الجزيرة:
2025-03-04@15:23:30 GMT

زيارة رئيسي لتركيا.. التوقيت والسياقات

تاريخ النشر: 27th, January 2024 GMT

زيارة رئيسي لتركيا.. التوقيت والسياقات

أجرى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في 24 يناير/ كانون الثاني زيارة إلى أنقرة كانت مُنتظرة منذ فترة طويلة. ولا يرجع الاهتمام الواسع الذي حظيت به إلى كونها مُجرد أول زيارة لرئيسي إلى تركيا منذ تولّيه منصبه قبل عامين ونصف العام فحسب، بل أيضًا لأنها جاءت في لحظة اضطراب شرق أوسطي غير مسبوقة أحدثت هزة كبيرة في الجغرافيا السياسية الإقليمية.

وعلى الرغم من أن هذا الاضطراب يفرض نفسه على قائمة أجندات السياسات الإقليمية وحتى العالمية في الوقت الحالي، فإن بعض الديناميكيات الأساسية المُحركة للعلاقات التركية – الإيرانية ترتكز على سياقات كانت قائمة منذ سنوات طويلة، وإن كان بعضها يتأثر الآن بالاضطرابات الناجمة عن الحرب الإسرائيليّة على غزة.

لذلك، يُمكن حصر أهمية الزيارة في إطارَين: الأول يتعلق بعملية إدارة المنافسة الإقليمية بين أنقرة وطهران في ضوء التحوّلات الأخيرة التي طرأت على بعض القضايا التي ينشط فيها البلدان بقوّة، مثل: سوريا، والعراق، وجنوب القوقاز. والثاني يتعلق بالفرص والتحديات التي تجلبها اضطرابات الشرق الأوسط على تركيا وإيران، ودورهما الإقليمي.

على الرغم من أن البلدين يُجمعان على رفض النشاط الانفصالي الكردي المسلح في الدول المجاورة لهما، فإنّ التعاون بينهما في هذا الملف يكاد يكون محدودًا

قبل كل شيء، فإن العلاقات التركية – الإيرانية تُشكل نموذجًا فريدًا في العلاقات الإقليمية. فعلى الرغم من أن البلدين وقفا لسنوات طويلة على طرفَي نقيض في معظم الصراعات الإقليمية المحيطة بهما- إن في الشرق الأوسط أو في جنوب القوقاز – فإنهما استطاعا إدارة خلافاتهما على مبدأ التعاون التنافسي.

وعلاوة على العوامل التاريخية والجغرافية التي تفرض على البلدين إدارة منافستهما، فإن التعاون التنافسي استند إلى حقيقة أن الصراعات المحيطة بهما فرضت عليهما تحديات مشتركة. في سوريا، والعراق على سبيل المثال، تمثلت هذه التحديات بالدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في كلا البلدين، وبصعود الحركات الانفصالية الكردية المسلحة.

وفي جنوب القوقاز، فإنه بقدر ما خلقت المنافسة بين أنقرة وطهران عوامل ضغط إضافية على العلاقات الثنائية، فإنها أوجدت في المقابل فرصًا لكلتيهما لتوظيف الجغرافيا السياسية الجديدة الناشئة في المنطقة لمواءمة مصالحهما بشكل أكثر فاعليّة.

وعلى صعيد السياسات الشرق أوسطية، فإن أنقرة وطهران تتبنيان رؤية مشتركة لجهة الحاجة إلى التعاون بين القوى الفاعلة في المنطقة لتحقيق الاستقرار الإقليمي. وفي ظل هذه البيئة الأمنية المضطربة وفراغ السلطة الذي يُحدثه تراجع الدور الأميركي في الشرق الأوسط، فإن مبدأ التعاون بين القوى الفاعلة في المنطقة يترسخ في المقاربتين: التركية والإيرانية.

مع ذلك، فإن البلدين لا يزالان يجدان صعوبة في مواءمة مصالحهما بشكل أوضح في قضايا سوريا، والعراق لاعتبارات مختلفة. وعلى رأس هذه الاعتبارات المنافسة الثنائية التي تُقوض من قدرة البلدين على التعاون في مجال الأمن الأكثر أهمية لكليهما. وعلى الرغم من أن البلدين يُجمعان على رفض النشاط الانفصالي الكردي المسلح في الدول المجاورة لهما، فإنّ التعاون بينهما في هذا الملف يكاد يكون محدودًا.

