حرب السودان وإستراتيجية المصالح
تاريخ النشر: 27th, January 2024 GMT
أن الصراع من أجل الموارد ليس وليد الحرب المشتعلة الآن في السودان، انما بدأ منذ التطور الصناعي و التكنولوجي الذي بدأ في أوروبا في القرن الثامن عشر، حيث بدأت الأساطيل الأوروبية تتجه نحو القارات الجديدة للسيطرة عليها، و إغتنام مواردها البكر، و حتى الدول في القارات القديمة لم تسلم من الغزو و استغلال ثرواتها من قبل المستعمر، إلي السعي من أجل السيطرة على الممرات المائية الدولية.
أن الحرب الدائرة في السودان ألآن قد لفتت النظر إلي أن المؤامرة على السودان كبيرة، و أن الكل طامع في ثروات البلاد. أن النظرية السياسية السابقة التي كانت سائدة عند أغلبية السودانيين؛ أن العلاقات التاريخية و اللغة الواحدة و المصير المشترك، هي عناصر أساسية لبناء العلاقات الإستراتيجية، كلها أضحت شعارات زائفة لا تخدم العلاقات بين الدول، أتضح ما قاله تشرشل رئيس وزراء بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية كان صحيحا.. أن العلاقات تؤسس و تنفرط بسبب المصالح. و يجب على السودان أن يبني علاقته مع الدول وفقا لمقتضيات مصالحه أولا و ثانيا.. و العلاقات ذات الشعارات يمكن أن تكون مفيدة في لعبة كرة القدم أو في مسرح العرائس و لكن ليس في السياسة،.
أن صراع المصالح لا يقف فقط في حدود الدول، و أيضا يذهب و ينعكس على المنظمات الدولية و الإقليمية، و الدول التي تملك المال و النفوذ قادرة على شراء مواقف دول أخرى، و تحدد لها مسارها، و يظهر ذلك في الأمم المتحدة و المنظمات الإقليمية و غيرها. السؤال هل جامعة الدول العربية ما كانت تعلم أن دولة الأمارات هي التي تدعم الميليشيا بالمال و السلاح، و ترسل أسراب من الطائرات المحملة بعتاد الحرب للميليشيا؟ لماذا لم تتحرك جامعة الدول العربية و تطلب من ألأمارات وقف دعمها للميليشيا و سكتت عن ذلك؟ هل لآن دولة الأمارات هي التي تدفع جزء كبيرا من ميزانية الجامعة العربية، و بالتالي يؤدي ذلك لتعطيل قانون الجامعة للذي يدفع؟ و أيضا الإيغاد تريد وقف الحرب و جزء من دولها مشارك في الحرب بالدعم و التشوين للميليشيا. و أيضا الاتحاد الإفريقي تسيره مصالح قيادات دول تتلقى دفوعاتها تحت التربيزة. و قد فشل الاتحاد الأفريقي في مالي و النيجر و توغو و يريد أن يجرب حظه في السودان، بأموال دولة الأمارات. هل السودان لا يعلم ماذا يجري في الصفقات التي تتم من أجل إكمال المؤامرة ضد السودان؟ بل يعلم تماما الابتسامات الزائفة و الشعارات التي اصبح لا أثر لها في علاقة الدول. مصالح السودان يجب أن تحدد مع من يتعامل مستقبلا.
