول على الدور الذي تلعبه الموانئ السعودية والإماراتية في كسر الحصار اليمني على الكيان الصهيوني وتزويدهم بالحاويات والنفط، وأنه في ظل أزمة البحر الأحمر، هناك شركات سعودية تطلق خدمة الشحن الشمالي.
تهديد القدرات
وفي تقرير نشره معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط أشار المقدم جيمس شيبارد (القوات الجوية الأمريكية) وهو زميل عسكري في معهد واشنطن للفترة 2024 – 2025م، ومسؤول تنفيذي أول سابق لمدير أركان القوات الجوية في البنتاغون، وفي تحليل له أورده المعهد في التقرير إلى أن تعطيل ما وصفها ” بالقوات اليمنية المدعومة من إيران” لحركة الشحن في البحر الأحمر يهدد قدرة الولايات المتحدة على نشر قواتها وتزويدها بالإمدادات بسرعة في الشرق الأوسط وخارجه، ولكن مزيجًا من الحلول اللوجستية والتدابير العسكرية والجهود الدبلوماسية قد يكون الحل.
وأورد التقرير بعض الأمثلة على سبيل المثال: إذا سلكت شحنة نفط من بحر العرب إلى روتردام طريق رأس الرجاء الصالح البديل، فستحتاج إلى ما يُقدر بخمسة عشر يومًا إضافيًا وما يصل إلى مليون دولار من الوقود الإضافي، لذا يُتوقع أن تعاني الشحنات اللوجستية في الاتجاه المعاكس من تأخيرات مماثلة، وحتى لو كانت شركات النقل التجارية مستعدة للمخاطرة بتجنب هذا التأخير بالعبور عبر البحر الأحمر، فإن تأمين مخاطر الحرب قد يرفع التكاليف بنحو 1 % من قيمة هيكل السفينة.
وبحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية فإن زيادة وقت العبور حول أفريقيا بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها سيجعل هذا الخيار غير عملي في السيناريوهات التي تتطلب نقلًا سريعًا وآمنًا للموارد العسكرية عبر مسارح عملياتية شاسعة، فالطبيعة العالمية لتنافس القوى العظمى تتطلب من البنتاغون نقل أصوله بين مسارح العمليات في أوروبا والوسطى ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ حتى في الظروف العادية، وسيكون استخدام باب المندب إلزاميًا كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
بديل بري
وبحسب التقرير فإن استخدام مجموعة متنوعة من طرق النقل، بالإضافة إلى باب المندب، قد يُسهم في تخفيف خطر “الحوثيين”، وتقترح شبكة عبر الجزيرة العربية (TAN) التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية إنشاء 300 مركز لوجستي – مطارات وموانئ بحرية ومراكز برية – عبر شبه الجزيرة العربية لتنويع خيارات الشحن. على سبيل المثال، يُمكن لبعض السفن تجاوز المضيق والرسو في جدة؛ ومن ثم يُمكن نقل حمولتها جوًا أو برًا، وكما ذُكر سابقًا، تقع جدة ضمن نطاق نيران ” الحوثيين” وفقا للتقرير، لكن إدخال هذه الطرق البديلة وغيرها من الطرق سيُسبب معضلات استهداف للجماعة، ويُتيح مرونة أكبر في عملية صنع القرار الأمريكية، بهدف تعزيز السلامة العامة والمرونة.
وأشار التقرير إلى انه تم اختبار نظام النقل العابر للحدود (TAN) ولكنه لم يعمل بكامل طاقته، والخيار الآخر وفق التقرير هو الممر البري بين الإمارات وإسرائيل، وهو طريق تجاري يمتد من ميناء حيفا الإسرائيلي عبر الأردن والمملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة، ليصل إلى الخليج العربي متجنباً البحر الأحمر تمامًا. حيث تعمل شركتا نقل بالفعل على طول هذا الطريق، وهما شركة “تروك نت” الإسرائيلية وشركة “بيور ترانس” الإماراتية، وقد تكونان من أبرز المرشحين للتعاقد مع الجيش الأمريكي. الممر مجهز حاليًا لاستيعاب ما يصل إلى 350 شاحنة يوميًا، وهو ما ينافس أو حتى يتجاوز شبكة “تان” العاملة بكامل طاقتها.