عربي21:
2024-09-07@19:00:28 GMT

هل يصبح السودان في خبر كان؟

تاريخ النشر: 27th, January 2024 GMT

أصبح في "خبر كان" يعني هلَك وفَنِي، أو مَضَى، وفي تموز/ يوليو من عام 2011، صار السودان كما عرفه العالم قبلها، في خبر كان، عندما انقسم الشطر الجنوبي من البلاد وصار دولة مستقلة، وجاء الانشطار ثمرة عقود من الدماء والجراح والخراب، وتتويجا لجهود الحكومة التي كان على رأسها عمر البشير ما بين عام 1989 و2019، التي حولت الحرب ضد التمرد في جنوب السودان إلى حرب جهادية ضد الكفر والصهيونية والماركسية، ثم صالحت التمرد بموجب اتفاق عليه شهود دوليون، يقضي بجعل وحدة الشطرين جاذبة، و"إلا فليكن تقرير مصير الجنوب"، فعمدت تلك الحكومة إلى جعل الوحدة منفرة فحدث ما حدث.



وفي ظل حكومة عمر البشير تكاثرت حركات التمرد المسلحة في غرب وجنوب شرق وجنوب ما تبقى من البلاد، رفضا لما أسمته بالتهميش، ومن ثم دخل الجيش السوداني في حروب مدمرة ضد تلك الحركات، ولما عجز عن حسمها، تم تشكيل قوات الدعم السريع في غرب البلاد، ونجحت الأخيرة في كسر شوكة التمرد إلى حد بعيد، مما حدا بالبشير منح قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) رتبة فريق، ثم كانت الهبة الشعبية التي أطاحت بحكومة حزب المؤتمر الوطني، ورئيسها البشير في نيسان/ أبريل 2019، وأتاحت لعبد الفتاح البرهان أن يصبح قائدا للجيش ورئيسا لمجلس سيادة انتقالي، فكان أن اصطحب البرهان حميدتي إلى قصر الحكم نائبا له في المجلس السيادي، ثم اصطدم طموح هذا بطموح ذاك في "الانفراد بالحكم"، فكانت الحرب التي اشتعلت بين الجيش والدعم السريع في نيسان/ أبريل المنصرم.

وكانت المفاجأة الفاجعة لأهل السودان ثبوت أن جيشهم الوطني ليس ندا لقوات الدعم السريع، التي تتألف في معظمها من رجال قبائل في جنوب دارفور، فقد تهاوت العديد من الحاميات العسكرية النظامية كبيوت الكرتون في يد الدعم السريع، الذي صارت المبادرة بيده وصار صاحب القرار في أمر أين ومتى وكيف تكون المواجهات، بينما صار الجيش عاجزا حتى عن تقديم تبريرات لأدائه الهزيل، وكف حتى عن ترديد أن خروجه من منطقة ما كان انسحابا تكتيكيا،  وذلك بعد ان امتلأت منصات التواصل الاجتماعي بتعليقات ساخرة، مؤداها ان قادة الجيش لا يستذكرون ولا يجيدون مما درسوه في الكليات العسكرية سوى "الانسحاب التكتيكي".

ما ظل يحدث في السودان طوال الشهور التسعة الماضية، هو أن الدعم السريع يواصل الزحف على المدن في كل الاتجاهات محرزا انتصارات عسكرية متتالية ومتوالية، وبإزاء ذلك لم تجد قيادة الجيش بُدّاً من الاستنجاد بالمواطنين ليتطوعوا للقتال في خندقهاكتبت هنا في "عربي21"، مقالا بعنوان "إفساد الجيوش بزجها في شؤون الاقتصاد" (16/11/19)، تحدثت فيه عن امتلاك القوات المسلحة السودانية لمنشآت اقتصادية ضخمة في مناطق رمادية، أي بعيدا عن أي رقابة أو متابعة من جانب الحكومة المركزية، "ما يعني ضمنا أن إيراداتها لا تدخل الخزينة العامة، إلا بمعنى أن القوات المسلحة جزء من الحكومة وبالتالي فـالجيب واحد، كما نقول في السودان لتبرير وجود أموال معينة لدى أكثر من طرف واحد". ورحم الله شيخ علماء الاجتماع ابن خلدون الذي قال: إذا تعاطى الحاكم التجارة، فسد الحكم وفسدت التجارة.

