التطبيع مقابل «الدولة الفلسطينية»: ابن سلمان يريد طوق نجاة

السعودية تستعجل الاندماج التام ضمن المنظومة الأمنية والسياسية الأميركية.

نتنياهو تعامل مع عرض التطبيع مقابل «الدولة» كفخّ ستكون نتيجته الإيقاع به.

في زمن إعادة رسم موازين القوى على خلفية الحرب في غزة، يبحث النظام في السعودية عن سبيل آمن لعبور هذه المرحلة المضطربة.

بعد 7 أكتوبر بدا نظام بن سلمان وقد أُسقط في يده، أو فقد المبادرة. وسواء كان ذلك أحد أهداف «طوفان الأقصى» أم ناتجا عرضيا لها، فالنتيجة واحدة.

يشعر النظام السعودي أنه أكثر المتضرّرين مما يجري، بدءاً بصمود كبير للمقاومة بغزة يزيد شعبيتها عربياً، أو خسائر بشرية كبيرة بين المدنيّين محرجة له أمام جمهوره

السعودية تقدم عرضًا تلو آخر لإسرائيل لأنها تستعجل الاندماج التام ضمن منظومة أميركا الأمنية والسياسية، مما يُنتظر أن تحسمه المعاهدة الدفاعية المنشودة بينها وبين أميركا.

* * *

قبل أن يباغتها السابع من أكتوبر، كانت السعودية تستعدّ لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بلا بند سياسي فلسطيني، بمعنى أنّ أقصى ما كان يمكن تقديمه للفلسطينيّين ضمن اتفاق، هو بعض المساعدات، وربما تخفيف بعض الإجراءات التي يطبّقها الاحتلال بحقهم.

كان الثمن المتوخّى لهذا التطبيع، اتفاقاً دفاعياً مع الولايات المتحدة، يحدّد نهائياً موقع النظام السعودي بقيادة محمد بن سلمان، في المنظومة الأميركية في المنطقة، والدور الذي يمكن أن تقوم به المملكة، والذي تعدّ نفسها له عبر المشاريع العمرانية الكبرى، والأحداث الترفيهية والفنية، والاستقطابات الرياضية أيضاً.

أما بعد 7 أكتوبر، فبدا النظام في المملكة وكأنه أُسقط في يده، أو فقد المبادرة. وسواء أكان ذلك أحد أهداف عملية «طوفان الأقصى» أم كان إصابة عرضية لها، فإن النتيجة واحدة، وهي أنّ النظام يشعر بأنه أكثر المتضرّرين مما يجري الآن، بدءاً بما يُسجّل في غزة من صمود كبير للمقاومة يزيد شعبيتها عربياً، أو من خسائر بشرية كبيرة بين المدنيّين محرجة له أمام جمهوره، أو ما يحدث في البحر الأحمر، والذي أدّى إلى تجميد مشروعه لإنهاء الملف اليمني باتفاق سلام، يندرج أيضاً في التحضير للدور الذي يهيّئ نفسه له. ونتيجة لذلك، تعود الإمارات إلى تصدّر المشهد اليمني من زاوية مواجهة حركة «أنصار الله»، ضمن الحرب الأميركية عليها، على حساب المملكة ومصالحها.

من هنا، يمكن فهم المبادرة التي تبحثها المملكة مع الولايات المتحدة، لربط حلّ النزاع في غزة بالتطبيع مع إسرائيل، عبر عرض التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في القطاع وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» واتّخاذ خطوات «لا يمكن الرجعة فيها» لإقامة دولة فلسطينية، مقابل التطبيع مع الرياض وعدد من العواصم العربية المعنية بتلك المبادرة. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لم يفكّر مرتين قبل رفض المبادرة الجديدة المنسوبة قيادتها ضمناً إلى السعودية، وتعامل معها كفخّ ستكون نتيجته الإيقاع به، باعتبار أنّ أي قبول بوقف لإطلاق النار الآن بغض النظر عن الترتيبات اللاحقة، يعني تسليمه بهزيمة عسكرية أمام المقاومة الفلسطينية، وفتح الباب لمحاسبته. يضاف إلى ما تقدّم، أن هذه المسألة بالذات، أي الدولة الفلسطينية، لا تثير حماسة في كل إسرائيل، وليس لدى نتنياهو وحده، فيما المشروع الإسرائيلي الوحيد المطروح الآن، هو بقاء الفلسطينيّين في معازل تحت الاحتلال وبين المستوطنات التي ستظلّ تتوسّع إلى أن لا يعود ثمة مكان لهم، تمهيداً لطردهم حينما تتوافر ظروف مناسبة لذلك.

