الولايات المتحدة وإريتريا.. من صناعة الدولة المنبوذة إلى سياسة الاحتواء
تاريخ النشر: 27th, January 2024 GMT
في خضم أحداث مضطربة يشهدها القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر، بدأ منحنى جديد في العلاقات الأميركية الإريترية بالظهور مع إصدار واشنطن إستراتيجية قُطرية جديدة تجاه إريتريا.
ترسم الوثيقة الصادرة في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 ملامح تغيرات في المقاربة الأميركية تجاه بلد لطالما ناصبته العداء، حيث نصّت على أن عملية السلام الإثيوبية وخفض أسمرة حضورها العسكري في جارتها الكبرى، يوفران "فرصة لإعادة تشكيل العلاقات الثنائية مع إريتريا إلى نهاية أكثر إنتاجية".
مضيفة أن سفارة واشنطن في أسمرة ستسعى إلى فتح خطوط اتصال لإقامة قواسم مشتركة تخدم مصالح شعبي البلدين، وللاستماع إلى وجهات النظر الإريترية حول القضايا الإقليمية والدولية.
وفي إشارة إلى التنافس الأميركي مع الصين ورغبة الولايات المتحدة في تعزيز العلاقات مع إريتريا من بوابة التجارة، وضحت الوثيقة أن لبكين استثمارات كبيرة في إريتريا، لكن بالنظر إلى تنوع مجالات الاستثمار في الدولة الواقعة شرقي أفريقيا، فإن واشنطن تتمتع بوضع تنافسي أفضل قياسا بالصين.
ربيع قصيرلطالما اتسمت العلاقات الأميركية الإريترية بالتقلب المستمر، حيث مثلت السنوات بين 1993 و2000 ربيعها الذي ترافق مع إستراتيجية الرئيس الأسبق بيل كلنتون لدعم من وُصفوا "بالقادة الأفارقة الجدد"، في إشارة إلى زعماء إريتريا وإثيوبيا وأوغندا ورواندا.
وفي مقال نشرته نيويورك تايمز ربط الصحفي الأميركي جيمس ماكينلي جونيور تبني بلاده للقادة الأربعة بالرغبة في مواجهة الأصولية الإسلامية التي تهدد مصالح واشنطن، التي كان يمثلها في حينه نظام الإنقاذ في السودان.
ووفق هذه الرؤية شهدت تلك المرحلة تنسيقا أميركيا إريتريا عالي المستوى، تضمن دعم واشنطن جهود أسمرة لإسقاط نظام الرئيس السابق عمر البشير في منتصف تسعينيات القرن الماضي، عقب توجيهها إصبع الاتهام إليه بمساندة معارضين إريتريين إسلاميين، وفقا لما أورده البروفيسور في العلاقات الدولية بجامعة برمنغهام جوناثان فيشر.
عداء وعقوبات
غير أن الحرب الحدودية الإثيوبية الإريترية 1998-2000 وتداعياتها شكلت فاتحة مرحلة جديدة بين البلدين، إذ اتهمت أسمرة واشنطن بالانحياز إلى أديس أبابا، مما أدى إلى تصاعد التوتر بين الطرفين، وصولا إلى اتهام الولايات المتحدة لإريتريا بدعم حركة الشباب المجاهدين في الصومال في 2008.
في العام التالي حشدت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما جهودها لفرض العقوبات على أسمرة في مجلس الأمن الدولي، ما أسفر عن القرار 1907، كما دعمت واشنطن تبني مجلس حقوق الإنسان الأممي بجنيف قرار إنشاء مقرر خاص بإريتريا في 2012، في سياق ما وصفه البروفيسور مايكل ولدي ماريام بـ"صناعة الدولة المنبوذة".
هذا التصاعد العدائي أدى إلى تحول الرئيس الإريتري أسياس أفورقي إلى أحد أبرز الناقدين الأفارقة للسياسة الأميركية في القارة، وإلى مبشر بنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، متهما واشنطن بالعمل مع إثيوبيا لاستهداف استقلال بلاده منذ أربعينيات القرن الماضي.
