في معنى الحديث الأمريكي عن الدولة الفلسطينية
تاريخ النشر: 27th, January 2024 GMT
لو كانت عملية "طوفان الأقصى" قد انتهت بمقتل العشرات من الإسرائيليين، لكان الرد العسكري الإسرائيلي أقل قوة من الحرب الحالية بكثير، ولكان الموقف الأمريكي محصورا بمعاقبة حركة "حماس" فقط، دون الإشارة من قريب أو بعيد إلى مسألة قيام الدولة الفلسطينية.
غير أن مقتل نحو 1200 إسرائيلي خلال يومين أرعب العقل السياسي الأمريكي، ثم كان لصمود المقاومة في قطاع غزة والخسائر البشرية التي ألحقتها في قوات الاحتلال على مدار أكثر من مئة يوم، أن دفعت الإدارة الأمريكية إلى إدراك أن مجاراة إسرائيل في نسيان إقامة الدولة الفلسطينية مسألة خطيرة من شأنها أن تهدد "الدولة" الإسرائيلية ذاتها.
مرحلة جديدة
على مدار العقد والنصف الأخيرين، ترسخت قناعة إسرائيلية بدأت من الليكود ولقيت صدى لدى الإدارات الأمريكية، مفادها أن القوة والتعنت الإسرائيليين سيدفعان الفلسطينيين والعرب هم بأنفسهم إلى تقديم تنازلات مجانية، لإدراكهم أن موازين القوة في صالح إسرائيل أولا، وبسبب حالة الضعف العربية عقب ثورات "الربيع العربي" ثانيا، وبسبب الانسحاب الأمريكي الجزئي من ملفات المنطقة ثالثا.
وقد جاء الانفتاح الإماراتي غير المفهوم تجاه إسرائيل تجسيدا عمليا لهذه القناعة، ثم تبعها اعتراف بحريني وتراخي سعودي كان مقدر له أن ينتهي كما انتهى الأمر بالبحرين والإمارات، وقبلهم بدا التراخي المصري تجاه إسرائيل حادا منذ وصول السيسي إلى السلطة عام 2013.
إلا أن عملية "طوفان الأقصى" غيرت من آلية التفكير الأمريكية، ولهذا تحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن أخيرا عن إمكانية إقامة دولة فلسطينية بعد سنوات طويلة من صمت أمريكي نتيجة الضعف والهوان العربيين.
ووفقا لشبكة "سي أن أن" الأمريكية، فإن مسؤولي إدارة بايدن ناقشوا إمكانية قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح في المستقبل، كما تمت مناقشة هذا الأمر بين بايدن ونتنياهو.
لا يهمنا في هذه المقالة طبيعة الدولة الفلسطينية المرجوة، فهذه مسألة معقدة للغاية، فضلا عن أن إقامة هذه الدولة في ظل عقود من الاستيطان تبدو عملية مستحيلة وفق الصيغ العربية للحل السياسي.
على المستوى العربي، لا تكفي مواقف التنديد ولا وقف التطبيع مع إسرائيل كما حدث في الحالة السعودية، لأن مسار التطبيع قد يعود بعد أشهر أو سنوات، بما يفقد الأثر الاستراتيجي الذي حققته عملية "طوفان الأقصى".لكن ما يهمنا هنا هو أن تغير الخطاب الأمريكي، أو عودة الخطاب الأمريكي إلى سابق عهده فيما يتعلق بهذه المسألة، لم ينجم عن انعطافة أيديولوجية أو سياسية تجاه الفلسطينيين، ولا عن وعي أخلاقي وحقوقي أمريكي مفاجئ، بل نجم عن حقيقة ساطعة مفادها أن الفلسطينيين قادرين على تهديد إسرائيل وتوجيه ضربات قوية لها، وإن استمرار السلوك الإسرائيلي سيوتر الوضع في الشرق الأوسط إلى درجة قد تنفلت الأمور عن السيطرة.
ربما يكون هذا هو الدرس الأهم أو الرسالة التي أوصلتها عملية "طوفان الأقصى": القوة العسكرية والسياسية تجاه إسرائيل هي الحل الوحيد لإجبارها على تقديم تنازلات سياسية حقيقية.
لم يحدثنا التاريخ عن احتلالات انتهت نتيجة قناعات سياسية أو أيديولوجية أو أخلاقية، بل انتهت نتيجة القوة المضادة للشعوب المحتلة.
وبهذا المعنى، فإن عملية "طوفان الأقصى" قد كشفت الواقع الزائف الذي يعيشه الفلسطينيون والعرب، من حيث أن الفلسطينيين والعرب لديهم القدرة على الفعل والتأثير، بما يؤدي إلى تثوير الوعي الفلسطيني والعربي معا، والعمل معا على وضع استراتيجية موحدة ومتكاملة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي باعتباره نظام فصل عنصري في العالم.
