الخليج الجديد:
2025-03-11@00:26:15 GMT

ماذا فعلت بنا غزّة؟

تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT

ماذا فعلت بنا غزّة؟

ماذا فعلت بنا غزّة؟

نحن الآن لسنا بصدد تحرير القدس فقط، بل ما بعد بعد تل أبيب فعلا لا قولا.

الخاسر الأكبر قبل هذا كله في معركة غزة وبعده فهو ما سمي "السلام" والتطبيع.

في اختبار غزة ثمّة من نجح، ولكن كثيرين سقطوا، أولهم والنظام العربي الرسمي الذي انحاز بشكل فادح للعدوان من دون أن يرف له جفن.

أعادت غزّة صياغة كل شيء.

غزّة تستحقّ النصر، ليس فقط لأنها صمَدت 115 يوما خلت، ولا تزال مترعةً بالصمود، بل لأنها أعادت صياغة كل شيءٍ.

* * *

من لم تغيّره غزّة، فليراجع إنسانيته وعقيدته..

السؤال الذي ما فتئ يلحّ على كل منا، أو على الأقل على من بقي لديه شيءٌ من الحسّ الإنساني، ماذا فعلت بنا غزّة، بعد ما فعلت الأفاعيل بأهلها؟ كيف من الممكن أن نعيش حياتنا الطبيعية ونحن منذ مائة يوم ويزيد نرقُب المشهد الأكثر دمويةً ووحشيةً وغرابةً في التاريخ الحديث؟

هل يمكننا حين نجلس إلى مائدة الأكل، ونتناول ما لذّ وطاب من الأطعمة، أن لا نستحضر بشرا مثلنا لم يروا رغيفا ساخنا، أياما أو أسابيع أو أشهر؟

دعك من الذين "رحمهم" الله ومضوا إلى ربّهم قصفاً أو جوعاً أو عطشاً أو مرضاً، أو قنصا، ماذا عن الذين بقوا يتجرّعون مرارة فقد الأحبّة، وأبسط مستلزمات الحياة الطبيعيّة، من مأكل وملبس ومأوى، و"أمن" ولا مكان آمنا في غزّة، ولا أكل أو ماء أو ملبس بالسهولة التي يعتادها البشر العاديون؟

بعضنا لا يستطيع أن يصحو من غيبوبة النوم من دون أن يأخذ حمّاما ساخنا وفنجانا من القهوة، ماذا عمن يحلم بوجبة طعام، أي طعام، حتى ولو كان طبقاً من العدس "يجود" به أحدهم، وينتظر من يحصل عليه ربما ساعة أو أقلّ أو أكثر، ليعود بوجبة يتحلّق عليها أطفاله؟

هي أشياء صغيرة، أو هكذا تبدو، فما بالك بملايين التفاصيل اليومية التي نمارسها، من دون أن ننتبه إلى أن ثمّة إخوة لنا، على بعد صرخة أو أنّة، لا يمكن أن يحصلوا عليها إلا بشقّ الأنفس؟ إن حصلوا عليها طبعا، دعك من مشاهد الموت اللحظي التي تُحاصر مليوني إنسان، أنّى توجّهوا، وحيثما نظروا!

ما الذي تغير بعد غزة؟ كل شيء، بلا استثناء، غزّة غيّرت حياتنا، غزّة لم تقلب موازين السياسة والحرب في العالم. غزّة قلبت حياتنا رأسا على عقب، منذ مائة ويوم وعشرة أيام لم يعد (أنا) هو أنا. لم نعد نستطيع أن نعيش كما كنّا وفق روتيننا الماضي، كل شيء تغيّر. أقسم أنني لم أضحك من قلبي منذ مائة يوم إلا مرّة أو مرّتين. وبالغلط.

أعادت غزّة صياغة كل شيء. غزّة تستحقّ النصر، ليس فقط لأنها صمَدت مائة يوم خلت، ولا تزال مترعةً بالصمود، بل لأنها أعادت صياغة كل شيءٍ، ليس في حياتنا نحن، عربا ومسلمين، بل في حيوات ملايين البشر في العالم.

