اليمن ومعادلة طوفان البحر الأحمر..!
تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT
يجزم كل المحللين الاستراتيجيين أن معركة طوفان الأقصى تفجرت لدوافع ذاتية وموضوعية، امتلكتها المقاومة العربية في فلسطين المحتلة بعد سلسلة من التحركات التآمرية التي حاولت حكومة الكيان وإدارة البيت الأبيض ومعهما عواصم الاستعمار القديم الراعية للكيان الصهيوني اللقيط، إذ سعت هذه الأطراف مجتمعة وبتخطيط صهيوني وإدارة ورعاية أمريكية _غربية إلى استغلال المشهد السياسي العربي الرسمي تحديدا لفرض خيارات من شأنها تصفية القضية العربية الأولى كرغبة صهيونية لم يتردد القادة الصهاينة في التعبير عنها في تصريحاتهم وإن بصورة غير مباشرة.
“طوفان الأقصى” أحبطت مخططاً استراتيجياً لواشنطناً، ناهيكم عن انها زلزلت أركان العدو واربكت مؤسساته العسكرية والأمنية، وأصابت مؤسساته السياسية بصعقة لم يكن يتخيلها..!
على إثر هذا هرولت أمريكا التي بدورها تعيش أزمة مركبة، أخطرها ما يتصل بنفوذها الجيوسياسي، بعد أن إيقنت أن معركة أوكرانيا خاسرة، وان ازمتها الجيوسياسية في المحيط الهادئ وبحر الصين ومضيق تايوان وجنوب شرق آسيا آخذة في التقلص، وفيما كان الوطن العربي هدفها الجيوسياسي، متخذة من (التطبيع) بين الدول العربية هدفا للتصدي لطموح الصين وروسيا الجيوسياسي بأبعاده الاقتصادية، وتطويق الجمهورية الإسلامية ومحور المقاومة بعد أن عجز وكلاؤها في المنطقة من تحقيق هذا الهدف وعلى رأسهم كيانها الصهيوني اللقيط..!
رد الفعل الصهيوني الأمريكي على طوفان الأقصى جاء تجسيدا لاستراتيجية الصدمة والرعب المعتمدة أمريكيا منذ العام 1993م، حيث حشدت أمريكا العالم بأسره وبمنظماته وأجهزته وكل قدراته لمواجهة حركة المقاومة في فلسطين كخطوة أولى تتبعها الخطوة الثانية باتجاه لبنان وإنجاز ما لم تتمكن من إنجازه عام 2006م وأخفقت في التوصل إليه عبر ما سمي بـ(الربيع العربي) وخاصة فيما يتصل بالمشهد العربي السوري والمقاومة في لبنان..!
بيد أن الفعل الصهيوامريكي الإجرامي والوحشي في قطاع غزة لم يأت بمعزل عن رغبة أنظمة عربية محورية أو هكذا يفترض أن تكون، إذ أن رغبة تصفية حركة المقاومة في فلسطين وخاصة حركتي (حماس والجهاد)، بقدر ما هي رغبة صهيونية أمريكية، هي أيضا رغبة أنظمة عربية، كان تصورها أن الكيان بقدراته العسكرية قادر على سحق المقاومة خلال أيام أو أسبوع وفي الحد الأقصى شهرا، تكون بعدها المنطقة خالية من (المنغصات الراديكالية)!
ثم التوجه إلى جنوب لبنان وإجبار المقاومة على الأقل على الانسحاب إلى ما بعد (نهر الليطاني)..!