من الاحتواء إلى العداءفي مواجهة هذه الضغوط عملت أسمرة على تقوية علاقاتها بخصوم واشنطن، وعلى رأسهم طهران وبكين وموسكو، حيث قرعت أجراس الخطر في أروقة صناعة القرار الأميركية جراء تطور العلاقات الإريترية الإيرانية، وتمدد طهران داخل بيئة البحر الأحمر من خلال الحوثيين، وترسيخ بكين نفوذها الجيوسياسي في جيبوتي.
ووفقا لتحليل منشور على موقع مركز راند الأميركي، فإن تنافس واشنطن مع القوى الدولية كان أولوية بارزة في إستراتيجية إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب تجاه أفريقيا الصادرة 2018، بعد عام من إنشاء الصين قاعدتها العسكرية في جيبوتي، واقتراب تسليم الأخيرة ميناء دوراليه الإستراتيجي للشركات الصينية.
أدت الإستراتيجية المذكورة إلى تشجيع التقارب الإريتري الإثيوبي، الذي دعم بدوره التحسن المطرد في العلاقات الثنائية بين واشنطن وأسمرة، ما مثّل محاولة لاحتواء الأخيرة من خلال عملية سلام مدعومة من حلفاء واشنطن في المنطقة.
غير أن العامل الإثيوبي برز من جديد محفزا للعلاقات العدائية الإريترية الأميركية، حيث أدانت واشنطن مشاركة أسمرة المحورية في حرب التيغراي (2020-2022)، وطالبتها بسحب قواتها من إثيوبيا، وفرضت عليها عقوبات شملت الحزب الحاكم والمؤسسة العسكرية في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
أمن البحر الأحمر
ورغم أن الإستراتيجية الجديدة الصادرة في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 لم تلغ العقوبات المذكورة، فقد حملت توجهات إيجابية مغايرة، تبدو أكثر وضوحا عند النظر إلى بعض التعديلات التي تمت على نسختها الأصلية الصادرة في مايو/أيار 2022.
وحُذف في النسخة المحدثة ما وُصِف سابقا بأنه هدف الإستراتيجية الأميركية الأساس، والمتمثل في "تنمية الجيل القادم في إريتريا، والاستعداد لمرحلة ما بعد الرئيس الإريتري أسياس أفورقي".
قصر الفترة الزمنية بين موعد صدور النسختين التي لا تتجاوز عاما وبضعة أشهر، يدعو إلى التساؤل عن التغيرات الدافعة نحو هذه التعديلات الكبيرة، ولا سيما أن موقع وزارة الخارجية الأميركية ينص على أن الإستراتيجية القُطرية توضح أولويات واشنطن تجاه الدولة المعنية لمدة 4 سنوات.
في هذا السياق تمثل معالجة الاضطراب الأمني في منطقة جنوب البحر الأحمر أولوية للإدارة الأميركية في المرحلة الحالية، حيث أدى استهداف الحوثيين في اليمن للمصالح الإسرائيلية في منطقة باب المندب، إلى تداعيات هددت سلاسل الشحن والتوريد.
وألقت تلك الاضطرابات بظلالها على الاقتصاد العالمي، الذي ازداد فيه الاعتماد على النقل البحري خلال السنوات الماضية بنسبة تفوق 400%، وفقا لأشرف كشك مدير برنامج الدراسات الإستراتيجية والدولية بمركز "دراسات" بالبحرين.
وتبرز إستراتيجية واشنطن الجديدة تجاه إريتريا كمحاولة لمنع تحول باب المندب إلى منطقة معادية للمصالح الأميركية، حيث تمتلك إريتريا بإطلالتها على الضفة الغربية للممر الحساس أهمية أمنية بالغة الخطورة، في حين راجت سابقا أنباء تتهمها بتمرير أسلحة إيرانية للحوثيين في اليمن، وهو ما نفته أسمرة.
قطع الطريق على طهران
وبالنظر إلى المخاوف من تدهور الأوضاع في المنطقة إلى حرب إقليمية نتيجة استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، فإن الخطوة الأميركية تمثل جهدا استباقيا للحيلولة دون استعادة طهران وأسمرة الدفء في علاقاتهما، التي أصابها الفتور منذ منح الأخيرة الإمارات قاعدة عسكرية لمهاجمة اليمن، ضمن مشاركتها في عاصفة الحزم في 2015.