في سوريا، وعلى الرغم من أن الحوار الذي دخلته أنقرة مع دمشق قبل عام برعاية روسية وإيرانية، وتقاطع مصالح أنقرة وطهران ودمشق وموسكو في تقويض الوجود العسكري الأميركي في هذا البلد، ساعدا في خلق أرضية مشتركة بين تركيا وإيران للعمل المشترك في الملف السوري، إلا أن المعضلة المتمثلة بانسداد أفق التسوية السياسية لإنهاء الصراع السوري لا تزال تُشكل عقبة أساسية أمام كل من تركيا، وإيران، وروسيا لتطوير شراكتها في سوريا إلى مستوى العمل على إنهاء الصراع والتعاون في مواجهة الطموحات الانفصالية لوحدات حماية الشعب الكردية.

وفي العراق، فإن التنافس الطويل بين تركيا وإيران على النفوذ في إقليم كردستان العراق، وتعزيز طهران لعلاقاتها مع حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" المنافس الرئيسي لحزب "الاتحاد الديمقراطي الكردستاني" الذي تربطه علاقة جيدة بتركيا، فضلًا عن تقاطع مصالح حلفاء إيران في العراق مع حزب "العمال الكردستاني" في مقاطعة سنجار، علاوة على تزويد حزب "الحياة الحرة الكردستاني" الإيراني لحزب "العمال الكردستاني" بالمقاتلين، كلّها عوامل حالت دون تعاون تركي- إيراني مشترك ضد الأحزاب الانفصالية.

لذلك، لم يكن مفاجئًا أن يتصدر ملف الأحزاب الانفصالية قائمة محادثات رئيسي وأردوغان في أنقرة. وفي الواقع، فإن التفاعلات التركية – الإيرانية الجديدة فيما يتعلق بالموقف من الحالة الكردية الانفصالية في المنطقة تكتسب زخمًا إقليميًا أوسع.

يُمكن النظر إلى الزيارة الأخيرة لرئيس جهاز المخابرات التركية إبراهيم كالين إلى العراق، والمسار التفاوضي التركي – الروسي – الإيراني – السوري، والزيارة المرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا في فبراير/ شباط المقبل، على أنها تندرج في إطار جهد خماسي مشترك للتعاون الجماعي في سوريا، والعراق.

وبالنسبة للحرب على غزة، فإنّ المعارضة التركية والإيرانية المشتركة للحرب، شكّلت أرضية مشتركة للبلدين في مقاربة الحرب. مع ذلك، فإنه في الجوهر، يتبنى البلدان سياسات غير منسجمة تمامًا، وتلتقي فقط في الموقف السياسي المعارض للحرب.

فبينما انخرطت طهران في الحرب عبر شبكة وكلائها في المنطقة، وطالبت دول المنطقة بقطع علاقاتها وروابطها الاقتصادية مع إسرائيل، فإن تركيا لا تزال تتمسك بعلاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل على غرار دول المنطقة الأخرى. كما أنها- وعلى الرغم من الموقف المندد بشدة بإسرائيل، والإشادة بحركة حماس كمنظمة تحرر وطني – تنشط بفاعليّة في دبلوماسية القنوات الخلفية لوقف الحرب.

كما عرضت استعدادها للانخراط في الهيكل الأمني المحتمل لغزة ما بعد الحرب. إن الهاجس الرئيسي المشترك لكل من تركيا وإيران بخصوص اضطرابات الشرق الأوسط الراهنة، يتمثل بالقلق من مساعي الولايات المتحدة لإعادة تعزيز حضورها العسكري في المنطقة. وهذا الهاجس يُشكل حافزًا مهمًا للبلدين للتعاون في السياسات الإقليمية لتقويض الدور الأميركيّ في سوريا والعراق.

وعلى مستوى جنوب القوقاز، اكتسبت زيارة رئيسي لتركيا أهمية في ضوء التحولات التي طرأت مؤخرًا على منطقة جنوب القوقاز بعد نجاح أذربيجان في استعادة السيطرة الكاملة على إقليم قره باغ.