لكن الصمود الأسطوري للمقاومة اربك كل هذه المخططات التأمرية، فيما رغبة أمريكا أيضا في حصر الصراع في نطاق قطاع غزة فشل أيضا، فيما جاء طوفان البحر الأحمر الذي أقدمت عليه صنعاء ليضع أمريكا والكيان وأنظمة التطبيع المرتهنة في أزمة حقيقية، أزمة مفرداتها تتشكل تصاعديا بصورة فضيحة للنظام العربي الإسلامي والنظام الدولي، فاليمن أسقطت بمواقفها أوراق التوت عن عورات المطبعين ورعاة النظام الدولي الذي تحاول أمريكا فرضه عبر أساطيلها وبوارجها وهي آخر الأوراق التي تعتمد عليها واشنطن التي تتجه نحو الانحطاط، وهذا السلوك هو ديدن أي إمبراطورية استعمارية تعيش مرحلة تراجعها فتتخذ من القوة الغاشمة وسيلة لفرض خياراتها ولكنها مع اليمن لم تجنى سوى مضاعفة من ازمتها وانحطاطها الأخلاقي كدولة عظمى يفترض أن تكون أكثر وعيا بالقانون الدولي الذي تزعم الدفاع عنه في البحر الأحمر وتتغاضي عنه في غزة وسوريا والعراق وتجاهلته في اليمن على مدى عقد من الزمن..!
القانون الدولي أيضا لا يعطي أمريكا الحق في تقديم كل أشكال الدعم العسكري والاستخباري والمادي والإعلامي للكيان الصهيوني والتغطية السياسية على جرائمه في المحافل الدولية، ثم تطلب من الآخرين أن لا يقدموا لأشقائهم في فلسطين علبة مياه أو دواء أو وجبة طعام أو دفاء يقيهم حر الصيف وبرد الشتاء..!
ثم تكذب على العالم وبوقاحة حين تزعم انها تدافع عن الملاحة الدولية في البحر الأحمر، فيما لا أحد يستهدف الملاحة الدولية، واليمن أعلنت لكل الدنيا انها تستهدف السفن الصهيونية أو المتجهة للموانئ في فلسطين المحتلة لخدمة الصهاينة، وربطت اليمن موقفها هذا برفع الحصار عن غزة وإدخال المساعدات ووقف العدوان.. أمريكا طبعا شعرت بالإهانة من موقف صنعاء المبدئي والثابت وغير القابل للمساومة، وهذا موقف لم تعتده واشنطن والكيان منذ عهد عبدالناصر -رحمة الله عليه-.
بيد أن العدوان الأمريكي على الدولة اليمنية كان متوقعاً لأن واشنطن تريد رد اعتبارها كحال حليفها الصهيوني الذي يخوض معركة إجرامية بهدف رد اعتبار مفقود وهو الاعتبار الذي لن يعود إطلاقا، والحال كذلك بالنسبة لأمريكا التي لن ترد بعدوانها على الدولة اليمنية اعتبارها المفقود وهيبتها التي داست عليها صنعاء بثقة واقتدار تجسيدا لقناعة مبدئية راسخة غير قابلة للمساومة والتسويف، وان تغمز واشنطن من قناة إيران فهذا يندرج في سياق سياسة اختزال القضايا عبر مفردات (كي الوعي) فيما رغبة واشنطن تستهدف إحكام سيطرتها الجيوسياسية كخطوة إستباقية تحاول من خلالها تأمين نفوذها والإبقاء على زعامتها القطبية في مواجهة توجه العالم نحو عالم متعدد الأقطاب ترى فيه واشنطن نهاية هيمنتها على العالم..!
إن طوفان البحر الأحمر الذي فجرته صنعاء وقواتها المسلحة اسنادا لمظلومية شعبنا العربي في فلسطين، شكل صفعة ثانية لواشنطن بعد صفعة طوفان الأقصى الفلسطينية التي غدت رغم المجازر وحرب الإبادة الجماعية أيقونة نضالية، أيقونة ايقظت معزوفتها ذاكرة العالم عن الحق العربي الفلسطيني وأخرجت القضية من دهاليز الصالونات والمحافل الدولية إلى ذاكرة الرأي العام الدولي الذي تحرك للشارع في كل مدن قارات العالم الخمس، بما فيها الدول الراعية للكيان الصهيوني، التي داست أنظمتها على حرية الرأي والتعبير، وحرية الصحافة وحقوق الإنسان، لأن الأمر يطال الكيان الصهيوني، الذي تعد مصالحه الاستعمارية فوق كل القوانين والقيم والأخلاقيات، وحين تصف واشنطن ولندن عدوانهما على اليمن بأنه (دفاع عن امنهما القومي)، تماهيا مع مقولتهما بـ(حق الكيان الدفاع عن نفسه)!
