أمريكا وسياستها التجارية - الحلفاء يطالبون بموقف واضح من إدارة بايدن
تاريخ النشر: 27th, January 2024 GMT
ترجمة: قاسم مكي -
السياسة التجارية هي المجال الحاسم الذي يواجه فيه جو بايدن تحدي التوفيق بين مصالح العمال الأمريكيين من جهة وحلفاء الولايات المتحدة من جهة أخرى. وهؤلاء يشكلون «جماعتي المصلحة» المفضَّلتين لديه.
لننظر فيما صرحت به مؤخرا لايل برينارد كبيرة المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأمريكي حول عرض شركة الصلب اليابانية العملاقة «نيبون ستيل» لشراء شركة الصلب الأمريكية «يو إس ستيل.
ففي حين يرحب بايدن بمقدَم الصناعيين من حول العالم لبناء مستقبلهم في أمريكا بالوظائف الأمريكية والعمالة الأمريكية تحدثت برينارد عن بايدن قائلة «هو يعتقد أيضا أن شراء هذه الشركة الأيقونة (الرمز) التي تملكها أمريكا بواسطة كيان أجنبي (حتى إذا كان هذا الكيان من بلد حليف) يبدو بحاجة إلى إخضاعه لتدقيق جاد حول تأثيره المحتمل على الأمن القومي وموثوقية سلسلة التوريد».
ترجمة أو معنى قولها هذا كالتالي: نعم. لقد أبلغنا الحلفاء كاليابان بأننا نريد أن نقرِّبهم فيما نحن نحاول فك الارتباط مع الصين في مجالات استراتيجية كصناعة الصلب والرقائق الإلكترونية والسيارات الكهربائية وغير ذلك. لكننا لانزال نشعر بالقلق من أنهم (أي الحلفاء) سيتعاملون مع الصين ويفضلون انتاجهم المحلي الخاص في وقت الضيق أو ينقلون وظائف صناعة الصلب إلى ولايات متدنية الرواتب وتطبق قوانين «الحق في العمل» بحيث يصعب فيها تكوين النقابات العمالية. وهذا يجعل الرئيس يبدو خيارا سيئا (للناخبين) حين يكون دونالد ترامب على وشك بدء حملته الانتخابية استنادا إلى سياسة «أمريكا أولا» التجارية المتشددة.
هذه مخاوف مشروعة. ففي مقابلة على قناة فوكس نيوز شجب الصفقة روبرت لايتهايزر الممثل التجاري السابق للولايات المتحدة في عهد إدارة ترامب والذي من المحتمل أن يتولى هذا المنصب مرة أخرى إذا أعيد انتخابه.
لقد سبق أن نجح لايتهايزر في الضغط على اليابان للحد من صادرات الصلب والسيارات والسلع الأخرى حين كان نائبا لوزير التجارة في إدارة ريجان. وهو الآن يعبر عن فكرة يتفق حولها عديدون في اليسار والمنظمات العمالية. فهنالك تباين متجذر بين سياسة حرية التجارة الحرة «سياسة دعه يعمل» والتي تفترض فرصا متساوية وتنافسا نزيها بدون دعم حكومي أو مصالح أمن وطني وبين اقتصادات تديرها الدول وتفترض عكس ذلك.
اقتصاد اليابان على خلاف الصين لا تديره الدولة. لكنه من بعض النواحي يشكل تحديا أكثر تعقيدا للمسؤولين عن الإجراءات التنظيمية في لجنة الاستثمار الأجنبي بالولايات المتحدة والذين سيدرسون صفقة نيبون.
اليابان حليف. لكن شركة نيبون مثلها مثل شركات عديدة في البلدان الحليفة للولايات المتحدة لديها عمليات لفروعها في الصين. وهذ يثير تساؤلا حول المدى الذي ينبغي أن يتقيد به الحلفاء بالسياسة الداخلية لواشنطن تجاه الصين لممارسة الأعمال بالولايات المتحدة في القطاعات الإستراتيجية.
ما هو أكثر من ذلك في حين تتبني اليابان ظاهريا اقتصاد حرية السوق إلا أن نظام «كيريتسو» الياباني الذي يتسم بتداخل ملكية أسهم الشركات وعلاقات الأعمال وينحو الى تفضيل الشركات المحلية يشكل تحديا. (حسب هارفارد بيزنس ريفيو كلمة كيريتسو مصطلح ياباني يشير الى شبكة من الشركات التي تعمل في مجالات متمايزة ومكملة لبعضها البعض كشركات الصناعة والتوريد والتوزيع والمؤسسات المالية. وتتميز الشبكة بملكية الأسهم المتبادلة حيث تمتلك العديد من الشركات أسهما في الشركات الأخرى- المترجم.)