تحولت قضية قره باغ منذ عام 2020 إلى أكبر تحدٍّ يواجه العلاقات التركية- الإيرانية. لذلك، فإن زيارة رئيسي لتركيا والزيارة المرتقبة لبوتين إلى تركيا أيضًا ستختبران مدى قدرة الدول الثلاث على تطوير تفاعلاتها في جنوب القوقاز للانخراط في جهد مشترك لتحقيق السلام بين أذربيجان وأرمينيا، وتنفيذ مشاريع خطوط النقل الجديدة في المنطقة.

وبالنظر إلى النفوذ الذي تمتلكه تركيا على أذربيجان والنفوذ الذي تمتلكه كل من إيران وروسيا على أرمينيا، فإن التعاون المشترك بين الدول الثلاث يُمكن أن يخلق عصرًا جديدًا في جنوب القوقاز.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی جنوب القوقاز الشرق الأوسط ترکیا وإیران التعاون بین فی المنطقة فی سوریا

إقرأ أيضاً:

صفقة استحواذ: هل تُعزز التجارة الدفاعية العلاقات بين تركيا وإيطاليا؟

 

أفاد مصدر مطلع لوكالة رويترز الإخبارية، في 24 يناير 2025، بأن مجموعة الدفاع والطيران الإيطالية “ليوناردو” تقترب من الدخول في شراكة مع شركة تصنيع الطائرات المُسيَّرة التركية “بايكار”؛ من أجل تصنيع وتطوير الطائرات من دون طيار، وذلك بعدما أصدرت مجلة الدفاع الإيطالية (Rivista Italiana Difesa)، المُتخصصة في الشؤون الدفاعية والأمنية، تقريراً عن الصفقة المحتملة بين “ليوناردو” و”بايكار”؛ الأمر الذي قد يُسهم ليس فقط في تعزيز التعاون بين الشركتين في مجال التكنولوجيا الدفاعية المتقدمة؛ بل قد يُسهم في تعزيز العلاقات بين روما وأنقرة.

صفقات دفاعية:

تزامن التقارب العسكري بين أنقرة وروما مع العديد من الأبعاد المُعقّدة؛ التي تتمثل أبرزها فيما يلي:

1. استحواذ “بايكار” على “بياجيو”: أعلنت الحكومة الإيطالية، في ديسمبر 2024، عن موافقتها على بيع شركة “بياجيو آيروسبيس”؛ إحدى أبرز الشركات الإيطالية لصناعة الطائرات، إلى شركة “بايكار” التركية؛ إذ وقّعت “بايكار”، في 27 يناير 2025، على اتفاقية أولية للاستحواذ على شركة “بياجيو”، وافقت عليها وزارة المؤسسات والصناعة الإيطالية في ديسمبر 2024، ومن المتوقع أن تكتمل الصفقة بحلول ربيع العام 2025، بعد الحصول على الموافقات الإضافية من مجلس الوزراء الإيطالي.

2. اتفاقيات تصنيع دفاعي مُتعددة: لم تكن هذه الاتفاقية هي الوحيدة من نوعها بين الجانبين، بل تزامنت مع العديد من الاتفاقيات المتعلقة بتصدير الصناعات الدفاعية؛ إذ تصدر تركيا منتجات دفاعية إلى 180 دولة. ففي ديسمبر 2024؛ وافقت إسبانيا، حليفة تركيا في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، على شراء 24 طائرة تدريب نفاثة من طراز “هورجيت”، التي تنتجها شركة صناعات الفضاء التركية “توساش”، وفي الشهر نفسه، وقّعت شركة هندسة تكنولوجيا الدفاع المملوكة للدولة في تركيا صفقة مع البحرية البرتغالية لبناء سفينتين للتموين، وتمثل الاتفاقيتان أول صادرات دفاعية إلى حلفاء تركيا في “الناتو”، فيما وقّعت شركة “ريبكون” التركية عقداً، في 8 فبراير 2025؛ لبناء منشأة جاهزة لإنتاج وتعبئة قذائف المدفعية في ألمانيا، والتي من المُقرر أن تبدأ العمل في أوائل عام 2027.

