كيف فازت روسيا في حرب العقوبات مع الغرب؟
تاريخ النشر: 27th, January 2024 GMT
بات من الواضح أن روسيا هزمت نظام العقوبات الغربية، الذي كان يهدف إلى شل اقتصادها وإرغامها على الانسحاب من أوكرانيا.
هكذا ينقل تحليل لموقع "مودرن دبلوماسي"، وترجمه "الخليج الجديد"، عن رئيس البعثة السابق في السفارة الأمريكية في السعودية ديفيد رونديل والمستشار السياسي السابق للقيادة المركزية الأمريكية الذي أمضى 15 عامًا في العمل في الاتحاد السوفيتي السابق مايكل جفويلر، بالتزامنت مع الذكرى الثانية للحرب الروسية على أوكرانيا.
وبدلاً من الانهيار، ينمو الاقتصاد الروسي بسرعة، فقد نما الناتج المحلي الإجمالي الروسي بنسبة مذهلة بلغت 5.5% في الربع الثالث من عام 2023.
ولم يتم بعد إصدار الأرقام النهائية لهذا العام، لكن نمو الناتج المحلي الإجمالي الروسي لعام 2023 بأكمله من المتوقع أن يتجاوز 3%.
ومن عجيب المفارقات، وفق التحليل، أن أداء الروس أفضل من أولئك الذين فرضوا العقوبات عليهم.
وفي عام 2023، نما الاقتصاد الأمريكي بنسبة 2.4%، بينما انكمش الاقتصاد الألماني، ونما الاتحاد الأوروبي ككل بأقل من 1%.
اقرأ أيضاً
عقوبات أمريكية على شركة شحن مقرها الإمارات بسبب سعر النفط الروسي
وبدلاً من الانسحاب من أوكرانيا، زادت روسيا حجم قوة غزوها من 190 ألف جندي في فبراير/شباط 2022 إلى أكثر من 600 ألف جندي اليوم.
بين فبراير/شباط 2022 وفبراير/شباط 2023، فرضت الدول الغربية على روسيا نظام العقوبات الأكثر شمولاً منذ الحرب العالمية الثانية.
وإجمالاً، لم تتسبب عدة آلاف من العقوبات المفروضة على الأفراد والشركات والمؤسسات الحكومية الروسية إلا في حدوث ركود طفيف في عام 2022، وسرعان ما تمكن الروس من عكس ذلك.
وردا على سؤال حول كيفية فعل ذلك، يقول التحليل: "الروس يمتلكون الكثير من الذهب، والحبوب، والنفط، والأصدقاء، وقد استخدموا كل ذلك بفعالية للتغلب على العقوبات، وكان من الممكن لأي لعبة حرب واقعية أن تتنبأ بكل هذا بسهولة".
وفي مارس/آذار 2022، جمدت الدول الأعضاء في مجموعة السبع 300 مليار دولار من احتياطيات البنك المركزي الروسي، أي حوالي نصف احتياطيات روسيا من العملات الأجنبية في ذلك الوقت.
وكان من المفترض أن "يحول الروبل إلى ركام"، ولكن لم يحدث ذلك.
اقرأ أيضاً
روسيا تشيد بعدم انضمام قطر للعقوبات الغربية
وبدلاً من ذلك، تحرك البنك المركزي الروسي بسرعة كبيرة لربط الروبل بالذهب، ودعم ذلك باحتياطياته الضخمة من الذهب وقدرته الإنتاجية.
وكان الربط ساري المفعول لمدة 3 أشهر فقط، لكن هذا أتاح لموسكو الوقت لإعادة توجيه تجارتها في مجال الطاقة، بعيداً عن أوروبا وتعديل اقتصادها العام ليتوافق مع العقوبات.
وعلى الفور تقريباً، بدأت روسيا في تحويل تجارة الطاقة نحو الصين والهند من خلال تقديم الخصومات.
واليوم، يذهب 90% من صادراتها من النفط الخام إلى هذين البلدين، أوروبا، التي كانت تستقبل 40% من صادرات النفط الخام الروسي، لا تتلقى الآن سوى 4% إلى 5%.
وللتهرب من عقوبات الشحن والتأمين الغربية، قام الروس بتجميع "أسطول ظل" هائل من ناقلات النفط، حيث قاموا بشراء واستئجار مئات السفن التي لم تمتثل للعقوبات.
ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، تصدر روسيا حاليا 7.5 ملايين برميل من النفط يوميا، أي أقل بقليل من السعودية.
اقرأ أيضاً
تركيا: الدول الغربية تضغط علينا لفرض عقوبات على روسيا
ثم أبدع الروس في خرق العقوبات، من خلال تجنيد أصدقاء مثل إيران وتركيا والصين وكوريا الشمالية وقيرغيزستان للمساعدة في نقل البضائع ذات التقنية العالية مثل الرقائق الدقيقة.
وعلى سبيل المثال، ارتفعت واردات السيارات الغربية وقطع الغيار إلى قيرغيزستان بنسبة مذهلة بلغت 5500% في الأشهر التسعة الأولى من عام 2023.
ولا تزال روسيا أكبر منتج للماس الطبيعي في العالم، ومصدر مهم للماس.
ولم يكن لموجات العقوبات سوى تأثير محدود على إنتاج الماس وعائداته.
وأخيرا، منذ انهيار نظام المزرعة الجماعية في الاتحاد السوفييتي، أصبحت روسيا أكبر مصدر للقمح على مستوى العالم.
وعلى الرغم من العقوبات الغربية، فإن حصة روسيا من صادرات القمح العالمية زادت فعليا على مدى العامين الماضيين.
اقرأ أيضاً
قمة مجموعة السبع تتعهد بمواصلة التصدي لروسيا.. وعقوبات أمريكية بريطانية جديدة
وبفضل الانحباس الحراري العالمي، حققت روسيا محصولاً وافراً آخر من الحبوب، وتأمل في الحصول على المزيد من الحبوب مع ارتفاع درجة حرارة سيبيريا.
ووفق التحليل، فشلت أسلحة "ناتو العجيبة"، مثل دبابات (HIMARS) و(Leopard)، في تغذية هجوم مضاد أوكراني فعال.
كما فشلت الدبلوماسية في عزل روسيا، المنشغلة بمراجعة العديد من طلبات الانضمام إلى منظمة "بريكس".
ويتابع التحليل: "لقد كانت الحرب الاقتصادية فاشلة".
في الوقت الحاضر، تم تجميد أصول البنك المركزي الروسي، مما يعني أنه لا يمكن استخدامها، ولكنها لا تزالمملوكة لروسيا.
ويقترح بعض مستشاري السياسة الخارجية الآن مصادرة هذه الأصول وتسليمها إلى أوكرانيا.
وبغض النظر عن شرعيتها، فهذه فكرة "غبية" للغاية، حيث يقول التحليل إن الاستيلاء على أصول البنك المركزي الروسي من شأنه أن يشجع الجميع على إيجاد بديل للدولار كعملة احتياطية.
اقرأ أيضاً
تحرك أمريكي لمنع الالتفاف على العقوبات ضد روسيا عبر دول ثالثة.. ما القصة؟
ويضيف: "لن يكون ذلك سهلاً، ولكن إذا كان البديل هو خسارة كل أموالك إذا أزعجت واشنطن، فسيجد الناس طريقة".
ويتابع: "لا شيء قد يوحد الشعب الروسي في كراهيته للغرب، ودعمه للرئيس فلاديمير بوتين، وتصميمه على مواصلة الحرب أكثر من سرقة ما يعتبرونه أموالهم، وهو في الحقيقة كذلك".
وتساءل التحليل: "كيف تعتقد أن رد فعل (الرئيس الروسي فيلاديمير) بوتين؟"، قبل أن يجيب: "سوف يصادر جميع الأصول الغربية في روسيا، فهل وزارة الخزانة الأمريكية مستعدة لتعويض أصحاب تلك الأصول، وأغلبهم من الألمان، عن خسائرهم؟".
ويخلص لتحليل إلى أن العقوبات "رخيصة وسهلة فرضها، ولكنها نادراً ما تنجح".
ويضيف: "في حين أنها تجعل الأمر يبدو وكأنك تفعل شيئًا ذا معنى، إلا أنها في الواقع لا تزيد كثيرًا عن مجرد إشارة إلى الفضيلة الاقتصادية".
ويختتم: "من المؤكد أن العقوبات الاقتصادية لم تغير النتيجة في أوكرانيا، لقد نفدت كييف من الرجال، ومن المال، ومن قذائف المدفعية، ومن الزمن، ويجب على الغرب أن يتوقف عن إعطاء المال لرجل لديه ثقب في جيبه".
