من نكد الدنيا علينا تسليط قتلة جهلاء يخوضون حربا بلا دوافع مقنعة وبلا تخطيط يستهدف غايات محددة. النصر لديهم مباهاة في أعداد الضحايا و حجم الدمار. هي حرب لا قاع لها و بلا سقف. حتى بعد عشرة شهور لا حصاد لفوز أو مكسب . مضرموها الجهلة غير عابئين بكم الأرواح المحترقة في أتونها. غير مدركين عذابات الناجين من لهيبها.
*****
من نكد الدنيا علينا فرض حرب القادة فيها دمىً بلا إرادة والمقاتلون قطعان جوعى سيقت إلى ما لا تدرك ما إذا هو مرعى أم محرقة! أهي دفاع عن حق أم خوض في باطل ! كل المتقاتلون كومبارس والشعب ضحايا بين موتى ومعذبين وحيارى يعلكون صبر الفرجة على صفيح ساخن. في هذه الحرب الحمقى يتساقط الأموات، تحترق البنايات،تنهب الأملاك ، تُغتصب النساء ويُذل الرجال.لكن لا أحد يتحدث في لغة الأرقام عن قزح الخسائر الوطنية الفادحة في حق الأجيال. جولات الكر والفر لا تصنع انتصارا حاسما أو سلاما دائما. كما لم يعد أي طرف خطة للحرب فإنه لا يملك تصورا متكاملا للنتائج.كلاهما اقتحم تلك الغرفة المظلمة (الحرب)حسب توصيف أدولف هتلر.
*****
من نكد الدنيا علينا كشف هذه الكارثة القومية الماحقة سوأتنا الجمعية؛ من تلك غياب العقل الراشد ، الحكيم الرائد ،السياسي المحنّك صاحب الكاريزما . قديما قال الاسكندر (أعطني خطيبا مفوها وخذ ألف جندي). لكننا نعايش زمن تنابلة العنف ،سماسرة ثقافة الكراهية ذئاب النهب والسلب ،أمراء الإبادة الجماعية. هؤلاء يقاتلون ليس لانهم يستطيعون صنع انتصار بل لأنه لم يعد أمامهم خيار غير الفرار من مواجهة المحاكمة أوالموت. هم يؤثرون حربا لا نهاية لها لأنهم لا يدركون قيمة الوقت . تلك القيمة شكّلت احدى ركائز انتصارات نابليون وفق وصاياه.أما هؤلاء الجهلاء يهدرون أعمار أجيال شعب بأسره. حتما لم يدركوا بعد كم كانو ا أغبياء عندما استرخصوا الحرب على تثبيت السلام الهش. كما كانوا حمقى حينما آثروا أطماعهم على الإنحياز إلى مصالح الشعب.
*****
حتما لا يزال أمامنا فرص للتعايش والعيش الكريم . فالحرب ان بدأت (فتية تسعى بزينتها لكل جهول ....تعود عجوزا غير ذات خليل ) كما يروي عمرو بن معد يكرب . تلك حتمية رهينة بذهاب أباطرة الحرب أكثر من الرهان عليهم. نعم هناك فرص حتمية لبلوغ السلام لكن ليس ثمة فرصة البتة للتسامح في حقوق الشعب والوطن.لكن ينبغي ادراك أن السلام يسبق العدالة.كذلك كما السلام ليس عملا مؤطراً يسهل تحقيقه فان انجازه لا يتم إلا في سياق وفاق جماعي . لكن التوافق الوطني لا يستلزم بالضرورة شرط الإجماع .فالسلام كالحرب له جنود ه، أنصاره ،قياداته وعتاد ه. فأي انتصار عسكري لأي من أطراف الاقتتال-إن حدث- لا يعني وصوله إلى فرض نفوذه على الساحة الوطنية.على نقيض ذلك ينبغي عليه ادراك انه سيدخل فصلا مغايراً من المواجهة مع الشعب لا تقل شراسة. إذ سيجد نفسه منبوذاً مطاردا بلعنات، مطالبات ومساءلات في شأن عمليات التدمير والتقتيل.