3. الترويج للصناعات الدفاعية: تُقيم أنقرة معارض دفاعية مُتعددة؛ من أجل خدمة صناعة الأسلحة في تركيا، وتتمثل هذه المعارض في معرض الدفاع الدولي (IDEF)، ومعرض التكنولوجيا والطيران (Teknofest) ومعرض “ساها” (SAHA EXPO) الدولي للدفاع والطيران، الذي أُقيم في أكتوبر 2024، وأسفر عن اتفاقيات تصدير بلغت قيمتها الإجمالية نحو 4.6 مليار دولار، وتخدم معارض الدفاع والأمن والفضاء والتكنولوجيا الرائدة في تركيا أغراضاً مُتعددة، أبرزها الترويج للصناعات الدفاعية التركية.

دلالات مُهمّة:

ثمَّة دلالات مُهمَّة تحملها الصفقات الدفاعية بين روما وأنقرة، يمكن تسليط الضوء على أبرزها فيما يلي:

1. تجاوز القيود على الصادرات التركية: تواجه تركيا تحدّيات كبيرة في تصدير مُنتجاتها الدفاعية التي تطورها محلياً، سواء من الاتحاد الأوروبي أم بعض دول حلف “الناتو” مثل الولايات المتحدة وكندا وألمانيا؛ ومع ذلك، فإن استحواذ شركة “بايكار” على شركة “بياجيو” يمثل خطوة استراتيجية لتجاوز هذه القيود؛ إذ تمنح الصفقة إمكانية تصنيع المنتجات الدفاعية في إيطاليا، كما يمكن لشركة “بايكار” التركية دمج هذه المنتجات بسهولة أكبر في الأسواق الأوروبية؛ مما يُزيل العقبات القانونية واللوجستية المرتبطة بالواردات من خارج الاتحاد الأوروبي؛ ومن ثمّ فإن التعاون العسكري بين أنقرة وروما قد يسفر عن حضور مُتزايد لتركيا في سوق الدفاع الأوروبية؛ إذ تفوّقت شركة “بايكار” على منافسيها من عدّة دول في مناقصة تنافسية لبيع شركة “بياجيو”؛ لذا يرى البعض أن صناعة الدفاع التركية ستدخل السوق الأوروبية عبر إيطاليا.

2. تعزيز “مشروع الدرون الأوروبي”: قد يُشير التعاون العسكري بين روما وأنقرة إلى تعزيز مشروع نظام الدرون الأوروبي ذي الارتفاع المتوسط والطويل (Eurodrone)؛ إذ تُعد شركة “ليوناردو” شريكة في هذا المشروع بالشراكة مع إسبانيا وفرنسا وألمانيا، ودمج خبرة “ليوناردو” و”بايكار” يمكن أن يعطي زخماً كبيراً للمشروع، ولاسيما في ظل التأخيرات التي تواجه المشروع، حيث يرى البعض أن “ليوناردو” قد تسعى للحصول على خبرة “بايكار” لتطوير المشروع؛ للوفاء بالموعد النهائي لرحلته الأولى في عام 2027.

3. دور مهم للتقنيات التكميلية: تُشير الشراكة الدفاعية بين البلدين إلى أهمية التقنيات التكميلية في تعزيز التعاون؛ فقد أشار الرئيس التنفيذي لشركة “ليوناردو” الإيطالية روبرتو سينجولاني، إلى أن التكامل القوي بين “ليوناردو” و”بايكار” يمثل أبرز محركات التعاون بينهما، مُؤكداً أنه حال تنفيذ مشروع مشترك بين الشركتين يمكن تحقيق طفرة في أنظمة المسيرات وفتح مجالات سوقية جديدة، وخاصة في أوروبا.

