إصلاح منظومة العدالة.. الشعار المفترى عليه "مهنة التوثيق العدلي مثالا"
تاريخ النشر: 27th, January 2024 GMT
تفاعلا مع خرجة وزير العدل عبد اللطيف وهبي، التي اعتبرها خرجة في غير محلها، كان لابد من توضيح وتذكير بماهية مهنة التوثيق العدلي وبعد ذلك لابد من خلاصة هي رسالة موجهة للوزير، و هذا نص مداخلتي لهذا المسؤول الحكومي:
تُعتبر مهنة العدول “التوثيق العدلي” دعامة في استقرار الأمن التعاقدي و الأسري ومساهمة في التنمية بشكلها العام، فهي مهنة ضاربة الجذور في التاريخ عمرها يزيد عن قرن وعشر سنوات مهنة مجاهدة و مقاومة ومناضلة ومجددة ومسايرة لكل تطورات الحياة المعيشية للمواطن المغربي ومعه المواطن الأجنبي الذي يبرم تعاقدات مع مواطنين مغاربة.
لقد عاشت مهنة العدول وستعيش حاملة لمشعل التطور وما تحمله من أصول تحتوي على حل للقضايا المستجدة المطروحة بفضل ممارسيها الذين تتنوع مشاربهم العلمية الأكاديمية من شعب جامعية تمنح الحيوية لهذه المهنة الشريفة.
إن السادة العدول يسدون النصح ويقدمون الاستشارات القانونية بالمجان، ويساهمون في تماسك الأسرة من خلال الانصات الجيد والوساطة والصلح بين الأزواج تفاديا لأي تفكك أسري وتبعاته المجتمعية، كما يساهم العدول في جباية أموال خزينة الدولة ويساهمون أيضا في استقرار الأمن التعاقدي و الأسري وفي تسهيل التجمع العائلي بما ينجزونه من وثائق وما ينتج عن ذلك من استقرار لمغاربة العالم الذين يضخون في ميزانية الدولة مبالغ مالية مهمة من العملة الصعبة ويسهمون في الاستثمار داخل الوطن الأم وتنمية مشاريع اجتماعية عن طريق المساعدات العينية والمالية التي تحصل عليها الجمعيات داخل الوطن.
للأسف لم تعرف مهنة التوثيق العدلي انصافا وعدلا وإنما عاشت “حكرة” وتهميشا وتقزيما ممنهجا لمهام السادة العدول الذين يناضلون من أجل تحقيق مطالب مشروعة يخولها لهم القانون.
ومن أبرز هذه المطالب عدم التمييز في حقهم وهو ما يمنعه دستور المملكة وكل المواثيق الدولية، كما يطالب السادة العدول لإيقاف الريع الممنوح لغيرهم ويلفتون نظر المشرع لأخطاء وجب تصحيحها ومن ذلك الحرمان من حقهم في ايداع ودائع المتعاقدين بصندوق الإيداع والتدبير الذي يعتبر آلية فقط لا تتطلب سوى التنصيص عليه في قانون المهنة المرتقب تعديله بإذن الله.
لقد ضجر السادة العدول من التسويف ومن اللقاءات التي يبدو أنها كانت مجرد مسرحيات يسعى مخرجوها إلى تقديم صورة بأنهم يفتحون حوارات جدية و مسؤولة مع المهنيين ويحترمون ما تم الاتفاق عليه من خلال محاضر مكتوبة و رسمية.
لقد تم ضرب عرض الحائط بكل الاتفاقات بالتصريحات الأخيرة للوزير المذكور، وهو ما كان وراء اعلان السادة العدول رجالا ونساء شن اضراب وطني لمدة أسبوع سيتم فيه الامتناع عن تلقي الشهادات.
وفي حالة عدم الاستجابة لمطالب العدول وفتح باب الحوار معهم فقد يتطور الأمر إلى اعلان خوض اضراب مفتوح مرفق بتنظيم أشكالا نضالية أخرى من قبيل الوقفات والندوات والاحتجاجات وفق ما يسمح به القانون.
السيد الوزير عبد اللطيف وهبي وأنت المحام وحامل حقيبة العدل وأنت الذي تدافع عن حقوق الانسان والوطن في المنتديات العالمية والتي كان آخرها بسويسرا جنيف، دعني أطرح عليك هذا السؤال : هل إذا تدخل أحد خصوم وحدتنا الترابية أمامك فيما أنت لديك الحج الدامغة على مغربية الصحراء، فهل سيكون جوابك على غرار ما أجبت به في الجلسة الأسئلة الشفوية الثلاثاء الماضي بمجلس المستشارين، في معرض جوابك على سؤال حول مشروع قانون مهنة العدول أم أنك ستزبد و ترغي وتدافع عن القضية بما لديك من أدلة قاطعة وحجج دامغة؟
السيد الوزير، إن السادة العدول يذكرونك باستمرارية المرفق العمومي ويذكرونك بواجب احترام الوثيقة الدستورية واحترام محاضر الاتفاق والدفاع عن حقوقهم المضمونة بنص المادة 19 من دستور المملكة.
