اليمن ومعادلة طوفان البحر الأحمر..!
تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT
يجزم كل المحللين الاستراتيجيين أن معركة طوفان الأقصى تفجرت لدوافع ذاتية وموضوعية، امتلكتها المقاومة العربية في فلسطين المحتلة بعد سلسلة من التحركات التآمرية التي حاولت حكومة الكيان وإدارة البيت الأبيض ومعهما عواصم الاستعمار القديم الراعية للكيان الصهيوني اللقيط، إذ سعت هذه الأطراف مجتمعة وبتخطيط صهيوني وإدارة ورعاية أمريكية _غربية إلى استغلال المشهد السياسي العربي الرسمي تحديدا لفرض خيارات من شأنها تصفية القضية العربية الأولى كرغبة صهيونية لم يتردد القادة الصهاينة في التعبير عنها في تصريحاتهم وإن بصورة غير مباشرة.
“طوفان الأقصى” أحبطت مخططاً استراتيجياً لواشنطناً، ناهيكم عن انها زلزلت أركان العدو واربكت مؤسساته العسكرية والأمنية، وأصابت مؤسساته السياسية بصعقة لم يكن يتخيلها..!
على إثر هذا هرولت أمريكا التي بدورها تعيش أزمة مركبة، أخطرها ما يتصل بنفوذها الجيوسياسي، بعد أن إيقنت أن معركة أوكرانيا خاسرة، وان ازمتها الجيوسياسية في المحيط الهادئ وبحر الصين ومضيق تايوان وجنوب شرق آسيا آخذة في التقلص، وفيما كان الوطن العربي هدفها الجيوسياسي، متخذة من (التطبيع) بين الدول العربية هدفا للتصدي لطموح الصين وروسيا الجيوسياسي بأبعاده الاقتصادية، وتطويق الجمهورية الإسلامية ومحور المقاومة بعد أن عجز وكلاؤها في المنطقة من تحقيق هذا الهدف وعلى رأسهم كيانها الصهيوني اللقيط..!
رد الفعل الصهيوني الأمريكي على طوفان الأقصى جاء تجسيدا لاستراتيجية الصدمة والرعب المعتمدة أمريكيا منذ العام 1993م، حيث حشدت أمريكا العالم بأسره وبمنظماته وأجهزته وكل قدراته لمواجهة حركة المقاومة في فلسطين كخطوة أولى تتبعها الخطوة الثانية باتجاه لبنان وإنجاز ما لم تتمكن من إنجازه عام 2006م وأخفقت في التوصل إليه عبر ما سمي بـ(الربيع العربي) وخاصة فيما يتصل بالمشهد العربي السوري والمقاومة في لبنان..!
بيد أن الفعل الصهيوامريكي الإجرامي والوحشي في قطاع غزة لم يأت بمعزل عن رغبة أنظمة عربية محورية أو هكذا يفترض أن تكون، إذ أن رغبة تصفية حركة المقاومة في فلسطين وخاصة حركتي (حماس والجهاد)، بقدر ما هي رغبة صهيونية أمريكية، هي أيضا رغبة أنظمة عربية، كان تصورها أن الكيان بقدراته العسكرية قادر على سحق المقاومة خلال أيام أو أسبوع وفي الحد الأقصى شهرا، تكون بعدها المنطقة خالية من (المنغصات الراديكالية)!
ثم التوجه إلى جنوب لبنان وإجبار المقاومة على الأقل على الانسحاب إلى ما بعد (نهر الليطاني)..!