وتشكل التهديدات الأميركية المستمرة لكل من إريتريا وإيران وتحالف الدولتين مع موسكو وبكين أرضية مشتركة لتنشيط علاقاتهما، في حين تبدو طهران منفتحة على العودة إلى المنطقة، حيث نشرت بلومبيرغ تقريرا عن تقديم إيران دعما للجيش السوداني بطائرات مسيرة.
تراجع سياسة الضغوطمن جانب آخر تبدو إريتريا ضمن حالة السيولة الأمنية التي تعمّ القرن الأفريقي الكبير أشبه ما تكون بجزيرة وحيدة مستقرة، وسط حروب داخلية تهدد كلا من إثيوبيا والسودان بالتفتت والانهيار.
يضاف لذلك تصاعد ملحوظ لنشاط حركة الشباب في الصومال في السنوات الأخيرة، حوّلها من خطر محلي إلى مهدد إقليمي، كما تشهد المنطقة توترا غير مسبوق بين إثيوبيا والصومال، منذرا بانفجار صراع عسكري بين الطرفين.
هذا الواقع يدعو الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في مقاربتها تجاه أسمرة، حيث لم تفلح سياسة العصا الغليظة والعقوبات في الضغط على إريتريا، التي تمتلك العديد من الأوراق المؤثرة في ساحات الإقليم الملتهبة، ما ظهر في أجلى صوره ضمن مشاركتها الحاسمة في حرب التيغراي بإثيوبيا.
محاولة الاحتواء ضمن ترتيبات إقليمية أميركية جديدة بدت واضحة في ترحيب الإستراتيجية المحدّثة بخطوات عدة اتخذتها أسمرة في 2023، كتطوير علاقاتها بكينيا التي تمثّل أحد أهم حلفاء واشنطن في المنطقة، وكذلك قرارها بالعودة إلى منظمة "إيغاد" بعد أن علَّقت عضويتها فيها منذ 2007.
توجّه واشنطن الجديد أبرزته إستراتيجيتها التي وضعت على رأس أهدافها دعم السلام والأمن الإقليميين، بما يتضمنه من تشجيع إريتريا على دعم المبادرات العالمية ذات القواسم المشتركة مع الولايات المتحدة، وتعزيز الدعم الإيجابي للحكومة الإريترية لمبادرات السلام والأمن التي تقودها المنطقة.
إبعاد الشبح الصيني الروسي
في ظل توتر العلاقات الأميركية مع أسمرة على خلفية الموقف من حرب التيغراي، شهدت روابط إريتريا مع كل من موسكو وبكين نقلات واضحة.
ففي فبراير/شباط 2021 صرح السفير الإريتري في موسكو بترحيب بلاده ببناء مركز "لوجيستي" روسي على شواطئها، كما كانت إريتريا الدولة الأفريقية الوحيدة التي صوّتت ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يطالب روسيا بسحب قواتها من أوكرانيا في أبريل/نيسان 2022.
كما وقّعت الخارجية الإريترية في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 على مذكرة تفاهم مع بكين للانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق، ما يضمن للصين منفذا إلى البحر الأحمر وقناة السويس.
وفي هذا السياق تمثل خطوة واشنطن الجديدة جهدا أميركيا لكبح تسارع العلاقات الإريترية مع الصين وروسيا، ومحاولة لحصار منافستيها اللتين شهد نفوذهما في أفريقيا تمددا كبيرا من خلال سياسة القروض الصينية، ونشاط مجموعة فاغنر الأمنية، في مناطق مختلفة من القارة.
تجسير الهوةصدور الإستراتيجية الأميركية الجديدة قابله صمت إريتري رسمي مطبق، في حين رحبت حسابات الموالين للنظام الإريتري بها كونها انتصارا للسياسة التي اتبعها.