فإن هذا التبرير الأمريكي البريطاني يعطي اليمن بالمقابل شرعية قانونية وأخلاقية في حقها بالدفاع عن أمنها القومي في البحر الأحمر وهي الأولى بهذا الحق من أمريكا وبريطانيا ومن يدور في فلكهما..!
فهل تريد واشنطن حصر الصراع؟ أم توسيع الدائرة، وما هي أهدافها المرجوة من هذا؟
كل المؤشرات تقول إن واشنطن تغامر بكل مكانتها الدولية، وبكل مصالحها، لإنقاذ كيانها من أزمة وجودية حقيقية، أزمة هي نتاج ضعف واشنطن وتراجع نفوذها الجيوسياسي والاستراتيجي منذ أقدمت على غزو العراق بمبررات كاذبة، وما لحق جرّاء هذا السلوك البلطجي بواشنطن من اخفاقات أدت مجتمعة إلى تلاشى هيبة هذه الدولة وفقدانها احترام العالم، بما في ذلك الأنظمة المرتهنة لها منذ عقود والتي تجرأت خلال المرحلة الأخيرة على تحدي رغباتها بل ومساومتها بدليل أن غالبية حلفائها ابتعدوا عن رغبتها مشاركتهم بتحالف ما اسمته حماية الملاحة البحرية باستثناء (كازينو البحرين)..!
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الإفلات من العقاب: "فلسطين هي المكان الذي تموت فيه القوانين الدولية"
منذ عام 2001، أودت النيران الإسرائيلية بحياة ما يقرب من 200 صحفي، 170 منهم منذ بدء الحرب على غزة (2023). ومع ذلك، لم تقم إسرائيل بمحاسبة أي شخص، حتى في حالات القتل الأكثر تطرفاً. في المرحلة الثانية من مشروع غزة، وجدت منظمة فوربيدن ستوريز (قصص محظورة) وشركاؤها أن إسرائيل استخدمت تكتيكات قانونية وبيروقراطية لعرقلة التحقيقات في دور جيشها في مقتل المدنيين.
في 15 كانون الأول/ديسمبر 2023، أصيب الصحفي سامر أبو دقة بهجوم بطائرة مسيّرة، أثناء تصويره الدمار الذي لحق بخان يونس جنوب قطاع غزة. منعت القوات الإسرائيلية سيارات الإسعاف من الوصول إلى أبو دقة؛ ما حرمه من الحصول على الإسعافات الطبية لأكثر من خمس ساعات. عثر المنقذون بعدها على جثته ممزقة إلى أشلاء، بجانب سترته الصحفية.
في 11 أيار/مايو 2022، قُتلت مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة على يد قناص إسرائيلي، أثناء تغطيتها مداهمة للجيش الإسرائيلي بمخيم للاجئين، بالقرب من شارع الشهداء في مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة. وعلى الرغم من ملابسها الواقية وسترتها الصحفية المكتوب عليها بوضوح PRESS (صحافة)، فإنها أصيبت برصاصة في رأسها، وأُعلن عن وفاتها بعد فترة وجيزة.
في 6 نيسان/أبريل 2018، قُتل المصور الفوتوغرافي ياسر مرتجى -وهو من غزة، يبلغ من العمر 30 عاماً، ومؤسس مشارك لشركة عين للإنتاج الإعلامي- بعد 12 ساعة من إصابته برصاص قناص إسرائيلي، أثناء تغطيته مظاهرة بالقرب من الحدود، على الرغم من ارتدائه سترة مكتوب عليها "PRESS".
