لماذا تريد أميركا استمرار فوضى البحر الأحمر؟
تاريخ النشر: 27th, January 2024 GMT
منذ الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني، أعلن زعيم جماعة أنصار الله، عبد الملك الحوثي، إن "عيون الجماعة مفتوحة لرصد أي سفنٍ تعود ملكيّتها أو تشغلّها شركات إسرائيلية"، ردّاً على الحرب في غزّة، قبل أن توسع عملياتها تجاه "كل السفن" المتوجّهة إلى إسرائيل.
والملفت في سياسات الولايات المتحدة أنها بدل أن تستخدم نفوذها لإقناع الحكومة الإسرائيلية بالموافقة على وقف إطلاق النار في غزّة، نفّذت إدارة الرئيس الأميركي بايدن، إلى جانب المملكة المتحدة، سلسلة غاراتٍ جويةٍ ضد أهداف الحوثيين في كل أنحاء اليمن، مع الاستمرار في تزويد إسرائيل بالقنابل والأسلحة الأخرى لمواصلة حملتها في غزّة.
وردّ البنتاغون على هذه الهجمات بإنشاء عملية حارس الازدهار، وهي مبادرة أمنية غربية لحماية الشحن بالقرب من باب المندب، وهو الطريق المستقيم الضيق الذي يفصل اليمن عن القرن الأفريقي. وتمر حوالي 30% من كل الحاويات العالمية وحوالي 12% من التجارة العالمية عبر باب المندب.
وفي إطار تأجيج الصراعات الدولية التي باتت تمتلك الولايات المتحدة الدكتوراه فيها، بسبب نشاطها الدائم في إشعال الحروب، بدل إحلال السلام أو السعي إلى تسويات للأزمات القائمة، اشتعلت جبهة اليمن، وبدأت أنظار واشنطن تتطلّع إلى المكاسب التي ستجنيها من توتير تلك المنطقة. كتبت صحيفة Global Times الصينية أن المجمّع الصناعي العسكري الأميركي قد يستفيد مرّة أخرى من تصعيد المواجهات على ضفاف البحر الأحمر، كما استفاد من ذلك في الأزمة الأوكرانية. فشركتا Lockheed Martin وNorthrop Grumman الأميركيتان للدفاع، أظهرتا في الآونة الأخيرة أفضل مؤشّرات النمو لسعر أسهمهما منذ عام 2020.
أظهرت البراغماتية السياسية في الإدارات الأميركية المتعاقبة، أن واشنطن تنظر بعين الربح وإيصال الرسائل للتوترات التي تشهدها الساحات الدولية. فما يحصل من تطورات ميدانية وعسكرية في البحر الأحمر قد لا يزعج الولايات المتحدة، حتى ولو عبّرت عن قلقها على التجارة الدولية وأنها تعمل على حمايتها، لأنها تحتاج إلى مثل هكذا حروب، كيف لا وهي قبل شهر من طوفان الأقصى وقعت على اتفاق دولي في نيودلهي في أثناء انعقاد قمة مجموعة العشرين مع كل من الهند وإسرائيل والسعودية والإمارات ودول الاتحاد الأوروبي، على ما عرف بـ"الممر الاقتصادي العالمي"، الذي يتضمن ممرًا بريًا كشف عنه موقع "واللا" الإسرائيلي عندما ذكر أنه "تُوّج التشغيل التجريبي لخط نقل بري جديد بالشاحنات عبر موانئ دبي مرورًا بالسعودية والأردن، بالنجاح خلال الأسابيع الأخيرة، فيما أكملت الشاحنات العشر الأولى الطريق الطويل من موانئ الخليج العربي إلى إسرائيل".
يوفّر هذا الجسر البرّي الذي حصل على موافقة وزارة الدفاع وحكومة إسرائيل، بديلًا أسرع للمرور عبر قناة السويس، وهنا المعضلة عند الأميركي. قد لا يسعى الأميركي من خلال تأجيج الصراع في البحر الأحمر للاستغناء عن قناة السويس، ولكنه يهدف إلى تشكيل قوة ضغط على مصر لدفعها إلى تفعيل التعاون من الجانب الإسرائيلي، سيما في إقامة منطقة عازلة على حدود رفح مع قطاع غزة، حيث أفادت صحيفة يديعوت أحرونوت بأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يبدي استعداداً للتعاون مع إسرائيل من أجل قطع الطريق على حركة حماس في محور فيلادلفيا الحدودي من مصر.
ليس هذا وحسب، بل تريد واشنطن ممارسة المزيد من الضغط على الجانب المصري لكبح اندفاعاته نحو التطبيع الكلي مع روسيا، قائلًا إنه يتمّ الإعداد لمشاركة بوتين في احتمال مهم للغاية يجري في مصر قريبا، وقال إن بوتين سيشارك في احتفال فعالية صب خرسانة المفاعل الرابع في محطة الضبعة النووية التي تشيدها روسيا في مصر، مشيرًا إلى أنه يتمّ الإعداد لذلك. فعدم التحوّل المصري في المواقف، وعدم الذهاب بعيدًا في خيارات الجمهورية الفرعونية يبقيان من أولويات إدارة بايدن.