لكن الصمود الأسطوري للمقاومة اربك كل هذه المخططات التأمرية، فيما رغبة أمريكا أيضا في حصر الصراع في نطاق قطاع غزة فشل أيضا، فيما جاء طوفان البحر الأحمر الذي أقدمت عليه صنعاء ليضع أمريكا والكيان وأنظمة التطبيع المرتهنة في أزمة حقيقية، أزمة مفرداتها تتشكل تصاعديا بصورة فضيحة للنظام العربي الإسلامي والنظام الدولي، فاليمن أسقطت بمواقفها أوراق التوت عن عورات المطبعين ورعاة النظام الدولي الذي تحاول أمريكا فرضه عبر أساطيلها وبوارجها وهي آخر الأوراق التي تعتمد عليها واشنطن التي تتجه نحو الانحطاط، وهذا السلوك هو ديدن أي إمبراطورية استعمارية تعيش مرحلة تراجعها فتتخذ من القوة الغاشمة وسيلة لفرض خياراتها ولكنها مع اليمن لم تجنى سوى مضاعفة من ازمتها وانحطاطها الأخلاقي كدولة عظمى يفترض أن تكون أكثر وعيا بالقانون الدولي الذي تزعم الدفاع عنه في البحر الأحمر وتتغاضي عنه في غزة وسوريا والعراق وتجاهلته في اليمن على مدى عقد من الزمن..!
القانون الدولي أيضا لا يعطي أمريكا الحق في تقديم كل أشكال الدعم العسكري والاستخباري والمادي والإعلامي للكيان الصهيوني والتغطية السياسية على جرائمه في المحافل الدولية، ثم تطلب من الآخرين أن لا يقدموا لأشقائهم في فلسطين علبة مياه أو دواء أو وجبة طعام أو دفاء يقيهم حر الصيف وبرد الشتاء..!
ثم تكذب على العالم وبوقاحة حين تزعم انها تدافع عن الملاحة الدولية في البحر الأحمر، فيما لا أحد يستهدف الملاحة الدولية، واليمن أعلنت لكل الدنيا انها تستهدف السفن الصهيونية أو المتجهة للموانئ في فلسطين المحتلة لخدمة الصهاينة، وربطت اليمن موقفها هذا برفع الحصار عن غزة وإدخال المساعدات ووقف العدوان.. أمريكا طبعا شعرت بالإهانة من موقف صنعاء المبدئي والثابت وغير القابل للمساومة، وهذا موقف لم تعتده واشنطن والكيان منذ عهد عبدالناصر -رحمة الله عليه-.
بيد أن العدوان الأمريكي على الدولة اليمنية كان متوقعاً لأن واشنطن تريد رد اعتبارها كحال حليفها الصهيوني الذي يخوض معركة إجرامية بهدف رد اعتبار مفقود وهو الاعتبار الذي لن يعود إطلاقا، والحال كذلك بالنسبة لأمريكا التي لن ترد بعدوانها على الدولة اليمنية اعتبارها المفقود وهيبتها التي داست عليها صنعاء بثقة واقتدار تجسيدا لقناعة مبدئية راسخة غير قابلة للمساومة والتسويف، وان تغمز واشنطن من قناة إيران فهذا يندرج في سياق سياسة اختزال القضايا عبر مفردات (كي الوعي) فيما رغبة واشنطن تستهدف إحكام سيطرتها الجيوسياسية كخطوة إستباقية تحاول من خلالها تأمين نفوذها والإبقاء على زعامتها القطبية في مواجهة توجه العالم نحو عالم متعدد الأقطاب ترى فيه واشنطن نهاية هيمنتها على العالم..!
إن طوفان البحر الأحمر الذي فجرته صنعاء وقواتها المسلحة اسنادا لمظلومية شعبنا العربي في فلسطين، شكل صفعة ثانية لواشنطن بعد صفعة طوفان الأقصى الفلسطينية التي غدت رغم المجازر وحرب الإبادة الجماعية أيقونة نضالية، أيقونة ايقظت معزوفتها ذاكرة العالم عن الحق العربي الفلسطيني وأخرجت القضية من دهاليز الصالونات والمحافل الدولية إلى ذاكرة الرأي العام الدولي الذي تحرك للشارع في كل مدن قارات العالم الخمس، بما فيها الدول الراعية للكيان الصهيوني، التي داست أنظمتها على حرية الرأي والتعبير، وحرية الصحافة وحقوق الإنسان، لأن الأمر يطال الكيان الصهيوني، الذي تعد مصالحه الاستعمارية فوق كل القوانين والقيم والأخلاقيات، وحين تصف واشنطن ولندن عدوانهما على اليمن بأنه (دفاع عن امنهما القومي)، تماهيا مع مقولتهما بـ(حق الكيان الدفاع عن نفسه)!