في اختبار غزّة ثمّة من نجح، ولكن كثيرين سقطوا، أولهم وربما أهمهم النظام العربي الرسمي الذي انحاز بشكل فادح للعدوان من دون أن يرف له جفن، وهكذا تخفّف من أي شرعيةٍ لاستمراره، وقال لنا بملء الفم إنه منحاز للجهة التي لا نقف فيها نحن الشعب، قال لنا، بلغةٍ لا تقبل التأويل، إن رأينا ليس مهما، ولا مشاعرنا ولا دم إخوتنا، وإنه مستعدٌّ، عمليا، للتضحية بنا كُرمى لعيون الكرسي الذي يجلس عليه.

ثانيهم بعض الأنظمة التي عوّلنا عليها، واعتقدنا أننا نخبّئها ليومنا الأسود، كتركيا مثلا، التي لطالما تغنّينا بمواقفها "الصلبة" بقيادة "السلطان" أردوغان، الذي فتح لنا بابا من أبواب الأمل، سرعان ما صفقه في وجوهنا، فأثبت أنه ظاهرة صوتية، بالنسبة لقضايانا نحن العرب والمسلمين.

صحيحٌ هناك حساباتٌ خاصّةٌ به وببلاده، وهي مشروعة، لكن إحساسنا أيضا بالخذلان مشروعٌ هو أيضا، فحتى تهديدُه الدائم بمحاكمة الكيان الصهيوني في المحاكم الدولية لم يقم به، و"تطوّع" به نظام جنوب أفريقيا الذي لا هو عربي ولا مسلم.

‏ثالث الساقطين المنظومة الأخلاقية الغربية التي أشبعتنا مبادئ ومواعظ عن حقوق الإنسان والقانون الدولي "الإنساني!" وسوى هذا من أخلاقياتٍ ثبت أنها لا تساوي الحبر الذي كُتبت به، وأنها خاصة بالعرق الأبيض دون سواه.

رابع الساقطين كل التنظيمات الفلسطينية أو معظمها، التي تحوّلت إلى أحزاب بيانات وزعامات "تاريخية"، وفي مقدمتها حركة فتح، فقد كنست غزّة كل حب لهذه التنظيمات من قلوب الملايين الذين تطلعوا لها باعتبارها ممثلهم "الشرعي والوحيد" وتم "تكييش" كل ذلك الأمل والحب للتنظيمات التي ناجزت العدو وقهرته وصمدت في وجه آلته الحربية المتوحّشة، وألحقت به أذىً لن يزول، وتركت في وجه كل صهيوني ندبة ستذكّره ما حيي ببصمة المقاومة وقوتها.

‏أما خامس الساقطين فتنظيمات "الجهاديين" الإسلامويين الذين يتمرجلون على المسلمين العزّل بعملياتهم التفجيرية العمياء، ولم نسمع لهم صوتا في ذروة الحالة الجهادية الحقيقية في غزّة، ولم يفلحوا إلا في "جهاد النكاح" وزواج "السبايا" وقطع رؤوس الأبرياء بتهم ملفقة، هؤلاء "الجهاديون" لم نر جهادهم في ذروة جهاد غزّة، فإن لم يظهر هذا الجهاد اليوم فمتى؟

‏سادس الساقطين فعلا وقولا شيوخ السلاطين من عبيد الأوثان الجدُد الذين يسمّونهم "أولياء الأمر"، ويعتبرون طاعتهم واجبة حتى في عهرهم وخيانتهم الأمة، وإمعانهم في إيقاد نار الفتن وشقّ الصف، وتبديد ثروات الأمة في مشروعاتٍ سخيفةٍ تعبّر عن أحلامهم المريضة وشهوتهم لجمع المال، وقهر العباد، فكيف يمكن، من بعد، سماع خطبهم وجعجعاتهم ومواعظهم؟

