أثار الموقف الأخير الذى اتخذته إثيوبيا بالاتفاق مع ما تسمى جمهورية أرض الصومال امتعاض ورفض أغلب الدول العربية وفى المقدمة منها مصر. ويرجع ذلك بطبيعة الحال إلى أن هذا الاتفاق يعتبر تعديًا صريحًا على حقوق الحكومة الصومالية الشرعية فى مقديشو، والصومال كما نعرف جميعًا عضو فى جامعة الدول العربية.
وخلاصة هذا الاتفاق المزعوم هو سماح ما تسمى جمهورية أرض الصومال لإثيوبيا باستغلال موانئها المطلة على البحر الأحمر، مما يعتبر تعديًا على سيادة الأراضى الصومالية، التى تمثلها الحكومة الشرعية فى مقديشو، وليست الحكومة الانفصالية التى تُطلق على نفسها «أرض الصومال».
من هنا كان الموقف المصرى حاسمًا وحازمًا، إزاء تعدى إثيوبيا على سيادة دولة عربية شقيقة هى الصومال. وبالقطع تلعب مسألة سد النهضة والتعنت الإثيوبى فى هذا الشأن دورًا أساسيًا فى بلورة الموقف المصرى المساند للصومال، والرافض للاتفاق الإثيوبى مع الانفصاليين الصوماليين. لكن هذا الموقف المصرى فى حقيقة الأمر يتفق تمامًا مع وقائع التاريخ وسياسة مصر فى القرن الإفريقى عبر التاريخ، ودعونا نوضح ذلك جليًا لبيان أن الموقف المصرى الآن ليس رد فعل على الوضع الراهن، ومسألة سد النهضة، وإنما يتفق مع حقائق التاريخ والجغرافيا السياسية.
بدايةً ترجع حاجة إثيوبيا إلى منفذ بحرى على البحر الأحمر، لكون إثيوبيا فى الأساس هضبة ليس لها امتداد إلى البحر، لذلك يروى لنا التاريخ مدى حرص الحبشة- إثيوبيا قديمًا- على التوسع شرقًا للسيطرة على منافذ بحرية على البحر الأحمر، من هنا صراعات الحبشة مع ما يعرف الآن بالصومال وجيبوتى وإريتريا، بل واحتلال أجزاء منها عبر التاريخ من أجل إيجاد منفذ على البحر الأحمر.
وتحكم سياسة مصر تجاه القرن الإفريقى تاريخيًا عدة أسس لا تحيد عنها، ربما حتى الآن. يأتى فى مقدمة ذلك الحرص على حرية الملاحة فى جنوب البحر الأحمر وباب المندب، والطريق إلى آسيا، لأن مصر كانت ولا تزال هى المُتحكمة فى الملاحة فى شمال البحر الأحمر.
الأمر الآخر الذى تحرص عليه مصر دائمًا هو سياسة توازن القوى، وعدم الغلبة لقوة ما على مقدرات القرن الإفريقى والمياه الجنوبية. لذلك غالبًا ما كانت تتدخل مصر، سواء سياسيًا وأحيانًا عسكريًا، للحفاظ على هذا التوازن، سواء فى عصر سلاطين المماليك فى مصر، أو حتى فى عصر الخديو إسماعيل.
مبدأ آخر مهم حافظت عليه مصر، بحكم كونها من أكبر الدول الإسلامية، وهو الحفاظ على الوجود والطابع الإسلامى فى القرن الإفريقى، وذلك من خلال دعم ما كانت تسمى «إمارات الطراز»، وهى الإمارات الإسلامية، والتى تمثل الآن معظم أراضى الصومال وجيبوتى وإريتريا، خاصةً مع الهجمات الإثيوبية عليها، وأحيانًا التحالف الحبشى- البرتغالى الاستعمارى على هذه الإمارات الإسلامية.
ومع ذلك كانت مصر، وعبر التاريخ، تحافظ على بقاء باب الدبلوماسية مفتوحًا بينها وبين الحبشة، سواء من أجل الحفاظ على مياه النيل، أو لإحلال السلام فى منطقة القرن الإفريقى، لكن الحبشة فى حقيقة الأمر كانت تميل فى سياستها تجاه مصر نحو العداء، وهو ما سنعرض له بالتفصيل فى المقال المقبل.
د. محمد عفيفي – جريدة الدستور
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: على البحر الأحمر الموقف المصرى
إقرأ أيضاً:
«موانئ أبوظبي» تستعد لتسلم رافعات محطة سفاجا بمصر
أبوظبي (الاتحاد)
أعلنت مجموعة موانئ أبوظبي، عن استعدادها لتسلم ثلاث رافعات باناماكس جديدة متطورة من شركة شنغهاي شينهوا للصناعات الثقيلة «زد بيه إم سي»، في إطار مشروع تطوير محطة جديدة متعددة الأغراض في سفاجا بمصر، والتي من المتوقع أن يبدأ تشغيلها في النصف الثاني من عام 2026، في إطار اتفاقية الامتياز التي أبرمتها المجموعة لمدة 30 عاماً مع الهيئة العامة لموانئ البحر الأحمر في عام 2023.وتقوم المجموعة بتزويد «نواتوم للموانئ - محطة سفاجا» بثلاث رفعات رصيف، بالإضافة إلى ست رافعات جسرية مطاطية هجينة، بتكلفة تصل إلى 193 مليون درهم.