التوتذر مطلوبٌ أميركيًا في البحر الأحمر، فأزمة اليمن تهدّد بإضعاف الاقتصاد الأوروبي المتعثر بعد حرب أوكرانيا، بينما تراقب الولايات المتحدة الأكثر قوة من مسافة أكثر أماناً، كما ذكرت "وول ستريت جورنال". إذ دفعت الهجمات التي شنّها المتمردون في اليمن شركات الشحن الدولية إلى اختيار رحلات أكثر أمناً، ولكن أطول وأكثر كلفة حول أفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح. واستمرار التهديد في البحر الأحمر سيؤدي إلى انخفاض في التضخم الذي شهدته أوروبا العام الماضي، ما يؤدي إلى خفض محتمل في أسعار الفائدة الرئيسية. هذا ما تريده واشنطن التي لا ترغب في انفصال أو تفرّد الأوروبيين في قراراتهم في ظلّ المعمعة الدولية التي تخوضها مع كل من الصين وروسيا وحلفائهما.
تحتاج الولايات المتحدة إلى الحرب في البحر الأحمر بهدف توتير منطقة لا تؤثر خياراتها الدولية، بل تشكل مصدر قلق وإزعاج لمنافستها الصين التي تنظر إلى فرض الاستقرار فيها لتسهيل ممرّها "الطريق والحزام". لهذا، لن تستقر الأوضاع على المدى المنظور في المنطقة، حتى ولو توقفت حرب غزّة أو تدحرجت الأحداث هناك إلى حربٍ كبرى، فهي على استعداد لكل السيناريوهات المنتظرة.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن البحر الأحمر امريكا الحوثي الملاحة الدولية الولایات المتحدة فی البحر الأحمر
إقرأ أيضاً:
هآرتس: الحرب مع إسرائيل تعزز قبضة الحوثيين على الداخل وتثير قلق دول الخليج (ترجمة خاصة)
قالت صحيفة عبرية إن الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وجماعة الحوثي يعزز قبضة الأخيرة على الداخل اليمني ويثير في الوقت نفسه قلق دول الخليج العربي.
وذكرت صحيفة "هارتس" في تحليل للباحث تسفي برئيل وترجم أبرز مضمونه إلى العربية "الموقع بوست" إن الحرب المستمرة تحافظ على النظام الصارم للحوثيين في اليمن، وليس هناك يقين من أنه إذا انتهت الحرب في غزة، أو إذا طلبت إيران منهم وقف هجماتها، فإن المتمردين سيتوقفون عن إرهاب إسرائيل والبحر الأحمر.
وقال التحليل إن اتفاق الرواتب، وهو نتاج لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في عام 2022 بين الحكومة اليمنية والحوثيين، يشكل انتصارا مهما للحوثيين لأنه قد يزيل على الأقل عنصرا واحدا من القائمة الطويلة من العوامل التي تشكل تهديدا مستمرا لاستقرار نظام الحوثيين الذي سيطر على صنعاء في عام 2014.
وأضاف "في مواجهة هذه الترتيبات والاتفاقيات التي تدعم نظام الحوثيين، قد يتساءل المرء عن مدى تأثير هجمات إسرائيل على ميناء الحديدة وأهداف أخرى على قدرة النظام على مواصلة الحرب أو ردعه عن إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار على إسرائيل.
نطاق العمليات الإسرائيلية محدود
وحسب التحليل فإن الأمر الأكثر أهمية هو أنه على الرغم من الصور المثيرة للإعجاب القادمة من المواقع المتضررة وانقطاع التيار الكهربائي المرتبط بها، فإن نطاق العمليات الإسرائيلية في اليمن محدود. ومع ذلك، لا يرجع هذا إلى نقص القدرات العسكرية. فعندما يتم ضرب ميناء الحديدة، لا يتوقف الضرر في مناطق الحوثيين، بل يؤثر على البلاد بأكملها.
وطبقا للصحيفة فإن الحديدة هي ميناء الدخول ليس فقط للأسلحة الإيرانية والمساعدات العسكرية، ولكن أيضًا للمساعدات الإنسانية المخصصة لنحو 70 في المائة من سكان البلاد الذين يعيشون تحت خط الفقر. وكان هذا أيضًا السبب وراء تجنب الولايات المتحدة وشركائها في التحالف العسكري الذي أنشأته في البحر الأحمر لمكافحة التهديد الحوثي مهاجمة الميناء باستمرار.
ووفقا للصحيفة العبرية فإن استراتيجية الاستجابة الأمريكية تقوم على مبدأ "الردع والتدهور" في مواجهة الحوثيين في اليمن، وهو ما يعني عمليًا ضرب القواعد العسكرية ومواقع إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار، ولكن ليس البنية التحتية المدنية.
