السودان الأرض الضائعة
تاريخ النشر: 27th, January 2024 GMT
راشد بن حميد الراشدي **
أتون حرب مشتعلة تدور رحاها في السودان الشقيق، مُهددة بضياع الأرض وضياع جميع أطر الحياة وجميع الأعراف الإنسانية، وبقي السودان أرضًا تنتشر فيها جثث ملقاة على قارعة الطرقات.
تصفية عرقية ممنهجة لكل من يرفع صوته أو يعترض بكلمة حق، فلقد حرقوا الأخضر واليابس وقتلوا النساء والأطفال والشيوخ وهجروا أصحاب مدن بأكملها من مدنهم وبيوتهم وقتلوا شبابهم بلا رحمة بل مثلوا بجثثهم.
زرعوا القلاقل والفتن وباتوا على طحن السودان في حقدهم وصفاتهم النتنة التي لا يرتكبها سوى فاجر مختل.
مئات الآلاف من النازحين يرزحون تحت حياة صعبة، فقدوا فيها أولادهم ومالهم وأرضهم وبيوتهم وفروا بأرواحهم إلى حيث رمى بهم القدر في مأساة إنسانية عربية أخرى مع صمت مُطبق من العالم بأكمله، فلا أمم متحدة تعرفهم، ولا جامعة عربية تدعمهم، ولا لجان حقوق إنسان؛ حيث يعرف الكثيرون بحال السودان وما يحدث فيه من سحق لكل سوداني شريف لا يحلم سوى بالعيش الكريم في بلاده ولكن العالم تركهم يواجهون مصيرهم المحتوم من قتلة وسفكة دماء.
غزة تستصرخ الجميع والسودان يستصرخ الجميع، فهل من مُغيث لوطنين عربيين تطاولت عليهما أيادي الظالمين العابثين قبل فوات الأوان وقد فات بآلاف من قتلوا وسحقوا في حروب غير متكافئة.
سقوط السودان هو سقوط معقل من معاقل العرب والمسلمين وسقوطنا في ديننا وأخلاقنا وإنسانيتنا وكل ما نعيشه اليوم هي خطط ممنهجة للقضاء على أقطار الإسلام وهدم قلاعه الباسلة بخبث التنفيذ الذي تقوم به مليشيات مأجورة قاتلها الله.
اليوم أناشد شرفاء الأمة أن يناصروا إخوانهم وأن تعود أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى رشدها وأدعو كذلك جميع الدول الشريفة لإنقاذ السودان وأهله، فقد بلغ السيل الزُبى، وبلغت القلوب الحناجر وصحائف التاريخ تكتب ولن ترحم في عدم إنقاذ أرواح العزل المدنيين التي أزهقتها فصائل الدمار والخراب في السودان الحبيب.
تبًا لمن تعمد هذه الحروب الممنهجة في وقت ضاعت فيه أمة الإسلام والعروبة في شهواتها وملذاتها مع انفجار شلالات الدم في أقطارها وليبقَ التاريخ شاهداً على وهن الأمة واستسلامها وانقيادها لحزب الشيطان فقد أهلكت السودان وطُمست وأصبحت أرضاً ضائعة، كما ضاعت فلسطين من عشرات السنين، فهل من مُنقذ وهل من مخرج نستفيق معه من سبات عميق وظلام دامس، فعساه قريب.
** عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: ليلة النصف من شعبان عظيمة وتحويل القبلة حدث تاريخي في الإسلام
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن في هذا الشهر الكريم ليلة عظيمة هى ليلة النصف من شعبان , عظَّم النبي ﷺ شأنها فقال: "إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن " [ابن ماجه وابن حبان].
وأضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، انه قد ورد في فضل تلك الليلة أحاديث ، بعضها مقبول وبعضها ضعيف, غير أن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال, ولذلك يحرص الصالحون على قيام ليلها وصيام نهارها.
وفي شعبان تم تحويل القبلة, وهو حدث عظيم في تاريخ الأمة الإسلامية, كان تحويل القبلة في البداية من الكعبة إلى المسجد الأقصى لحكمة تربوية ، وهي تقوية إيمان المؤمنين وتنقية نفوسهم من شوائب الجاهلية ، كما قال تعالى : (وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) . فقد كان العرب قبل الإسلام يعظمون البيت الحرام ويمجدونه، ولأن هدف الإسلام هو تعبيد الناس لله وتنقية قلوبهم من التعلق بغير الله , فقد اختار لهم التوجه إلى المسجد الأقصى ليخلص نفوسهم ويطهر قلوبهم من رواسب الجاهلية, وليظهر من يتبع الرسول اتباعًا صادقًا عن اقتناع وتسليم, ممن ينقلب على عقبيه ويتعلق قلبه بدعاوى الجاهلية .
وبعد أن استتب الأمر لدولة الإسلام في المدينة, صدر الأمر الإلهي الكريم بالاتجاه إلى المسجد الحرام, وهذا التحويل ليس تقليلاً من شأن المسجد الأقصى , بل هو ربط لقلوب المسلمين بحقيقة الإسلام, فقد رفع سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل قواعد هذا البيت العتيق ليكون خالصًا لله, وليكون قبلة للإسلام والمسلمين, وليؤكد أن دين الأنبياء جميعا هو الإسلام. قال تعالى : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ) .
وقد أكد تحويل القبلة الرابطة الوثيقة بين المسجدين. فإذا كانت رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى قد قطع فيها مسافة زمانية , فإن تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام رحلة تعبدية, الغرض منها التوجه إلى الله تعالى دون قطع مسافات, إذ لا مسافة بين الخالق والمخلوق. قال تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ).
وعندما يتجه الإنسان من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، فهو يعود إلى أصل القبلة ، كما قال تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ). فهي دائرة بدأت بآدم مرورًا بإبراهيم حتى عيسى عليهم السلام, ولكنها اكتملت بالرسول الخاتم ﷺ ، فقد أخره الله ليقدمه, فهو وإن تأخر في الزمان فقد تحقق على يديه الكمال.
وقد كرم الله نبيه ﷺ في هذه الليلة بأن طيب خاطره بتحويل القبلة ، والاستجابة لهوى رسول الله ﷺ ، قال تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) .
وجاء تحويل القبلة أيضًا لتقر عين الرسول ﷺ ، فقلبه معلقًا بمكة, يمتلئ شوقًا وحنينًا إليها, إذ هي أحب البلاد إليه. وقد أخرجه قومه واضطروه إلى الهجرة إلى المدينة المنورة التي شرفت بمقامه الشريف. فخرج من بين ظهرانيهم ووقف على مشارف مكة المكرمة قائلا: "والله إنك لخير أرض الله وأحب الأرض إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت" (رواه الترمذي) .
وبعد أن استقر ﷺ بالمدينة المنورة, ظل متعلقًا بمكة المكرمة ، فأرضاه الله عز وجل بأن جعل القبلة إلى البيت الحرام. فكانت الإقامة بالمدينة والتوجه إلى مكة في كل صلاة, ليرتبط عميق الإيمان بحب الأوطان.