في حياتهم، تقاسم ياسر وشيرين وسامر وطناً وسترة الصحافة. وفي موتهم، تشاركا المصير نفسه من إفلات قاتليهم من المساءلة والعقاب. فقد أُسندت قضاياهم إلى الوحدة القانونية في الجيش الإسرائيلي، لكن لم يُحاسب أي شخص على الإطلاق. في البداية، اتهم المسؤولون الإسرائيليون مسلحين فلسطينيين بمقتل شيرين أبو عاقلة، قبل أن يعترفوا بأن جندياً إسرائيلياً أطلق النار "على الأرجح". ومع ذلك، لم يُتخذ أي إجراء جنائي أو تأديبي. ولا تزال قضيتا مرتجى وأبو دقة دون بتّ.
منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، في أعقاب الهجمات التي شنتها حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قُتل أكثر من 170 صحفياً، ما يجعل هذا الصراع الأكثر دموية في تاريخ الصحافة، منذ أن بدأت لجنة حماية الصحفيين بجمع وتوثيق البيانات عام 1992. وقبل هذه الحرب، وتحديداً عام 2001، أودت النيران الإسرائيلية بحياة ما لا يقل عن 18 صحفياً فلسطينياً ومراسلين أجنبيين اثنين. ووفقاً للجنة حماية الصحفيين، لم يتهم أو يُحاسب أي شخص على الإطلاق. وفي المرحلة الثانية من مشروع غزة، شرع 44 صحفياً وباحثاً من 12 وسيلة إعلامية في الكشف عن العقبات التي تعوق المساءلة، والاعتداءات على المجتمع المدني الذي يناضل من أجل دعم المساءلة.
وبعد أن أثارت قضية مقتل مرتجى وأبو عاقلة وأبو دقة انتباه المجتمع الدولي، أُسندت هذه القضايا إلى "آلية" تقصي الحقائق، التابعة لهيئة الأركان العامة بالجيش الإسرائيلي، من دون الإعلان عن أي نتائج. أُنشئت هذه الآلية عام 2014، وتجري هيئة الأركان العامة لتقصي الحقائق تحقيقات أولية في جرائم الحرب المشتبه فيها، وتقدم المشورة للمدعي العام العسكري بشأن فتح تحقيقات جنائية من عدمه.
في أيار/مايو 2024، أفاد الجيش الإسرائيلي بأنه يراجع مئات الحوادث التي وقعت خلال الحرب على غزة.
(لم يعلق الجيش الإسرائيلي ولا المدعي العام العسكري على وضع التحقيقات في مقتل مرتجى وأبو دقة)
"مُعدَّة للفشل"
يقول ياهاف إيريز، منسق المناصرة الدولية في منظمة "يش دين" الإسرائيلية غير الحكومية: "يستغرق الأمر سنوات، وحتى إذا كان هناك قرار بفتح تحقيق، فإن المعلومات المستخدمة في التقييم تبقى محظورة وسرية… ومن المُرجح أن تفشل".
في عام 2024، نشرت منظمة "يش دين"، وهي منظمة مكرسة لحماية حقوق الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال، تقريراً يكشف أنه من بين 664 شكوى تم توجيهها إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي على مدار العقد الماضي، تم إغلاق 81.6 في المئة من هذه الشكاوى من دون تحقيق، في حين وصلت ما نسبته 0.17 في المئة من الشكاوى إلى القضاء.
يقول دكتور عيران شامير بورير، مدير مركز الأمن والديمقراطية في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، والرئيس السابق لقسم القانون الدولي بالنيابة العسكرية العامة الإسرائيلية، في حديث مع فوربيدن ستوريز: "لا ينبغي للمرء أن يتوقع عدداً كبيراً من لوائح الاتهام المتعلقة بالسلوك العملياتي للجيش… انظر إلى أي جيش في جميع أنحاء العالم؛ المملكة المتحدة، أو أستراليا، أو الولايات المتحدة الأميركية، لوائح الاتهام نادرة للغاية". ويضيف بأن وجود مثل هذا القسم القانوني في حد ذاته "مؤشر على الأهمية التي يوليها الجيش الإسرائيلي للقانون الدولي".
