أصوات تتوهج من تحت الدمار ورائحة الموت في غزة (بورتريه)
تاريخ النشر: 27th, January 2024 GMT
كوكبة وباقة من المراسلين والمراسلات الميدانيين ظهروا في قطاع غزة بشكل لافت على منصات التواصل الاجتماعي، وفي غالبيتهم هم من الأطفال، تأثروا بصحفيين وإعلاميين فلسطينيين مثل الراحلة شيرين أبو عاقلة، وجبل الصمود وائل الدحدوح، وبغيرهم.
واستطاع هؤلاء المراسلون الصغار نقل واقعهم الخاص الذي هو واقع غزة، أو نقل مشهد صغير وبسيط دون تقنيات عالية الجودة ليصبح هذا المشهد جزءا من مشهد أكبر، مشهد فلسطين المفتوح على فضاءات المعاناة والشهادة والنصر.
من قلب الحدث الذي يعيشون تفاصيله لحظة بلحظة، ومن خلال أدوات بسيطة عبارة عن هاتف وميكروفون، ولا بأس بدرع صحافي إذا توفر على سبيل الإعارة غالبا، أخذوا في نقل المعاناة والصمود بلغة بسيطة تغلفها لمسات وحركات احترافية في طور التكوين والولادة.
يقف عبد الرحمن بطاح أو "عبود" كما يسمي نفسه على منصات التواصل، وبشكل خاص عبر حسابه في منصة "إنستغرام" و"أكس"، في مقدمة "الأصوات الصغيرة" بوصفه الأكثر احترافية في الوصول إلى المتابعين.
عبود عرف بعبارات "من هنا ومن قطاع غزة ننشر لكم آخر التطورات في البلاد، و"أسعد الله صباحكم ومساءكم بكلِ خير"، "الوضع آيس كوفي عالآخر". ويعتبر نفسه "الوريث الوحيد لشيرين أبو عاقلة" كما يقول عن نفسه.
ويحب عبود تقديم نفسه بوصفه "أقوى مراسل في العالم لسنة 2023-2024"، حيث يتابعه أكثر من مليوني شخص.
على عكس غيره يضع عبود على فيديوهاته لمسة من الكوميديا المباشرة وأحيانا من الكوميديا السوداء، مع بعض التهكم والسخرية اللاذعة، وبطريقة محببة للمشاهد يوثق القصف الإسرائيلي على قطاع غزة بابتسامة عفوية تغلفها السخرية غالبا.
لكن لمى أبو جاموس ابنة العاشرة، تظهر بثقة وبجرأة كبيرة وطلاقة لسان ببشرتها السمراء المميزة وابتسامتها الفطرية، منحت لقب "أصغر صحفية في غزة" التي اضطرت إلى النزوح من منزلها في حي الرمال بمدينة غزة إلى مدينة خان يونس في جنوب القطاع، قبل أن تضطر للنزوح مرة ثانية لمدينة رفح جنوب القطاع على الحدود مع مصر.
اختارت لمى منصتي "إنستغرام" و"تيك توك" لنشر تقاريرها التي تظهر من خلالها جوانب من المعاناة اليومية للفلسطينيين تحت القصف الجنوني الذي لا يتوقف، وحصدت لمى خلال فترة قصيرة آلاف المتابعين من حول العالم، وكانت لتعليقاتهم بالغ الأثر في دفعها لمواصلة مشوارها الإعلامي.
وتقول: "كل تعليقات المتابعين مشجعة، والناس بالشارع صاروا يعرفوني ويشجعوني ..الكل بيحكي لي أنت حلوة وأنت رائعة، وأنا مستمرة ونفسي أكبر وأصبح صحفية بقناة الجزيرة".
ولمى هي الابنة الصغرى للصحفي أحمد أبو جاموس أحد العاملين في طاقم قناة الجزيرة الإنجليزية في غزة، وتنظر للإعلامي وائل الدحدوح، "عمو أبو حمزة" كما تسميه، بوصفه مثلا أعلى، وقد حققت أمنيتها بلقائه وإجراء مقابلة صحفية معه، نشرتها على حسابها في "إنستغرام" وحصدت نحو 12 مليون مشاهدة وأكثر من 800 ألف إعجاب وعشرات آلاف التعليقات.
تقول: "عمو وائل دفع ثمن تغطيته الرائعة للحرب وجرائم الاحتلال ضد النساء والأطفال، ونفسي أكبر وأكون مثله".
تقول لمى: "أريد العودة إلى مدرستي وغرفتي وألعابي، ما هو ذنبنا نحن الأطفال نعيش في خيمة باردة وما فيها أغطية كافية للشتاء أو أكل كويس".
ويأتي ضمن هذه الكوكبة الجميلة المدهشة بالإبداع والحضور والشخصية رغم صغر السن صاحب عبارة "حسوا فينا أحنا أطفال، ومش من حقنا هيك نعيش الطفل؟"، رمضان أبو جزر، ابن العشر سنوات، الذي يواصل إرسال رسائله إلى العالم عبر عدة منصات، مطالبا بتحرك الضمائر ووقف حرب الإبادة على أهالي غزة ورفع عن المعاناة عن الأطفال في القطاع .
