في تلك الليلة، ليلة العشرين من تشرين الأول (أكتوبر)، توقفت الساعة والزمن، وتجمد جمع من المثقفين الفلسطينيين، ينتظرون التغريدة ما بعد الأخيرة.. التغريد التي لم تأتِ.. وأتى خبر استشهادها تحت أنقاض بيتها وسط الحزمة النارية التي نفذتها طائرات الاحتلال.

كنا قبل ذلك، نتابع رسائلها الوطنية الأدبية السياسية الاجتماعية الروحية على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي، فكانت "البوستات" تتحول ترند، نظراً لصدقها وشجاعتها وملامستها القلوب والضمائر.



ما زالت صفحاتها موجودة حتى الآن، يمكن تصفحها.. وهو ما فعلته قبل أن أكتب المقال، ورصدتُ لكم تغريداتها الأخيرة، وهذه بعضها:

13 تشرين الأول (اكتوبر) 2023

ـ هذه الليلة ستكون صعبة، سننقطع من كل أسباب الأرض ولن ننقطع من أسباب السماء، في وداعة الله يا غزة فرداً فرداً.

ـ نحنُ ننجو باللحظة هنا مسافة وضعك للايك على منشور ما، مسافة إغلاقك للمنبه، مسافة مناداتك لابنك قد تناديه ولا يجيب، الموت أسرع بكثير!

ـ في المعارك الصعبة يخسر العقلانيون والعاطفيون ويثبت المؤمنون فقط.

14 تشرين الأول (اكتوبر) 2023 كانت ليلة انقطاع الاتصالات عن غزة واستفراد الطائرات بالقصف الهمجي على القطاع.

15 تشرين الأول (أكتوبر) 2023

ـ  نحن في الأعلى نبني مدينة ثانية، أطباء بلا مرضى ولا دماء، أساتذة بلا ازدحام وصراخ على الطلبة، عائلات جديدة بلا آلام ولا حزن، وصحفيون يصورون الجنة، وشعراء يكتبون في الحب الأبدي، كلهم من غزة كلهم.

ـ في الجنة توجد غزة جديدة بلا حصار تتشكل الآن.

ـ الصوت الذي نسمعه هو صوت الموت الذي تجاوزنا ليختار غيرنا، ما زلنا أحياء نسمع صوت موت آخرين نعرفهم نقول: الحمد لله لم يكن آخر صوت سمعوه هو صوت الصاروخ. فمن يسمع صوت الصاروخ ينجو.

ـ ما زلنا أحياء حتى إشعار آخر.

17 تشرين الأول (أكتوبر) 2023

ـ من سرعة وفجيعة الموت بغزة ما عاد فيه شهدا يروحو ع المشفى ومنه عالقبر، صار الشهيد والمشفى والقبر نفس المكان، يا رب إحنا خلصنا والله خلصنا.

ـ يا عالم وين نروح، والله لو يقتلونا كلنا مرة وحدة أحسن، مش رح نستسلم ولا رح نسلم، يقتلونا كلنا مرة وحدة وخلص بدل ما بنشوف موتنا هيك، يا رب عاجزين نعيط حتى من الفاجعة.

ـ اليوم في كان قصف عمارة قرايبنا جنب دار خالتي، الله نجاهم بمعجزة بنسألهم مين بالعمارة عاش ومين مات، حكولنا كلهم ماتوا كلهم.

ـ  بطّلنا نعِدّ والله بطلنا نعِدّ.

ـ مات أطفال لم يستخدموا أسماءهم بعد!

18 تشرين الأول (أكتوبر) 2023

ـ إذا متنا اعلموا أننا راضون وثابتون وبلغوا عنا أننا أصحاب حق.

ـ صورنا العائلية، كيس من الأشلاء، كومة من الرماد، خمسة أكفان ملفوفة بجانب بعضها متفاوتة الحجم. الصور العائلية في غزة مختلفة لكنهم معاً كانوا معاً ورحلوا معاً.

ـ كلَّما اعوجَّ خطُّ على خريطة فلسطين بين المدن، صححه الرصاص.

