1 - أمام إغراء البائع الوافد بتخفيض سعر السلعة توافق على الدفع « نقدا» وعدم استخدام بطاقة الصرف الآلي أو بطاقة الائتمان فتقول في نفسك: إن المحل صغير ويكفي صاحبه عبء الضريبة وما يستقطعه البنك بسبب توفير آلة السحب الإلكتروني.
تُخمّن أن السبب الحقيقي الذي يقف وراء تصرف كهذا هو تهرب صاحب المحل من دفع ضريبة الدولة أو استفادة العامل الشخصية من المبلغ لكنك تنساق لإغراء تخفيض السعر فمن ذا الذي يستعذب الدفع أكثر؟
بعض الأيدي العاملة تتحجج بتعطل آلة الدفع الآلي فيلجأ إلى حيلة أخرى، وهي أن تدفع المبلغ من خلال رقم هاتفه الشخصي وهذا يحصل أيضًا في المطاعم ومحلات البقالة ومغاسل الملابس وغيرها.
٢ - للمرة الثالثة أتصادف بالمرأة نفسها تدخل المقهى مع ابنها الذي لم يتجاوز السبع سنوات تتسول الجالسين طاولة طاولة.
ذات مرة سألت الموظفة العُمانية عن سبب السماح لها القيام بذلك رغم تشديد الجهات المختصة على ضرورة الإبلاغ عن حالات التسول كونها ظاهرة تعطي انطباعا سلبيا عن المجتمع وكانت إجابتها أن طاقم العمل طلب منها أكثر من مرة الامتناع عن القيام عن ذلك لكنها لا تستجيب وتعود مرة أخرى.
في إحدى المرات شاهدت المرأة نفسها تتوجه إلى امرأة أجنبية فما كان من الأخيرة إلا أن امتنعت عن إعطائها النقود وطلبت منها أن تختار أي شيء ترغب فيه وابنها من المقهى لها وهي ستتكفل بالدفع.. منذ ذلك اليوم لم أُصادف المرأة وابنها حتى هذا اليوم.
٣ - بلا شعور تقع تحت تأثير إعلان التخفيضات الذي يطاردها على مختلف موقع التواصل الاجتماعي فلا تملك إلا الاستسلام.
لم يترك الإعلان «الرهيب» للمرأة أي فرصة للتفكير فيما إذا كانت بحاجة لتلك السلعة أو أن تكلفتها ستُثقل كاهل ميزانية الشهر؟
سارعت بإرسال الطلب رغم إدراكها أن التخفيضات لعبة متكررة لها مواسمها وخدعة تجر المستهلك إلى اكتساب عادة جديدة واقتناء سلع ليست ضرورية لكنها مع الوقت تصبح أساسية بعيدا عن قدرته المالية.
تأتي التخفيضات تحت مسميات كثيرة وصور مختلفة من بينها «black Friday» في الدول الغربية و «الجمعة البيضاء» و «التخفيضات المجنونة» كما يطلق عليها في بعض الدول العربية لكنها تشترك في كونها «شِراكا» تنصب للمستهلك يذهب إليها وهو يضحك.
آخر نقطة..
لا «يهمد» الإنسان هذا الكائن بالغ الهشاشة والضعف ولا يستكين ولا تنطفئ فورة جبروته أو يهدأ نزقه إلا عندما يسلبه الزمن قوته فيذبل وينكسر عوده أو عندما يُوارى التراب ويختفي ذكره ويُنسى اسمه ويندرسُ رسمه.
عمر العبري كاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
اليُتْمُ الذي وقف التاريخُ إجلالًا وتعظيمًا له
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
بعد أن انتهيتُ من قراءة كتاب "عبقرية محمد" للمفكرِ العملاقِ عباس محمود العقاد، تذكَّرتُ على الفورِ قول اللهِ جلَّ جلالُهُ للنبيِّ الكريمِ سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم: "وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ"، فأدركتُ السرَّ في انجذاب كلِّ من اقترب من سيرته العطرة، وتذكرتُ على الفور أنه ليس هناك متشهدٌ ولا صاحبُ صلاةٍ إلا ويلهجُ باسمه... وكلُّ من سيقرأُ ما كتبهُ المفكرون عن شخصية النبيِّ الكريمِ قديمًا وحديثًا، سيعرف أثر كرم الله على نبيَّه برفع ذكره منذ مولده وإلى قيام الساعة.
ولذا، لم يدهشني إهتمام الكُتَّابِ في الشرق والغرب به، وقد قرأتُ بإعجابٍ شديدٍ آخرَ ما صدر من مؤلفاتٍ في الغرب عن خيرِ خلقِ اللهِ أجمعين، للكاتبةِ والمفكرةِ البريطانية "كارن أرمسترونج"،وهي مَنْ ؟ إنها الكاتبة المرموقة والباحثة الماهرة التي تتجنُّب التحيُّز الشخصي، ولا تُصدر الأحكام إِلَّا بعد فحص ما لديها من أدلَّةٍ وبراهين بتجرُّدٍ وشفافية، وقد كرَّست حياتها لدراسة الأديان السماوية، مثل الإسلام والمسيحية واليهودية، وكان كتابها "محمد: سيرة النبي"، والذي صدر عام ١٩٩١ وفيه قدَّمت فكرًا عميقًا، يُعدُّ هذا المؤلف من أبرزِ الأعمالِ التي قدَّمت رؤيةً موضوعيةً ومنصفةً عن النبيِّ الكريمِ في العالم الغربي. كما يُعدُّ جسرًا مهمًّا بين الثقافات، ودعوةً للحوارِ والتفاهمِ بين الأديان، بعيدًا عن الصور النمطيةِ والتشويهِ الإعلامي، فقدأَثْبَتَتْ فِي مُؤَلَّفِهَا هذا بأن النبي العظيم رجلًا ذا رؤيةٍ أخلاقيةٍ عَمِيقَةٍ...