‏أما سابعهم فهو نخب السلاطين و"مؤثري" شبكات الإعلام الشعبي والتقليدي، من بائعي الفكر المخصي، وثقافة الشهوة، وتشويه الوعي الجمعي وإفساد الذوق العام، وبيع "منجزات" أنظمة القمع والإرهاب، وكنّا نظنّ، وهو إثم هنا تحديدا، أن "طوفان الأقصى" كان كفيلا بإيقاظ ضمائرهم إلا أن ظنّنا غفل عن أنهم بلا ضمير أصلا، فأنّى له أن يصحو؟

‏أما الخاسر الأكبر قبل هذا كله في معركة غزة وبعده فهو ما سمي "السلام" والتطبيع، فقد بدا هذا الشيء وهماً ذرته رياح غزّة وعواصفها وأوجدت واقعا جديدا، هذا الواقع قبل غزّة وطوفانها، كنا نتطلع فيه لتحرير القدس، لكننا اليوم بتنا نتطلع لتحرير صفد ويافا وتل أبيب والكرمل، قد يبدو هذا الكلام متّسعا أكثر من اللازم، ولكنه بعد غزّة وطوفانها غدا قريبا وواقعيا، جدا!

نحن الآن لسنا بصدد تحرير القدس فقط، بل ما بعد بعد تل أبيب فعلا لا قولا . ... قد يبدو هذا الكلام متسعا أكثر مما يجب. لكنه واقع جديد فرضه الطوفان. غزّة غيّرتنا، وغيّرت العالم، وهي تتعرّض لحرب عالمية كبرى، وهي بمساحتها الصغيرة قد لا تزيد عن مساحة "مول" في دولة كبرى، ومع هذا تصمُد وتناجز وتنتصر، فأنّى لها أن لا تغيّر كل شيء؟

*حلمي الأسمر كاتب صحفي من الأردن

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: فلسطين غزة التطبيع أردوغان الحياة الطبيعية حقوق الإنسان طوفان الأقصى من دون أن

إقرأ أيضاً:

بن صهيون.. والد نتنياهو الذي غرس فيه كره العرب

لم يكن بن صهيون نتنياهو مجرد اسم في تاريخ عائلة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بل هو شخصية تحمل بين طياتها قرنًا من الزمان مملوءًا بالأفكار والمواقف التي لا تقل تطرفًا وإثارة عن سياسات ابنه الحالية.

ويبدو أن هذه الأفكار التي صاغتها تجربة حياة مفعمة بالمواقف الصدامية مع العالم العربي قد تسربت بوضوح إلى توجهات بنيامين نتنياهو، لتشارك في تشكيل مواقفه الحادة تجاه الفلسطينيين، والتي يتضح صداها في أفعاله وكلماته حتى اليوم.

فما الذي نعرفه عن بن صهيون نتنياهو؟ وكيف أثر على مسار الحركة الصهيونية؟ ولماذا كانت رؤيته للعرب دائمًا عدائية إلى هذا الحد؟

بن صهيون.. سيرة ذاتية

وُلِد بن صهيون ميليكوفسكي -الذي سيُعرف لاحقا باسم نتنياهو وتعني هبة الله- في وارسو عاصمة بولندا خلال فترة تقسيمها وخضوعها للسيطرة الروسية القيصرية في عام 1910.

وكان والده ناثان ميليكوفسكي كاتبا وناشطا صهيونيا من بيلاروسيا، وقد شغل ناثان منصب حاخام، وجاب أوروبا والولايات المتحدة لإلقاء خطب تدعم الحركة الصهيونية التي آمن بها حتى النخاع.

وفي عام 1920 قرر ناثان الهجرة إلى فلسطين مصطحبا معه عائلته ضمن الموجة الكبرى للهجرة اليهودية. وبعد تنقلها بين مدينة يافا وتل أبيب وصفد، استقرت الأسرة أخيرا في القدس حيث التحق بن صهيون بمعهد ديفيد يلين للمعلمين والجامعة العبرية في القدس.

إعلان

وكان من الشائع بين المهاجرين الصهاينة في تلك الفترة تبنّي أسماء عبرية، فبدأ ناثان ميليكوفسكي الأب بتوقيع بعض مقالاته باسم "نتنياهو"، وهو الصيغة العبرية لاسمه الأول، واعتمد ابنه هذا الاسم ليكون اسم العائلة.