وقلت أيضا في ذلك المقال إن "قوات الدعم السريع، والتي لا يفتأ قادة الجيش السوداني يرددون أنها تتبع للقوات المسلحة، تملك من موارد مالية ضخمة لا شأن لأجهزة الدولة بها، ما يجعلها تمارس التجنيد وتوزيع العطايا بسخاء لغسل أيديها وسمعتها التي تلوثت كثيرا، بسبب الدموية والوحشية التي مارسها عناصرها أينما حلّوا".

وما ظل يحدث في السودان طوال الشهور التسعة الماضية، هو أن الدعم السريع يواصل الزحف على المدن في كل الاتجاهات محرزا انتصارات عسكرية متتالية ومتوالية، وبإزاء ذلك لم تجد قيادة الجيش بُدّاً من الاستنجاد بالمواطنين ليتطوعوا للقتال في خندقها، وكان لافتا أن ذلك الاستنجاد جاء موجها لمن يسمون بأبناء الشريط النيلي، وفي هذا أمران: وهو أن من هم خارج ذلك الشريط ليسوا اهلا للثقة، أو أنهم مستهدفون باعتبار أنهم احتياطي استراتيجي للدعم السريع، وما يسهم في  تعزيز تلك الفرضية أن والي ولاية نهر النيل وهي الإقليم الذي ينتمي إليه عبد الفتاح البرهان، وقف خطيبا أمام مواطني الولاية وقال لهم فيما قال إن النساء المنقبات جاسوسات يعملن لحساب الدعم السريع، وإنه ينبغي مراقبة ورصد من يعملون في المهن الهامشية بنظام رزق اليوم باليوم ـ وهم في معظمهم من أبناء غرب السودان ـ باعتبار أنهم موالون للدعم السريع، بل إن والي ولاية في شرق البلاد، قدم وصفا فسيولوجيا وحسِّياً لإنسان غرب السودان، وطالب بأن يوضع ذلك الصنف من البشر تحت الرقابة، وبموازاة ذلك انشق عدد من جنود وضباط الجيش من أبناء الغرب عن القوات المسلحة وأعلنوا الانضمام للدعم السريع، أي أن الولاء لهذا الطرف أو ذاك لم يعد لاعتبارات وطنية، بل لاعتبارات مناطقية وقبلية.

للجيش السوداني سوابق في محاربة حركات تمرد في جنوب ،وغرب، وجنوب شرق البلاد لأكثر من نصف قرن، ولكنه لم يحارب قط عدوا خارجيا، ومن ثم فالأوسمة والأنواط التي فاز بها الضباط على مرّ السنين، كانت عائد الاستبسال في محاربتهم لبني وطنهم، ولا يلامون على ذلك، فقرارات الزج بالجيوش في حروب يتخذها الحاكمون؛ ولم ينجح الجيش قط في استئصال التمردات تلك، وها هو يحارب اليوم خصما أقوى شكيمة وعزيمة من حركات التمرد، وطالما أنه يجري الآن فرز المواطنين على أساس إثني وعرقي ومناطقي، فمن الوارد أن يرتئي قادة الطرفين المتحاربين تقسيم الغنائم باقتسام الوطن، بل هناك من يرى أن معسكر البرهان لا يمانع في أن يستفرد حميدتي بقسم من البلاد ويحكمه، نظير ترك قسم كبير لهم، تكون عاصمته مدينة بورتسودان التي لجأ إليها البرهان وكبار معاونيه العسكريين، لأن بها مطارا دوليا يتيح السفر إلى الخارج وميناء بحريا يدر بعض العائد المالي.

وعن جنس البرهان وحميدتي، قيل إن العسكر في أروقة الحكم كقرود في مزرعة، إذا تشاجروا فيما بينهم، أفسدوا الزرع، وإذا تصالحوا أكلوا المحصول.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السودان مصير السودان امن قتال رأي مصير مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

البرهان يطالب بتصنيف الدعم السريع جماعة إرهابية

اعلن رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، اليوم الخميس، أن "بلاده تتعرض لمؤامرة كبرى من مليشيا الدعم السريع منذ 15 أبريل 2023".

وطالب البرهان، في كلمة له من العاصمة الصينية بكين، "بضرورة تصنيف الدعم السريع مجموعة إرهابية والمساعدة في القضاء عليها وإدانة أعمالها والتعاون معها"، مؤكدا أنها "تهدف عبر تمردها الاستيلاء على السلطه بقوة السلاح وخدمة أطماع قوى إقليمية غير راشدة".

