قال إدريس لشگر، الكاتب الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إن الوضع السياسي الوطني ‬يطبعه التغول في‭ ‬بداية تشكل الحكومة، ‬والغموض والهشاشة في‭ ‬تدبير الملفات الكبرى، ‬كما تميزه الإرادة المضمرة حينا والمعلنة أحيانا كثيرة في‭ ‬إضعاف العمل المؤسساتي.

ويرى لشگر في تقريره السياسي الذي قدمه أمام المجلس ال‭‬وطني لحزبه الذي انعقد مساء السبت، أن تفاقم الوضع الاجتماعي، بات‭ ‬يشي‭ ‬باستهداف المسار الديمقراطي، مدعوما ‬بالكثير من الكيانات‭ ‬الانتهازية المتغولة، مما‭ ‬يفرض بلورة الجواب الجدير بأن يعيد التوازن إلى العمل المؤسساتي بين البرلمان وبين الحكومة، ومؤسسات الحكامة من جهة، وبين الأغلبية والمعارضة من جهة أخرى.

‭ ‬وهو وضع  يستشعر منه الاتحاد الاشتراكي، يضيف كاتبه الأول، أنه‭ ‬ملازم عادة لثقافة التردد والارتعاش، ‭‬وهو الأمر الذي قد‭ ‬يزيد من تقويض المؤسسات الدستورية و‬تعميق الفجوة وعدم الثقة بينها وبين المواطن ،‭ ‬ويعطل الأداء المؤسساتي‭ ‬الدستوري، والعمل بأدوات المراقبة من قبيل ملتمس الرقابة ولجن تقصي‭ ‬الحقائق، ‭‬كآليات اشتغال لدى البرلمان والمعارضة خصوصا‭. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

وأكد لشگر أن المكونات المشكلة للتحالف الحكومي على المستوى المركزي، وفي الجهات والأقاليم والعمالات والجماعات، سعت إلى تكريس منطق الهيمنة والتحكم، رغم انعدام التجانس بين هذه المكونات وتعارض مصالحها في العديد من الأحيان، وقد أدى هذا الوضع الذي وصفه بـ”المختل”، على المستوى الجهوي والمحلي، إلى بروز تناقضات وصراعات عرقلت السير العادي في المؤسسات المنتخبة، مما أدى في الكثير من الأحيان إلى تعطيل العملية التنموية وعرقلة الأداء العمومي لخدمة مصالح المواطنات والمواطنين. ومن ثم أصبحنا يضيف لشگر، نلاحظ إثقال كاهل الإدارة الترابية من خلال توليها تدبير تناقضات الأغلبية في الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، بدل التفرغ لاختصاصاتها ومهامها المنصوص عليها قانونا.

ويوضح الكاتب الأول للاتحاد، أن شدة التغول الذي وصلت إليه الحكومة جعلها تتغول حتى على مؤسسات الدولة، فعندما يتعلق الأمر بمستشار جماعي لا مسؤولية له تتوجه للقضاء الاستعجالي من أجل عزله كما حدث في فاس، وعندما يتعلق الأمر بملفات كبرى ومؤسسات كبرى كرئاسة جهة أو رئاسة مجلس عمالة أو جماعة في مركز أو قطب اقتصادي كبير، لا تحرك ساكنا.

وقال لشگر، “لقد سجلنا أنه ولأول مرة توجهت الحكومة للقضاء الاستعجالي من أجل عزل مستشار جماعي من مهامه، في حين أنه في نفس المدينة هنالك من يتحمل مسؤولية رئاسة جماعة ومتابع في الملف نفسه، ولم يتخذ في حقه نفس الإجراء. الأكثر من ذلك يتم التحايل على القانون، لنكون أمام حالتين: البرلماني الذي ينتمي للمعارضة يتم عزله وإعلان المقعد شاغرا لإعادة الانتخابات، والبرلماني الثاني رغم أنه في السجن، يتقرر أنه فقط غاب مدة تزيد عن السنة في البرلمان، مما يتعين معه اعتبار مقعده شاغرا، وبالتالي تعويضه بوصيف لائحته. وكل ذلك من أجل الحفاظ على نفس القوة العددية لأحزاب الأغلبية وإضعاف المعارضة”.

وحذر لشگر من هذا التغول خوفا من توظيف المؤسسات لضرب التوازن المؤسساتي وتكريس منطق الحزب الوحيد بنظام شمولي يتضمن ثلاثة أحزاب ضدا على المقتضيات الدستورية والديمقراطية، والتي أسس لها الملك الراحل الحسن الثاني منذ الدستور الأول للبلاد، والتي ناضل من أجلها المغاربة، وعلى رأسهم مناضلاتنا ومناضلونا.