وفي عام 1944، تزوج الابن بن صهيون نتنياهو من تسيلا سيغال التي سيصفها ابنها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لاحقا بأنها "محور عائلتنا والسلطة النهائية فيها".

من اليسار إلى اليمين: بن صهيون نتنياهو وابناه بنيامين ويوناثان وزوجته تسيلا (الموقع الرسمي لبنيامين نتنياهو)

درس بن صهيون نتنياهو تاريخ العصور الوسطى في الجامعة العبرية بالقدس، وفي إبان دراسته انخرط في "حركة الصهيونية التصحيحية"، وهي حركة انفصلت عن التيار الصهيوني السائد، معتقدين أن هذا التيار الغالب كان أكثر تصالحية مع السلطات البريطانية الحاكمة لفلسطين آنئذ.

في المقابل، تبنّى التصحيحيون بزعامة زئيف جابتونسكي نهجا قوميا يهوديا أكثر تشددا، مخالفا للصهيونية العمالية اليسارية التي قادت إسرائيل في سنواتها الأولى، معتقدين أن حدود إسرائيل تمتد على كامل فلسطين التاريخية والأردن معا.

ولإيمانه بالعمل الصحفي والأكاديمي، شغل بن صهيون منصب محرر مشارك في المجلة العبرية المعروفة في ذلك الوقت "بيتار" بين عامي 1933 و1934، ثم أصبح رئيس تحرير صحيفة "ها ياردن" اليومية الصهيونية التصحيحية في القدس (1934-1935)، حتى أوقفت سلطات الانتداب البريطاني صدورها بين عامي 1935 و1940.

وفي عام 1939، قرر السفر إلى نيويورك للعمل سكرتيرا لزعيم الحركة الصهيونية التصحيحية جابوتنسكي الذي كان يسعى لحشد الدعم الأميركي لحركته الصهيونية القتالية الجديدة.

ومع وفاة جابوتنسكي في العام نفسه، تولّى بن صهيون نتنياهو منصب المدير التنفيذي للمنظمة الصهيونية الجديدة في أميركا التي كانت منافسا سياسيا أكثر تشددا للمنظمة الصهيونية الأميركية المعتدلة، واستمر في هذا الدور حتى عام 1948.

مع وفاة جابوتنسكي (يمين) تولّى بن صهيون نتنياهو منصب المدير التنفيذي للمنظمة الصهيونية الجديدة في أميركا (مواقع التواصل) سنوات التأرجح والنهاية

كان بن صهيون مؤمنا بفكرة "إسرائيل الكبرى"، وفي سبيلها عارض بشدة أي تنازلات إقليمية أو محلية، ولهذا السبب عندما أصدرت الأمم المتحدة خطة تقسيم فلسطين في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947، كان من بين الموقعين على عريضة ترفض الخطة، وخلال تلك الفترة كان ناشطا سياسيا في واشنطن العاصمة حيث عمل على التواصل مع أعضاء الكونغرس لدعم رؤيته الصهيونية المتشددة.

إعلان

وفي عام 1949، عاد إلى إسرائيل محاولا دخول الحياة السياسية، لكنه لم يحقق نجاحًا يُذكر نتيجة سيطرة الحركة الصهيونية التقليدية على مقاليد البلاد بزعامة ديفيد بن غوريون ممن كانوا يرون عصابات شتيرن والمؤمنين بأيديولوجية جابتونسكي خطرا يهدد دولتهم في ذلك الحين.

في المقابل، واصل بن صهيون نتنياهو نشاطه الأكاديمي، لكنه لم يتمكن من الانضمام إلى هيئة التدريس في الجامعة العبرية، ورغم ذلك ساعده أستاذه جوزيف كلاوسنر أستاذ الأدب العبري في الحصول على منصب محرر في "الموسوعة العبرية"، وبعد وفاة كلاوسنر تولّى بن صهيون رئاسة التحرير مع آخرين.