في المقابل، لا يوجد أي فلسطيني من غير الشخصيات المحروقة المعروفة بعدائها للمقاومة، يمكن أن يقبل بحل يقيم دولة فلسطينية بالمواصفات المعروضة في ما تسعى أميركا إلى ترويجه تحت عنوان «حل الدولتين»، والذي لا يتضمن تفكيك المستوطنات، بل مجرّد تجميد نظري لها، وينص على أن تكون الدولة منزوعة السلاح. لا بل لن تكون «الدولة» المفترضة نتيجة مباشرة لأي اتفاق، وإنما يحتاج التوصل إليها إلى مسار جديد من المفاوضات التي لا تنتهي، والتي خبِر الفلسطينيون مثلها بعد «اتفاق أوسلو» عام 1993.

المبادرة السعودية تصبح في هذه الحالة، حاجة سعودية وليست فلسطينية ولا إسرائيلية. وبالتالي، هي محكومة بالفشل لأنها ليست مقبولة من الطرفين المتحاربين: القادة الإسرائيليون يريدون إطالة أمد الحرب أملاً في إنهاك الفلسطينيين وهروباً من المحاسبة، والمقاومة الفلسطينية لديها رهان منطقي وحيد على الصمود وإيقاع الخسائر في الجيش الإسرائيلي، واستخدام ورقة الأسرى والضغط الدولي، لوقف الحرب.

السعودية حالياً أمام خيارين، الأول أن تعود إلى خيار التطبيع من دون بند سياسي فلسطيني، كما كانت ستفعل قبل السابع من أكتوبر، وهو ما يحمل مخاطرة كبيرة. والخيار الثاني هو أن تنتظر نهاية الحرب، من دون أي دور فعلي أو تأثير في أي من الساحات التي يشملها الصراع، ولا سيما في غزة واليمن. وهذا الخيار، مع مساوئه يبقى بالنسبة إليها الأكثر أماناً.

ما تلتقي عليه أميركا والسعودية، ويجعل من طرحهما معاً أو مناقشتهما مبادرة من النوع المذكور، هو أن العلاقة مع المملكة مهمة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وهي ستكون في صلب أي ترتيبات جديدة أميركية للمنطقة. ولذا، نجد أن واشنطن لا تريد الذهاب بعيداً في الحرب مع «أنصار الله»، كون هذا الخيار يمكن أن يؤثر بشكل كبير على مثل تلك الترتيبات، وقد يتسبّب في فقدان واشنطن جزءاً من نفوذها. كذلك، تريد الولايات المتحدة أن تتفرغ حالياً لتحقيق أهدافها على مستوى الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لأنها تخشى أيضاً من أن يؤدي أي انتصار لحركة «حماس» إلى الإضرار بمصالحها. ومن هنا، يصبح ممكناً تقديم مبادرات من النوع المطروح حالياً، واعتبار نتنياهو عائقاً أمامها.

مشكلة السعودية التي تدفعها إلى تقديم العرض تلو الآخر لإسرائيل، هي أنها تستعجل الاندماج التام ضمن المنظومة الأمنية والسياسية الأميركية، الأمر الذي يُنتظر أن تحسمه المعاهدة الدفاعية المنشودة بينها وبين الولايات المتحدة. ففي زمن إعادة رسم موازين القوى على خلفية الحرب في غزة، يبحث النظام في السعودية عن سبيل آمن لعبور هذه المرحلة المضطربة.

