اللعب وفق الحسابات والمصالح ليس «خيانة»
تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT
بمناسبة اتهام بعض المنتخبات بالتراخي وعدم اللعب للفوز، في آخر مباريات الجولة الثالثة من كأس آسيا قطر 2023، وما أثير حول ذلك حتى الآن، نذكر هنا ما حدث «في مونديال روسيا 2018، المجموعة الثامنة التي كانت تضم بلجيكا وانجلترا وبنما وتونس» وفي الجولة الثالثة واجه منتخب إنجلترا بلجيكا على الصدارة والمباراة فازت بها بلجيكا، وقبل المباراة طالبت الصحافة الإنجليزية منتخب بلادها بعدم الفوز على بلجيكا حتى لا يضع نفسه في طريق منتخبي البرازيل وفرنسا، والاكتفاء بالمركز الثاني ليتحول المسار في طريق منتخبات سهلة مثل كولومبيا وروسيا وكرواتيا، وبالفعل أخذ المنتخب الإنجليزي بنصيحة الصحافة الإنجليزية، وخسر أمام المنتخب البلجيكي، لتجنب المنتخبات القوية، ونعرف جميعا مثل هذه الأشياء وقوة الصحافة الإنجليزية وتأثيرها.
إذن الموضوع عادي جدا، ولا يندرج تحت بند التلاعب، كما ادعى البعض، باتهام بعض المنتخبات المشاركة، التي لعبت لمصلحتها بــ « التساهل»، فالموضوع قد يندرج تحت مصلحة كل منتخب، باختيار استراتيجية تناسبه في القادم من البطولة، بالأدوار الإقصائية، وهناك بطولات عديدة وقع فيها هذا السيناريو، دون أن يتم اتهام أحد بالخيانة، والتراخي في اللعب. واللعب دون حافز بعد ضمان التأهل أمر يحدث في أي بطولة في العالم سواء منتخبات أو أندية، بإشراك اللاعبين الاحتياط، وإراحة الأساسيين وهو حق أصيل لكل مدرب دون اتهامه بأنه تساهل، فهو هنا يبحث عن مصلحة فريقه.
خيخون
التواطؤ في كرة القدم هو ما يشبه فضيحة «خيخون» هي الفضيحة الأخلاقية التي حدثت في المباراة التي جمعت بين منتخبي ألمانيا والنمسا في كأس العالم لكرة القدم 1982 على ملعب المولينيون بمدينة «خيخون» في البطولة التي استضافتها إسبانيا، هذه المباراة في دور المجموعات، وكانت المجموعة تضم منتخب الجزائر، ومنتخب تشيلي، بالإضافة لألمانيا والنمسا، أسفرت الجولة الأولى عن فوز النمسا على تشيلي والجزائر على ألمانيا، وفي الجولة الثانية فازت النمسا على الجزائر وألمانيا على تشيلي، وفي الجولة الثالثة لعبت الجزائر ضد تشيلي وفازت عليها، وبعدها لعبت النمسا مع ألمانيا مباراة غير تنافسية، حيث لعب الفريقان للحفاظ على النتيجة من أجل أن يتأهلا معا إلى الدور الثاني، وبالفعل انتهت المباراة بفوز ألمانيا بهدف واحد وتأهل الفريقان. بعد المباراة هاجمت الصحافة الألمانية منتخبها ووصفته بالعار وأطلقت على ما جرى «فضيحة خيخون»، كما وصفت الصحافة النمساوية المباراة بأنها آنشلوس (إشارة الى فضيحة ضم ألمانيا لنمسا إبان الحرب العالمية الثانية). تسببت نتيجة هذه المباراة غير الأخلاقية في قيام الاتحاد الدولي لكرة القدم بتعديل خطة المباريات في البطولة اللاحقة، حيث تقرر أن تلعب مباراتي الجولة الثالثة في دور المجموعات في نفس التوقيت منعاً للتلاعب.