ويشير خبراء ومنظمات دولية إلى أن هذه الدائرة القانونية، بدلاً من أن تكون أداة للمساءلة، تبقى وسيلة لحماية إسرائيل من التدقيق والملاحقة القضائية الدولية.
وعلى وجه التحديد، يمكن لإسرائيل، من خلال تقييد التحقيقات، أن تُحبط جهود المحكمة الجنائية الدولية التي تحاكم الأفراد على جرائم الحرب، والتي تعمل بموجب مبدأ يعرف باسم "التكامل"؛ أي أن القضية لا تُقبل إذا كانت هناك محاولة حقيقية للنظر في الجرائم نفسها أمام محكمة محلية.
وتقر مذكرة داخلية من مكتب المدعي العام الإسرائيلي، التي تمكنت فوربيدن ستوريز من الاطلاع عليها، بأن آليات التحقيق رغم أنها تبقى ضرورية لسيادة القانون، فإنها تعمل أيضاً كإطار لحماية ممارسات السلطة الإسرائيلية من الملاحقات القضائية الدولية والأجنبية. بعبارة أخرى، ترى الحكومة الإسرائيلية أن نظامها القضائي يعزل الجيش عن أدوات المساءلة العالمية.
قال فرانسوا دوبويسون، أستاذ القانون الدولي في جامعة بروكسل الحرة، في مقابلة مع فوربيدن ستوريز، إن إسرائيل لم تفِ بمسؤولياتها بموجب القانون الدولي، تجاه التحقيق في مقتل الصحفيين؛ ما يتيح فرصة مناسبة للمحكمة الجنائية الدولية أن تتدخل في هذه القضايا. ويضيف بأنه حتى في الحالات النادرة التي تنتهي بإدانات، "تكون العقوبات مُخففة على نحو لا يتناسب مع خطورة الجرائم".
ورداً على أسئلة وجهناها لوزارة العدل الإسرائيلية، ردّت بأنه في حال "أثارت ادعاءات ذات مصداقية مخاوف من احتمال وقوع انتهاك للقانون الدولي الإنساني، فإن النظام القانوني الإسرائيلي مستعد وقادر على فحص هذه الادعاءات بشكل أفضل من المحاكم الأجنبية أو الدولية".
قمع المجتمع المدني
إن استغلال مبدأ التكامل ليس التكتيك الوحيد الذي تحمي به إسرائيل نفسها من التدقيق والملاحقة القضائية. ففي تحقيقنا، وجدنا أن وزارة العدل الإسرائيلية توسع دائرة التنسيق لتشمل ليس وزارة الخارجية فحسب، بل أيضاً أطراف متعاطفة معها في المجتمع المدني؛ لمحاولة قطع التمويل عن المنظمات التي تقود إجراءات قانونية في المحاكم الإسرائيلية والدولية على حد سواء. من بين تلك الجهات الفاعلة الرئيسية، "مرصد المنظمات غير الحكومية"، وهي مجموعة مناصرة يمينية إسرائيلية تقوم بحملات ضد المنظمات الدولية التي تنتقد إسرائيل.
ووفقاً للمعلومات التي حصل عليها إيتامار بنزاكوين، مراسل صحيفة "العين السابعة" وأحد أعضاء فريق التحقيق، فإن منظمة "مرصد المنظمات غير الحكومية" هي جزء من شبكة عالمية من المنظمات التي تربطها علاقات وثيقة بوزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، كما كشفت وثائق داخلية من عام 2020. وتُصنّف هذه العلاقات إلى عدة مستويات من التعاون، تتراوح بين الشراكة الاستراتيجية الكاملة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتلقي التقارير الدورية.
تُظهر رسائل البريد الإلكتروني المسربة من وزارة العدل الإسرائيلية -التي حصلت عليها منظمة "رفض الأسرار الموزعة" غير الربحية، وتمت مشاركتها مع منظمة فوربيدن ستوريز- تواصلاً منتظماً بين منظمة "مرصد المنظمات غير الحكومية" وكبار مسؤولي الوزارة الإسرائيلية.