وكانت مجموعة موانئ أبوظبي قد أعلنت في سبتمبر من العام الماضي عن توقيع عقد مع شركة شنغهاي شينهوا للصناعات الثقيلة «زد بيه إم سي»، بتكلفة إجمالية تزيد على 420 مليون درهم، لتوريد ست رافعات رصيف و17 رافعة جسرية مطاطية هجينة، يتم تشغيلها في مشاريعها بمحطة «نيو إيست مول» بميناء بوانت نوار الكونغولي، و«نواتوم للموانئ - محطة لواندا» في أنغولا.
ويمثل التسليم الوشيك للرافعات بدء التجهيزات النهائية لتشغيل «نواتوم للموانئ - محطة سفاجا»، لا سيما بعد الإعلان في ديسمبر من العام الماضي عن تعيين شركة حسن علام للإنشاءات، وهي شركة رائدة في مجال الهندسة والبناء في مصر، لتطوير البنية التحتية للمحطة متعددة الأغراض المطلة على ساحل البحر الأحمر، والتي ستكون أول محطة دولية في منطقة صعيد مصر.
علاوة على ذلك، تقترب المجموعة من استكمال أعمال تشييد البنية الفوقية، والمعدات والمباني والخدمات العامة لإنشاء مرافق متقدمة، وبنية تحتية متطورة للمحطة، التي ستقوم بمناولة بضائع متنوعة بما في ذلك البضائع السائبة الجافة والبضائع السائلة والحاويات والبضائع المدحرجة.
تبلغ مساحة «نواتوم للموانئ - محطة سفاجا» نحو 810 آلاف متر مربع، وستضم جدار رصيف بطول 1000 متر وساحة لمناولة الحاويات بطاقة استيعابية تصل إلى 450 ألف حاوية نمطية، وطاقة استيعابية تصل إلى 5 ملايين طن من البضائع العامة والجافة، و1 مليون طن من البضائع السائلة، ومرافق لمناولة البضائع المدحرجة بطاقة استيعابية تصل إلى 50 ألف مركبة، بالإضافة إلى مناطق مشتركة. كما ستضم المحطة متعددة الأغراض مرافق إدارية وورش عمل ومستودعات ومرافق حكومية، وسيتم تنفيذ أعمال بنية تحتية تشمل إنشاء طرق ومرافق للخدمات العامة وأنظمة للأمن والسلامة.
وسيضم المشروع ساحة خرسانية على مساحة 48 ألف متر مربع، ومحطة لمناولة الحاويات بمساحة 80 ألفاً و354 متراً مربعاً، مدعومة بالبنية التحتية اللازمة، وكذلك مساحة تصل إلى 66 ألفا و360 متراً مربعاً لمناولة البضائع العامة والسائبة.
وبالمناسبة، قال أحمد المطوع، الرئيس التنفيذي الإقليمي لمجموعة موانئ أبوظبي: «نتطلع إلى أن تسهم «نواتوم للموانئ - محطة سفاجا» في دعم التنمية الاقتصادية في مصر، من خلال تطويرنا لأحدث المحطات وأكثرها كفاءة في منطقة البحر الأحمر، مما يعزّز شبكة الربط في المنطقة ويخفض التكاليف على التجار والشركات. كما أننا ملتزمون بتنفيذ اتفاقيتنا مع شركائنا في وزارة النقل المصرية والهيئة العامة لموانئ البحر الأحمر للارتقاء بخدمات هذه المنشأة عالمية المستوى. وتمثل «نواتوم للموانئ - محطة سفاجا» مرحلة مهمة في خططنا الاستراتيجية لتطوير الموانئ والخدمات البحرية في مصر، حيث نضطلع بدور بارز من خلال امتيازات محطات السفن السياحية والمحطات متعددة الأغراض ومحطات سفن الدحرجة، إلى تسريع وتيرة النمو في البلاد».
وتعد اتفاقية امتياز سفاجا جزءاً من توسع أشمل للمجموعة في منطقة البحر الأحمر في مصر، حيث أبرمت المجموعة اتفاقيات امتيازات لتشغيل ثلاث محطات للسفن السياحية في سفاجا والغردقة وشرم الشيخ، كما أبرمت اتفاقيات مبدئية مع السلطات المصرية لتشغيل محطة للسفن السياحية ومحطة لسفن الدحرجة في العين السخنة، بالقرب من مصب قناة السويس على البحر الأحمر. ومن خلال ما تمتلكه شركاتنا «ترانسمار» و «تي سي آي» و «سفينة بي في» من خطوط للشحن البحري، فقد أصبحت المجموعة مزودًا رئيسيًا لخدمات الربط للمتعاملين على الصعيدين المحلي والعالمي.