*****
على الساسة كذلك ادراك أنّ سوداناً جديداً يتولّد من بين أكداس عذابات الشعب ومن تحت أنقاض المدن المهشمة.فهذه الحرب الرعناء جرّفت الحقل السياسي الموروث برمته . فمن الصعب التيقن ما اذا كانت ثمة شجرة في ذلك الحقل لاتزال قابلة للحياة والإثمار. هناك بذور ، فسائل وشجيرات تنبت من تحت رماد هذه الحرب تتمتع وحدها بمقومات النمو الإخضرار والعطاء. هي وحدها ستصبح محط جهد واهتمام أنصار السلام الجدد وبناة السودان الجديد. هذه مهام لا يجرأ عليها ساسة لم يستطيعوا الوقوف على أرجلهم في وجه أمراء الحرب القذرة.كما لم يمتلكوا جرأة الخروج من العتمة بغية المجاهرة بالمواقف تحت الشمس.هذا زمن القابضين على جمر الحسم لا المتكئين على ردود الأفعال المختبئين خلف كواليس داخلية و دهاليز خارجية .ساستنا نموذج حي على مقولة هيغل(لا أحد يتعلم من التاريخ).
*****
aloomar@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
ما الذي يمكن خسارته من تشكيل حكومة مدنية موازية لحكومة بورتسودان؟
بقلم: إبراهيم سليمان
ما الذي يمكن خسارته من تشكيل حكومة مدنية موازية لحكومة بورتسودان؟
عند الحديث عن خسارة أمرٍ ما، لابد من توضيح الحساب بكافة المعطيات، ورصد الناتج والمحصلة النهائية التي لا تقبل الجدل، ورغم ذلك هنالك تقديرات، يمكن النظر إليها من زوايا مختلفة، ولا يحمد السوق إلا من ربح. وقديما قيل، "الجمرة بتحّرق واطيها" وقيل أيضا "من يده في الماء ليس كمن يده في النار"
يبدو أن حكومة بورتسودان، بقيادة الجنرال البرهان، تشمر، للتعري من ثيابها، وتستعد للخروج عن طورها، من خلال اتخاذها عدة إجراءات تعسفية، تنم عن اليأس وعدم المسؤولية الوطنية، منذ اندلاع الحرب الحالية، قطعت خدمات الاتصالات عن أقاليم غرب السودان، وحرمت مواطنين على الهوية من الأوراق الثبوتية، حظرت عليهم خدمات السجل المدني، وأخيراً عمدت الإتلاف الإجمالي للعملة والوطنية في حوالي أكثر من ثلثي أقاليم البلاد، من خلال تغيرها في مناطق سيطرة الجيش على ضآلتها، حرمان الآخرين منها، وأخراً الإصرار على إجراء امتحانات الشهادة السودانية لحوالي مائتي ألف طالب طالبة، وحرمان حوالي أربعمائة آخرين في بقية أرجاء البلاد!
بهذه الخطوات المتهورة، وغير المسؤولة، لم تترك حكومة بورتسودان، للمستهدفين من أبناء الشعب السوداني، الذين يمثلون الغالبية العظمي، سوى المضي قدماً ودون التردد أو الالتفات إلى الوراء، في المناطق التي تقع خارج سيطرة الجيش، والمحررة من عنف وظلم دولةـــ 56 لتضلع بمهام توفير الخدمات الضرورية لحياتهم اليومية والملحة لأن يعيشوا بكرامة وعدالة. وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للذين يستحقونها، بدلاً من المتاجرة فيها من قبل تجار الحرب في بورتسودان.