ركزت هذه الرسائل على تقويض الجهود القانونية التي تبذلها مجموعات المجتمع المدني المختلفة، ولا سيّما المجلس النرويجي للاجئين، وهو منظمة غير حكومية أوروبية تقدم مساعدات قانونية وإنسانية للمجتمعات النازحة في جميع أنحاء العالم، خاصة في فلسطين.
(رداً على استفسار من فوربيدن ستوريز، ذكرت منظمة "مراقبة المنظمات غير الحكومية" أن أبحاثها وتحليلاتها "متاحة للاستخدام من قبل جميع الشركاء"، وأنها تشجع "الحكومات في جميع أنحاء العالم على تبني سياسات أكثر مسؤولية وشفافية ومساءلة فيما يتعلق بنشاط المنظمات غير الحكومية وتمويلها". لم تردّ وزارة العدل الإسرائيلية على أسئلتنا المتعلقة بالمجلس النرويجي للاجئين).
(في رده على فوربيدن ستوريز، قال المجلس النرويجي للاجئين إن "حكومة إسرائيل مسؤولة عن أفعالها في إطار نظامها القانوني والقضائي الداخلي، والطبيعة الدولية للصراع تستلزم تدقيقاً إضافياً لضمان الامتثال للقانون الإنساني الدولي).
في عام 2021، صنّفت إسرائيل ست منظمات غير حكومية فلسطينية "منظمات إرهابية"؛ ما دفع الاتحاد الأوروبي وبعض دوله إلى تعليق تمويلها المعتاد للمنظمات لمدة عام. سفين كون فون بورغسدورف، رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومدير الشراكات في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الأونروا )، يقول: "لم نجد في عمليات التدقيق الداخلية أو الخارجية أي دليل على انتهاك الالتزامات التعاقدية والمالية للمنظمات غير الحكومية، التي وقعت اتفاقيات منح مع الاتحاد الأوروبي".
الاستنتاج نفسه توصلت إليه وزارات خارجية بلجيكا والدنمارك وفرنسا وألمانيا وأيرلندا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا والسويد، حيث جاء في بيان مشترك أنه "لم ترد من إسرائيل أي معلومات جوهرية تبرر مراجعة سياستنا تجاه المنظمات الفلسطينية الست غير الحكومية".
يقول براد باركر، المدير المساعد للسياسات في مجموعة المناصرة الأميركية "مركز الحقوق الدستورية"، الذي عمل سابقاً مستشاراً قانونياً في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال - فلسطين، وهي إحدى منظمات المجتمع المدني الفلسطينية الست، التي برأتها إجراءات الاتحاد الأوروبي: "ربما تخضع المنظمات الفلسطينية لأعلى درجات التدقيق والتحقق من الامتثال، مقارنة بأي مجتمع مدني آخر في العالم".
وهذا ما يؤكده أيضاً سفين كون فون بورغسدورف، رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في الضفة الغربية وقطاع غزة بالقول: "في سياق تمويل الاتحاد الأوروبي للمشاريع في فلسطين، كنا مُراقبين عن كثب من قبل الحكومة الإسرائيلية وأجهزة مخابراتها، وأيضاً من قبل جماعات المناصرة المؤيدة لإسرائيل".
لا أبرياء من المدنيين
وُجهت اتهامات بالارتباط بالإرهاب على نطاق واسع ضد الصحفيين الذين قتلوا في غزة. من بين هؤلاء مراسل قناة الجزيرة إسماعيل الغول، الذي قُتل في غارة إسرائيلية بطائرة مسيرة في 31 تموز/يوليو 2024. ولتبرير الهجوم، نشر الجيش الإسرائيلي صورة مُعدَّلة لملف ادّعى أنه من جهاز "كمبيوتر" تابع لحماس. وأظهرت الصورة المعروضة أن الغول، المولود عام 1997، كان قد حصل على رتبة عسكرية هندسية من حماس عام 2007، عندما كان عمره 10 سنوات فقط. (لم يعلق الجيش الإسرائيلي على صحة هذه الوثائق "المزعومة"، أو لأي درجة قام بالتحقق من من صحتها).