لاحقًا عاد إلى كلية دروبسي في فيلادلفيا حيث عمل أستاذًا للغة العبرية وآدابها ورئيسًا للقسم بين عامي 1957 و1966، ثم شغل منصب أستاذ التاريخ اليهودي في العصور الوسطى والأدب العبري من عام 1966 إلى 1968، ثم انتقل إلى جامعة دنفر ليعمل أستاذًا للدراسات العبرية (1968-1971)، قبل أن يعود إلى نيويورك لتولي تحرير موسوعة يهودية.

في النهاية، التحق بجامعة كورنيل حيث شغل منصب أستاذ الدراسات اليهودية ورئيس قسم اللغات السامية وآدابها من عام 1971 إلى 1975.

وعقب مقتل ابنه يوناتان خلال عملية عنتيبي لإنقاذ الرهائن عام 1976، قرر العودة مع عائلته إلى إسرائيل منخرطا في المجال الأكاديمي.

وعند وفاته عام 2012 عن عُمر ناهز 102 عاما، كان عضوًا في أكاديمية الفنون الجميلة وأستاذًا فخريًا في جامعة كورنيل.

جوزيف كلاوسنر كان بمنزلة مرشد لبن صهيون (الصندوق القومي اليهودي) بن صهيون وأستاذه جابوتنسكي

أُثر عن بن صهيون نتنياهو قوله في إحدى مقالاته إن "العرب واليهود مثل عنزتين التقتا على جسر ضيّق، إحداهما مضطرة إلى القفز في النهر، ولكنهما لا تريدان الموت. ولذلك فإنهما تنتطحان على الدوام، وتؤمنان بأن إحداهما ستُنهَك في نهاية المطاف وتستسلم، وعندئذ سيتقرر الأقوى الذي سيرغم الأضعف على القفز. إن القفز لليهود يعني ضياع الشعب اليهودي، أما بالنسبة إلى العرب فإن قفز عنزتهم يعني تضرر جزء يسير منهم".

إعلان

يكشف هذا الاقتباس عن تأثره الكبير بزعيم الحركة التصحيحية الصهيونية زئيف جابتونسكي الذي آمن به من قبل والد بن صهيون الحاخام ناتان ميلوكوفسكي ورآه رائد الحركة الصهيونية وموجّه بوصلتها نحو التعامل الجذري مع العرب.

كان يرى أن الأغلبية العظمى من العرب داخل إسرائيل سيختارون إبادة اليهود إذا سنحت لهم الفرصة. وهذا الاعتقاد دفعه منذ شبابه إلى تأييد فكرة ترحيل السكان العرب من فلسطين، وهي الفكرة التي ظل متمسكًا بها حتى أواخر حياته، إذ واصل التعبير عنها في مناسبات مختلفة.

ففي مقابلة له عام 2009 مع صحيفة معاريف الإسرائيلية، عبّر عن آرائه تجاه الصراع العربي الإسرائيلي بقوله إن "النزعة إلى الصراع هي جوهر فكر العرب، إنهم أعداء بطبيعتهم، فشخصيتهم لن تسمح بالتنازل، وبغض النظر عن المقاومة التي سيواجهونها أو الثمن الذي سيدفعونه، فإن وجودهم يعني حربا دائمة".

وربما هذا الموقف الجذري من بن صهيون وآرائه المتطرفة تجاه العرب جعلت العديد من المحللين يتوقعون أن ابنه بنيامين نتنياهو كان غير قادر على التوقيع على اتفاق سلام شامل مع جيران إسرائيل العرب ما دام والده كان لا يزال على قيد الحياة.

ورغم أن نتنياهو نفسه نفى هذه الفرضية بشكل قاطع واصفًا إياها بأنها "هراء"، بحسب ما نقلته صحيفة هيرالد، فإن مواقفه وسياساته على الأرض، ولا سيما في غزة، تعكس تبنيًا واضحًا للنهج المتشدد ذاته الذي اشتهر به والده.

بن صهيون كان من المؤيدين المتحمسين لفكرة ترحيل السكان العرب من فلسطين (الفرنسية)

ولكن يجب أن نعود إلى جابتونسكي لنرى كيف أقنع الثلاثي الجد والأب والحفيد من عائلة نتنياهو بهذه الأفكار التي كانت تعكس سخطه الواضح على الحركة الصهيونية التقليدية وسعيها لخداع العرب في فلسطين عبر المفاوضات وإظهار نواياها كأنها بريئة من أي نية للاستيلاء على الأرض، وضرورة التعامل بصورة جذرية عنيفة.