اقرأ أيضاً
صادرات النفط الروسي عند أعلى مستوى منذ 3 أعوام رغم العقوبات
المصدر | مودرن دبلوماسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: روسيا عقوبات اقتصاد حرب اقتصادية أوكرانيا حرب روسيا حرب أوكرانيا البنک المرکزی الروسی اقرأ أیضا عام 2023
إقرأ أيضاً:
عبر "ممرات الظل" والعراق واليمن.. كيف تتهرب إيران ومليشياتها من العقوبات؟
على الرغم من العقوبات الأمريكية الشديدة التي تهدف إلى عزل إيران اقتصادياً، استمرت طهران في تطوير طرق مبتكرة للالتفاف على هذه القيود، مستفيدةً من شبكة معقدة من الشركات الوهمية، و"أسطول الظل"، والمقايضة، بالإضافة إلى دعم المليشيات التابعة لها في اليمن والعراق والمنطقة.
وتستهدف العقوبات قطاعات حيوية، أبرزها النفط الخام ومشتقاته والذهب والتكنولوجيا الحساسة والسجاد والموانئ والتأمين والشحن البحري من وإلى إيران.
وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية، مطلع فبراير الماضي، فرض حزمة عقوبات جديدة على إيران، طالت 4 شركات تقع مقارها في إيران وهونغ كونغ بالإضافة إلى كيان واجهة، لشركة إيرانية مدرجة مسبقا.
وذكر بيان الوزارة أن العقوبات الجديدة شملت شبكة من الموردين للمواد والتكنولوجيا الحساسة الموجهة لدعم برامج الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار، بما في ذلك مسيرات "شاهد" التي تنتجها إيران.
وتعمل إيران عبر مجموعة من الطرق للالتفاف على هذه العقوبات وإضعاف تأثيرها، خاصة أن العقوبات تستهدف تجفيف الموارد المالية للنظام في طهران والمليشيات الموالية اليه في الشرق الأوسط.
المقايضة و"أسطول الظل"
وتتنوع طرق النظام في إيران الالتفاف على العقوبات ما بين المقايضة و"أسطول الظل"، المتمثل بشبكة من السفن التجارية القديمة وناقلات النفط التي تعمل خارج القوانين والرقابة الدولية.
وتشمل هذه الطرق أيضا استحداث شركات شحن في الدول الحليفة لها، وتأسيس العديد من الشركات الوهمية في دول العالم خاصة في آسيا، ككيانات واجهة لشركات إيرانية.
كما تعمل على نقل الحمولة في البحر من سفن إيرانية تخفي هويتها الى سفن أخرى غير إيرانية لاستكمال مهمة نقلها في المياه الدولية.
واعتمدت إيران في التحايل على العقوبات نظام مقايضة السلع، خلال الفترة الممتدة بين 2021 وصولا إلى منتصف 2024، للحصول على ما تحتاجه من سلع مقابل تصدير نفطها، وتجنب عائق الحوالات المالية.
ووقعت إيران في يوليو 2023 عقدا مع العراق لمقايضة الغاز المستورد بالنفط الخام العراقي، وعقود مقايضة مع دول إفريقية، منها أوغندا وكينيا لمقايضة الصناعات البتروكيمياوية الإيرانية بسلع أساسية تحتاجها طهران في صناعاتها.
وبحسب قيادات في المعارضة الكردية الإيرانية تحدثت لموقع "الحرة"، يتولى الحرس الثوري عبر جناحه الخارجي المتمثل بفيلق القدس والمليشيات الموالية له في العراق واليمن كافة عمليات الاحتيال على العقوبات، خاصة تهريب النفط الإيراني تحت غطاء النفط العراقي وتهريب الدولار إلى ايران من الأراضي العراقية.
وكانت وزارة النفط العراقية ردت، في سبتمبر الماضي، على رسالة أعضاء في الكونغرس الأميركي للرئيس السابق، جو بايدن، يتهمون فيها جهات عراقية، وبينها الوزارة نفسها، بمساعدة طهران على التحايل على العقوبات.