بالتزامن مع وفاته عام 2018، خلال مسيرة العودة الكبرى، صنّف وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، أفيغدور ليبرمان، المصور الفوتوغرافي ياسر مرتجى، "عضواً في الذراع العسكري لحماس". كما ذكر ليبرمان، الذي لم يقدم أي دليل يدعم مزاعمه، أنه "لم يكن هناك مدنيون أبرياء" في مسيرة العودة الكبرى، التي أصيب خلالها أكثر من ستة آلاف متظاهر أعزل برصاص قناصة الجيش الإسرائيلي، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة.
لكنّ صحيفة "واشنطن بوست" ذكرت أن مرتجى كان قد خضع في وقت سابق للتدقيق من قبل الحكومة الأميركية لتلقي منحة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، لدعم "عين ميديا"؛ ما يشير إلى أن عملية التدقيق الصارمة التي قامت بها الولايات المتحدة قد برأته من أي "علاقات متشددة".
وقالت لجنة حماية الصحفيين إن "محاولات تشويه سمعة الصحفيين الذين يقومون بعملهم، ونزع الشرعية عنهم وتجريمهم؛ ما هي إلا محاولات شائنة وغير مسؤولة، لأنها تعرض الصحفيين لمزيد من المخاطر".
ولمزيد من التقصي، تحدثت فوربيدن ستوريز مع ثلاثة جنود إسرائيليين سابقين، من بينهم ضابط سابق، عمل في غزة أو محيطها المباشر (2024). وأكد الثلاثة أن الجيش الإسرائيلي لا يميز بدقة بين المدنيين والمسلحين. (صرح الجيش الإسرائيلي بأنه يرفض رفضاً قاطعاً الادعاء بوقوع هجوم ممنهج على الصحفيين).
كما أن تصوير الفلسطينيين على أنهم إرهابيون يؤثر سلباً في المنظمات التي تدعو إلى المساءلة. مركز غيشا القانوني لحرية التنقل، وهو منظمة إسرائيلية غير حكومية تعمل على تأمين الإجلاء الطبي للمدنيين في غزة، بما في ذلك إجلاء الصحفي فادي الوحيدي، يقول إن جلسات المحكمة العليا قد تم تعطيلها مراراً وتكراراً من قبل قوافل اليمين المتطرف. المديرة التنفيذية لمركز غيشا القانوني لحرية التنقل، تانيا هاري، تقول: "من الناحية العملية، لا تزال [المؤسسات] مفتوحة لنا… نحن قادرون على تقديم التماسات إلى المحاكم، لكنني أود أن أقول إن هناك بالتأكيد عداء نشهده من ممثلي الدولة، والقضاة أنفسهم في بعض الأحيان، ويدلون بتعليقات مهينة، كما لو أننا نمثل العدو، إذا جاز التعبير".
وفي فبراير/شباط 2025، وافق البرلمان الإسرائيلي على تعديل يسعى إلى منع أي تعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، وتجريم الأفراد الذين يساعدون المحكمة، مع فرض عقوبات تصل للسجن. وجاء في المذكرة التفسيرية لمشروع القانون: "إن نشاط المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي يُشكل خطراً حقيقياً على سيادة القانون في دولة إسرائيل".
الدكتور فوتر فيرنر، أستاذ القانون الدولي بمركز سياسات القانون العابر للحدود، يقول: "إذا كنتم تدّعون أنكم (إسرائيل) ديمقراطية، فعليكم أن تكونوا أكثر استعداداً للانخراط في عملية المساءلة؛ إذا كنت تتذرع بسيادة القانون لتجنب المساءلة، فأي مفهوم للديمقراطية لديك؟".