تداعيات مُحتملة:

قد يتمخض عن الشراكة الدفاعية بين روما وأنقرة العديد من التداعيات، التي يمكن تناول أبرزها كما يلي:

1. فاعل مُهم في صناعة الدفاع: حقَّقت صادرات تركيا من الصناعات الدفاعية والجوية، بما في ذلك صادرات “الناتو” والخدمات، في عام 2024، رقماً قياسياً جديداً بزيادة قدرها 29% لتصل إلى 7.154 مليار دولار، ويمكن للتعاون الدفاعي بين أنقرة وروما أن يزيد من صادرات تركيا من الصناعات الدفاعية والجوية، التي يرى البعض أنها تجاوزت هدف تركيا لصادراتها الدفاعية لعام 2024، والذي كان مُحدّداً عند 6.5 مليار دولار؛ بفضل إبرام صفقات كبيرة مع دول أوروبية.

ويمثل استحواذ شركة “بايكار” على “بياجيو” وشراكتها مع شركة “ليوناردو” خطوة طموحة في تحقيق أهداف أنقرة العالمية، فقد يسهم ذلك في تعزيز وصول “بايكار” المباشر إلى السوق الأوروبية؛ الأمر الذي سيدعم هدف تركيا في أن تصبح فاعلاً عالمياً في صناعة الطيران والدفاع.

2. مكاسب اقتصادية: قد يمثل التعاون الدفاعي المتنامي بين روما وأنقرة، تعاوناً ثنائياً مربحاً للجانبين من الناحية الاقتصادية؛ فمن شأنه أن يضمن ميزة تنافسية لكلتيهما في سوق الدفاع فيما يتعلق بالفعالية والمرونة التشغيلية والاستراتيجية، إضافة إلى ذلك؛ فإنه من شأنه أن يعزز التعاون الحيوي بين البلدين في المجالات الاقتصادية والتجارية، بما قد يرفع حجم التجارة بين البلدين، الذي بلغ 32.4 مليار دولار في عام 2024، بزيادة قدرها 17.8% مُقارنة بعام 2023، فيما حققت تركيا أعلى صادرات سنوية على الإطلاق إلى إيطاليا بقيمة 11 مليار و993 مليون دولار في عام 2024، كما تُعد تركيا هي الشريك التجاري الخامس لإيطاليا في العالم، والثاني في الاتحاد الأوروبي، والأول في البحر الأبيض المتوسط.

3. تعزيز مكانة أنقرة داخل “الناتو”: من المُحتمل أن يُسهم التعاون الدفاعي بين روما وأنقرة، في تعزيز مكانة الأخيرة داخل “الناتو”؛ إذ قد تكون للشراكة بين الجانبين آثار استراتيجية على جهود الدفاع داخل “الناتو” وأوروبا؛ حيث يتماشى هذا التعاون مع الجهود الجارية لتعزيز الجناح الشرقي لـ”الناتو” وتعزيز التشغيل البيني بين الدول الأعضاء، ولاسيما مع رغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المعلنة بخفض الدعم الأمريكي لـ”الناتو”.

4. دعم مسار الانضمام للاتحاد الأوروبي: قد يتمخض عن التعاون بين البلدين، تعزيز فرص أنقرة في الانضمام للاتحاد الأوروبي؛ بما يمثله هذا التعاون من خطوة مثمرة في طريق الانضمام، لاسيما وأن صناعة الدفاع التركية تعمل حالياً على نقل التكنولوجيا إلى دول أوروبا الكبرى بما فيها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا؛ إذ استحوذت شركة “ريبكون” التركية، التي تعمل على إنشاء مصنع ذخيرة مدفعية في ألمانيا حالياً، على شركة “بواس” (Bowas) التي تعمل في النمسا وإيطاليا وسويسرا، وهي شركة هندسية لها مصانع تعمل في هذه الدول، وتشتهر بخبرة كبيرة في تصميم وتصنيع وتركيب المعدات الخاصة بصناعة المتفجرات والمواد الخام، خاصة مع إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال اتصال هاتفي مع أردوغان، في 8 فبراير 2025، عن رغبته في وضع أجندة إيجابية للعلاقات مع تركيا.