أن الدول ذات النفوذ السياسي و المالي تعرف كيف تحرك أدواتها من أجل الوصول إلي تحقيق مصالحها، إذا كانت الأدوات داخل البلد المعني أو في دول الجوار. و الحرب قد بينت أن السياسة الأمنية في البلاد؛ أن كانت في عهد الإنقاذ أو قبلها أو بعدها هي سياسة سالبة تحتاج لمراجعة، و هي وراء تطويل سريان الحرب في البلاد. حيث هناك ملايين الأجانب الذين دخلوا السودان و سكنوا في كل مناطق العاصمة و غيرها، و هؤلاء أصبحوا جزء فاعلا في الحرب الدائرة الآن، حيث استطاعت الميليشيا أن تجند أغلبيتهم فقط بالمال، و هؤلاء دخلوا البلاد بطرق غير شرعية، و ربما دفعوا فيها رشاوي لكي يأمنوا بقائهم في البلاد، و غايتهم أيضا الحصول على المال. أن الحرب قد لفتت النظر؛ أن البلاد ليست فقط في حاجة لمراجعة قوانينها و مؤسساتها و عاداتها و اعرافها و قيمها، بل في إصلاح الفرد نفسه كوحدة مؤسسة للمجتمع، و أن الدول ما عادت تتدخل بجيوشها للحصول على مصالحها، و لكنها تدخل من خلال الرهيفة في النسيج الاجتماعي، من خلال أصحاب المصالح الخاصة. أن الدروس المستفادة من الحرب، أن العشوائية و ألا مبالاة التي كانت تعيشها القيادات في البلاد السياسية و العسكرية و الأمنية هي التي قد أسقطت العاصمة في يد الميليشيا عند أول طلقة تطلق في العاصمة، لتكشف أن البلاد كلها تحتاج إلي مراجعة في مبادئها و مجتمعها و مؤسساتها.
أن السودان بعد الحرب: يجب أن يكون له موقفا واضحا و قوي تجاه كل المنظمات الصورية التي هو عضوا فيها، و وقفت تلك المنظمات تتفرج عليه، و هو يخوض حربا ضروسا ضد العديد من دول الجوار، و أيضا دول خارج الإقليم مثل " الأمارات و ليبيا حفتر" و سكتت منظمة جامعة الدول العربية دون أن تنطق ببنت شفاه، مثل هذه المنظمات لا فائدة منها، و هي منظمات لم تقدم أي خدمة للسودان طوال مشاركته فيها، أن مغادرتها هي التي تجعل السودان يتعامل مع الأخرين من خلال مصالحه الذاتية بعيدا عن شعارات معلقة في الهواء عشرات السنين. أن منظمة الإيغاد لا تنفع أن تتدخل في السياسة يجب أن تكون محصورة فقط عند مشاكل التصحر و محاربة اسراب الجراد. أن التدخل الذي حصل في البلاد من العديد من مؤسسات المخابرات في البلاد بعد إبريل 2019م كان أكبر كارثة في تقويض الثورة، و أيضا تدخل القوى الخارجية في الشأن السياسي الداخلي للبلاد يجب أن لا يتكرر، و حتى حركة السفراء يجب أن تحكمها اتفاقية جنيف. أن الحرب يجب أن تكون مرحلة عودة الوعي السياسي الوطني، أن تختلف القوى السياسية فيما بينها و تتصارع و تتحاور حتى تصل إلي توافق وطني، و لكن بعيدا عن أعين بصاصي الخارج، و مؤسساتهم التي لا تسعى إلا لمصالح دولها. و نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: دول الجوار فی السودان فی البلاد هی التی من خلال یجب أن من أجل
إقرأ أيضاً:
كان حاضراً في وصية الباقر العفيف الأخيرة … علم السودان بين التاريخ و السياسة متى أوان «التغيير» ؟
لقد ظل العلم السوداني القديم شاهدا على مرحلة الاستقلال و بناء الدولة الوطنية حيث حمل رمزية تعكس تنوع البلاد و وحدتها بعيدا عن الإقصاء، و اليوم تعود الدعوات لإعادة النظر في رمزية العلم الوطني مع مقترحات تستلهم قيم الوحدة و التاريخ، و كان قد دعى دكتور الباقر العفيف قبيل وفاته في وصية له لإعادة تبني العلم القديم و إضافة رمزية جديدة تعكس نضالات الشعب السوداني .
التغيير – فتح الرحمن حمودة
و على خلفية دعوة العفيف في وصيته أجرت «التغيير» استطلاع أوساط المثقفين و المهتمين من الشباب السودانيين بالهوية الوطنية حيث تباينت وجهات نظرهم حول مدى تعبيره عن التنوع الثقافي و الجغرافي للبلاد و في هذا السياق قدم الكثير منهم أراء حول رمزية العلم الحالي مقارنة بعلم الإستقلال .