في المقابل يبدو نجاح هذه الإستراتيجية في إخراج البلدين من مربع العداء مرهونا بقدرتهما على تجسير هُوّة عدم الثقة، وهو ما لا يبدو مهمة سهلة بالنظر إلى الصبغة العدائية، التي وسمت علاقاتهما طوال مدة تزيد على العقدين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: نوفمبر تشرین الثانی الولایات المتحدة البحر الأحمر
إقرأ أيضاً:
قصة حزينة لطالب فلسطيني وصل لآخر خطوات الجنسية الأميركية ثم اعتُقل
حمل محسن مهداوي ابن الضفة الغربية أوراقه وتوجه إلى مكتب الهجرة في وايت ريفر بولاية فيرمونت الأميركية آملا نيل الجنسية التي انتظرها 10 سنوات، لكن ما وجده بانتظاره كان خارج توقعاته وربما خارج المنطق.
لقد كانت المقابلة -التي كانت مقررة لمهداوي مع مكتب الهجرة- الخطوة الأخيرة في طريقه الطويل للحصول على الجنسية، بعد أن امتلك قبل 10 سنوات البطاقة الخضراء التي تعني إقامة شرعية دائمة في الولايات المتحدة.
وراجع الشاب الفلسطيني أوراقه جيدا وتأكد من اكتمالها، وظن أنه حاصل لا محالة على جنسية أكبر دولة في العالم لينهي سنوات من الشتات الذي نكب به الاحتلال الإسرائيلي ملايين من أبناء فلسطين، لكن تبين أنه لم يدرك ما جرى في نهر الهجرة مؤخرا من مياه جديدة وآسنة في آن.
ووصل مهداوي إلى المقر لكنه لم يجد موظفين يراجعون أوراقه ويعتمدون خطوته الأخيرة للحصول على الجنسية، وإنما وجد ما لم يكن في الحسبان.
EXCLUSIVE FOOTAGE: Columbia student and Palestinian Mohsen Madawi was just arrested during a visit to the immigration office here in Colchester, VT. More to follow. Footage by: Christopher Helali pic.twitter.com/I9JvPS2DLn
— Christopher Helali (@ChrisHelali) April 14, 2025
إعلانمسلحون يرتدون ملابس مدنية، ووجوههم مغطاة، كانوا بانتظار مهداوي، وسرعان ما قيدوا يديه بالأصفاد، ليتحول إلى معتقل على يد من قالت الأخبار إنهم عملاء لإدارة الهجرة والجمارك.
ولم يخرج مهداوي من المكتب بالجواز الأميركي الذي انتظره طويلا، ولم يعد إلى منزله، وإنما خرج مقيدا إلى سيارة الشرطة التي نقلته من رحابة الآمال إلى ضيق المعتقل، في اللحظة التي كان يظن فيها أن الحياة ربما ابتسمت له أخيرا.
قبل 140 عاما، وصل تمثال الحرية -الذي صممه النحات الفرنسي أوغوست بارتولدي- إلى نيويورك هدية من الجمهورية الفرنسية الثالثة إلى الولايات المتحدة بالذكرى المئوية لاستقلالها، وتم تخزينه في قطع حتى الانتهاء من بناء قاعدة له، ثم افتتحه الرئيس الأميركي غروفر كليفلاند في 28 أكتوبر/تشرين الأول 1886.
وفي عام 1924 تم تصنيف تمثال الحرية كأثر وطني وتراث قومي للولايات المتحدة، الدولة العظمى التي قامت على أكتاف مهاجرين قدم معظمهم من أوروبا وبقيتهم من مختلف أنحاء العالم.
وتطلق الولايات المتحدة على التمثال اسم "الحرية تنير العالم" وتعتبره رمزا للحرية والديمقراطية، وهو يجسد سيدة على هيئة رومانية باللون الأخضر وقد تحررت من قيود الاستبداد، وتمسك في يدها اليمنى مشعلا يرمز إلى الحرية، وفي يدها اليسرى كتابا نقش عليه بأحرف لاتينية "4 يوليو 1776″ وهو تاريخ إعلان استقلال الولايات المتحدة، وتضع على رأسها تاجا يرمز إلى البحار السبعة أو القارات السبع في العالم.
التمثال والجزيرة التي أقيم عليها وتحمل أيضا نفس الاسم (جزيرة الحرية) باتا مزارا يقصده أكثر من 3 ملايين شخص سنويا، كما أصبح تمثال الحرية فكرة ورمزا للحرية تم استنساخه في عدة بلدان من بينها فرنسا وألمانيا وإيطاليا والنمسا واليابان.