الإدارة الأمريكية الحالية ملتزمة بموجب أحكام المادة 232 من قانون التوسع التجاري بزيادة انتاج الصلب المحلي في الأجل الطويل. هل يمكن حقا ضمان قيام شركة متعددة الجنسية في آسيا بذلك؟
فإذا كانت هنالك على سبيل المثال كارثة طبيعية أو حرب عطلت سلاسل التوريد العالمية ماهي الجهة التي ستكون لها الأفضلية في الحصول على انتاج شركة نيبون من الصلب داخل الولايات المتحدة؟ هل هي اليابان أم أمريكا؟
هذه الأسئلة يمكن بالطبع التعامل معها بحنكة عبر اتفاقيات قانونية في حال تم السماح باندماج الشركتين نيبون ستيل اليابانية ويو إس ستيل الأمريكية. لكن هنالك قضية أعمق على المحك. فماهي بالضبط السياسة التجارية لإدارة بايدن؟ وكيف تختلف عما يمكن أن تكون عليه سياسة ترامب التجارية إذا أعيد انتخابه في نوفمبر القادم؟
يريد حلفاء أمريكا أن يعرفوا ذلك. ويمكن التماس العذر لهم إذا شعروا أنهم يتلقُّون رسائل متناقضة حول ذلك. فمن المفترض أن يشمل نقل الصناعة الأمريكية إلى الأصدقاء بلدانا صديقة كاليابان مثلا. لكن عندما يتعلق الأمر بالصناعات الإستراتيجية البالغة الأهمية مثل الصلب ربما تلك ليست هي الحال. أو ربما يمكن أن تكون تلك هي الحال إذا تعهدت الشركة المعنية بتشغيل العمال المنظمين نقابيا وعدم العمل في الصين.
من يعلم! وتلك هي المسألة هنا. فالعالم يحتاج بشدة الى المزيد من الوضوح من جانب الولايات المتحدة حول التجارة.
لماذا لم يأت هذا التوضيح حتى الآن؟ أحد أسباب ذلك الاختلافات في الطريقة التي يتصور بها المسؤولون عالمَ فك الارتباط (بين اقتصاد الولايات المتحدة والصين).
يتلهف البعض في قطاعي التجارة والأمن إلى عقد صفقات تجارية جديدة مع الحلفاء لمواجهة نفوذ الصين الاقتصادي خصوصا في آسيا. وآخرون مثل الممثلة التجارية للولايات المتحدة كاثرين تاي يدافعون عن نموذج تجارة ما بعد كولونيالي «تجارة مرحلة ما بعد الاستعمار» يرتكز على مقاربة مشتركة بين الدول تجاه العمل والبيئة. تقرُّ هذه الإستراتيجية بأن نظام السوق الحالي ببساطة لا يمنح العمل والبيئة الأولوية والمؤسسات من شاكلة منظمة التجارة الدولية ليس الغرض من إنشائها أن تفعل ذلك.
أنا أتفق مع ذلك على الرغم من أن بعض الحلفاء كالاتحاد الأوروبي لا يوافقون عليه. كما يمكنني أيضا المحاجَّة بأن البيت الأبيض لن يكون قادرا على اقناع باقي العالم بهذه المقاربة ما لم يوضح بجلاء أكثر وبالتفصيل الكيفية التي تختلف بها سياسات بايدن التجارية عن سياسات ترامب ولماذا هي أفضل من السياسات الأخرى.
هنالك حجة قوية يمكن الدفع بها. مثلا القول بأن نظام دعم الطاقة النظيفة في الولايات المتحدة يمكن أن يخدم بشكل أفضل بلدان جنوب العالم مقارنة بآلية الإتحاد الأوروبي لتعديل ضريبة الكربون الحدودية خصوصا إذا عُرِض نقلُ التكنولوجيا من الولايات المتحدة في مقابل ضمان أمن سلاسل التوريد والموارد.
ويبدو أن بعض البلدان الصاعدة اقتنعت بمقاربة إدارة بايدن حول نمو الاقتصاد من أسفل الى أعلى ومن الوسط الى الخارج لدعم العاملين من خلال السياسة الاقتصادية. (تشير عبارة من أسفل الى أعلى في هذه المقاربة الى السياسات التي تخص بالأولوية مساعدة من يقبعون في أسفل السلم الاقتصادي كأصحاب الأجور الضعيفة من الأفراد والعائلات فيما تركز عبارة من الوسط الى الخارج أو الأطراف على تقوية الطبقة الوسطى - المترجم.)