وقالت الوزارة إن "ما قيل في الرسالة بخصوص دور العراق في مساعدة ايران للتهرب من العقوبات، فهي الأخرى مجرد مزاعم وافتراءات لا أساس لها من الصحة..".
وأضاف البيان أن "العراق يتعامل مع ايران في قطاع الطاقة واستيراد الغاز والكهرباء بالتنسيق والتفاهم مع الأصدقاء في الولايات المتحدة وتحت الشمس بعقود شفافة ومعلنة سواء بالاستيراد وكذلك بتسديد مستحقات الجانب الإيراني".
وأشارت إلى أن المياه الإقليمية العراقية ممسوكة بقوة ورقابة صارمة من قبل القوات البحرية العراقية، ولا يتحمل العراق مسؤولية ما يمكن أن يحدث خارج مياهه الإقليمية.
في المقابل، لفت رئيس مؤسسة المستقبل في الولايات المتحدة، انتفاض قنبر، إلى أن تهريب النفط الإيراني تحت ذريعة النفط العراقي أو باستخدام بواخر عراقية مثبت في عدة تقارير.
وقال قنبر، لموقع "الحرة"، "هناك طرق عدة تستخدمها ايران للالتفاف على العقوبات، منها استيراد مواد باسم دولة ثانية، مثلا استيراد أو تصدير مواد ممنوعة عن طريق العراق..".
و"العملية الأخرى للالتفاف، تتمثل بتحويل أموال الغاز، العراق يشتري غاز من إيران ويضعه في المصارف العراقية وإيران تستخدم هذه الأموال في تمويل حزب الله والجماعات الإرهابية الأخرى"، وفق قنبر.
ولعل من أبرز عمليات الاحتيال الإيرانية على العقوبات هي شرائها الدولار الأميركي بالدينار العراقي، ويلفت قنبر إلى أن العراق يشتري بالدينار العراقي من إيران، وإيران تعيد هذا الدينار وتدخل به في مزاد العملة عن طريق شركات وهمية وتشتري به الدولار.
وأكد قنبر على الدور المهم الذي تلعبه المليشيات العراقية لمساعدة إيران في الالتفاف على العقوبات.
وقال: "تذهب قسم من رواتب الحشد الشعبي إلى إيران لأن أعداد الحشد هي 300 ألف مسلح، هناك حوالي 100 ألف حساب منهم في مصرف الرافدين يستلمون رواتب، وهذه الرواتب تصرف عن طريق بطاقات خارج العراق لصالح إيران".
وأشار تقرير نشرته مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات "FDD" الأميركية، في 28 فبراير الماضي، الى أنه وبسبب تراخي إدارة الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، في فرض العقوبات، صدرت إيران شحنات نفط خام بقيمة تتراوح بين 130 مليار و146 مليار دولار.
كما صدرت طهران سلعا وخدمات تزيد قيمتها على 400 مليار دولار ما بين الفترة الممتدة من 2021 إلى 2024.
قطع الأذرع
لكن الخبير الأمني والاستراتيجي العراقي، علاء النشوع، قال، لموقع "الحرة"، إن إيران فقدت قوتها وأذرعها في أكثر الساحات التي كانت مسيطرة عليها وهي الساحة اللبنانية والسورية وحتى اليمنية، التي كانت تستخدمها للالتفاف على الكثير من العقوبات الأميركية.
وكانت هذه الساحات أيضا من أوراق الضغط التي استخدمتها طهران إزاء الإدارات الأميركية السابقة، وفق النشوع.
وأشار إلى أن إيران اليوم وبعد انهيار ساحاتها تضع في حساباتها أن البوابة التي يمكن من خلالها الالتفاف على العقوبات الأميركية، هي البوابة العراقية.
وأعرب النشوع عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة ستعمد قريبا على إغلاق هذه البوابة بكل الطرق المتاحة، ومنها إلغاء الاستثناءات الخاصة بالغاز المستورد من إيران إلى العراق.
وقال: "قد نشهد عمليات أميركية خاصة لردع أي جهة عراقية تحاول تقديم المساعدة لإيران، خاصة بعد تشديد الرقابة على المطارات والمخافر الحدودية العراقية المحاذية لها وبالتالي تشديد الخناق على النظام في طهران".
وختم النشوع قائلا إن العامل الاقتصادي يعد أحد أهم العوامل الذي سيؤدي إلى انهيار النظام السياسي في إيران.