الانقسام الفلسطيني العربي
تتطلب أي استراتيجية وطنية أولا تجاوز الانقسام الوطني الفلسطيني من أجل وضع استراتيجية موحدة أو متكاملة للنضال، على الرغم من أن هذه المسألة في غاية الصعوبة بسبب تخاذل السلطة الفلسطينية لا ضعفها، وإذا كانت السنوات السابقة قد كشفت ضعف السلطة، فإن موقفها وسلوكها عقب عملية "طوفان الأقصى" قد كشف تخاذلها وخيانتها، وبالتالي فإن الحل لتجاوز هذا التخاذل لن يكون بقرار سياسي من السلطة وإنما بخطوات شعبية بالضفة الغربية تجبر السلطة على تغيير سلوكها السياسي.
الفارق الرئيس بين السلطة الفلسطينية وحركة "حماس" هو أن الأولى رضيت بالواقع القائم في الضفة الغربية ولم تعد تفكر بمستقبل الضفة، في حين أن "حماس" والمقاومة الفلسطينية في غزة يفكرون دائما في مستقبل القضية الفلسطينية بمجملها، وهذا فارق كبير واستراتيجي، يؤدي في الحالة الأولى إلى الاستسلام وفي الحالة الثانية إلى القتال من أجل حقوق الشعب الفلسطيني، بغض النظر عن مدى تحقيق هذا القتال لأهدافه السياسية.
إن عملية "طوفان الأقصى" هي الدرس الأبلغ الثاني الذي شهدته المنطقة العربية بعد ثورات "الربيع العربي" منذ عام 2011، وفي الحالتين أثبت الشعب العربي أنه ما زال قادرا على الفعل،على المستوى العربي، لا تكفي مواقف التنديد ولا وقف التطبيع مع إسرائيل كما حدث في الحالة السعودية، لأن مسار التطبيع قد يعود بعد أشهر أو سنوات، بما يفقد الأثر الاستراتيجي الذي حققته عملية "طوفان الأقصى".
إن عملية "طوفان الأقصى" هي الدرس الأبلغ الثاني الذي شهدته المنطقة العربية بعد ثورات "الربيع العربي" منذ عام 2011، وفي الحالتين أثبت الشعب العربي أنه ما زال قادرا على الفعل، لكن المفارقة أن العواصم الغربية أدركت قوة هذا الشعب وخشيتها منه، وعند هذه النقطة التقت مصالح إسرائيل والولايات المتحدة مع مصالح الأنظمة الاستبدادية العربية في ضرورة قتل أي قدرة أو فعل لدى الشعب العربي للحيلولة دون حصول أي تغيير في الواقع السياسي القائم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينية الاحتلال امريكا احتلال فلسطين رأي دور مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدولة الفلسطینیة طوفان الأقصى فی الحالة
إقرأ أيضاً:
«طوفان الأقصى» يفضح إخفاقات جيش الاحتلال| اعترافات إسرائيلية بالفشل الأمني والعسكري في التصدي للهجوم المباغت
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
كشفت تحقيقات الجيش الإسرائيلي حجم الإخفاقات الأمنية والعسكرية التي تعرض لها جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال هجوم 7 أكتوبر، حيث نشر الجيش، مساء الاثنين، نتائج تحقيق موسّع حول ما جرى في مستوطنة "كفار عزا" وقاعدة "ناحل عوز" العسكرية. وأظهر التحقيق سلسلة من الثغرات العملياتية والاستخباراتية التي استغلّتها المقاومة الفلسطينية خلال تنفيذ عملية "طوفان الأقصى"، وهو ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والأسرى في صفوف المستوطنين والجنود.
وكشف التحقيق عن نقص حاد في عدد جنود الجيش المسلحين داخل القاعدة، إلى جانب "فشل استخباراتي كبير" تمثل في عدم إصدار أي تحذيرات من قبل الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وجهاز الأمن العام قبل الهجوم.
كما وثق التحقيق تفاصيل دقيقة عن سير المعارك في "كفار عزا" و"ناحل عوز"، مُسلطًا الضوء على الأخطاء القيادية، وسوء التنسيق بين القوات، والارتباك الذي ساد صفوف الجيش أثناء المواجهات.
تفاصيل الإخفاقات في "كفار عزا"
أكد التحقيق أن نحو 250 مقاتلًا من كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، اقتحموا مستوطنة "كفار عزا"، واستمرت المعارك هناك لمدة ثلاثة أيام.
وأشار التحقيق إلى "سلسلة من الإخفاقات القيادية" التي ساهمت في تعقيد الوضع الميداني، موضحًا أن "إدارة القتال في كفار عزا شهدت أخطاء فادحة، إلى جانب غياب التنسيق بين القوات.
كما كشف التحقيق أن "مقاتلي حماس تمكنوا من السيطرة على كفار عزا خلال الساعة الأولى من الهجوم"، بسبب النقص الحاد في عدد الجنود المتواجدين داخل المستوطنة، وحالة الفوضى التي سادت المنطقة مع بدء العملية العسكرية.