دافع نائب الوزير الماليزي للاستثمار والتجارة عن وجهة النظر هذه في مدونة على منصة «لينكد ان» قبل شهور قليلة جاء فيها أن مقاربة كاثرين تاي تنطوي على إمكانية إنهاء «السباق نحو القاع» خلال الأربعين عاما الماضية. (تقصد الكاتبة الفترة التي تنافست فيها البلدان والشركات في خفض معايير العمل والضوابط البيئية وقواعد الحماية الاجتماعية لجذب الاستثمار.)
لدى ما بعد الليبراليين الجدد « أنصار ما بعد الليبرالية الجديدة» في الإدارة الأمريكية حجة جيدة. لكنهم لم يطرحوها بشكل جيد حتى الآن.
يجب السماح لهم بأن يفعلوا ذلك. لا يمكن لأي أحد أن يهزم مقاربة ترامب «أمريكا أولا.» وبايدن بحاجة إلى توضيح مقاربته الخاصة به ولماذا هي أفضل.
رنا فوروهار كاتبة عمود الاقتصاد العالمي ومحرر مشارك في فاينانشال تايمز
عن الفاينانشال تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة ما بعد
إقرأ أيضاً:
إيلون ماسك: غرق أمريكا يعني غرق العالم
أكد كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس إدارة الكفاءة الحكومية رجل الأعمال إيلون ماسك على "الشفافية الكاملة" في الجهود الرامية إلى استئصال ما وصفه بـ"الهدر والاحتيال" لأموال الشعب الأمريكي.
وقال إيلون ماسك في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" بحضور الرئيس الأمريكي ترامب، إن الشفافية الكاملة تمنح أي شخص من رؤية كل إجراء يتم اتخاذه من خلال الموقع الالكتروني لإدارة الكفاء الحكومية DOGE.gov.
وتحدث كل من ترامب وماسك خلال مقابلتهما عن كافة الإجراءات التي يتم اتخاذها بشأن تعزيز الانفاق الحكومي وأهداف أول 100 يوم من الرئاسة.
واختار ترامب ماسك لقيادة إدارة الكفاءة الحكومية بهدف تفكيك البيروقراطية الحكومية، وخفض اللوائح، وخفض الإنفاق المسرف وإعادة هيكلة الوكالات الفيدرالية.
وقال ترامب: "بالنسبة لي، كان من المهم أن يفهم الناس أن ماسك يقوم بعمل كبير. إنه يقوم بعمل غير مجزٍ للغاية. إنه حقاً عمل غير مجزٍ. لكنه يساعدنا في إنقاذ بلدنا. بلدنا في ورطة خطيرة. وكان عليّ أن أختار أفضل رجل".
ومنذ أن تولى ترامب منصبه، استهدفت إدارة الكفاءة الحكومية عدداً من الأذرع البيروقراطية، بما في ذلك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ووزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية، ووزارة التعليم الأمريكية.
ورد ماسك على المنتقدين، واصفاً الاستجابة بأنها "رد فعل للأجسام المضادة من أولئك الذين يتلقون الأموال المهدرة والاحتيالية".
واعترف مؤسس شركة تسلا بأن إدارة الكفاة الحكومية قد ترتكب "بعض الأخطاء" ولن تكون "مثالياً"، لكنه تعهد "بإصلاح الأخطاء بسرعة كبيرة" للبقاء مركزاً على معالجة الموقف المالي للبلاد.
وقال ماسك: "إذا لم نحل العجز، فلن يكون هناك أموال للرعاية الطبية، ولن يكون هناك أموال للضمان الاجتماعي". "إما أن نحل العجز أو كل ما سنفعله هو سداد الديون. يجب حلها وإلا فلن تكون هناك رعاية طبية. لن يكون هناك ضمان اجتماعي، ولن يكون هناك أي شيء. يجب حلها. إنها ليست اختيارية. ستفلس أمريكا إذا لم يتم ذلك". وأضاف ماسك أنه "إذا غرقت سفينة أمريكا، فسوف نغرق جميعاً معها".
وأكد أن "هذه الفكرة القائلة بأن الناس يمكنهم الهروب إلى نيوزيلندا أو أي مكان آخر خاطئة. إذا سقط العمود المركزي للحضارة الغربية، أي أمريكا، فسوف ينهار السقف بالكامل، ولن يكون هناك مفر".
Trump, Musk emphasize the importance of 'full transparency' in DOGE efforts https://t.co/UKbZ5bTFyu #FoxNews
— Barry Lane (@BarryLa50168888) February 20, 2025ومن جانبه قال ترامب "كان بوسعنا أن نفعل ذلك بسرعة كبيرة. لم نكن لنفعل ذلك لو لم يحدث هذا. أبداً. وكان الأمر ليزداد سوءا، وفي النهاية كان لينفجر. كانت هذه البلاد تتجه نحو مسار سيئ للغاية".