كيفية إدارة الأزمات في الأوقات الصعبة؟!
تاريخ النشر: 27th, January 2024 GMT
د. محمد بن عوض المشيخي **
إدارة الأزمات تحتاج إلى أشخاص غير عاديين مُختارين بعناية، يتمتعون بسُمعة عالية وخبرة فريدة في مجال حل المعضلات التي أُسندت إليهم، فتقديم الحلول الواقعية والمنطقية القائمة على الدراسات العلمية والتجارب المحلية والعالمية غايةٌ أساسية للقائمين على تلك الملفات الساخنة.
والهدف الأساسي من وجود قادة مدربين لمواجهة التحديات، يتمثل في تقديم الحلول الجذرية لهذه المشكلات التي تواجه المجتمع وتشكل قلقًا وتوترًا للناس، أو على الأقل التقليل من آثار تلك المشاكل وحلحلتها والعمل على تغيير مسارها إلى الاتجاه الصحيح.
من المفارقات العجيبة أن تكشف لنا الأحداث التاريخية الكبرى في أنظمة الحكم في العالم، أنه بين كل عهد وعهد جديد هناك أزمات طاحنة تعد اختبارًا للقادة الجدد، وتكشف لنا الأيام مدى قدرتهم على إدارة شؤون الدولة، على الرغم من وجود تلك الأزمات.
والأزمة مفهوم قديم يعود أصوله التاريخية إلى الطب الإغريقي، "وتعني نقطة تحول بمعنى أنها لحظة قرار حاسمة في حياة المريض". ثم دخل المصطلح إلى العلوم الإنسانية في القرون الأخيرة للدلالة على ارتفاع درجة التوتر في العلاقات بين الدول، وكذلك يعنى في جانبه الإنساني "خلل وعدم التوازن في النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمجتمع، في ظل حالة من القلق والتوتر والشعور بالعجز"، بينما الأزمة في اللغة الصينية عبارة عن كلمتين مركبتين (Ji-Wet) الأولى بمعنى خطر، والثانية تشير إلى الفرصة التي يمكن استثمارها وتحويلها إلى مفهوم إيجابي ومكسب، بعد زوال الخطر والسيطرة على المشاكل التي سبق أن تحولت بمرور الأيام إلى أزمة حقيقة.
ولكي نتجنب حصول الأزمات والكوارث أو نقلل من آثارها على الناس، علينا دارسة وتحليل المخاطر "Risks" التي هي عبارة عن تهديدات واقعية قد تواجه الدول أو الشركات أو الأفراد في الأوقات الصعبة، وتتطلب معرفة هذه المخاطر، العمل على تشكيل فريق متخصص تسند له إعداد خطة عمل مسبقة ومتكاملة، لمواجهة الأزمات المفترضة التي قد تشكل تهديدات داخلية أو خارجية لكيان الدولة أو المجتمع. فلا شك أن المخاطر تعتبر الأرضية الخصبة لحدوث الأزمات المستقبلية.
وبشكل عام.. تعتمد استراتيجية إدارة المخاطر على استقراء المستقبل والتنبؤ بطبيعة المشاكل والمعضلات التي قد تتحول إلى أزمات وطنية وإقليمية في المستقبل القريب. وعلينا بالدرجة الأولى التعرُّف عن قرب على المشاكل والتحديات الاقتصادية والسياسية، التي تواجه المجتمع العماني وخاصة الشباب، وعلى وجه الخصوص أزمة الباحثين عن عمل التي هي في موقع الصدارة على المستوى الوطني منذ تسعينيات القرن العشرين، في غياب حلول واقعية تأخذ بعين الاعتبار كافة الأبعاد الإنسانية لهؤلاء الشباب، وإحجام أصحاب الشركات الكبيرة عن إحلال الكوادر العمانية التي تحمل شهادات عليا في الوظائف القيادية في القطاع الخاص الذي تتوفر فيه عشرات الآلاف من الفرص التي يمكن أن تحل هذه المشكلة المزمنة أو تقلل من تداعيتها على الأمن الوطني، كذلك توسيع المشاركة الاجتماعية في صنع القرار الوطني على المستوى القاعدة العريضة من مختلف أطياف الشعب العماني، وعدم الاكتفاء بالصلاحيات الممنوحة للمجالس المنتخبة مثل مجلسي الشورى والبلدي فقط، وذلك من خلال إجراء استطلاعات الرأي لفئة الشباب في مختلف محافظات السلطنة، ثم العمل على استخلاص النتائج المعبرة عن الإجماع الوطني في مختلف القضايا المستقبلية للوطن.