و يقول موسى أدريس في حديثه لــ «التغيير» أن علم السودان القديم يشكل جزءا من الذاكرة الجغرافية و التعددية الثقافية في البلاد حيث تعكس رموزه الثلاثة بيئة السودان و تنوعه الجغرافي مؤكدا أن هذا العلم يمثل الأساس الذي يربط وجدان السودانيين مشيرا إلى أن ثورة ديسمبر أعادت إحياءه ما جعله حاضرا في وعي الأجيال الجديدة .
ويضيف إدريس أن علم الاستقلال ينبغي أن يكون العلم الرسمي للبلاد فهو رمز قوي يعالج إشكاليات الهوية كما أشار الباقر إلى جانب أنه يحمل دلالات تتجاوز التصورات الأيديولوجية الأحادية و قال “حتى النشيد الوطني برأيي يحتاج إلى تحديث يعكس قيم الحرية و السلام و العدالة بما يساهم في خلق وعي جديد يتجاوز خطاب العنف و الإقصاء”.
و كان قد أنتقد الراحل الباقر العفيف العلم الحالي معتبرا أنه يعكس فقط هوية الطبقة الحاكمة و لا يمثل التنوع الثقافي الغني للسودانيين وإن هذا الإقصاء الرمزي بحسب وجهة نظره يعكس نوايا سياسية و ثقافية تقود إلى تمزيق النسيج الوطني
و قال عبدالرحمن برومو إن اختيار ألوان العلم الحالي كان محاولة للتأسي بالأعلام العربية ما جعله جزءا من سياق سياسي مرتبط بإنضمام البلاد لجامعة الدول العربية و أضاف “إن إرتباط السودانيين بالعلم الحالي كان نتيجة لفرض واقع حيث قامت الحكومة بتغييره فأصبح مع مرور الزمن العلم الرسمي للبلاد سواء شئنا أم أبينا”.
إلا أن الشاب محمد لوكا ينظر إلى أن ارتباط السودانيين بالعلم الحالي ضعيف لأنه يمثل فترة سياسية محددة و لا يعبر عن الجميع و يوضح لـ «التغيير» أن علم الإستقلال يحمل قيمة رمزية أكبر فهو يرمز للوحدة و النضال ضد الإستعمار و المطالبة بالعودة إليه نابعة عن الرغبة في إستعادة رمز يجسد السودان بعيدا عن تأثير الحكومات المتعاقبة.
بينما يرى عبدالله بشير لـ «التغيير»” إن العلم الحالي لا يعكس التنوع الكبير في السودان بل يميل إلى الهوية الإسلاموعروبية و مع ذلك يشير بشير إلى أنه ارتبط وجدانيا بالسودانيين نتيجة التأثير الأيديولوجي و استمراره لأكثر من خمسة عقود .
و يضيف بأن علم الاستقلال يحمل رمزية أقوى فهو يعكس طبيعة السودان الكلية بخضرته و نيله و صحاريه كما أتفق مع مقترح د. الباقر بإضافة ثلاثة نجمات للعلم لترمز للبعد السياسي و المنجز الإنساني في البلاد .
و كان قد دعي الباقر للعودة إلى العلم القديم مع إضافة رمزية جديدة تبرز انجازات الشعب السوداني مقترحا وضع ثلاثة نجمات على العلم ترمز للثورات الكبرى التي قادها السودانييون عبر تاريخيهم الحديث و بهذه الإضافة يرى أنه يمكن تحقيق توازن بين البعد الجغرافي و البعد البشري ما يعكس الهوية الوطنية السودانية بصورة أوسع و أكثر شمولاً.