اعتراف بيرغل
وفي اعتراف مثير لــ بيرغل مدافع المنتخب الألماني في مونديال إسبانيا 1982 وتحديدا عام 2007، وبعد مرور 25 عاما، اعترف «بتواطؤ ألمانيا مع النمسا في مباراة الفريقين في نهائيات مونديال إسبانيا 1982 حتى لا يصعد الجزائر للدور الثاني». وقال: «أقدم خالص الاعتذار للجزائر على فضيحة «خيخون» وأشعر بالندم وأعترف أنه بإمكاننا أن نهزم النمسا بأكثر من هدف في مباراة العار».
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: قطر كأس آسيا التلاعب بنتائج المباريات الجولة الثالثة
إقرأ أيضاً:
بين الصحافة والسياسة
aloomar@gmail.com
بين الصحافة والسياسة جدارٌ من ورق. هناك صحافيون يمارسون المهنة بقناعات سياسية محددة بل انطلاقاً من انتماءات حزبية . لكن حتى الصحافي المنشغل مهنيا بمتابعة الشؤون السياسية يجد نفسه متورطا في السياسة. حتى ولو لم يلج المعترك السياسي إذ يجد نفسه قسرا مصنفاً سياسياً من قبل قراء غالباً أو ربما ساسة أحياناً. هذا التصنيف لا يعتمد بالضرورة على رؤاه الفكرية أو مواقفه المهنية. فغالبية التصنيفات تحملها أهواء تتراوح مصادرها بين التمجيد والتبخيس. لذلك قد تجد صحافيين انزلقوا إلى المعترك السياسي رد فعل لتصنيف ٍ ، بغض النظر عن كونه عادلاً أو ظالماً. في بعض هذه الحالات نخسر صحافياً ولا نربح سياسياً. في المقابل ثمة نشطاء سياسيون اقتحموا بلاط الصحافة في سياق شهواتهم للسلطة .ألا يصفون الصحافة بالسلطة الرابعة ؟حتى ولو كان في بلد لا توجد فيه غير سلطة واحدة؟! في مثل هذه الحالات لا نكسب صحافياً ولا نخسر سياسياً.
*****
تلك الحالات لاتتفي وجود صحافيين يغريهم بريق السلطة فيكسرون أقلامهم من أجل المناصب. رغم وجود صحافيين يكرسون أنفسهم من أجل خدمة الساسة إلا ان التكسب ليس غاية كل أولئك . فالتكسب المهني حرفة من ليس له أخلاقيات المهنة أو دافعه غايات سياسية وطنية . فبالاضافة إلى الصحافين المنشغلين بما يعرّف مهنيا بالصحافة السياسية ،يجرف التكسب بعضاً من صالات الصحافة الفنية -مثلا،- أو ميادين الرياضية . هذه الهجرة تعرّي كم هو ذلك الجدار الفاصل بين السياسة والصحافة سهل الاختراق. بل هو عند البعض جدار ٌوهمي. مثل هؤلاء المتكسبين أجهضوا حقوق رجال بذلوا بالتزامهم المهني عرقاً لا يقل غزارةً عن حبرهم وتحملوا كلفة تزيد من نبالة مواقفهم. من هؤلاء من أثبت للصحافة هيبة (السلطة الرابعة). منهم من رفع قلمه في وجه إغراءات المناصب .منهم من مارس السلطة بعقلية الصحافي فما احتملوا السلطة إو ضاق بهم محترفو المناصب.
*****
لعل محمد حسنين هيكل لا يجسد فقط أبرز الصحافيين العرب .بل هو كذلك أفضل من يمثل من استمسك بتعظيم القلم على المنصب . كماهو خير شاهد على عدم احتمال الصحافي البقاء في السلطة وضيق أهل السلطة بالصحافي .أبعد من ذلك ربما هيكل نفسه أحسن من كتب عن (العلاقة بين الصحافة والسياسة) في كتاب ممتع بهذا العنوان استعرض فيه سيرته المهنية. هيكل مزج بين الصحافة و السياسة في واحدة من أكثر تجليات تلك العلاقة وضوحاً و تأثيراً .لكأن صحيفة الاهرام كانت على أيامه إحدى مؤسسات رئاسة الدولة النافذة. لكنه في الوقت نفسه حافظ مهنياً على الجدار الفاصل بين الصحافة والسياسة على قدر ما حافظ على النأي بالاهرام من مأسسسةالدولة. رغم اعترافه في كتابه بأنها العلاقة الأكثر تعقيدا.هيكل عقّد تلك العلاقة على نحوٍ شكّل عقدة لكل من السادات ومبارك مثلما هو أيقونة في الصحافة المصرية استحال إعادة نسجها ممن حاولوا من مجايليه أو ممن مظاهيريه.