ـ الممحاة للصغار، المدن تصحح الأخطاء بالرصاص، غزة مثالاً..

19 تشرين الأول (أكتوبر) 2023

ـ قائمة الأصدقاء عندي تنكمش تتحول توابيت صغيرة تتناثر هنا وهناك، لا يمكنني إمساك أصدقائي وهم يتطايرون بعد الصواريخ لا يمكنني إعادتهم من جديد ولا يمكنني أن أعزي فيهم ولا يمكنني البكاء لا أعلم ماذا أفعل! كل يوم تنكمش أكثر هذه ليست أسماء فقط هؤلاء نحن بوجوه وأسماء مختلفة فقط. يا رب ماذا نفعل يا رب أمام وليمة الموت الضخمة هذه. لا توجد أي أيقونة هنا تعيدهم ولو كذباً...

ـ بالنسبة للمشاهير العرب اللي ما حكوا عنا، اسمعوا، ما تنادوا حد. اللي مش شايل القضية لحاله ما بنشيّله اياها، بالناقص هامل من الهمل..

ـ منطقة الزهرة في غزة تهدد كاملة الأربعة وعشرين برجاً تُقصف الآن، مدينة بأكملها تستشهد برجاً برجاً، يا الله يا الله!

20 تشرين الأول (أكتوبر) 2023

ـ نحنُ في غزة عند الله بين شهيد وشاهد على التحرير، وكلنا ننتظر أين سنكون.
كلنا ننتظر، اللهم وعدك الحق.

* * *

وانتظرنا أن تكتب هبة في الليل ما يطمئن عنها، ولكنها صمتت بين انقطاع الاتصالات في الأرض واتصالها بالسماء، غادرت مريم إلى حيث كان اتصالها مفتوحاً..

وغادرتنا الكاتبة والشاعرة الشابة هبة أبو ندى، يوم الجمعة، في 20 تشرين الأول (أكتوبر) في العدوان الإسرائيلي الهمجي على سكان قطاع غزة المحاصر.

من هي شاعرتنا؟

الكاتبة والشاعرة هبة أبو ندى، من مواليد مكة المكرّمة في السعودية عام 1991، وهي ابنة عائلة مهجّرة من من قرية بيت جرجا المهجرة والمدمّرة في أثناء النكبة عام 1948. درست الكيمياء الحيوية والتأهيل التربوي، وعملت في التعليم. وكانت تعمل على إعداد رسالة الماجستير في مجال التغذية العلاجية. لكنَّ إيمانَها بالموهبة، جعلها تعمل قائداً في مركز مختص بالأطفال الأذكياء والمبدعين في مجال العلوم.

وكتبت القصة والرواية والشعر، كما حصلت على عدة جوائز أهمها المركز الأول في القصة القصيرة على مستوى فلسطين، والمركز الثاني بجائزة الشارقة للإبداع العربي عام 2017، عن روايتها "الأكسجين ليس للموتى".



قدمت هبة فى روايتها العدالة، بالمقارنة والمزج بين الواقع الفلسطيني تحت الاحتلال، وما شهدته البلدان العربية من انتفاضات الشعوب بعد عام 2011، ورغبتها في العيش الحر الكريم. وما تشهده فلسطين من ممارسات الاحتلال.

كما شاركت الشاعرة هبة في عدة إصدارات شعرية مشتركة هي: "العصف المأكول"، و"شاعر غزة"، و"أبجدية القيد الأخير".



