الكيان الصهيوني والعدالة الدولية
تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT
رغم أن الأعمال الإجرامية التي قامت بها العصابات الصهيونية هي جرائم مشهودة وموثقة بالصوت والصورة، سواء بأيديهم أو بأيدي الآخرين، إلا أنه لم يتسن المحاسبة عليها أمام المجتمع الدولي والعدالة الإنسانية بفعل الفيتو الأمريكي والبريطاني وغيرهما من الدول الداعمة لإنشاء وتأسيس الكيان الصهيوني، ففي كل مرة نجد أن المجتمع الدولي عاجز عن الإدانة، وعن إيفاد لجان تقصي الحقائق حتى أن تلك اللجان يتم إفشال جهود تأسيسها إذا لم تكن منحازة لهم.
واليوم استطاعت جنوب إفريقيا أن تضع الإجرام الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية لكي يشهد العالم هل مازالت هناك عدالة قادرة على محاكمة القتلة والمجرمين أم أن المسألة ستكون كسابقاتها إدانات وشجب ثم استنكار وسكوت، وبينما تتكلم الحقائق والأحداث والصور عن إجرام يمارس وفق خطط مدروسة وتكتيكات معدة مسبقا لتحقيق أكبر قدر من الإبادة والإرهاب ضد شعب أعزل ثلثاه من الأطفال والنساء بعد أن تم قتل الرجال، إما بأساليب الاغتيال أو الاعتقال أو الاستهداف المباشر، فإننا وجدنا محامي الكيان الصهيوني في إحدى مرافعات المحكمة يتحدث عن أن تلك الجرائم تفتقر إلى النية، بمعنى أنها صادرة عن سهو أو نسيان أو خطأ وليست أعمالاً قائمة على ممارسات منهجية ومخططة ومدروسة.
في تحديد المسؤولية عن الأعمال الإجرامية يذهب الفقه الجنائي إلى اعتماد القصد الذي يقوم على العلم والإرادة والأساس في ذلك توافر النية في تلك الأعمال، وفي الاطلاع على بعض ما ورد في الدعوى المقدمة من جنوب إفريقيا وتحديدا ما يتعلق بالنيات، نجد عجبا رغم أن الدعوى لم تحط بكل الأقوال والأفعال الصادرة عن المسؤولين الصهاينة وغيرهم من القائمين على الإجرام الصهيوني نظرا لأنها تفوق الحصر وتعتمد على الأسس الدينية والثقافية وغيرها، فالنية كأمر خفي لكن يمكن الاستدلال عليه من خلال الفعل ومن خلال الآلة المستخدمة فيه وهنا نجد في الحالة الصهيونية توافر الأمرين معا، فالنوايا الإجرامية واضحة ودالة على الإبادة الجماعية والقتل والتشريد وغيرها، بالإضافة إلى استخدام أفتك وأقذر الأسلحة المحرمة دوليا، ولن نسرد أنواع الأسلحة ولا آثارها، فقد شاهد العالم أجمع أحياء سكنية تقصف وتدمّر ويباد كل من فيها، لكننا سنتوقف قليلا لاستعراض النوايا الإجرامية وذلك تحقيقا لقول المولى عز وجل وقوله الحق المبين ” قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ” آل عمران (118).
النوايا الإجرامية
بعد مبادرة حماس في 7 أكتوبر خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتن ياهو” ووعد بالعمل بقوة في كل مكان وبعدها أكد قائلا: (نحن نضرب أعداءنا بقوة غير مسبوقة)، وهذا التصريح بعد مرور سبعة أيام من سابقه بعد وصول (القنابل والصواريخ من أمريكا وفرنسا وإنجلترا وغيرها من الحلف الصليبي الذين توافدوا سراعا لتقديم التعازي والمواساة والمساندة وإيجاد الغطاء السياسي والعسكري لممارسة الإبادة الجماعية المخطط لها سلفا والتي كشفت الحركات الفلسطينية أمرها وبادرت بالفعل لإفشالها، وهذه التصريحات تشير بوضوح إلى التوجيهات التي مارس الجيش الصهيوني عمله بموجبها وتحرك بكل أسلحته للقتل والفتك بالأطفال والنساء حتى أنه صرح أن الجنود (يفهمون نطاق المهمة وهم مستعدون لهزيمة الوحوش المتعطشة للدمار التي قامت ضد إسرائيل لتدميرها)، ولم يغب عن باله الاستشهاد بالنص التوراني كتحفيز على مزيد من القتل والإبادة حتى قال (نحن نواجه وحوشا قتلت الأطفال أمام والديهم، وإنها ليست معركة فقط إسرائيل ضد البرابرة، بل معركة الحضارة ضد الهمجية)، وكان ذلك مفتتح عمليات القصف الجوي والبحري على غزة، أما في الاستعداد للغزو البري، فقد استشهد بقصة العماليق (اذهب وهاجم عماليق واحرم كل ما يخصه لا تشفق على أحد، بل اقتل على حد سواء الرجال والنساء والأطفال والرضع، الثيران والأغنام)، لقد أطلق رأس الإجرام قطيع الكلاب مزودا بأفتك أنواع الأسلحة ليقضي على شعب أعزل، لا يفرق في الإبادة بين إنسان أو حيوان أو امرأة أو طفل، فالكل مستهدف والكل يجب القضاء عليه وإبادته.