*****
لعل طارق عزيز يتميز بتألقه في السياسة أكثر من رصيده في الصحافة . رغم أنها هي منصة انطلاقته الأولى .فمن رئاسة تحرير (الثورة)الناطقة باسم حزب البعث صعد طارق عزيز وزيرا للاعلام ثم وزيرا للخارجية فغدا الناطق باسم العراق كله في جميع المنحنيات التاريخية إبان رئاسة صدام حسين خاصة سني حرب إيران وحرب الكويت .هو مجسد مواقف سيده المنافح وصوت سيده الفصيح لكنه وضع على لقاءاته الدبلوماسية والصحافية لمسات من ذاتيته الأنيقة المتعجرفة حتى لكأنه نسخة من شخصية رئيسه.
*****
مثل هيكل نال ونستون تشرشل شهرة على أعتاب الحياة مراسلا حربيا إذ تم تكليفه من قبل ( ديلي غرافيك )لتغطية صراع كوبا من أجل الاستقلال قبيل سفره إلى الجزيرة الكاريبية.كذلك حصل على تكليف من(مورننيغ بوست )بينما كان في مهمة في السودان ضمن جيش كيتشنر هازم الثورة المهدية.عقب عودته،كتب مؤلفه (حرب النهر) ليكتسب اهمية كأحد المراجع لتلك الحرب الاستعمارية. ثم اتجه تشرشل إلى جبهات التنافس السياسي فقاد بريطانيا إبان الحرب العالمية الثانية رئيسا للوزراء . هو لم يتألق فقط رجل دولة بل ظل يمارس الكتابة الصحافية مما جعله الكاتب الأعلى أجرا.
*****
في سياق الاستعادة لا يمكن تخطي يفغيني بريماكوف فهو رجل لا شبيه له في شرق اوربا.هو نسخة (سوفياتية) انسانية إذ ولد في اوكرانيا ثم تفتحت طفولته في جورجيا قبل الانتقال إلى روسيا يلتحق بجامعات ومعاهد موسكو. هوصحافي محترف في منصات واجهزة اعلامية متعددة.من ادارة القسم العربي في هيئة الاذاعة انطلق بريماكوف مراسلا ثم محررا قبل رئاسة القسم .من الصحافة المسموعة انتقل إلى المكتوبة في جريدة(برافدا) فتدرج كذلك فيها حتى اصبح مراسلا لها في الشرق الاوسط متخذاً من القاهرة مقرا دائما. في هذه المهمة امسى بريماكوف صحافيا معروفا على نطاق عالمي كما محاور اً. مألوفا لدى عدد غير قليل من الرؤوساء والسياسيين والقراء العرب.على صعيد الدولة شغل العديد من المناصب بينها رئاسة المخابرات الخارجية،رئاسة وفود بعثات روسية خارجيةقبل شغله منصب وزير الخارجية في ١٩٩٦ ثم رئاسة الحكومةبعد عامين.
*****
تيارات الهجرة من الصحافة إلى السياسة حملت العديد من الوجوه كماهي
في الاتجاه المعاكس .لكن كثيراً من الطحالب و العناكب غرقت بين الضفتين فذهبت كزبد البحر. لأن من طبع هؤلاء غزل خيوط في لزاجة بيوت العنكبوت بالكذب و التزلف والرياء على أي الضفتين وجدوا. غالبيتهم حاولوا العبور بوهم سهولة اختراق جدار الورق الفاصل بين الصحافة والسياسة.فامسوا فصيلا من المنبتين. الأنظمة الشمولية تهيء مواسم لتكاثر مثل هذه المخلوقات.
نقلا عن العربي الجديد