على قاعدة التمثال تم حفر أبيات للشاعرة الأميركية إيما لازاروس، تقول:
هنا عند بواباتنا التي يغمرها البحر
ستقف امرأة جبارة مع شعلتها
اسمها أم المنفيين، وفي يدها منارة ترحب بالقادمين
وتقول بشفتيها الصامتة هات المتعبين، والفقراء
والجموع التواقة لنسمات الحرية
أرسل هؤلاء المشردين إلي
فأنا أرفع مصباحي بجانب الباب الذهبي
مهداوي كان أحد هؤلاء المنفيين المؤملين في الترحيب والتواقين لنسمات الحرية، ولد في مخيم للاجئين بالضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 بعدما احتلت قبلها معظم أراضي فلسطين في النكبة التي لحقت بالعرب عام 1948 عندما فشلت جيوشهم في التصدي للعصابات الصهيونية التي كانت قد تمددت على أرض فلسطين بدعم من قوى عالمية تتقدمها بريطانيا.
وبعد 3 أرباع قرن من الاحتلال الإسرائيلي، بات نصف الفلسطينيين -المقدر عددهم بنحو 15 مليون نسمة- يعيشون في الشتات حول العالم، يحلمون بالعودة إلى وطنهم، ويسعون ما استطاعوا إلى سبل العيش الكريم حتى تأتي ساعة تحقيق الحلم ولو بعد حين.
إعلانويتحدث التقرير الصادر عن الجهاز الفلسطيني للإحصاء -العام الماضي- عن نحو 7.6 ملايين فلسطيني يعيشون في الشتات منهم نحو 6.4 ملايين في الدول العربية.
أما في الولايات المتحدة خصوصا فتذهب معظم التقديرات إلى وجود نحو ربع مليون فلسطيني.
مهداوي كان يريد اللحاق بهؤلاء، والتزم بالمسار القانوني الذي تحدده السلطات، بالتزامن مع مواصلة دراسته في جامعة كولومبيا التي كان يتوقع أن يتخرج منها الشهر المقبل، ثم يواصل الدراسة في مرحلة الماجستير ابتداء من الخريف المقبل.
ولعل هذا الشاب الفلسطيني المهاجر كان يعد الأيام يوما بعد يوم، حتى جاءت الخطوة الأخيرة أو هكذا ظن، قبل الحصول على الجواز الأميركي، لكن الحلم تحول إلى كابوس.
إجراءات ترامبالأشهر الأخيرة شهدت حدثا فارقا بالنسبة لكل المهاجرين، وهو عودة دونالد ترامب مجددا إلى البيت الأبيض، وما يعنيه ذلك من معاودة "الحرب" التي شنها في ولايته الأولى على المهاجرين، رغم أن هذه الدولة العظمي نشأت وترعرعت على يد مهاجرين.
وقد تمثل التطور الآخر في "حرب" أخرى تشنها الإدارة الأميركية على طلاب الجامعات الذين تظاهروا دعما للحقوق الفلسطينية، والتي تمثلت في إجراءات من قبيل إلغاء الإقامات وسحب التأشيرات، ووصلت إلى حد الاعتقال.
وصرح مسؤولو إدارة ترامب بأن حاملي تأشيرات الطلاب معرضون للترحيل بسبب دعمهم للفلسطينيين وانتقادهم لسلوك إسرائيل في حرب غزة، واصفين أفعالهم بأنها تهديد للسياسة الخارجية الأميركية. بينما وصف منتقدو ترامب هذه الإجراءات بأنها اعتداء على حقوق حرية التعبير بموجب التعديل الأول للدستور الأميركي.
ويقول محامو مهداوي بعد ساعات من اعتقاله إنهم لا يعرفون مكانه، وإنهم قدموا عريضة إلى محكمة اتحادية يطلبون فيها أمرا يمنع الحكومة من إبعاده من الولاية أو من الولايات المتحدة.