عرف أبو جزر بنشره مقاطع فيديو تحمل رسائل مطمئنة للعالم رغم الحرب المستمرة على غزة، باعثا الأمل في نفوس متابعين له من جميع أنحاء العالم، خاصة الأطفال منهم.
وتحدث رمضان عن حياته كيف كانت قبل الحرب، وكيف أصبحت بعد أن تشرد هو وعائلته قائلا "قبل الحرب كنا نذهب إلى المدرسة نتعلم واليوم مدرستي قصفها الاحتلال"، وأضاف "كنا نفرح لنزول المطر، والآن صرنا نخاف من حبات المطر لأنها تسبب الضرر لنا".
أبو جزر الذي عرف بقدراته في الخطابة والإلقاء، كانت أول خطبه له في أكبر مساجد مدينة غزة في شهر رمضان وكان عمره حينها عامين ونص، وأثار الإعجاب والاهتمام منذ تلك الليلة، التي كان فعلا بألف ليلة وليلة، وهو حافظ لأجزاء من القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وشارك في كثير من الاحتفالات والندوات المحلية والعالمية في سبيل الدعوة إلى الله، وسجل ونشر مئات الفيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويصفه البعض بأنه "أصغر داعية في فلسطين".
أبو جزر متابع بشكل كبير وأجرى عدة مقابلات صحفية وتلفزيونية تحدث فيها عن واقع غزة وعن أحلامه، محذرا بأنه قد يستشهد في اية لحظة حال باقي أطفال غزة.
ثمة أصوات فلسطينية صغيرة كثيرة نضجت واشتعلت تحت القصف والنزوح والمعاناة ورائحة الموت، تحتاج إلى دراسة متخصصة وموسعة لتوثيقها بوصفها أصوات لم يخنقها صوت القصف والطائرات والدبابات والرصاص المسكوب والمصوب.
أصوات حرة غضة طرية يافعة تمتلك مواصفات الإذاعي والإعلامي والصحفي الحقيقي تحتاج إلى تبني وأن يتم تطويرها، فثمة فضاء عربي بحاجة لمن ينير له طريق النور والحرية والنصر ويرفع معنوياته وسط الإحباط العربي من تجاهل العالم لتغريبة غزة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي عالم الفن كاريكاتير بورتريه بورتريه غزة فلسطينيين الأصوات فلسطين غزة أصوات الدمار العدوان بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه عالم الفن عالم الفن سياسة سياسة عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أبو جزر
إقرأ أيضاً:
"حديث الحيتان" يكشف غموض أصوات المحيطات بعد 4 عقود
بعد 4 عقود على رصده للمرة الأولى، توصل علماء بحار إلى تحديد هوية صوت غامض انبعث من أعماق المحيطات، تحديداً في نقطة تلاقي بين المحيطين الهندي والهادئ قرب السواحل الأسترالية.
وكان العلماء قد حدّدوا أن هذا الصوت "بيولوجي المصدر"، ثم اكتشفوا أنه عبارة عن أحاديث متبادلة بين "حيتان المنك" الضخمة، وذلك بناء على ربط المعلومات، ومراجعة التحليلات السابقة التي جمعت حولها.
وحسب صحيفة "ميرور"، يعود اكتشاف الضجيج الغريب للمرة الأولى في يوليو (تموز) 1982 من قبل باحثين نيوزيلنديين خلال محاولتهم توثيق أصوات الأعماق البحرية في منطقة فيجي الساحلية، من خلال استخدام أجهزة "هيدروفونية"، تسحبها السفينة البحثية خلفها، على عمق حوالى 200 متر تحت الماء، لتسجيل الصوت.
لكن النبض المجهول، الذي أُطلقوا عليه "بيو داك" كان من الصعب جداً التعرف عليه في ذلك الوقت، أو أقله تحديد نوعيته ومصدره، حسب الباحث الأسترالي روس تشابمان من جامعة فيكتوريا.
أربعة عقود من الدراسات
بعد دراسات استمرت 4 عقود، لم يتمكن تشابمان وفريقه من تحديد هوية الصوت أو مصدره، حتى أعلن علماء من نيوزيلندا ومواقع بحرية أخرى في أستراليا رصد نفس الصوت وبشكل متكرر، وعندها اعتبروا أنّه من غير الممكن أن يكون ناجماً عن بركان أو تحركات غواصة، في أكثر من مكان بنفس الوقت، لذلك استنتج الباحثون أن الصوت لا بد وأنه ينتمي إلى كائن حي.
حوارات بين حيتان المنك
ربط العلماء الضجيج الغامض بالأصوات، حيث تم اكتشاف أنها لغة التخاطب بين "حيتان المنك"، التي استقرت في منطقة حوض القطب الجنوبي كموطن لها في سبعينيات القرن الماضي، بعد تعرضها موطنها الأصلي لزلازل.
وبعد مقارنة البيانات، اعتبروا أن هذا الصوت منبعه هذا النوع من الحيوانات البحرية الضخمة، وهو عبارة عن محادثة بين مخلوقات متعددة.
وما أثار دهشة العلماء هو الاحترام المتبادل خلال تواصل الحيتان فيما بينها، إذ تصمت مجموعة الحيتان حين يتحدث أحدها، تماماً كما يفعل البشر خلال دخولهم في نقاش.