من شِعرها

القصيدة الأولى: روحٌ مجـــرَّة

إِنْ كنتَ تحسبُني ذكرتُكَ
لَوْ لمرّة
فلقدْ نسيتُكَ في القصيدةِ
ألفَ مرّة

في المقطعِ الصوتيِّ
للصمتِ الطويلِ
وحيثُ لا تَجِدُ الحواسُّ
فماً ونظرة

وهناكَ في كوخِ الغيابِ
على شُعَيْراتِ
الحصيرِ المُقْشَعِرَّة

في غرفةِ النسيانِ
حيثُ الشمسُ لا تدنو
إلى صدأِ الأسِرَّة

وعلى النواعيرِ المقامةِ
فوقَ أنهارِ التلاشي
المستمرّة

وكأنّهم مسحوا بساتينَ
النخيلِ وما تبقّى في
الغياهبِ روحُ تمرة

قدْ مرَّ طوفانُ الأسامي
تحتَ أقلامي ولَمْ تَعْلَقْ
بِهِ في شبهِ
قطرة

بزغتْ مراعي الشوقِ
لَمْ تومِضْ لثانيةٍ
ولَمْ يصهلْ عليْكَ
خيالُ مُهْرَة

أطوي دروبَ الغائبينَ
ولا أفتّشُ عنكَ فيها
لَوْ كَعَثْرَة

في شارعِ التَّحْنانِ، أبداً
لا تمدُّ الذكرياتُ يداً
لماءٍ أو لكسرة

خبزُ الكلامِ هناكَ أمسى
يابساً
والحبُّ في غمّيضةِ الذكرى
تَعُدُّ لَهُ لعشرة

قشّرتُ ذاكرتي
وسرتُ أحيكُ مِنَ البدايةِ
للفؤادِ الطفلِ
سترة

وسلختُ حنّاءَ الحنينِ
فلي يدانِ ستنجبانِ
الضوءَ بكرَة

مِنْ بعدِ ما نضجتْ جروحي
دهشةً، والوردُ مثلُ الجمرِ عندي
محضُ حُمْرَة

مِنْ بعدِ ما اكتملتْ مقاساتي
بِها، لا أرتدي حلماً صغيراً
بينما روحي المجرّة

مِنْ بعدِ ما فهمتْ مخيّلتي
قداسةَ نفسِها
لَنْ تستطيعَ بها الحلولَ
ولو كفكرة

لا أصنعُ الحلوى لأنسى
فالطعامُ المرُّ أقوى
والقصيدةُ
بَعْدُ مُرَّة

هذا لأنَّ نبوءَتي قالتْ: سأدرِكُ
حكمةَ الصلصالِ،
لَنْ أبكي لجرّة

ظهري ـ وإنّي لا أقولُ كسرتَهُ ـ
لكنّ شيئاً مِنْ خلالِكَ
شاءَ كسرَه

الآنَ أجنحتي الّتي قَدْ آلمتْني
في سماءِ العنفوانِ
تطيرُ حرّة


القصيدة الثانية: أعيذك

(1)

أعيذُكِ
في الفروضِ
والاستخارة
وأرقي كلَّ مأذنةٍ
وحارة

مِنَ الصاروخِ لحظةَ
كانَ أمراً
مِنَ الجنرالِ
حتّى صارَ غارة

أعيذُكِ، والصغارُ
قُبَيْلَ يهوي
تغيّرُ بابتسامتِها
مسارَه

(2)

أعيذُكِ، والصغارُ هنا
نيامٌ
كما نامَ الفراخُ بحضنِ
عشِّ

ولا يمشونَ للأحلامِ ليلاً
لأنَّ الموتَ
نحوَ البيتِ
يمشي

ودمعُ الأمّهاتِ غدا يماماً
ليتبعَهُمْ بِهِ
في كلِّ نعشِ

(3)

أعيذُ أبَ الصغارِ وبعدَ قصفٍ
يشدُّ البرجَ حتّى لا يميلا

يقولُ لِلَحظَةِ الموتِ
اِرْحَميني
"فماذا لو تأخّرتِ
قليلا؟"

يقولُ: "لأجلِهِمْ أحببتُ
عمري،
هبيهِمْ مثلَهُمْ
موتاً جميلاً".