لماذا يدفع أبناء الولايات، التي يستهدفها الطيران الحرب لحكومة بورتسوان، وتحرمها من حقوقها الإنسانية والدستورية، تكاليف بقاء السودان موحداً؟ طالما أن هذه الحكومة غير الشرعية تدفع بعنف وإصرار لتمزيق وحدة البلاد!، وما هي قيمة الوحدة الوطنية، التي تزهق أرواح عشرات الملايين من مكونات بعينها؟ وطالما أن هنالك خمس ولايات فقط، بإدارة مواطنيها أو بغيرها، غير مباليين، بهموم وآهات بقية الإقليم، فلينفصلوا هم إن أرادوا ويتركوا الآخرين وشأنهم.
وليس هناك ما هو أغلى من أرواح الأبرياء، والحفاظ عليها، وحقن دماء أبناء الشعب السوداني مقدم على أي اعتبارات أخرى بما فيها والوحدة الوطنية القسرية. لذا نرى أن تشكيل حكومة مدنية في المناطق المحررة والتي هي الآن خارج سيطرة الجيش، وهي المناطق التي لا تعني شيئا لحكومة بورتسودان الانقلابية، ضرورة حياتية، ويعتبر التقاعس عنه، أو التردد فيه حماقة، وخذلان في حق عشرات الملايين المستهدفين، من قبل الحكومة العنصرية في بورتسودان، وجيشها القاتل.
المنوط بالحكومة المدنية المرتقبة، توفير خدمات التربية والتعليم، وخدمات السجل المدني والأوراق الثبوتية، وفتح معابر تجارية لتصدير المنتجات واسترداد كافة الضروريات المنقذة للحياة، وطباعة عملة وطنية مبرأة للذمة، استباقاً للكارثة الاقتصادية التي تلح في الأفق، ونزع الشرعية من حكومة بورتسودان التي تصر على استمرار الحرب، وترفض كافة النداءات الوطنية الدولية للجلوس للتفاوض بشأن وقف الحرب وإحلال السلام في البلاد، وتقول أنها مسعدة لمواصلة الحرب مائة عام!
وطالما أن هنالك صراع بين قوتين عسكريتين، فليكن هنالك تنازع بين حكوميتين، لتتعادل الكفتتين، وربما يسرع ذلك إيجاد حلول للحكومتين، لكن لا ينبغي أن تتوقف حياة أغلبية الشعب السوداني، من أجل خاطر الحفاظ على وحدة البلاد، التي لم يحرص عليها دعاة الحرب.
ولا نظن أن تشكيل الحكومة المدنية المرتقبة في الخرطوم، ستضر بوحدة البلاد، أكثر حرب كسر العظام الدائرة حالياً، وتأجيج نيران خطاب الكراهية الممنهجة، من دعاة دويلة النهر والبحر، الذين يعادون كافة مكونات البلاد، يرفضون المساواة بين مكوناتها!
ليس هناك ما يمكن خسارته، من تشكيل حكومة موازية مرتقبة بالخرطوم، حتى إن لم يعترف بها أحد، يكفي أن المأمول منها، فك ارتهان مصير غالبة مكونات الشعب السوداني، لمزاج ورعونة حكومة بورتسودان غير المسؤولة. ومما لا شك فيها أن الأوضاع الإنسانية في ليبيا واليمن، وحتى جمهورية أرض الصومال، أفضل ألف مرة منها في معظم أرجاء البلاد. تمزيق وحدة السودان المسؤول عنه حكومة بورتسودان بإجراءاتها التعسفية وقائد الجيش، الذي أعلن على رؤوس الأشهاد، استهداف حواضن قوات الدعم السريع، ويظل يمطرهم بالبراميل المتفجرية بشكل يومي.
وفي الحقيقة، فإن حكومة بورتسودان المعزولة دولياً، قد مزّقت وحدة البلاد فعلياً، بالتصعيد المنتظم من قبلها بشأن اتخاذ إجراءات مست جوهر قومية الدولة السودانية، وأن تشكيل الحكومة المدنية المرتقبة ما هو إلا تحصيل حاصل.
والغريق لا يخشى البلل.
ebraheemsu@gmail.com
//إقلام متّحدة ــ العدد ــ 181//