أيها #المؤمنون و #الملحدون مهلاً!
د. #فيصل_القاسم
من يتابع الصراعات الدائرة عربياً بين الملحدين والمؤمنين منذ زمن بعيد، وخاصة اليوم على أثير مواقع التواصل الاجتماعي سيتفاجأ بأن الطرفين يتناقشان وكأنهما يمتلكان الحقيقة الكونية النهائية كاملة، بينما في الواقع، تبقى طروحات الجانبين مجرد اجتهادات محدودة ومضحكة، فمهما نهل البشر من العلم، فإن علمهم يبقى قاصراً عن فهم أسرار الكون والحياة، وبالتالي، فإن لا الملحدين ولا المؤمنين قادرون على الجزم بأي شيء، لذلك فإن صراعاتهم تبقى عقيمة، لأنهم أضعف بكثير من معرفة نزر قليل من الحقيقة الكونية التي يحاول البشر الوصول إليها منذ آلاف السنين دون جدوى.
وحتى عندما تطورت العلوم وبدأ العلماء يتوصلون إلى اكتشافات عظيمة، بدأ بعضهم يبشر البشرية بأن العلم اقترب كثيراً من معرفة أسرار الكون، وقد قال الفيزيائي البريطاني الشهير (اللورد كالفن) بعد اكتشاف (الديناميكا الحرارية) في القرن التاسع عشر إنه لم يبق أمام العلم سوى القليل حتى يحل كل الألغاز والأسرار، وأن علم الفيزياء يكون قد أكمل عمله تماماً. لكن فجأة أطل علينا (أينشتاين) في بداية القرن العشرين بنظرية (النسبية) ثم ثورة (ميكانيكا الكم) لتنسف كل النظريات السابقة ولتغير حتى مفهوم الفيزياء بأكمله.
قليل من التواضع أيها الملحدون والمؤمنون، لأن أكثر ما يثير الضحك في طروحاتكم أنكم قطعيون ومكابرون بطريقة كوميدية وأنتم تنفون أو تؤكدون، بينما كبار العلماء الذين اكتشفوا بعض أعظم أسرار الكون والطبيعة أدركوا لاحقاً أنهم لم يكتشفوا إلا القليل، أو جاء علماء لاحقون ليصححوا أخطاءهم، كما حصل مع (إسحق نيوتن) صاحب نظرية (الجاذبية) وهي من أعظم الاكتشافات البشرية عبر التاريخ الإنساني. وكلنا يعلم كيف جاء ألبرت أنيشتاين لاحقاً ليجد الكثير من الهفوات في نظرية نيوتن، وحتى الأخير نفسه اكتشف في آخر حياته أن نظريته (النسبية) العظيمة كانت منقوصة، خاصة نفيّه المستمر لإمكانية تمدد الكون وتضخمه، فجاء علماء مثل (جورج لوميتر) البلجيكي صاحب نظرية (البيضة الكونية) و(إيدوين هابل) الأمريكي صاحب التليسكوب الشهير و(جورج غاموف) الروسي و(روبرت ديكي) الأمريكي ثم المهندسان (روبرت ويلسون) و(آرنو بينزياس) ثم (آلان غوث) ليؤكدوا حدوث التمدد الكوني الذي كان ينفيه أينشتاين في نظريته على الدوام.
