إنتاج الحبوب اليمنية: تحديات زراعية وسط تفاقم أزمة البحر الأحمر
تاريخ النشر: 27th, January 2024 GMT
في الوقت الذي تتصاعد فيه الأحداث في البحر الأحمر والأسواق بسبب العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة، تدرس عدد من الجهات والمؤسسات العامة الحكومية في اليمن الخيارات المتاحة لزيادة الإنتاج الزراعي لمحاصيل الحبوب بمختلف أصنافها وتغطية احتياجات الأسواق المحلية والعمل على مواجهة أي تحديات طارئة.
يأتي ذلك في خضم الأحداث المتصاعدة وتزايد معدلات التضخم والتغيرات المناخية التي تتعرض لها البلاد، حيث يمثل انعدام الأمن الغذائي التحدي الأكثر إلحاحًا الذي يواجه اليمن في الوقت الراهن وسط تدهور متواصل في القطاعات الاقتصادية وانخفاض إنتاج المحاصيل الزراعية وانعكاس ذلك في توسع فاتورة الواردات من الغذاء والاعتماد الكلي على الاستيراد لتوفير الاحتياجات الأساسية.
ويحدد عدد من المزارعين اليمنيين في مناطق متعددة تواصلت معهم "العربي الجديد"، مجموعة من الصعوبات والتحديات التي تعترضهم في استغلال أراضيهم الزراعية المتاحة والتوسع في زراعة بعض المحاصيل الغذائية كالحبوب والبقوليات. يشير زيد منصور، مزارع في محافظة الجوف شرقي اليمن، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى حاجة المزارعين للبذور المحسنة ومدخلات الإنتاج الزراعية والتي يعتبرها من أهم التحديات التي يواجهونها في زراعة الحبوب والتوسع في إنتاجية المحاصيل من أصنافه المتعددة، في حين يتحدث المزارع حمزة يحيي، من محافظة مأرب عن مشكلة تغير المناخ والمياه وصعوبات تسويق المنتجات الزراعية.
تأثيرات البحر الأحمر
وتستحوذ الحبوب على أغلب المساحة المزروعة في اليمن كما توضح بيانات الإحصاء الزراعي في وزارة الزراعي والري بنحو 57 في المائة، بينما لا تتجاوز مساحة البقوليات 3 في المائة، وتتوزع النسبة المتبقية 40 في المائة على الفاكهة والخضروات والمحاصيل النقدية والأعلاف والقات.
ويعيش اليمن على وقع تطورات متلاحقة مع تصاعد تبعات الأوضاع المتفاقمة في البحر الأحمر وباب المندب حيث تستهدف جماعة الحوثي السفن التجارية الإسرائيلية والمتوجهة إلى موانئها بسبب عدوانها المتواصل على قطاع غزة منذ أكثر من ثلاثة أشهر. ودخلت هذه الأحداث المتصاعدة في البحر الأحمر منعطفاً خطيراً مع شن الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا ضربات عسكرية تستهدف صنعاء وعدة محافظات يمنية وانعكاس ذلك في تفاقم أزمة الممرات المائية.
في السياق، أطلقت جهات ومؤسسات حكومية برنامجا واسعا لتجهيز بذور الحبوب والبقوليات لموسم "القياض والصراب" "الربيعي والصيفي" في المرتفعات الشمالية والوسطى والجنوبية من اليمن للعام 2024. ودشنت المؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب في منتصف يناير/ كانون الثاني مرحلة تجهيز بذور الحبوب والبقوليات لتوزيعها على المزارعين بعد استكمال مرحلة "الإبذار" في الموسم الشتوي في المناطق الشتوية والشرقية في محافظة الجوف وبعض مناطق مأرب، بعد أن تم توزيع 900 طن من البذور في المناطق المستهدفة بتكلفة تزيد عن 400 مليون ريال، وذلك بسعر مخفض ومدعوم بأكثر من 100 مليون ريال، والمبالغ المتبقية تمثل قروضاً بيضاء للمزارعين.