واعتبر لشگر، أن الاختلال المؤسساتي انعكس بصورة واضحة في البطء والتعثر الذي عرفه الأداء الحكومي في تفعيل الأوراش الكبرى التي دعا إليها الملك، سواء على المستوى الاقتصادي أو على المستوى الاجتماعي.

وقال المسؤول الحزبي منتقدا الحكومة، “ورغم انخراطنا كمعارضة مسؤولة وبناءة في هذه الأوراش، وتيسير عملها في اعتماد التشريعات المؤطرة لتفعيل الاستراتيجية الوطنية للاستثمار أو تعميم الحماية الاجتماعية لفائدة جميع المغاربة، فإن الحكومة، بتجاذباتها السياسية بين مكوناتها الداخلية وبحثها عن الخلاص الفردي، وبافتقادها للكفاءة السياسية والتشريعية والأخلاقية، لم تستطع التخلص من الهيمنة التقنية، والرفع من إيقاع أدائها لمسايرة الثورة الاجتماعية الهادئة التي أطلقها جلالة الملك”.

كلمات دلالية التغول التقرير السياسي الحكومة الكاتب الأول لحزب لاتحاد الاشتراكي المجلس الوطني لشگر

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: التغول التقرير السياسي الحكومة المجلس الوطني على المستوى

إقرأ أيضاً:

توقعات ما بعد الحرب والاتفاق السياسي في السودان: فرص التحوُّل ومخاطر الانكفاء

لحظة فارقة في مسار الدولة السودانية
يقف السودان اليوم على مفترق التاريخ؛ فمع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار برعاية دولية وانتقالياً عبر مؤتمر لندن، لم يعد الحديث مجرّد نهاية للصراع المسلّح، بل هو اختبار جوهري لإمكانات إقامة دولة مدنية ديمقراطية تحتضن التنوع الإثني والثقافي بدلاً من الانكفاء في منطق الاستقطاب العسكري. إن التحدّي المركزي يكمن في ترجمة التزامات الورق إلى واقع ملموس نابض بالحقوق والحريات، وسط لعب إقليمي ودولي متضارب المصالح.
بناء السلطة الانتقالية: هشاشة في التوازن
تشتمل الصيغة المقترحة على مجلس رئاسي متعدد الأقطاب يجمع بين تمثيل المكوّن المدني من قوى الثورة وقوى التغيير وبقايا النظام السابق وأجنحة الحركات المسلحة الكبرى، مع آلية تصويت توافقي تتيح استخدام “الفيتو الجزئي” في القضايا الاستراتيجية لضمان التوازن وتقاسم المسؤوليات. أما الحقائب الوزارية، فستحافظ على السيادية منها لدى مدنيين مستقلين أو تكنوقراط، في حين تُسند الوزارات الأمنية لمن لهم خلفيات عسكرية تحت رقابة مدنية تُشرف عليها بعثة حفظ السلام الدولية. على صعيد الدستور الانتقالي، يتعيّن اعتماد مبادئ اللامركزية الإدارية لتوسيع صلاحيات الأقاليم المهمشة كدارفور والنيل الأزرق، مع تمثيل النساء والشباب بما لا يقل عن أربعين في المئة داخل لجنة دستورية تحت إشراف أممي، تُنهي مسودة الدستور خلال تسعة أشهر.
إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية: ثقة تحت الاختبار
يتطلب دمج ميليشيات الحركات المسلحة ضمن الجيش النظامي إدماج نحو ثلاثين في المئة من مقاتليها وترك الباب مفتوحاً أمام برامج DDR التي تشمل نزع السلاح وتسريح المقاتلين عبر حوافز اقتصادية كتدريب مهني وقروض صغيرة، في سبيل تقليل مخاطر تحول هؤلاء إلى عصابات مسلحة. أما على صعيد الضمانات الأمنية، فستُنشَر قوات حفظ سلام إفريقية في المناطق الساخنة مع دوريات مراقبة دولية لرصد أي خروقات لحقوق الإنسان، إلى جانب آلية تحقيق مشتركة تضم خبراء أمميين ومحليين لجمع الأدلة تمهيداً لإحالتها إلى محكمة يقررها مجلس الأمن.
الحركات المسلحة كفاعلين سياسيين: الإمكانات والمحاذير
تملك الحركة الشعبية اليسارية بقيادة ياسر عرمان رصيداً جماهيرياً في الريف والحضر، وتطرح نفسها حارساً للأجندة المدنية، إلا أن نجاح تحولها إلى حزب سياسي منظم مرهون بقدرتها على ترجمة شعارات المواطنة والعدالة الاجتماعية إلى سياسات تنموية فعلية. أما حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور، فتعتمد على دعم شعبي قوي في دارفور، ولكن عليها تجاوز الانقسامات الداخلية وتبنّي خطاب تنموي يخاطب الشريحة الشبابية ويؤسس لحوكمة محلية فعّالة، إذ إن الثغرات التنظيمية والانقسامات الإثنية قد تحول دون بناء حزب متماسك قادر على المنافسة الانتخابية.
التوازنات الإقليمية والدولية: لعبة النفوذ
تسعى القاهرة وأبوظبي أولاً إلى ضمان أمن منابع النيل واستقرار الحدود الغربية، فتدعم جهود الاستقرار شريطة عدم الإضرار بمصالحهما الاستراتيجية. وفي المقابل، تستخدم واشنطن وبروكسل ورقة المساعدات—التي تجاوزت عشرة مليارات دولار—ورفع العقوبات كحافز لتمرير الإصلاحات الاقتصادية والشفافية، مع ربط الدعم بمؤشرات عمل مؤسسي رشيد. أما موسكو وبكين فكلاهما يسعى لتأمين استثمارات نفطية وبنى تحتية عبر دعم غير مباشر للفصائل العسكرية، ما قد يعقّد مسيرة التحوّل المدني ويعيد ترتيب الأوزان داخل السلطة الجديدة.
القنبلة الاقتصادية: تحرير أم استدامة؟
لا بدّ من تعويم الجنيه السوداني لوقف انهياره، رغم مخاطره في إطلاق موجة تضخم قد تُشعل احتجاجات شعبية. وفي الوقت نفسه، يطرح تفعيل مبادرة “الهيبك” لإعادة هيكلة الديون الخارجية التي تجاوزت ثلاثين مليار دولار أملاً بتخفيف الضغط المالي، شريطة تنفيذ إصلاحات جذرية في الحوكمة والإفصاح المالي.
سيناريوهات ما بعد الاتفاق: ما بين التفاؤل والحذر
يمكن رسم خريطة مستقبلية للسودان بوقوعه بين تفاؤل متحفظ ومخاوف متعاظمة. فمن ناحية، تنضج إمكانية نجاح التحالف المدني في فرض أجندة إصلاحية حقيقية، وإجراء انتخابات نزيهة في عام 2025 تؤسس لمرحلة انتقالية توافقية. ومن ناحية أخرى، يتهيأ سيناريو عسكرة الدولة مجدداً إذا فشل دمج المليشيات، مع تجدد الاحتجاجات وتدخل إقليمي مباشر يجرّ البلاد إلى دوامة عنف جديدة. وقد يستقر الوضع هشاً في منتصف الطريق مع تأجيل الانتخابات واستمرار السلطة الانتقالية لسنوات تحت وصاية دولية، ما يقتصر دوره على إدارة احتياجات مؤقتة دون تحقيق قفزة نوعية.
رهان المصير
ترتبط فرص السودان التاريخية بثلاثية مترابطة: تحوّل رأس المال العسكري من موقع الحَكَم إلى خادِم للعملية الديمقراطية، واتحاد القوى المدنية خلف مشروع وطني يتجاوز الانقسامات الإثنية والدينية، وضغوط دولية ذكية تربط الدعم المالي بمعايير شفافة دون وصاية مفرطة تغذي النزعات الشعبوية. إذا نجحت هذه المعادلة، فسيكون السودان نموذجاً للتغيير السلمي في القرن الإفريقي، وإن أخفقت، فقد يتحول إلى مثالٍ صارخ للدولة الفاشلة مع تداعيات تتخطى حدوده إلى شبحٍ يُثقل كاهل استقرار المنطقة والعالم.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • منتخبنا الوطني للجوجيتسو يحصد 6 ميداليات في اليوم الأول من بطولة باريس – الجائزة الكبرى
  • الدبيبة يبحث مع «اللافي» تطورات المشهد السياسي
  • حماس: نؤكد استمرار التحرك في المستوى السياسي لإنهاء حرب الإبادة وإغاثة المواطنين
  • الرهانات الخاطئة على فشل الإسلام السياسي
  • شاهد | إعادة الإعمار يشكّل استحقاقًا رئيسيًا في المشهد السياسي اللبناني
  • كاتب إسرائيلي: الحكومة تضحي بالمختطفين في غزة من أجل بقائها السياسي
  • مخرج عراقي يرهن تطور الدراما بالاستقرار السياسي والاقتصادي
  • العملية البرية ضد الحوثيين في اليمن.. بين مخاوف السعودية والإمارات والانقسامات في مكونات الحكومة (ترجمة خاصة)
  • وزير التنمية الإدارية يناقش مع محافظ إدلب رفع كفاءة العمل المؤسساتي ‏في المحافظة
  • توقعات ما بعد الحرب والاتفاق السياسي في السودان: فرص التحوُّل ومخاطر الانكفاء