يصبح الجزم في القضايا الكونية مستحيلاً، لأننا جميعاً، مؤمنين وملحدين، غير قادرين باختصار على استيعاب أو فهم الخلق المرئي في كوكب الأرض، فكيف بالمخفي؟
مقالات ذات صلة وصفي التل ومشروع المقاومة لتحرير فلسطين . . ! 2024/01/27وقد اعترف بندمه في آخر حياته. وحتى (ستيفن هوكنغ) صاحب نظرية (الثقوب السوداء) وقع في الخطأ نفسه في ثمانينيات القرن الماضي عندما تنطع وقال إنها سنوات قليلة فقط وسنعلن النصر النهائي للعقل البشري، ثم تبين لاحقاً أنه كان يهذي أيضاً. وعندما خرج علينا العلماء بنظرية (الانفجار العظيم) ثم اكتشفوا (الدي أن أي) أيضاً راحوا يبشرون العالم بأنهم أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على كل أسرار الخلق، ثم أدركوا لاحقاً أن نظرياتهم تبقى مجرد نظريات، بما فيها نظرية (الانفجار العظيم) فلا أحد مثلاً يعلم كيف نشأ الكون حتى الآن، فنظرية الانفجار تخبرنا فقط عما حصل خلال جزيء من الثانية أو ثلاث دقائق بعد الانفجار قبل حوالي أربعة عشر مليار عام كما يروي العالم الكويتي الدكتور يوسف البناي في كتابه (الدقيقة الثالثة للخلق) لكن لا أحد يعلم ما حصل قبلها مطلقاً فيما يسمى لحظة (بلانك). ثم يأتيك عالم مثل هوكنغ لاحقاً ليقول لك إن نظرية الانفجار مهزلة، فالكون لم ينفجر، بل هو مستدير وأزلي.
وهلم جرّا. باختصار، فإن العلماء أنفسهم تائهون وحائرون ومختلفون، فكيف يأتينا ملحد لا يعرف أن يكتب جملة بدون أخطاء إملائية ليقول لنا مثلاً إن الكون عبثي، أو يأتيك متديّن صغير يستخدم الدين لتفسير كل الظواهر الكونية المعقدة والمجهولة. هل تعلمون أن الكواكب والنجوم والمجرات على ضخامتها لا تشكل سوى خمسة بالمائة من المادة التي يتكون منها الكون، أي أن المرئي من الكون يشكل خمسة بالمائة فقط، بينما تشكل (المادة المظلمة) و(الطاقة المظلمة) غير المرئيتين والمجهولتين لوحدهما خمسة وتسعين بالمائة. ثم يأتيك ملحد لا يعرف كوعه من بوعه ليجزم بأن الكون عبثي، مع العلم أن أينشتاين نفسه قال حرفياً: «الإله لا يلعب بالنرد مع الكون» حتى ولو لم يكن يقصد الإله بمفهومه الديني، ناهيك عن أن (فيزياء الكم) تخبرنا أن الجسيمات والجزيئات التي تتكون منها الذرة لها أوزان محددة بدقة عالية جداً، ولو زاد وزن أحدها واحداً بالتريليون لاختل توازن الكون، ولو ارتفعت درجة الحرارة في كل متر مربع من الأرض بشكل بسيط جداً لاختفت المحيطات والبحار ولم يبق كائن على وجه الأرض، ولو ارتفع وزن الهواء الذي نستنشقه واحداً بالتريليون لانقرضت البشرية بلمح البصر. هل هذا التوازن الكوني الرهيب عبث أيها العابثون؟ باختصار إذاً يصبح الجزم في القضايا الكونية مستحيلاً، لأننا جميعاً، مؤمنين وملحدين، غير قادرين باختصار على استيعاب أو فهم الخلق المرئي في كوكب الأرض، فكيف بالمخفي؟ ولا ننسى أن عقلنا البشري أصغر بكثير من فهم أبسط الأمور المرئية، فما بالك بمسألة نشأة الكون وكيف تطور ومن يديره. وقد هز الفيلسوف الألماني الشهير (إيمانويل كانط) في كتابه المثير (نقد العقل المحض) ثقتنا بالعقل البشري أصلاً، وتساءل: هل نثق بالعقل كي نفهم هذا العالم أم إن العقل المسكين في الحقيقة قاصر جداً ويقوم دائماً بتعديل العالم الخارجي وتحويره والتلاعب به ذهنياً كي تصبح المعرفة البشرية البسيطة ممكنة؟ فإذا كانت عقولنا الصغيرة غير قادرة على استيعاب ظواهر كوكب الأرض الذي يبدو كذرة طحين مقارنة بحجم الكون، فكيف لنا أن نستوعب الكون نفسه؟
كاتب واعلامي سوري
falkasim@gmail.com
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: المؤمنون الملحدون فيصل القاسم
إقرأ أيضاً:
"ابتسم أيها الجنرال".. دراما جريئة تنبأت بسقوط الأسد
تصدرت مشاهد المسلسل السوري "ابتسم أيها الجنرال" ترند منصات التواصل عقب سقوط نظام الأسد قبل عدة أيام، واعتبر الكثيرون أن هذا العمل وثّق سردية الإبادة التي اقترفها النظام السوري السابق.