فإن هذا التبرير الأمريكي البريطاني يعطي اليمن بالمقابل شرعية قانونية وأخلاقية في حقها بالدفاع عن أمنها القومي في البحر الأحمر وهي الأولى بهذا الحق من أمريكا وبريطانيا ومن يدور في فلكهما..!
فهل تريد واشنطن حصر الصراع؟ أم توسيع الدائرة، وما هي أهدافها المرجوة من هذا؟
كل المؤشرات تقول إن واشنطن تغامر بكل مكانتها الدولية، وبكل مصالحها، لإنقاذ كيانها من أزمة وجودية حقيقية، أزمة هي نتاج ضعف واشنطن وتراجع نفوذها الجيوسياسي والاستراتيجي منذ أقدمت على غزو العراق بمبررات كاذبة، وما لحق جرّاء هذا السلوك البلطجي بواشنطن من اخفاقات أدت مجتمعة إلى تلاشى هيبة هذه الدولة وفقدانها احترام العالم، بما في ذلك الأنظمة المرتهنة لها منذ عقود والتي تجرأت خلال المرحلة الأخيرة على تحدي رغباتها بل ومساومتها بدليل أن غالبية حلفائها ابتعدوا عن رغبتها مشاركتهم بتحالف ما اسمته حماية الملاحة البحرية باستثناء (كازينو البحرين)..!
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
صحيفة أمريكية تتحدث المهمة الأولى لترامب التي ستغضب الحوثيين
رجحت صحيفة أمريكية أن تكون إحدى المهام الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في محاولته إنهاء الحروب في الشرق الأوسط وتخفيف الضغوط التضخمية في أميركا، هي إنهاء سيطرة الحوثيين على حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، مشيرة إلى ما وصفته بـ"الانتكاسة الحاسمة" التي تلحق بوكيل إيران في اليمن قد ترسل رسالة مهمة في ردع أعداء أميركا.
وسارع المتحدث باسم الحوثيين، يحيى سريع، إلى نفي التقارير التي وردت الأسبوع الماضي والتي تفيد بأن "الجماعة الإرهابية" المتمركزة في اليمن تعتزم رفع الحصار الذي فرضته منذ عام على البحر الأحمر بسبب انتخاب ترامب. ولتأكيد هذا البيان المسلح، أطلق الحوثيون يوم الأحد صاروخًا باليستيًا على وسط إسرائيل، وأعلنوا عن إصابة هدف عسكري استراتيجي.
وبحسب صحيفة The New York sun، يزعم الحوثيون أنهم يقاتلون إسرائيل نيابة عن حماس، فقد عطلوا أيضًا 12٪ من التجارة العالمية بمهاجمة السفن في البحر الأحمر. حيث "لم يحدث مثل هذا النطاق من الهجمات، باستخدام أنظمة الأسلحة على السفن المدنية، منذ الحرب العالمية الثانية"، وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن لجنة تابعة للأمم المتحدة، والذي سلط الضوء على تسليح إيران وتدريب الحوثيين.
ويقول بيل روجيو، رئيس تحرير مجلة "لونغ وور جورنال" التابعة لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، للصحيفة: "لا أستطيع أن أرى ترامب يقبل إغلاق البحر الأحمر وكل التكاليف المترتبة على ذلك. وإذا كان يريد خفض الأسعار، فيجب حل هذه المشكلة".
لقد نفذ الرئيس بايدن ضربات جوية ضد منشآت عسكرية حوثية في اليمن، بما في ذلك خلال مطلع الأسبوع الجاري في عملية مشتركة مع البريطانيين. كما قامت البحرية الأمريكية وقوات بحرية أخرى بمرافقة السفن في البحر الأحمر، كما ضربت إسرائيل مرتين ميناء الحديدة في اليمن، حيث يتلقى الحوثيون الكثير من شحنات الأسلحة.