*حسين إبراهيم كاتب صحفي لبناني

المصدر | الأخبار

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: إسرائيل أميركا السعودية التطبيع المقاومة غزة 7 أكتوبر بن سلمان نتنياهو أنصار الله الدولة الفلسطينية الولایات المتحدة فی غزة

إقرأ أيضاً:

مقابل هذ الشرط.. إسرائيل تقترح هدنة في غزة

صرح مسؤولون إسرائيليون، الإثنين، بأن إسرائيل اقترحت هدنة في غزة مقابل إعادة حوالي نصف الرهائن المتبقين.

وستترك هذه المقترحات الباب مفتوحا أمام التوصل إلى اتفاق نهائي لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس، التي دمرت مساحات واسعة من غزة، وأودت بحياة عشرات الآلاف، وشردت معظم سكانها منذ أن بدأت في أكتوبر 2023.

وتنص المقترحات على عودة نصف الرهائن الـ 24 الذين يُعتقد أنهم ما زالوا على قيد الحياة في غزة، وحوالي نصف الـ 35 الذين يُعتقد أنهم في عداد الأموات، خلال هدنة تستمر ما بين 40 و50 يوما.

وكشفت تقارير إعلامية أن هناك خلافين أساسيين بين إسرائيل وحركة حماس، بشأن مقترح هدنة لوقف الحرب الدامية في قطاع غزة.

ومساء السبت قالت حماس إنها وافقت على اقتراح جديد لوقف إطلاق النار في غزة من الوسيطتين مصر وقطر، لكن إسرائيل ذكرت أنها قدمت "اقتراحا مضادا بالتنسيق الكامل" مع الوسيطة الثالثة، الولايات المتحدة.

وحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، فإن الخلاف الأول يكمن في أن إسرائيل تصر على أن أي اتفاق الآن يجب أن يركز فقط على وقف مؤقت لإطلاق النار مقابل إطلاق سراح الرهائن، وفي المقابل تسعى حماس وفقا للصحيفة إلى إجراء مفاوضات لإنهاء الحرب بشكل كامل.

أما الخلاف الثاني، وهو إجرائي، فيتعلق بعدد الرهائن المفترض الإفراج عنهم، حيث أبدت حماس استعدادها لإطلاق سراح 5 محتجزين من بينهم الأميركي الإسرائيلي عيدان ألكسندر، أما إسرائيل فتقول إن أي اتفاق يجب أن يشمل إطلاق سراح 10 رهائن أحياء على الأقل، وذلك مقابل وقف الحرب لمدة 50 يوما.

مقالات مشابهة

  • حاكم أم القيوين يتقبل التعازي من سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى الدولة في وفاة الشيخة حصة بنت حميد الشامسي
  • رسوم ترامب الجمركية ستُعلن قريبًا في يوم التحرير.. إليكم ما يمكن توقعه
  • مناوي يكشف عن رؤيته للقوات التي تقاتل مع الجيش بعد انتهاء الحرب
  • ماذا يريد الاحتلال من تصعيد عدوانه على غزة؟.. 1001 شهيد وأكثر من 2359 جريح في القطاع منذ خرقه لاتفاق الهدنة.. محللون: إسرائيل تضغط لتحقيق أهداف سياسية.. ودور مصر المحوري يسعى لحل القضية الفلسطينية
  • فون دير لاين تعلن سبل الرد على “الحرب التجارية” مع الولايات المتحدة
  • مناوي .. ماذا يريد ????????
  • إصرار نتنياهو على الحرب.. محاولة نجاة أم سعي لتنفيذ خطط اليمين؟
  • مقابل هذ الشرط.. إسرائيل تقترح هدنة في غزة
  • زعيم بالجالية اليهودية في إيران يهاجم الاحتلال ويشبه الصهيونية بـ”داعش”
  • الآلاف يحتشدون في الجوامع والساحات العامة التي حددتها وزارة الأوقاف في مختلف المدن السورية لأداء صلاة عيد الفطر المبارك، وذلك في أول عيد بعد تحرير البلاد وإسقاط النظام البائد.