دعم الزراعة
وتبين دراسة صادرة عن وزارة الزراعة والري اليمنية أن المنطقة الشرقية والمرتفعات الجبلية أهم المناطق الواعدة لزراعة الحبوب في اليمن خصوصاً القمح، لما تتوافر عليه من مزايا فريدة عن سواها من المناطق مثل وفرة المياه الجوفية وقابلية إدخال التقنيات الحديثة في العمليات الزراعية، الأمر الذي يجعلها مؤهلة لزيادة إنتاج القمح بعوائد مجزية إلى 114 ألف طن.
في حين تتميز مناطق المرتفعات الجبلية مثل محافظات "إب، ذمار، البيضاء، المحويت" بتوفر مصادر المياه الجوفية وتنوع طبوغرافية الأراضي بين قيعان واسعة ومدرجات جبلية، في حين تتوفر على مزايا عديدة وقابلية لإنتاج القمح في موسمي الشتاء والصيف بإنتاجية عالية يمكن أن تبلغ 5 أطنان للهكتار.
بالمقابل، يؤكد المزارع في محافظة أبين جنوب اليمن نذير الحسني، لـ"العربي الجديد"، أن هناك تجارب ناجحة لزراعة القمح في مناطق متعددة بمحافظة أبين حيث تعتبر نموذجا مهما بالإمكان البناء عليه في التوسع الزراعي من هذا المحصول على مستوى المحافظة والمحافظات الأخرى، إذ يتطلب الأمر مساعدة الجهات الحكومية ودعمها لمثل هذه التجارب المشجعة في زراعة القمح.
بحسب وزارة الزراعة والري، فإن إجمالي ما يتم استثماره من الأراضي الزراعية في اليمن لا يتجاوز مليوناً و600 ألف هكتار تمثل 2.5 في المائة فقط من مساحة البلاد الإجمالية، إذ إن 600 ألف هكتار تعتمد في زراعتها على الأمطار، فيما تعتمد 400 ألف هكتار على الري، منها 170 ألف هكتار مزروعة بالقات، و230 ألف هكتار يتم زراعتها بالفواكه والخضروات والأعلاف والبقوليات.
ويرى خبراء ومسؤولون في مؤسسة تنمية وإنتاج الحبوب أن اليمن يزخر بتنوع المواسم المناخية ودخوله في الموسم الربيعي والموسم الصيفي في مناطق المرتفعات الوسطى والشمالية حيث سيتم فيه توزيع 220 طناً من القمح، وتحديداً من الأصناف المتناسبة مع هذه المنطقة، وكذلك الفاصولياء والذرة الشامية بالإضافة إلى بقية الأصناف من الدخن والشعير والفول والعتر وغيرها من الأصناف.
وتقدر مؤسسات زراعية حكومية الإنتاج الحالي من الفاصولياء بنحو 33 طناً حيث تستهدف الجهات المعنية من خلال التحركات والبرامج والمشاريع التي اطلقتها لزيادة مستوى الإنتاج والوصول إلى نحو 50 طناً من الفاصولياء التي وصلت كمية استيرادها إلى الأسواق المحلية بحسب بيانات تجارية إلى حوالي 15 ألف طن خلال العام الماضي.
صعوبات زيادة الإنتاج
الخبير في الاقتصاد الزراعي عماد الصلاحي، يتطرق في هذا الخصوص لـ"العربي الجديد"، إلى أن الصعوبة تكمن في زيادة الإنتاج من محاصيل الحبوب والتي تتطلب جهودا حكومية واسعة بدعم ومساندة مؤسسات تمويلية محلية ودولية، لافتاً إلى مشكلة المياه التي يعتبرها أهم تحد لتوسيع إنتاجية الحبوب، كالقمح، في ظل ما تشهده البلاد من أزمة كبيرة في المياه وانخفاض منسوبها وتذبذب المواسم الزراعية وتساقط الأمطار، التي لا يتم الاستفادة منها من خلال إنشاء السدود والخزانات التي تحفظ المياه والاستفادة منها في ري الأراضي الزراعية التي بالإمكان زراعتها بمحاصيل مثل القمح.