السيد الوزير وبلادنا تحتفل بمرور عشرين سنة على احداث هيئة الانصاف والمصالحة والتي شكلت محطة لتصحيح الأخطاء، أتمنى أن يتم تصحيح الأخطاء في حق مهنة العدول. وأتمنى التقاط هذه الإشارة لأن الوضعية الحالية التي يمر منها المغرب لاتحتمل المزيد من الاحتقان، فعُدْ إلى الصواب وساهم في خلق مجتمع متماسك و متضامن الجميع في مسيس الحاجة لذلك .
ومن نافلة القول تذكيركم وتذكير ممثلي الأمة في البرمان بكون السادة العدول مواطنين يعشقون وطنهم وساهموا وما زالوا يساهمون في تماسكه واستقراره وكل مطالبهم أن ينعموا بأمن قانوني عبر سن قانون منصف يحفظ لهم كرامتهم ويضمن لهم عيشا يليق بوضعهم الاعتباري داخل وطنهم الذي يريدونه وطنا آمنا مستقرا تسود فيه قيم الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
رئيس سابق للمجلس الجهوي لعدول استئنافية الرباط وكاتب عام سابق للنقابة الوطنية لعدول المغرب
المصدر: اليوم 24
إقرأ أيضاً:
دراسة: ضعف الحوكمة يُعيق إصلاح التعليم في المغرب رغم ارتفاع الميزانية
كشف تقرير بحثي حديث، صادر عن مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، أن إصلاح منظومة التربية والتعليم في المغرب يواجه تحديات حوكمة تعيق تحقيق أهدافه، رغم الميزانيات الكبيرة المرصودة لهذا القطاع.
وأظهرت الدراسة، التي أعدها الخبير الاقتصادي العربي الجعايدي، عضو اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، أن هناك “عجزاً حقيقياً في فعالية الإنفاق الوطني على التعليم”، وهو ما ينعكس على ارتفاع معدلات الفشل الدراسي، والهدر المدرسي، وبطالة الخريجين.
وأكد التقرير، الصادر تحت عنوان “إصلاح التعليم في المغرب يواجه معضلة ضعف الحوكمة”، أن النظام التعليمي، الذي يستقبل أكثر من تسعة ملايين تلميذ وطالب سنوياً، بحاجة إلى إصلاح شامل لا يقتصر فقط على زيادة الإنفاق، بل يشمل تحسين الحوكمة وتعزيز المشاركة المجتمعية.
وأبرزت الدراسة مفارقة لافتة، حيث أوضحت أن ميزانية التعليم في المغرب تنمو بوتيرة أسرع من الميزانية العامة للدولة، كما أن الإنفاق على القطاع كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي يفوق العديد من الدول، لكن الأداء التعليمي يظل أقل.
ورصد التقرير تقلبات السياسة التعليمية في المغرب، مشيراً إلى أنها “تتأرجح تبعاً للظروف والتغيرات السياسية”، مما يؤدي إلى فترات تُثار فيها جميع الإشكاليات التعليمية، وأخرى تُتخذ فيها قرارات متسرعة كرد فعل على أزمات مالية أو اجتماعية، وهو ما يعرقل تنفيذ الإصلاحات بشكل مستدام وفعال.
كما استعرضت الدراسة أبرز محطات إصلاح التعليم في المغرب خلال الـ25 سنة الأخيرة، بدءاً من الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي حظي بإجماع وطني، لكنه لم يحقق النتائج المرجوة رغم بعض التقدم، مروراً بـ المخطط الاستعجالي (2009-2011)، الذي وُصف بـ”الجريء” لكنه اصطدم بضعف الدعم المؤسسي وغياب الفعالية في استثمار الموارد، وصولاً إلى الرؤية الاستراتيجية للإصلاح (2015-2030)، التي تواجه صعوبات في تحقيق مبدأي الإنصاف والمساواة على أرض الواقع، خاصة في إدماج أطفال المناطق القروية وذوي الاحتياجات الخاصة.
وخلص التقرير إلى أن تحسين جودة التعليم في المغرب لا يرتبط فقط بزيادة الموارد المالية، بل يتطلب إصلاحات عميقة على مستوى الحوكمة، وضمان استقرار السياسات التعليمية بعيداً عن التقلبات السياسية، مع تعزيز إشراك المجتمع في عملية الإصلاح لضمان استدامته وفعاليته.