شملت الجهود المبذولة لتقويض الولاية القضائية الدولية، المحكمة الجنائية الدولية نفسها. ووفقاً لمذكرة النيابة العامة الإسرائيلية، نجحت السلطات في إغلاق "عشرات القضايا الجنائية والمدنية في جميع أنحاء العالم ضد الدولة وكبار مسؤوليها؛ ما أدى إلى تأخير ومنع تحقيق المحكمة الجنائية الدولية بشأن إسرائيل لأكثر من عقد من الزمن".
"حيث يذهب القانون الدولي للموت"
في مايو/أيار، كشف تحقيق مشترك أجرته صحيفة الغارديان ومجلة +972، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية ورئيس الموساد السابق يوسي كوهين، قادا عملية مراقبة استمرت تسع سنوات، استهدفت المحكمة الجنائية الدولية والجماعات الحقوقية الفلسطينية لمحاولة عرقلة الملاحقة القضائية لجرائم الحرب، وهو تكتيك يصفه خبراء القانون الدولي بأنه "غير قانوني وغير شرعي بالمرة".
يمتد عداء إسرائيل المتزايد تجاه المحكمة الجنائية الدولية إلى فروع الجيش القانونية، التي من المفترض أن تلتزم بالقانون الدولي. المقدم موريس هيرش، المدعي العسكري العام السابق، الذي خدم في هيئة القضاء العسكري، متحدثاً عن المحكمة الجنائية الدولية: "حسناً، أنت تتحدث هنا عن محكمة صورية رائدة على مستوى العالم".
وأضاف أن الناس لديهم توقعات كبيرة بأن يكون القانون الجنائي هو الحل لمآسي الحرب: "ولكن حتى في البلدان الديمقراطية ذات الالتزام القوي بسيادة القانون، فإنه ليس الحل أبداً".
رودني ديكسون، محامي شبكة الجزيرة، قال لفوربيدن ستوريز، إن شكاوى مدعومة بأدلة، بشأن هجمات وعمليات قتل متعددة، قُدّمت إلى مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية. وأضاف: "التحقيق جارٍ، نأمل أن تُحقق المحكمة الجنائية الدولية فيها، وتلاحق المسؤولين عنها لضمان تحقيق المساءلة".
في الوقت نفسه، لا تجد عائلات قتلى الصحفيين أي "راحة أو إنصاف". فبعد مرور ثلاث سنوات، تصف ابنة شقيق شيرين أبو عاقلة الاعتداءات المتزايدة على الصحفيين بأنها "صادمة للغاية". وقالت لينا أبو عاقلة: "لو كان هناك من يُحاسب على قتل الصحفيين، حتى قبل استهداف شيرين وقتلها بفترة طويلة، لكانت شيرين لا تزال بيننا الآن… لكن للأسف، هناك حلقة مستمرة من الإفلات من العقاب".
الدكتورة إنصاف رزاقي، الباحثة في القانون الدولي بالمعهد الفرنسي للشرق الأدنى، تقول في مقابلة مع فوربيدن ستوريز: "النظام الدولي ينهار، لأنه لم يتمكن من إنهاء هذه الحرب، ولا 75 عاماً من الصراع والاحتلال، رغم امتلاكه جميع الآليات اللازمة لذلك؛ فلسطين هي المكان الذي يموت فيه القانون الدولي".
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين بالصور: قصص من السماء: تحقيق في استهداف إسرائيل صحفيي الدرون بغزة شاهد: تقرير: الاعتداء على فادي الوحيدي وصحفيي جباليا بقطاع غزة الأونروا تعلن مقتل 180 طفلا بغزة جراء الإبادة الإسرائيلية الأكثر قراءة تفاصيل اجتماع وفد حماس مع وزير خارجية تركيا في أنقرة أبو عبيدة يصدر تصريحات عقب قصف "القسام" لتل أبيب رايتس ووتش: إسرائيل ارتكبت جرائم حرب في قطاع غزة غزة - 591 شهيدا خلال الـ72 ساعة الماضية عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025