(4)

أعيذُكِ أنْ تصابي
أو تموتي
بعزِّ حصارِنا
وببطنِ حوتِ

شوارعُنا تسبّحُ كلَّ
قصفٍ
وتدعو للمساجدِ
والبيوتِ

فحينَ القصفُ يبدأُ
مِنْ شمالٍ
ستبدأُ مِنْ جنوبٍ
بالقنوتِ

(5)

أعيذُكِ أنْ تصابي
أو تعاني
فقدْ حوّطتُ بالسبعِ
المثاني

مِنَ الفسفورِ طعمَ البرتقالِ
وألوانَ السحابِ
مِنَ الدخانِ

أعيذُكِ
إنَّ مَنْ عَشِقا وماتا
سينقشعُ الغبارُ
ويضحكانِ

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير الفلسطينيين الشاعرة فلسطين مسيرة هوية شاعرة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تشرین الأول لا یمکننی

إقرأ أيضاً:

المؤبد لـ 6 متهمين قتلوا سائقا على الطريق العام بالجيزة

قضت محكمة جنايات الجيزة، اليوم الخميس، بمعاقبة 6 متهمين بالسجن المؤبد والحبس عامين للمتهم الأخير على خلفية اتهامهم بقتل سائق على الطريق العام رميا بالرصاص والشروع في قتل 2 آخرين.

صدر قرار المحكمة برئاسة المستشار عفيفي محمود المنوفي، رئيس المحكمة، وعضوية المستشارين رجب فكري مصطفي، ومصطفي محمد عبد اللطيف، ومحمد عبد الحميد، وسكرتارية خالد شعبان.

وأسند أمر الإحالة للمتهمين في القضية رقم 5349 لسنة 2023 جنح مركز الوراق المقيدة برقم 3218 لسنة 2023 كلي جنوب الجيزة، وهم «عبد القادر. م»، و«سالم.س» و«حسين. ي» و«كريم. أ» و«يوسف. م» و«محمود.ش» و«محمد.م»، أنهم في 13 ـ 4 ـ 2023، قتلوا عمدًا المجني عليه، صادق عبد العاطي صادق مع سبق الإصرار، وذلك على إثر سابقة خلاف فيما بينه والمتهم الأول.

وأوضح أمر الإحالة أن المتهم الأول استعان بالمتهمين من الثاني وحتى السادس، وبيتوا النية وعقدوا العزم المصمم على إزهاق روح المجني عليه، وأعدوا لذلك أسلحة نارية خرطوش وما أن ظفروا بالمجني عليه بالطريق العام حتى انهالوا عليه ضربًا بإطلاق وابلًا من الأعيرة النارية صوبه محدثين إصابته الموصوفة بتقرير الصفحة التشريحية و التي أودت بحياته.

وبين أمر الإحالة أن المتهمين شرعوا في قتل المجني عليهما «تامر. س» و«محمد.ص» عمدًا مع سبق الإصرار بأن بيتوا النية وعقدوا العزم المصمم على ذلك، وأعدوا لذلك أسلحة نارية، فور رؤيتهما رفقة المجني عليه حتى أطلقوا صوبهم وابل من الأعيرة النارية عالمين بنتيجتها الاحتمالية قابلين إياها، فأحدثوا بالمجني عليه الأول قاصدين قتله.

اقرأ أيضاًضبط 6 أطنان أسمدة مجهولة المصدر في حملة بالشرقية

«روجوا لنشاطهم على الفيسبوك».. سقوط عصابة تزوير المستندات بكفر الشيخ

مقالات مشابهة

  • يوميات شاقة للحصول على الغذاء والخبز في غزة
  • الصحة بلبنان: 3583 شهيدا و15244 جريحا منذ 8 أكتوبر 2023
  • موازنة الموت!!
  • المؤبد لـ 6 متهمين قتلوا سائقا على الطريق العام بالجيزة
  • ميليشيا حشدوية:سنقاتل إسرائيل حتى الموت من أجل الدفاع عن إيران
  • ممرضة أمريكية تكشف مواقف مؤثرة من اللحظات الأخيرة للمحتضرين.. ماذا يقولون؟
  • 50 ألف جنيه وذهب.. الندل باع بنته في حدائق أكتوبر والمحكمة تصدر قرارها
  • هذا هو عدد قتلى الجيش الاسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023
  • وسائل إعلام العدو الإسرائيلي تعلن مقتل 27 جندياً للاحتلال في جباليا شمال قطاع غزة منذ مطلع تشرين الأول الماضي
  • وسائل إعلام العدو الإسرائيلي تعلن مقتل 800 ضابط وجندي للاحتلال منذ السابع من تشرين الأول 2023 غالبيتهم في قطاع غزة