المحلل الاقتصادي صادق علي يوضح لـ"العربي الجديد"، أن فاتورة استيراد الغذاء أنهكت اليمن واستنزفت مبالغ مالية طائلة بالإمكان تسخيرها للاهتمام بالقطاع الزراعي وتطويره، وزيادة إنتاجية محاصيل الحبوب من خلال العمل على استصلاح الأراضي الزراعية وتوفير احتياجات المزارعين.
ويتوقع علي أن يواجه اليمن صعوبات بالغة خلال الفترة القادمة لتوفير احتياجاته الغذائية نتيجة الأوضاع المتصاعدة في المنطقة والبحر الأحمر ومختلف الممرات المائية، في ظل ما سيطرأ من تغيرات في خطوط الملاحة الدولية وارتفاع تكاليف الشحن التجاري، إضافة إلى الصعوبات المتوقعة التي سيواجها اليمن في التعامل مع شركات الملاحة والتأمين والأسواق الدولية، عدا عن تقلص حجم التمويل الدولي المقدم للاحتياجات الغذائية والإنسانية.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: العربی الجدید البحر الأحمر ألف هکتار فی المائة فی الیمن
إقرأ أيضاً:
معهد إسرائيلي: الهجمات من اليمن ستستمر ما دامت “إسرائيل” ماضية في عدوانها على غزة
الجديد برس|
في تحليل موسع نشره معهد الأمن القومي الإسرائيلي، تم التأكيد على أن التهديد الذي تمثله قوات صنعاء ضد “إسرائيل” ليس مجرد انعكاس للحرب في غزة، بل هو عنصر متداخل معها بشكل مباشر.
وأشار التقرير إلى أن الهجمات الصاروخية من اليمن ستستمر ما دامت “إسرائيل” ماضية في عدوانها على قطاع غزة، وهو ما يضع تحديات جديدة على المستوى الأمني والاستراتيجي في المنطقة.
كما لفت المعهد إلى أن صنعاء تتمتع بقدرة كبيرة على المناورة والاستقلالية العسكرية، ما يجعلها قوة صاعدة يصعب ردعها أو إيقاف تصعيدها بالوسائل التقليدية.
ـ صنعاء: قوة غير قابلة للتوجيه أو الاحتواء:
وفقًا للتقرير، تبرز صنعاء كقوة إقليمية تتمتع بقدرة عالية على الاستقلال في اتخاذ القرارات العسكرية، مما يصعب على إيران أو أي قوى أخرى، حتى الحليفة لها، فرض سيطرتها أو توجيه سياساتها بشكل كامل.
وذكر التقرير أن هذه الاستقلالية هي ما يجعل محاولات إسرائيل وحلفائها للتصدي لأنشطة قوات صنعاء العسكرية في البحر الأحمر والمضائق المجاورة أكثر تعقيدًا.
فبينما كانت إسرائيل تأمل في تقليص نفوذ صنعاء من خلال استهدافها في أماكن معينة، كانت هناك محاولات لتطويق الأنشطة البحرية للحوثيين، إلا أن قوات صنعاء تمكنت من التصعيد بفعالية، لتظهر قدرتها على إزعاج العمليات العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر وتغيير مسارات السفن التجارية، بما في ذلك السفن الإسرائيلية.
هذا الوضع بات يشكل تهديدًا حقيقيًا لإسرائيل في وقت حساس بالنسبة لها، حيث ترى أن الحصار البحري الذي فرضته صنعاء على السفن الإسرائيلية يهدد ممرات التجارة الحيوية التي تمر عبر البحر الأحمر والمحيط الهندي.
كما أن التهديدات الصاروخية الحوثية قد تستمر في التأثير على حركة السفن الإسرائيلية، مما يضع ضغطًا إضافيًا على الاقتصاد الإسرائيلي الذي يعتمد بشكل كبير على التجارة البحرية، في وقت يعاني فيه من تبعات الحرب في غزة.