وبرغم ذلك تشير الصحيفة إلى أن الحوثيين لا يتراجعون. فبدعم من الحرس الثوري الإسلامي، يبدو أنهم عازمون على تحديد أي السفن التجارية سوف يُسمح لها بالإبحار في البحر الأحمر. وتساءل التقرير بالقول "هل يمكن تجربة استراتيجيات جديدة؟
من ناحية أخرى، رفضت أميركا إغراق سفينة التجسس الإيرانية "إم في بهشاد" ، التي كانت تبحر منذ أشهر في منطقة البحر الأحمر، وتشرف على استهداف السفن الحوثية. ويشير السيد روجيو إلى أن هناك تكتيكًا آخر لم يتم تجربته بعد، وهو استهداف أفراد الحوثيين، بما في ذلك كبار القادة والمتعاونين معهم من الحرس الثوري الإيراني في اليمن.
ولكن من ناحية أخرى، تعترض المملكة العربية السعودية، التي سرعان ما أصبحت محورية في استراتيجية أميركا في الشرق الأوسط، على العمل العسكري عبر حدودها، كما تقول إنبال نيسيم لوفتون، وهي مراقب لليمن في منتدى القدس للتفكير الإقليمي، للصحيفة . وقالت الصحيفة بأن الرياض ،بعد فشلها في هزيمة الحوثيين في الحرب التي بدأت في عام 2015، أصبحت حذرة من هجمات الحوثيين على منشآتها للطاقة، وتخشى تجددها.
ومثله كمثل بايدن، يشير ترامب إلى حرصه على تهدئة الشرق الأوسط، ويعتبر الرياض لاعباً رئيسياً في تحقيق هذا الهدف. وفي الوقت نفسه، تعارض الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي تتمتع بنفوذ حاسم على الحوثيين، التقارب الإقليمي الذي يركز على السعوديين.
ويقول السيد روجيو إنه إذا كان ترامب "يريد الانسحاب من بعض هذه الأمور، فسوف يتعين عليه الانخراط"، مضيفًا أن صد العدوان الحوثي سيكون بداية جيدة. ويضيف: "من الواضح أن الأمر ليس بهذه البساطة، لكنه أمر يمكن القيام به، ولا يتعين عليك حقًا إرسال قوات على الأرض لإصلاح هذه المشكلة".
وفي تقريرها المكون من 537 صفحة والمقدم إلى مجلس الأمن، كتبت لجنة الأمم المتحدة المكونة من مسؤولين عسكريين واستخباراتيين واقتصاديين وغيرهم من عدة بلدان الأسبوع الماضي: "إن مدى نقل المعدات العسكرية والتكنولوجيا المتنوعة المقدمة إلى الحوثيين من مصادر خارجية، بما في ذلك الدعم المالي وتدريب مقاتليها، غير مسبوق".
وبحسب الصحيفة فإنه وبمساعدة إيران وحزب الله، أصبحت الميليشيا السابقة التي كانت تقاتل منافسين محليين في واحدة من أفقر دول العالم جيشًا هائلاً. ويقدر عدد قوات الحوثيين، بما في ذلك الأطفال المجندين، بنحو 350 ألفًا الآن، ارتفاعًا من 220 ألفًا في عام 2022 و30 ألفًا في عام 2015، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة.
وأضاف تقرير اللجنة أن "حجم وطبيعة ومدى نقل المعدات العسكرية والتكنولوجيا المتنوعة المقدمة للحوثيين من مصادر خارجية، بما في ذلك الدعم المالي وتدريب مقاتليها، غير مسبوق".
وأشار التقرير إلى أنه مع تدهور حزب الله وحماس ، فإن الحوثيين ــ الذين تم تعيينهم في الأصل لمحاربة الرياض ــ أصبحوا على وشك أن يصبحوا الجيش بالوكالة الأول للملالي، الأمر الذي من شأنه أن يلحق الضرر بمصالح أميركا.
وشددت الصحيفة بأن ترامب يستطيع أن يمنع التعقيدات العسكرية المستقبلية من خلال التعامل مع الحوثيين الآن. وحذرت من أنه إذا سُمح للجماعة بالتمدد أكثر، فقد يؤدي ذلك إلى إنهاء أي أمل في السلام ــ ومعاقبة الاقتصاد الأميركي في الوقت نفسه.