لا يُمكن السيطرة على أي أزمة أو حتى التقليل من آثارها الكارثية، إلّا بوجود إعلام وطني صادق يكون سندًا وليس خصمًا في إدارة الأزمات الطارئة؛ فنحن نحتاج إلى العديد من المبادئ الأساسية لكي تكون حاضرة في مثل هذه الأوقات الصعبة. ولعل الاستعداد لما هو غير متوقع أو الأسوأ من خلال خطة إعلامية واضحة المعالم تحدد ما يجب نشره من المعلومات للرأي العام تشكل حجر الأساس في السيطرة على الأوضاع والمشاكل الموجودة، كما يجب تحديث تلك الخطة باستمرار لكي تتناسب مع تطورات الأزمة المفترضة.
لا شك أن العمل الإعلامي، يجب أن ينطلق من مبادئ الصدق والشفافية والموضوعية والتوازن، لكي نكسب الجمهور. كما إن بناء جسور التعاطف مع المتضررين من تلك الأزمات أمر في منتهى الأهمية بالنسبة للقائم بالاتصال.
من هنا تأتي الحاجة لتأسيس شراكة حقيقية مع وسائل الإعلام المحلية المؤثرة، العام منها والخاص أمر في منتهى الأهمية، كما إن تكوين علاقات شراكة مع الإعلاميين وكتاب الرأي في الصحافة العمانية، ورواد وسائل التواصل الاجتماعي للاستعانة بهم في نشر المعلومات الصادقة والحقيقية والتي ترغب الجهات الرسمية توصيلها للمجتمع بأسرع وقت، بعيدًا عن الذين ينشرون الشائعات والأراجيف التي تهدف إلى نشر الفتن والتأثير على عقول الناس وتضليلهم.
وفي الختام.. إنَّ اشهار مركز متخصص في إدارة الأزمات الوطنية المختلفة، السياسية منها والاقتصادية؛ بل وحتى الكوارث الطبيعية التي أصبحت سمة هذا العصر، يجب أن يكون من ضمن أولويات الحكومة في هذه المرحلة، فيمكن الاستعانة بالخبراء والمدربين من المراكز والجامعات المتخصصة في المرحلة الأولى، وذلك لتدريب كبار المسؤولين في الدولة وكذلك القادة في الأجهزة العسكرية والأمنية، كما يمكن إعداد فريق وطني متخصص من الخبراء في مختلف المجالات لمواجهة الأخطار والأزمات التي قد تحدث في المستقبل.
لقد أجمعت الدراسات على أنَّ الحكومات التي اعتمدت على صُنّاع قرار من أصحاب الخبرة والمهارت العالية في مواجهة الأزمات ومخاطرها، نجحت في المحافظة على الأمن والاستقرار المجتمعي، وطلعت من تلك الكوارث بأقل الأضرار، بعكس الدول التي تواجه تلك المعضلات بتخبط أو ارتجال أو عشوائية؛ بعيدًا عن الاستراتيجيات الوطنية التي تعتمد على الدراسات والخبرات المُتراكِمة.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الإفتاء: أداء الحج أو العمرة لا يعفي المسلم من قضاء الصلوات الفائتة
قال الدكتور محمد وسام، مدير إدارة الفتوى المكتوبة بدار الإفتاء المصرية، خلال صفحة الدار الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إن أداء الشخص للحج أو العمرة لا يعفيه من قضاء الصلوات الفائتة التي لم يؤدها خلال حياته.
وأضاف الدكتور محمد وسام أن الصلوات الفائتة تعتبر دَينًا على العبد المسلم، ويجب عليه أداؤها بجانب الصلوات الحاضرة مثل قضاء ظهر فائت مع صلاة الظهر الحاضرة.
مراعاة الترتيب عند قضاء الصلوات الفائتةقالت دار الإفتاء المصرية إن الشافعية والمالكية ذهبوا إلى أن الترتيب في الصلوات بين فريضة الوقت والمقضية مستحبٌّ وليس واجبًا، كما أن المالكية قالوا إن صلاة من أدى الفريضة قبل الفائتة صحيحة وإن كان آثمًا، ومن المعلوم أن الإثم يرتفع أيضًا عند عدم الاستطاعة.
وأكدت الإفتاء على أنه لا يجوز للمصلي تعمدُ إخراج الصلاة عن وقتها، ولكن في مسألة الفريضة والصلاة الفائتة يمكن للمسلم أداء صلاة المغرب قبل صلاتي الظهر والعصر، وورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ»، قال ابن عباس: أراد أن لا يُحرِج أحدًا من أمَّته. رواه مسلم في "صحيحه".
حكم قضاء الصلوات الفائتة في أوقات الكراهة
وأكدت دار الإفتاء أنه يجوز شرعًا قضاء الصلوات الفائتة من الفرائض في جميع الأوقات بما في ذلك أوقات الكراهة التي نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة فيها، وذلك من غير كراهة على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.