فقد جاءت مقالاته وأفكاره لتوضح جوهر الصراع، وكشف الطبيعة الاستعمارية الاستيطانية للحركة الصهيونية، إذ كتب "يمكننا أن نقول للعرب ما نشاء عن براءة أهدافنا، ونتفنن في استخدام العبارات المنمقة، ونغلفها بالكلمات المعسولة لجعلها مستساغة، لكنهم يدركون تماما ما نريده، كما ندرك نحن ما لا يريدونه. إنهم يشعرون تجاه فلسطين بالحب الغريزي نفسه الذي شعر به الأزتيك القدامى تجاه المكسيك القديمة".

إعلان

كان جابوتنسكي يرى أن الحركة الصهيونية تهدُر وقتها في المفاوضات، بدلا من التركيز على بناء قوة عسكرية رادعة تحمي المستوطنين. فكتب "كل الشعوب الأصلية في العالم تقاوم المستعمرين طالما بقي لديهم أدنى أمل في التخلص منهم".

وأضاف "لا يهم كيف نصوغ أهدافنا الاستعمارية، سواء كانت بعبارات هرتزل أو السير هربرت صموئيل، فالاستعمار يحمل تفسيره الوحيد الممكن، الواضح كضوء النهار، لكل يهودي بسيط ولكل عربي بسيط. فالمستعمرات لا يمكن أن يكون لها إلا هدف واحد، ولا يمكن لعرب فلسطين أن يقبلوا بهذا الهدف".

وبناء على ذلك شدد جابوتنسكي على أن نجاح المشروع الصهيوني واستقراره لن يتحقق إلا عبر إنشاء "قوة مستقلة عن السكان الأصليين، خلف جدار حديدي لا يستطيعون اختراقه. هذه هي سياستنا العربية".

وأمام هذه الأيديولوجية آمن بن صهيون نتنياهو إيمانا مطلقا بما آمن به أستاذه جابوتنسكي حول الصراع مع العرب، إذ كان جابوتنسكي يرى أن موقف العرب متصلب للغاية، ولا يمكن تسويته أو التوصل إلى اتفاق معهم، خلافا لما اعتقده التيار الصهيوني السائد، ومن ثم لم يعتمد التيار التصحيحي الدبلوماسية إلا بالقدر الذي يسمح بتمرير عمليات التهجير والقتل بحق الفلسطينيين.

وقد صرّح جابوتنسكي بأن "90% من الصهيونية تقوم على أعمال الاستيطان العنيفة من قتل وتهجير، في حين أن 10% فقط منها تتعلق بالسياسة".

جابوتنسكي: نجاح المشروع الصهيوني لن يتحقق إلا عبر إنشاء "قوة مستقلة عن السكان الأصليين خلف جدار حديدي (غيتي)

وفي مقال نشرته صحيفة هآرتس العبرية عام 2018 بعنوان "كيف تبنى والد نتنياهو وجهة النظر القائلة بأن العرب همج؟" استعرض فيه الكاتب المسيرة الفكرية المتطرفة لبن صهيون تجاه العرب والفلسطينيين، إذ أشار المقال إلى أن بن صهيون استلهم هذه الأفكار من المؤرخ جوزيف كلاوسنر أستاذ الأدب العبري والمحرر الرئيسي للموسوعة العبرية، الذي كان مرشده الفكري.

إعلان

وقد اعتنق بن صهيون بشكل كامل وجهة نظر كلاوسنر التي تصف العرب بأنهم "أمة من نصف الهمج" يجب التعامل معهم بالقوة والحسم، بحسب المقال الذي أشار إلى أن بن صهيون أعاد تبنّي هذه الأوصاف والسياسات وحولها إلى ركيزة أساسية لفكره، مما رسخ مواقفه العدائية تجاه العرب بشكل أكبر.