سيناريوهات مُستقبلية:

قد تسير الأمور بين البلدين، وفق عدة سيناريوهات؛ أبرزها ما يلي:

1. تحالف استراتيجي: يُرجَّح هذا السيناريو حدوث نقلة نوعية في العلاقات الثنائية بين روما وأنقرة، وتدشين تحالف استراتيجي بينهما؛ إذ يرى البعض أن الصفقات الدفاعية بين البلدين قد تتخطى حدود إيطاليا لتشمل القارة الأوروبية بأكملها، فضلاً عن أن التداعيات الإيجابية المحتملة لتلك الصفقات قد تكون مُحفّزاً قوياً للبلدين من أجل تدشين تحالف استراتيجي بينهما، لاسيما وأن البلدين متفائليْن للغاية بشأن الخطوات المستقبلية في الشراكة الدفاعية بينهما، فيما يعتقد البعض أن التحالف بين إيطاليا وتركيا قد انطلق بالفعل بعد التعاون الدفاعي المتنامي بينهما.

2. مجرد تعاون دفاعي: يعتقد هذا السيناريو أن التعاون بين البلدين سيظل محصوراً في مجال التعاون الدفاعي؛ إذ سيستفيد البلدان من القدرات والخبرات الدفاعية من أجل تعزيز المكانة الوطنية لكليهما، لاسيما وأن حديث أردوغان، مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، خلال اتصال هاتفي في 10 يناير 2025، تركز حول تعزيز التعاون في صناعة الدفاع.

3. تدهور العلاقات: يرى هذا السيناريو، أن العلاقات بين روما وأنقرة قد تتدهور، على خلفية التحديات التي لا تزال قائمة أمام تعزيز العلاقات الثنائية بينهما، والتي من بينها التوترات الجيوسياسية؛ حيث تواجه تركيا انتقادات بسبب سياساتها في شرق البحر المتوسط وقبرص؛ مما أثر في علاقاتها مع بعض الدول الأوروبية، فضلاً عن التنافس الصناعي بين الشركات الدفاعية في البلدين؛ مما يمكن أن يؤثر في مدى نجاح الشراكة في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، بالإضافة إلى عدم قدرة إيطاليا على إقناع القوى الكبرى في الاتحاد الأوروبي فرنسا وألمانيا بتبني نهج أكثر استراتيجية تجاه تركيا، وذلك ليس فقط لافتقادها للنفوذ الدبلوماسي اللازم؛ بل أيضاً لوجود بعض الملفات الخلافية بين تركيا وإيطاليا.

وفي التقدير، يمكن القول إن التعاون في مجال الصناعات الدفاعية بين تركيا وإيطاليا، لا يعدو مجرد تبادل تجاري بين الطرفين، وقد يتخطى ذلك ليصبح أداة لتعزيز العلاقات السياسية والاستراتيجية بين البلدين، ولاسيما في ظل التحديات الجيوسياسية الراهنة؛ ومع ذلك، فإن نجاح هذا التعاون يعتمد على مدى قدرة البلدين على تجاوز الخلافات السياسية والاقتصادية والعمل معاً لتحقيق مصالحهما المشتركة؛ إذ يمكن أن تكون هذه الصفقات خطوة نحو الارتقاء بالعلاقات الثنائية والمساهمة في تخفيف بعض التوترات سواء في جنوب أوروبا أم في بعض بؤر الأزمات في الشرق الأوسط.

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”


مقالات مشابهة

  • تركيا.. الحركة القومية يلغي اجتماعه للمرة الخامسة بسبب مرضه زعيمه
  • تركيا : ضرورة رفع كامل العقوبات المفروضة على سوريا من دون شروط مسبقة
  • صفقة استحواذ: هل تُعزز التجارة الدفاعية العلاقات بين تركيا وإيطاليا؟
  • عون يلتقي ولي العهد السعودي في أول زيارة خارجية منذ انتخابه
  • تركيا وبريطانيا تناقشان مستقبل سوريا
  • قمة تاريخية في أنقرة.. تركيا وبريطانيا تجتمعان من أجل سوريا
  • مشاورات تركية-بريطانية في أنقرة لبحث التطورات في سوريا
  • تركيا أكبر مخاوف إسرائيل حاليًا
  • يديعوت أحرونوت: نتنياهو يريد بقاء روسيا في سوريا لمواجهة تركيا
  • بسبب سوريا.. أنقرة وطهران تدخلان مواجهة علنية للمرة الأولى