 

السودان.. تجدد المعارك بين الجيش والدعم السريع بعد انتشار الكوليرا في السودان.. مصر على خط النار

 

وأكد البرهان أن "كل ما يعانيه الشعب السوداني الآن ناتج عن تمرد الدعم السريع الذي أصبحت مهددا للأمن والسلم المحلي والإقليمي"، مشيرا إلى أن "الجرائم التي ارتكبتها الدعم السريع صنفت جرائم حرب ضد الإنسانية وماحدث بولاية غر دارفور غير بعيد عن الأذهان".

وكان إبراهيم مخير، عضو المكتب الاستشاري لقائد الدعم السريع السودانية محمد حمدان دقلو، اتهم الجيش السوداني بضم مقاتلين من ليبيا في إطار الحرب التي يشهدها السودان منذ أبريل 2023.

 

الجيش السوداني

وأوضح مخير في حوار مع موقع "إرم"، أن الجيش السوداني يسعى إلى الحصول على أسلحة "بأي ثمن"، لتعويض النقص في عتاده، كاشفاً أن "منطقة الفاشر تشهد تواصلا مستمرا بين المخابرات السودانية والحركات الإرهابية، وأشهرها بوكو حرام، من أجل تجنيد المقاتلين واستقدامهم من ليبيا عبر تشاد".

وتابع مخير قائلا: "لدينا معلومات مؤكدة أن حكومة البرهان، تسعى بالوسائل كافة للحصول على أسلحة من أي مصدر كان بعد أن سقطت مصانع الأسلحة الرئيسة في الخرطوم المعروفة بـ"اليرموك" في قبضة قوات الدعم السريع، وهي من أضخم مصانع الأسلحة في أفريقيا، وكان الإيرانيون قد عملوا على تطويرها في أثناء فترة الرئيس السابق عمر البشير".

وأرجع المسؤول بالدعم السريع صعوبة سيطرة قواته على دارفور إلى أن "قوات الجيش والمجموعات المتحالفة معها اتخذت من المواطنين رهائن ودروعا بشرية بعد انسحابها من مراكزها الاستراتيجية في وسط الفاشر"، على حد قوله.

 

واتهم مخير البرهان بأنه "يسعى لإثارة الفوضى في المنطقة عن طريق نشر الرعب والهلع نتيجة الفظاعات التي تقوم بها تلك الجماعات من قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث وأكل أكباد الناس، كما حدث في غرب أفريقيا"، واصفا هذا السلوك بـ"المنافي للإنسانية".

الفريق أول عبد الفتاح البرهان

وفي وقت سابق، قال قاد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في أغسطس الماضي، إن حكومته لن تنضم إلى محادثات السلام مع "قوات الدعم السريع" في جنيف بسويسرا، متعهدا بدلا من ذلك "بالقتال لمدة 100 عام".

واعتبر البرهان المباحثات التي جرت في جنيف هدفت إلى "تبييض وجه "قوات الدعم السريع"، وشدد على أنه لن يقبل "بتوسيع منبر جدة أو فتح موضوعات جديدة للحوار مع "الدعم السريع"، وتابع البرهان موضحا أنه اعترض على رغبة أمريكا بأن يرسل الجيش السوداني وفدا لمفاوضات جنيف، وليس الحكومة السودانية.

وتتواصل المعارك بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023 ما أسفر عن نحو 13 ألفا و100 قتيل، فيما بلغ إجمالي النازحين في السودان نحو 7.9 مليون شخص، ونحو 2.1 مليون شخص إلى دول الجوار، بحسب بيانات الأمم المتحدة.

 

 

مقالات مشابهة

  • نزوح كثيف من الخرطوم بسبب تبادل القصف بين الجيش والدعم السريع
  • خبراء أمميون يدعون لنشر قوة “محايدة” حماية للمدنيين في السودان ويتهمون الجيش والدعم السريع بارتكاب “انتهاكات” مروعة ترقى “لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية
  • البرهان: دول غير رشيدة تساعد الدعم السريع وتحيك مؤامرة ضد البلاد
  • البرهان يطالب بتصنيف ميليشيا الدعم السريع “مجموعة إرهابية”
  • أمام حشد دولي في الصين .. البرهان يطالب بتصنيف قوات الدعم السريع مجموعة إرهابية
  • البرهان يطالب بتصنيف الدعم السريع جماعة إرهابية
  • البرهان: نطالب بتصنيف الدعم السريع "مجموعة إرهابية"  
  • المنتدى الصيني: البرهان يطالب بتصنيف الدعم السريع مجموعة إرهابية
  • اشتعال الحرب في السودان من جديد وتصاعد القصف الجوي والمدفعي بين الجيش السوداني والدعم السريع
  • مستشار قائد الدعم السريع: مقاتلين من دولة عربية انضموا إلى الجيش السوداني