ومن إنصافِها فى كتاباتها قالت: "كان محمدٌ رجلًا حنونًا، متواضعًا، وقائدًا بارعًا، لم يسعَ للسلطةِ بقدر ما كان يسعى لإحداث تغييرٍ أخلاقيٍّ عميقٍ في مجتمعه."
كما تناولت الكاتبةُ والباحثة دورَ النبيِّ الكريم في تحسينِ مكانةِ المرأةِ في المجتمع، حيث أشارت إلى أنه منحَ المرأةَ حقوقًا لم تكن موجودةً في الجاهلية، مثل حقِّ الإرث، وحقِّ التعليم، وحقِّ الاختيارِ في الزواج. وكان يسعى لتحريرِ المرأةِ من القهرِ الاجتماعي، ويدعو إلى معاملتها بكرامةٍ واحترام.
ولها أيضًا رأيٌ حرٌّ جريءٌ، إذ أكَّدت أن النبيَّ الكريمَ كان يسعى دائمًا إلى الحلولِ السلمية، وأن المعاركَ التي خاضها كانت دفاعية، ولم تكن من أجل التوسع أو فرض الدين بالقوة... وبذكاءٍ شديدٍ، اختارت صلح الحديبية وقالت عنه: "كان دليلًا واضحًا على براعةِ النبيِّ الكريم في إدارة النزاعاتِ بالسِّلمِ والحكمة، لأنه كان يؤمن بأن السلام هو الوسيلةُ الأقوى لنشرِ رسالته."
وهذه الشهادةُ من هذه الباحثة والتي تُعَدُّ واحدةً من أبرز الْباحثين في الأديان المُقَارَنَةِ تدحضُ الصورةَ السلبيةَ التي رسمها بعضُ المستشرقين لهذا النبي العظيم...
وقد تصدى لهؤلاء المستشرقين والشانئين المفكر الكبير عباس محمود العقاد في مواجهة هذه الافتراءات، حيث قال في كتابه الهام "عبقرية محمد": “إن التاريخ هو فيصل التفرقة بين محمدٍ وشانئيه، فحكمُه أنفذُ من حكمِ الشانئين والأصدقاء، وأنفذُ من حكمِ المشركين والموحدين، وأنفذُ من حكمِ المتدينين والملحدين... إنه حكم الله، وقد حكم له أنه كان في نفسه قدوة المهذَّبين، وكان في عمله أعظمَ الرجال أثرًا في الدنيا، وكان في عقيدته مؤمنًا يبعث الإيمان، وصاحبَ دينٍ يبقى ما بقيت في الأرض أديان، وسيطلع في الأفق هلالٌ، ويغيبُ هلالٌ، وسيذهب في الليل قمرٌ، ويعودُ قمرٌ، وتتعاقب هذه الشهور التي كأنها جُعلت التاريخَ ما بين الصدور، لأن الناس لا يؤرخون بها مواسمَ الزرع، ولا مواعيد الأشغال، ولا أدوار الدواوين والحكومات، ولا ينتظرونها إلا هدايةً مع الظلام، وسكينةً مع الليل: أشبه شيءٍ بهداية العقيدة في غياهب الضمير”.
وقبل أن يَخْتِمَ الكاتب الكبير عباس محمود العقاد صفحات كتابه "عبقرية محمد"، اختار يوم هجرة النبي إلى المدينة فكتب: "ستطلع الأقمار بعد الأقمار، وتقبل السنة القمرية بعد السنة القمرية، وكأنها تقبل بمعلمٍ من معالم السماء يوميء إلى بقعةٍ من الأرض: هي غار الهجرة، أو يوميء إلى يومٍ لمحمدٍ هو أجملُ أيامِ محمد، لأنه أدلُّ الأيام على رسالته، وأخلصها لعقيدته ورجاء سريرته، وهو يوم التقويم الذي اختاره المسلمون بإلهامٍ لا يعلوه تفكيرٌ ولا تعليم..."
ختامًا.. لقد عشتُ أوقاتًا ممتعةً مع كتاب "عبقرية محمد" للمفكر الكبير عباس محمود العقاد، ومن خلال صفحات هذا الكتاب شاهدت التاريخ يقف إجلالًا وتعظيمًا لهذا اليتيمِ الذي بُعث رحمةً للعالمين.. صلى الله عليك وسلم يا خير خلق الله أجمعين...
اللهم إنا نُشهدك أنه بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فاللهمَّ اجزه عنا خير ما جزيتَ نبيًّا عن قومه، ورسولًا عن رسالته...
ولنا لقاء الأسبوع القادم، بإذن الله، مع قراءة فى كتاب ممتع جديد...