ويستعرض العمل الذي عرض في شهر رمضان 2023، قصة عائلة حاكمة في دولة عربية غير محددة، لكنَّ كثيراً من تفاصيله وهوية أبطاله المعروفين بمعارضتهم لنظام بشار الأسد، جعلت مشاهديه يؤكدون أنه يستعرض نظام الأسد.
ويحكي العمل تفاصيل حياة أسرة حاكمة متجبرة مستولية على مقاليد الحكم في البلد، وينشأ فيها صراع بين أخين اثنين، أحدهما ورث الرئاسة عن أبيه، ومحور الصراع يتمركز حول السلطة النفوذ في البلد.
مؤامرات واعتقالاتوسلط العمل المعارض للنظام سابقاً الضوء على مؤامرات داخل أروقة القصر، والتدخّل في سياسة بلد صغير مجاور، عدا عن اعتقال المعارضين.
ومع سقوط الحكم في الأيام الأخيرة، عاد الجمهور لتداول مشاهد العمل والتي أدى مكسيم خليل فيها دور البطولة، إذ جسد شخصية "فرات" وهو رئيس الدولة، متقمّصاً ملامح وإيماءات الرئيس بشار الأسد، وعلى غرار الأخير، يخلف فرات والده في الرئاسة رغم صغر سنّه.
وتدور المشاهد المتداولة دراسة للحالة المأساوية للشعب، بينما تعيش العائلة الحاكمة في رفاهية غير طبيعية، بجانب صراع أفرادها على السلطة والمال والمناصب في مؤامرات وصراعات داخلية.
ويضم المسلسل إلى جانب مكسيم خليل نخبة من النجوم منهم عبدالحكيم قطيفان، وريم علي، ومازن الناطور، وعزة البحرة، وسوسن أرشيد، وفرح بسيسو، ومرح جبر، ومن كتابة سامر رضوان.
وشهدت الدراما السورية في سنوات حكم بشار الأسد بعد وفاة والده حافظ، عام 1999، عدداً من المسلسلات التي تنتقد قضايا مثل الفساد والبطالة، لكن أياً منها لم يتطرق للخطوط الحمراء من دائرة الحكم.
لكن في العام 2006، قدمت الدراما السورية مسلسل "غزلان في غابة الذئاب" لكاتبه الراحل فؤاد حميرة، والذي يعد الأجرأ في تلك الحقبة، ومن ثم مسلسل الولادة من الخاصرة عام 2011، لكاتبه سامر رضوان، وكلاهما تضمَّن نقداً لأجهزة الأمن السورية.
فيما يعد "ابتسم أيها الجنرال" الأكثر وضوحاً وصراحة في مهاجمته لعائلة الأسد وأجهزة الأمن التي تحميها، عبر إظهار تفاصيل حياة العائلة التي لا يعرف السوريون عنها شيئاً طوال سنوات حكمها منذ العام 1970 عندما تولى حافظ الأسد الحكم بانقلاب عسكري.
ولكن مع سقوط حكم الأسد يوم الأحد الماضي وفراره نحو روسيا دون تأمين مصير باقي أفراد العائلة الكبيرة، اكتسب مسلسل "ابتسم أيها الجنرال" مصداقية أكثر عن كونه تنبأ بتفكك تلك الأسرة وانهيار حكمها.