قلق دول الخليج
وترى أن إدارة بايدن، التي لا تخلو إدارتها لحملة البحر الأحمر من التناقضات، سعت دون جدوى إلى اتباع سياسة ثنائية، تعزيز المفاوضات بين شطري اليمن بيد واحدة والعمل بقوة ضد الإرهاب الحوثي الذي شل حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر وألحق أضرارا جسيمة بالاقتصاد العالمي بشكل عام ودول المنطقة بشكل خاص.
وقالت "للوهلة الأولى، لا تواجه إسرائيل مثل هذه المعضلة، ولا يشكل تدمير البنية التحتية المدنية عقبة في اعتباراتها الاستراتيجية. ولكن أكثر من غزة ولبنان، والآن في سوريا، يجب على اسرائيل أن تأخذ في الاعتبار ليس فقط المصالح والسياسات الأمريكية، ولكن أيضًا مصالح وسياسات المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر.
وأردفت "لم تنضم هذه الدول إلى التحالف العسكري المناهض للحوثيين الذي أنشأته واشنطن، على الرغم من الأضرار الاقتصادية التي تعاني منها. ويتمثل خوفها الرئيسي في أن يضعها الحوثيون على قائمة أهدافهم ويجددون هجماتهم على الأصول الاقتصادية الحيوية - وخاصة على المنشآت النفطية، كما فعلوا في عام 2019، عندما تضررت منشآت أرامكو".
وأوضحت أن هجمات من هذا النوع دفعت أبو ظبي إلى الانسحاب من التحالف العسكري الذي أنشأته المملكة العربية السعودية في عام 2017 وتوثيق علاقاتها مع إيران مقابل الهدوء من جانب الحوثيين. ولا تزال السعودية ترى نفسها وسيطًا في عملية السلام الداخلية في اليمن، والتي تهدف، من بين أمور أخرى، إلى إنشاء حكومة يمنية يكون الحوثيون شركاء فيها.
وأفادت أن مصر حاولت التفاوض مع الحوثيين من أجل السماح لحركة المرور في قناة السويس بالتعافي، ولكن حتى الآن دون جدوى.
حرب البحر الأحمر تخدم سياسة الحوثي
وزادت هارتس "النتيجة هي أنه في حين أن إسرائيل شريكة في التحالف العسكري في البحر الأحمر، والذي يعتمد بشكل أساسي على القوات الأمريكية والبريطانية في اختيار أهداف هجماته، إلا أنها مقيدة بـ "الخطوط الحمراء" التي تمليها دول المنطقة، وعلى الرغم من توسيع نطاق الهجمات، إلا أنها لا تزال تبدو ملتزمة بنهج إدارة بايدن "الردع والتدهور".
"ولا يُتوقع أن يضمن تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب الشهر المقبل توسيع القيود المفروضة على الاستجابات العسكرية. لقد دعم ترامب حرب المملكة العربية السعودية في اليمن، وفي عام 2019 استخدم حق النقض ضد مشروع قانون لخفض مبيعات الأسلحة إلى الرياض بسبب الكارثة الإنسانية الشديدة التي تسببت فيها الحرب في اليمن"، حد قول الصحيفة.
"لكن ترامب كان أيضًا الرئيس الذي أجبر السعوديين على بدء مفاوضات مع الحوثيين وحتى صرح بأن الحرب في اليمن لن تنتهي بقوة السلاح بل على طاولة المفاوضات"، وفق التحليل.
في غضون ذلك، لا يزال طموح انهيار النظام الحوثي من خلال استهداف البنية التحتية المدنية ومصادر الدخل -حسب التحليل- بعيدًا عن التحقق. مشيرا إلى إن ميناء الحديدة هو في الواقع مصدر دخل مهم للنظام، لكنه ليس المصدر الوحيد.
وتطرقت الصحيفة الإسرائيلية إلى إعلان الحوثي أن "الأميركيين يدفعون النظام السعودي نحو تصرفات حمقاء وعدوانية لن نقبلها. وحقيقة أننا منخرطون في "نظام الدعم" لغزة (مصطلح يرمز إلى وحدة الجبهات) لا تعني أننا لا نستطيع أن نفعل أي شيء ضد تصرفاتهم الجنونية. سنرد بالمثل. الموانئ ضد الموانئ، والمطارات ضد المطارات، والبنوك ضد البنوك". وقد نجح التهديد، وتراجعت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا عن قرارها.
وحسب هارتس فإن الحرب في البحر الأحمر تخدم السياسة التي يفرضها الحوثي على مواطنيه، فضلا عن فرض التجنيد العسكري والنضال الدؤوب ضد المنافسين السياسيين.
وخلصت صحيفة هارتس في تحليلها إلى القول "رغم أن صنعاء جزء من "حلقة النار" التي أنشأتها إيران، فإن بقاء النظام يشكل أولوية قصوى بالنسبة للمتمردين، والحرب المستمرة تخدم هذا الهدف. وبالتالي، ليس هناك يقين من أن الحرب في غزة ستنتهي، وحتى لو طلبت إيران من الحوثي وقف إطلاق النار في البحر الأحمر أو ضد إسرائيل، فقد لا يمتثل".