وتقول المحامية لونا دروبي في رسالة بالبريد الإلكتروني إن "إدارة ترامب اعتقلت مهداوي للانتقام المباشر منه بسبب دفاعه عن الفلسطينيين وبسبب هويته الفلسطينية. إن اعتقاله محاولة لإسكات أولئك الذين يتحدثون عن الفظائع في غزة. كما أنه غير دستوري".
إعلانوأضافت المحامية: "لقد جاء إلى هذا البلد أملاً في أن تكون لديه الحرية للتحدث عن الفظائع التي شاهدها، لكنه يعاقب على ذلك".
وجاءت الاستجابة سريعا من القضاء، حيث أمر قاضي المحكمة الجزئية (وليام سيشنز) الرئيسَ ومسؤولين كبارا آخرين بعدم ترحيل مهداوي من الولايات المتحدة أو إخراجه من ولاية فيرمونت، وذلك حسب وكالة رويترز للأنباء التي أشارت إلى أن مسؤوي هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك لم يردوا على طلبها للحصول على معلومات.
لا إنسانيوانضم مشرعون أميركيون إلى انتقاد ما جرى للشاب الفلسطيني، حيث وصف السيناتور بيرني ساندرز وآخرون من وفد فيرمونت في الكونغرس احتجاز مهداوي بأنه "غير أخلاقي ولا إنساني وغير قانوني" قائلين إنه يجب توفير الإجراءات القانونية الواجبة للمقيم القانوني بالولايات المتحدة والإفراج عنه فورا.
وقالوا "دخل مهداوي مكتب الهجرة لما كان يفترض أن يكون الخطوة الأخيرة في إجراءات منحه الجنسية. لكن بدلا من ذلك، ألقي أفراد مسلحون بملابس مدنية ووجوههم مغطاة القبض عليه واقتادوه مكبل اليدين".
كما حمل السيناتور الديموقراطي كريس فان هولين بشدة على ما قامت به السلطات الأميركية، وقال إن اعتقال الطلبة الأجانب هو منع لأي انتقاد لحكومة بنيامين نتنياهو (في إسرائيل) وهو ما يُمثل انتهاكًا للتعديل الأول للدستور الأميركي.
ووسع فان هولين نطاق انتقاده ليطال خطة ترامب تهجير مليوني فلسطيني من قطاع غزة ووصفها بأنها "دنيئة" كما انتقد وزيرَ الخارجية ماركو روبيو وقال إنه لا يُمارس سياسة خارجية بقدر ما أصبح المسؤول عن إخفاء الطلاب الأجانب في الولايات المتحدة.
وبدورها، وصفت عضو الكونغرس رشيدة طليب (من أصل فلسطيني) ما تعرض له مهداوي بالاختطاف بسبب نشاطه ضد الإبادة الجماعية في غزة.
العلاقة مع محمود خليلوحسب وسائل إعلام أميركية، تتشابه ظروف مهداوي مع مواطنه محمود خليل الطالب بجامعة كولومبيا وأحد المفاوضين الرئيسيين في الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين، والذي احتجز بمنطقة نيويورك في الثامن من مارس/آذار الماضي، ونُقل إلى مركز احتجاز في لويزيانا تمهيدا لترحيله.
إعلانوقد أصدر قاضٍ أميركي مختص بالهجرة في لويزيانا حكما يوم الجمعة الماضي بإمكان ترحيل خليل، مما يسمح لإدارة ترامب بمواصلة جهودها لترحيل الطلاب الأجانب المؤيدين للفلسطينيين.
يُشار إلى مهداوي وخليل شاركا في تأسيس اتحاد الطلاب الفلسطينيين في جامعة كولومبيا خريف عام 2023.
واللافت أن مهداوي طالما استخدم لغة هادئة ومعتدلة، مثلما جرى في حديث لبرنامج "60 دقيقة" الشهير على شبكة "سي بي إس" (CBS) خلال ديسمبر/ كانون الأول 2023 عندما سئل عن نشاطه في حرم جامعة كولومبيا وتجربته كفلسطيني.
وقد تحدث مهداوي خلال المقابلة أيضا عما يوصف بـ"معاداة السامية" وقال إن "النضال من أجل حرية فلسطين ومكافحة معاداة السامية متلازمان، لأن الظلم في أي مكان تهديد للعدالة في كل مكان".