و يقول محمد خليل أن دعوة العفيف لطرح نقاش حول علم البلاد لفتت الانتباه إلى قضايا القومية و الهوية الوطنية و هي قضايا مفقودة فعليا و يوضح لـ «التغيير» أن العلم الحالي بالنسبة له و للكثير من السودانيين لا يحمل دلالة وجدانية حقيقية فقد اختير في سياق سياسي مرتبط بمصالح الرئيس الأسبق جعفر نميري و علاقته بجامعة الدول العربية و ليس كمحاولة لتوحيد السودانيين.
وتابع خليل “عكس العلم الحالي فإن علم الاستقلال يعكس هوية السودان الأفريقية و تاريخه النضالي و كان نموذجا ألهم تصميم أعلام العديد من الدول الأفريقية و قد تكون الحرب الحالية فرصة على الأقل لاستعادة العلم القديم كرمز مشترك يعبر عن التوجهات المختلفة .
و ينظر مصطفي سعيد إلى أن جميع الرموز الوطنية في البلاد بما فيها العلم تتأثر بالواقع السياسي و الاجتماعي و يوضح أن العلم القديم يستند إلى دلالات مرتبطة بالموارد الطبيعية مثل الماء و الأرض كما يمكن ربطه بمدرسة الغابة و الصحراء التي تعكس التنوع الجغرافي و الثقافي في البلاد .
ونوه سعيد إلى أن مسألة الهوية الوطنية كانت و لا تزال إشكالية في السودان حيث تتغيير رموز الدولة وفقاً للسلطة الحاكمة و يوضح أن العلم الحالي جاء في سياق سياسي مرتبط بالوحدة العربية لكنه يحمل دلالات معنوية عميقة و مع ذلك فأن العلم القديم يظل رمزاً للتحرر من الاستعمار ما يجعله راسخا في الذاكرة الجمعية .
و جاءت وصية د. الباقر العفيف بمثابة إضاءة عميقة على رمزية علم البلاد القديم الذي يراه بأنه يعكس الوحدة الوطنية و الهوية الجامعة للسودانيين بعيدا عن الأقصاء أو التميز ما جعله يكتب في وصيته الأخيرة رغبته في أن يلف نعشه بالعلم القديم لكونه رمزاً يمثل كافة السودانيين بثقافتهم المتنوعة .
و يعود علم السودان القديم إلى الفترة التي شهدت فيها البلاد استقلالها من الاستعمار البريطاني المصري في عام 1956 و في تلك الفترة كان اختيار العلم الوطني للبلاد بمثابة إعلان الهوية الوطنية و تجسيدا لوحدة الشعب السوداني الذي كان يتطلع إلى بناء دولته المستقلة .
و كان العلم القديم يتألف من ثلاثة ألوان مرتبة في ثلاثة أشرطة أفقية متساوية الحجم فالأزرق يمثل مياه النيل شريان الحياة الذي يمر عبر السودان و يربط جميع مناطقه، و اللون الأصفر الذي يرمز إلى الصحراء السودانية التي تغطي جزاءً كبيراً من من مساحة البلاد، و الأخضر الذي يعكس الزراعة و الخضرة التي تشكل مصدراً رئيسياً للاقتصاد السوداني.
و كان العلم القديم رمزاً لوحدة الأمة في وقت كانت فيه البلاد تعيش مرحلة انتقالية حساسة من الهيمنة الاستعمارية إلى السيادة الوطنية حتى مثل العلم تطلعات السودانيين نحو الإستقلال و النهوض ببلدهم رغم التحديات .
و في عام 1970 تم استبدال العلم القديم بالعلم الحالي الذي أقر بعد ثورة مايو حيث يتميز العلم الجديد بتصميم يعكس ايديولوجيات تلك المرحلة إذ يضم الألوان العربية ” الأحمر الأبيض الأسود و الأخضر و التي تمثل التضامن مع العالم العربي و الهوية القومية و على الرغم من مرور الزمن يظل العلم القديم جزاءً من الذاكرة الوطنية و يرمز إلى حقبة تاريخية مهمة في بناء الدولة السودانية الحديثة .
الوسومالقديم تغيير علم السودان نميري