ـ “إسرائيل” أمام معضلة استراتيجية مع صنعاء:
تعامل إسرائيل مع تهديد صنعاء يعكس مأزقًا استراتيجيًا كبيرًا، فهي تجد نفسها أمام معركة مزدوجة بين التصعيد العسكري أو الرضوخ لمطالب صنعاء. من جهة، تبقى إسرائيل على قناعة بأنها لا يمكن أن تتحمل تعطيل حركة التجارة البحرية في البحر الأحمر، وهو ما يشكل تهديدًا خطيرًا لاقتصادها.
لكن من جهة أخرى، فإن زيادة التدخل العسكري ضد قوات صنعاء قد يعرضها لفتح جبهة جديدة يصعب احتواؤها في وقت حساس بالنسبة لتل أبيب، خاصة في ظل التحديات العسكرية التي تواجهها في غزة ولبنان.
التحليل الذي قدمه معهد الأمن القومي الإسرائيلي لم يغفل المأزق الذي تواجهه “إسرائيل” في هذا الصدد.
ففي أعقاب فشل محاولات البحرية الأمريكية في توفير حماية فعالة للسفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، بدأت تل أبيب في البحث عن حلول بديلة من خلال التنسيق مع الدول الخليجية التي تشاركها مخاوف من تصاعد تهديدات صنعاء.
كما أوصى المعهد بتوسيع نطاق التنسيق الإقليمي لمواجهة هذا التهديد المتزايد، وهو ما قد يتطلب استراتيجيات جديدة قد تشمل تحالفات متعددة وتعاون أمني موسع.
ـ تحولات استراتيجية: هل تجد “إسرائيل” الحل؟:
يبدو أن التهديد الذي تمثله صنعاء لا يقتصر على كونه تهديدًا عسكريًا فقط، بل يشمل أيضًا تداعياته الاقتصادية والسياسية. فالتأثير المباشر الذي فرضته الهجمات الصاروخية الحوثية على السفن الإسرائيلية، سواء عبر تعطيل التجارة أو من خلال محاولات الحد من حرية الملاحة في البحر الأحمر، قد يعيد التفكير في خيارات الرد الإسرائيلية.
وإذا كانت إسرائيل قد فشلت في ردع القوات الحوثية بالوسائل العسكرية التقليدية خلال الأشهر الماضية، فإنها قد تكون أمام خيارات محدودة في المستقبل.
ويشدد معهد الأمن القومي على أن أي تدخل عسكري ضد صنعاء قد يؤدي إلى تصعيد واسع في المنطقة.
فالحرب في غزة قد تكون قد أظهرت ضعفًا في الردع العسكري الإسرائيلي، في حين أن التصعيد ضد قوات صنعاء قد يُفضي إلى فتح جبهات متعددة تكون إسرائيل في غنى عنها، خاصة مع التوترات القائمة في جبهات أخرى مثل لبنان.
ومع ذلك، فإن إسرائيل لا يمكنها تجاهل تأثير الحصار البحري على اقتصادها، وهو ما يجعلها تبحث عن استراتيجية جديدة للحد من هذا التهديد، سواء عبر تكثيف التنسيق الإقليمي أو من خلال حلول عسكرية أكثر شمولًا.
ـ ماذا ينتظر “إسرائيل” في المستقبل؟:
في خضم هذا الواقع المعقد، يبقى السؤال الأكبر: هل ستتمكن إسرائيل من إيجاد استراتيجية فعالة لمواجهة تهديدات صنعاء، أم أن المنطقة ستشهد تصعيدًا أكبر يؤدي إلى توسيع دائرة الصراع؟. التحديات العسكرية والدبلوماسية في هذا السياق قد تكون أكبر من أي وقت مضى، خاصة إذا استمرت صنعاء في التصعيد والتمسك بمواقفها العسكرية.
ومع غياب ردع أمريكي فعال، وتزايد دعم القوى الإقليمية مثل إيران، قد تجد إسرائيل نفسها في مواجهة خيارات صعبة قد تؤدي إلى نتائج غير متوقعة على الصعيدين العسكري والسياسي في المنطقة.