المقصود بأوقات الكراهة
وأوضحت الإفتاء المقصود بأوقاتِ الكراهة، وهى الأوقاتُ التي يُكرَه فيها الصلاة، وهي خمسة أوقات على خلافٍ بين الفقهاء في عَدِّها، ما بَعَدَ صلاة الصبح حتى تَطْلُع الشمس، وعند طُلُوعِها حتى تَتَكامل وترتفع قَدْر رُمْحٍ، وإذا استوت الشمس حتى تَزول، وبعد صلاة العصر حتى تغْرُب الشمس، وعند الغروب حتى يتكامل غروبها. ينظر: "الاختيار" لابن مودود الموصلي (1/ 40، ط. مطبعة الحلبي)، و"شرح الخرشي على المختصر" (1/ 224، ط. دار الفكر)، و"روضة الطالبين" للنووي (2/ 85، ط. دار المكتب الإسلامي)، و"المغني" لابن قدامة (2/ 80، ط. مكتبة القاهرة).
حكم قضاء الصلاة الفائتة في أوقات الكراهة
واختلف الفقهاءُ في حكمِ قضاء الصلاة الفائتة في هذه الأوقات على قولين: فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنَّ ذلك يجوز من غير كراهةٍ.
قال العلامة الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 263-264، ط. دار الفكر): [قضاءُ الفَوَائت.. (وَجَبَ) فورًا (قضاء) صلاةٍ (فائتةٍ) على نحو ما فاتَتْهُ من سَفَرِيَّةٍ وحَضَرِيَّةٍ وسريَّةٍ وجهريةٍ.. (مُطلقًا) ولو وَقتَ طلوع شمسٍ وغروبها وخطبة جمعةٍ سفرًا وحضرًا صحةً ومرضًا] اهـ.
وقال العلامة الدسوقي مُحشِّيًا على قوله: (مطلقًا): [(قوله مطلقًا) مرتبطٌ في المعنى بقوله: قضاءً، وبقوله: فائتةٍ؛ فهو حالٌ من أحدهما ومحذوفٌ مِثْلُهُ من الآخَر، والمعنى: حالةَ كون القضاء مطلقًا؛ أي: في جميع الأوقات ولو وقتَ طلوع الشمس، ووقت غروبها، ووقت خطبة الجمعة، وزَمَنَ السفر والحضر والصحة والمرض، وحالة كون الفائتة فاتَت مُطلقًا؛ أي: عمدًا أو سهوًا تحقيقًا أو ظنًّا أو شَكًّا لا وهمًا] اهـ.
وقال الإمام النوويّ في "الروضة" (1/ 192-193، ط. المكتب الإسلامي) بعد ذِكْرِه أوقات النهي: [النهيُ والكراهة في هذه الأوقات إنما هو في صلاة ليس لها سَبَبٌ، فأمَّا ما لها سببٌ فلا كراهة، والمراد بقولهم: صلاةٌ لها سبب، أي: سبب مُتَقدِّمٌ على هذه الأوقات، أو مُقَارِنٌ لها، والتي لا سببَ لها هي التي ليس لها سببٌ مُتقدمٌ ولا مُقارِنٌ، وقد يُفَسَّرُ قولهم: لا سبب لها، بأنَّ الشارع لم يَخُصَّهَا بوضعٍ وشَرْعِيَّةٍ، بل هي التي يأتي بها الإنسان ابتداءً، فمن ذَواتِ الأسبابِ الفائتةُ، فإنه يجوز في هذه الأوقات قضاء الفرائض والسنن والنوافل التي اتخذَها الإنسان وِرْدًا له، وتجوز صلاة الجنازة وسجود التلاوة وسجود الشكر وركعتا الطواف وصلاة الكسوف، ولو تَطَهَّرَ في هذه الأوقات صلى ركعتين، ولا تُكره صلاة الاستسقاء فيها على الأصح] اهـ.
ويرى الحنفية أَنَّ قضاءَ الصلوات الفوائت لا يجوز في أوقات الكراهة؛ قال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (1/ 246، ط. دار الكتب العلمية): [وأما شرائطُ جواز القضاء فجميعُ ما ذكرنا أنه شرطُ جواز الأداء فهو شرطُ جواز القضاء إلا الوقتَ؛ فإنه ليس للقضاء وقتٌ معينٌ، بل جميعُ الأوقات وقتٌ له إلا ثلاثةً، وقتَ طُلوعِ الشمس ووقتَ الزَّوَال ووقتَ الغروب؛ فإنه لا يجوز القضاء في هذه الأوقات؛ لما مَرَّ أنَّ من شأْنِ القضاء أن يكون مثلَ الفائت، والصلاة في هذه الأوقات تَقعُ ناقصةً، والواجب في ذِمَّتِهِ كاملٌ، فلا يَنُوبُ الناقص عنه، وهذا عندنا] اهـ.
والذي نفتي به هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أَنَّ صلاة الفوائت في جميع أوقات الكراهة جائزٌ بلا كراهة؛ لما جاء من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلَاةِ، أَوْ غَفَلَ عَنْهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا»، فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةِ لِذِكْرِي﴾ [طه: 14]. رواه مسلم.