اجتياح قاعدة "ناحل عوز" وسقوطها في ساعات
أوضحت التحقيقات أنه في تمام الساعة 7:08 صباحًا، تمكن أكثر من 40 مقاتلًا من حماس من اختراق خط الدفاع الضعيف للموقع، وبدأوا في تمشيط المباني بالنيران. وأشار إلى أن ضابطة المراقبة شير إيلات، التي رصدت اقتراب المقاتلين من مركز القيادة، أصدرت أوامرها وفقًا للإجراءات العسكرية بإخلاء الموقع، ما أدى إلى بقاء عدد محدود من الضباط داخله دون المشاركة في القتال، حتى اجتاح مقاتلو حماس القاعدة بالكامل عند الساعة 08:54 صباحًا.
وكشف التحقيق عن تفاصيل صادمة، منها أن "جنديًا واحدًا فقط من الدرجة الثالثة كان يحرس قاعدة ناحل عوز"، بينما توزّع عدد قليل من الجنود داخلها لحراسة المناطق الداخلية خشيةً من السرقات، وأضاف التقرير أن "فرقة الاحتياط المكلّفة بحماية القاعدة لم تضم سوى قائد وثلاثة جنود"، مؤكدًا أن "التراخي في تنفيذ القواعد العسكرية وانعدام السيطرة داخل القاعدة كانا سائدين حتى قبل السابع من أكتوبر".
معلومات استخباراتية دقيقة لدى المقاومة
وتضمن التحقيق تفاصيل عن الوضع داخل معسكر "ناحل عوز"، حيث كان يتمركز في صباح يوم الهجوم 162 جنديًا، بينهم 81 مقاتلًا فقط.
وأشار التحقيق إلى أن حماس "كانت تمتلك معلومات استخباراتية دقيقة عن القاعدة، بما في ذلك أماكن نوم القادة، وموقع غرفة الطعام، والمسارات الزراعية التي يمكن أن تؤخر تقدمها".
وأضاف التحقيق أن "خطة الاقتحام التي وضعتها المقاومة استهدفت السيطرة على القاعدة خلال 15 دقيقة فقط، وهو ما كاد أن يتحقق رغم مقتل قائد سرية النخبة خلال المواجهات".
وأوضح أن نصف القوة التي اقتحمت القاعدة قُضي عليها خلال القتال، بينما تمكن باقي المقاتلين من الانسحاب إلى غزة.
أما بخصوص مستوطنة "كفار عزا"، فقد كشف التحقيق أن "العشرات من مقاتلي حماس من القوة الأولى كانوا في مركباتهم على أهبة الاستعداد مقابل الحدود منذ الساعة 6:00 صباحًا، بانتظار الضوء الأخضر"، وهو ما تحقق مع إطلاق وابل من 960 صاروخًا وقذيفة هاون في الساعة 6:29 على مواقع الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. ووفق التحقيق، فإن "السياج المحيط بالمستوطنة تم اختراقه في ثلاث نقاط بين الساعة 6:35 و6:43، ما سمح للمقاتلين بالتوغل سريعًا".
وذكر التقرير أن "نصف عناصر كتيبة ناحل عوز، المكلّفة بحماية كفار عزا، كانوا في إجازة نهاية الأسبوع، ما أدى إلى تأخير وصول القوة العسكرية الأولى إلى الكيبوتس لساعتين كاملتين، رغم أن المسافة بين القاعدة وكفار عزا لا تتجاوز ثلاثة كيلومترات". وأضاف أن "هذا التأخير منح المقاومة ميزة كبيرة، حيث تمكنت قوة من النخبة التابعة لحماس، قوامها أكثر من 200 مقاتل، من السيطرة الكاملة على الكيبوتس قبل وصول أي تعزيزات إسرائيلية".
كما أشار التحقيق إلى أن معظم سكان كفار عزا وجدوا أنفسهم محاصرين خلال اليومين الثاني والثالث من القتال. وأضاف أن "تعامل الجيش الإسرائيلي مع السكان في بعض المناطق كان غير مناسب، حيث لم يتم إنقاذ المصابين إلا عند مدخل المستوطنة، كما أن جثث القتلى لم يتم إخلاؤها إلا في وقت متأخر".
ووثّق التحقيق أن "عمليات الإجلاء كانت غير منظمة وغير آمنة"، ما اضطر الناجين إلى مشاهدة مشاهد مروعة أثناء الإخلاء، في ظل حالة من الفوضى التي عكست عمق الإخفاقات العسكرية الإسرائيلية خلال الهجوم.
وأشار إلى أن الإخفاقات العسكرية التي واجهها الجيش الإسرائيلي خلال هجوم 7 أكتوبر ليست سوى جزء صغير من أزمة أعمق تعصف بالمؤسسة العسكرية.
وأكد أن ما تم الإعلان عنه لا يشكل سوى 10% فقط من حجم الفشل الحقيقي، مشير إلى أن نقاط الضعف هذه متجذرة في بنية الجيش وتمتد لعقود.