ورغم أن الرئيس منصب بروتكولي باعتبار أن النظام برلماني فإن التوجه هو ذاته من رأس الهرم السلطوي إلى أصغر جندي في القوات الصهيونية، فقد حمل الرئيس (هوتسوغ) الفلسطينيين المسؤولية (فليس هناك مدنيون غير مشاركين وغير مدركين وأنهم سيقاتلون حتى يكسر عمودهم الفقري)، بل أنه ذهب للتوقيع على القنابل والصواريخ التي سيتم بها قصف المدنيين على أرض غزة وعمّد إجرامه بخط يده وأثبت نواياه الإجرامية لكل العالم، لكن في إطار العدالة وسوق الأدلة والاحتكام إلى الحق.. فهل بعد ذلك يمكن القول إن الجيش الإسرائيلي مارس إجرامه بناء على تصرفات فردية، وأن تلك الجرائم ارتكبت بدون نوايا لإحداثها؟
أما القيادة العسكرية المتمثلة بوزير الدفاع، فإذا كانت تصريحات وأقوال من سبقة تمثل الجانب السياسي واتجاه الحكومة، فإن تصريحاته تمثل الأساس في مسؤولية الجيش العامل تحت أمرته وقيادته حيث صرح بأنه (سيفرض حصارا كاملا على غزة لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، وكل شيء مغلق، نحن نقاتل حيوانات بشرية وأنه يتصرف وفقا لذلك) وأكد لقواته المستعدة لدخول غزة أنه (اطلق جميع القيود) وبالتالي فبإمكانهم أن يفعلوا ما يشاءون، فلا شيء يعوقهم في ممارسة الإبادة والإجرام على أرض غزة، ولم يكتف بذلك بل أعلنها صراحة (غزة لن تعود كما كانت قبل سنقضي على كل شيء إذا لم يستغرق يوما واحدا، فسوف يستغرق أسبوعا قد يستغرق أسابيع أو حتى أشهر، سنصل إلى جميع الأماكن)، فعباراته واضحة لاستهداف والقضاء على كل شيء، وفعلا تحركت قطعان الإجرام، فقتلت الأطفال وحتى الخدج في الحضانات وقتلت النساء الحوامل ودمرت الاحياء السكنية والمستشفيات ودور العبادة، حتى تجاوز الإجرام أكثر من ثلاثين ألف شهيد وأكثر من مائة ألف جريح بخلاف الأضرار المادية والمعنوية والآثار النفسية على الذين حالفهم الحظ ولم يفتك بهم المجرمون أو دفنوا تحت وركام انقاض المباني والأحياء المدمرة على رؤوس ساكنيها.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الكيان الصهيوني يعترف لأول مرة بمسؤوليته عن اغتيال إسماعيل هنية
أفادت مصادر إعلام عبرية، أن يسرائيل كاتس، وزير جيش الاحتلال الصهيوني يعترف لأول مرة بمسؤولية الكيان الصهيوني عن اغتيال اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في العاصمة الإيرانية طهران، جويلية الماضي.
وبحسب ما نقلته القناة الـ12 الصهيونية، فقد أدلى وزير الدفاع الصهيوني بتصريحات مساء اليوم الاثنين، قال فيها: “سنضرب الحوثيين بقوة، وسنستهدف البنى التحتية الاستراتيجية لهم، وسنقطع رؤوس قادتهم، تمامًا كما فعلنا مع هنية، والسنوار، ونصر الله في طهران، غزة، ولبنان، سنفعل ذلك في الحديدة وصنعاء”.
وللإشارة، اغتيل هنية بتاريخ 31 جويلية الماضي، في العاصمة الإيرانية طهران بعدما كان في زيارةٍ لها للمشاركة في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان. كما استشهد إلى جانبِ هنية حارسه الشخصي القيادي الميداني في كتائب القسّام وسيم أبو شعبان.