تتجلى هذه النظرة المتطرفة في مقالات بن صهيون التي نشرها بصحيفة ها ياردن التصحيحية التي كان يحررها حتى وفاة والده عام 1935، ففي مقال بتاريخ 6 أغسطس/آب 1934 وصف بن صهيون العرب بأنهم "همج شبه متوحشين"، قائلًا "كما كان همج جزيرة العرب يطاردون اللاجئين اليهود من إسبانيا على منحدرات الجزائر في القرن الخامس عشر، فهم الآن يطاردون اللاجئين من جحيم الشتات عند بوابات الوطن".

وفي مقال آخر بعنوان "الاستيطان الريفي والاستيطان الحضري" نُشر في ديسمبر/كانون الأول 1934، قارن بن صهيون أرض إسرائيل بأميركا، وشبّه اليهود بمواطني الولايات المتحدة، بينما قارن العرب بالهنود الحمر، وقال في مقاله "إن غزو الأرض هو أحد أول وأهم المشاريع في كل استعمار".

وأضاف بنزعة تطهير عرقي واضحة "يجب أن نعلم أن الدولة ليست مجرد مفهوم حسابي لعدد السكان، بل مفهوم جغرافي كذلك، ذلك أن أبناء العِرق الأنغلو-ساكسوني، الذي كان في صراع دائم مع الهنود الحمر، لم يكتفوا بتأسيس المدن الكبرى مثل نيويورك وسان فرانسيسكو على شواطئ المحيطين اللذين يحدان الولايات المتحدة. بل سعوا أيضا لضمان الطريق بين هاتين المدينتين.. لو تركَ غُزاة أميركا الأراضي في يد الهنود، لكان هناك الآن في أحسن الأحوال بعض المدن الأوروبية في الولايات المتحدة وكان البلد كله سيأهله ملايين من الهنود الحمر!".

يظهر تأثير بن صهيون نتنياهو في ابنه رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني بنيامين نتنياهو واضحا لا ريبة فيه، ففي 16 ديسمبر/كانون الأول 2023، وبعد ما يقارب 17 عامًا من توليه رئاسة الحكومة بشكل متقطع، سيقف بنيامين أمام الشعب الإسرائيلي متفاخرا بمواقفه المتشددة تجاه القضية الفلسطينية قائلا بكل وضوح "كنت أنا العقبة أمام إقامة دولة فلسطينية"، بينما كان اليسار الإسرائيلي يسعى، بشكل أو بآخر، إلى تقديم تنازلات قد تؤدي إلى حل سياسي وإنهاء النزاع".

إعلان

ذلك هو بن صهيون نتنياهو والد رئيس الوزراء الحالي الذي يدعو علانية إلى تطهير غزة وتهجير أهلها، والتغيير العميق في الشرق الأوسط، لا يقول صراحة إنه يؤمن بمبادئ الحركة الصهيونية التصحيحية التي آمن بها والده من قبل، ولكنه على أرض الواقع يسعى لتحقيق هذه الأحلام!

مقالات مشابهة

  • محافظ أسوان: إحالة المخالفين الذين تم ضبط الألعاب النارية لديهم للنيابة العامة
  • بن صهيون.. والد نتنياهو الذي غرس فيه كره العرب
  • البابا فرنسيس: نحن بحاجة إلى ”معجزة الحنان“ التي ترافق الذين هم في محنة
  • واشنطن: يجب محاسبة الإرهابيين المتطرفين الذين قتلوا الأقليات بسوريا
  • ماذا نعرف عن المساعدات العسكرية التي قدمتها أمريكا لأوكرانيا قبل قرار ترامب بإيقافها؟
  • هذا عدد أسرى الاحتلال الذين قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي في غزة
  • هآرتس تكشف عدد الأسرى الذين قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي في غزة
  • فيديو لـعصابة في بيروت.. شاهدوا ماذا فعلت!
  • هل أدار الأسد من موسكو معركة استعادة حُكمه ومن هُم الذين قادوا الهُجوم على اللاذقية ومن أين حصلوا على السلاح؟
  • ترامب: الولايات المتحدة لن تحمي إلا حلفاءها الذين يدفعون فواتيرهم