تحت لافتة "خفض التوتر وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المتأثرين بالحرب في إقليم دارفور"، اجتمعت فصائل سودانية مسلحة عدّة في القاهرة، بتيسير من منظمة "برومديشن" الفرنسية ووزارة الخارجية المصرية، في ورشة خاصة بالأوضاع في الإقليم المضطرب.

وشارك في الورشة، التي عُقدت بعيدا عن وسائل الإعلام، ممثل لقوات الدعم السريع التي سيطرت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة على 4 ولايات من أصل 5 في دارفور.

كما حضرها ممثل لحركة "العدل والمساواة" بقيادة بارود صندل، وهي المجموعة التي خرجت عن الحركة الأم قبل أشهر عدة. وتجمع "قوى تحرير السودان"، وحركة تحرير السودان/المجلس الانتقالي، وتحالف المسار الديمقراطي، كما شاركت حركة العدل والمساواة السودانية الجديدة (التحالف السوداني).

ويلاحظ أن غالبية المجموعات التي وافقت على المشاركة في الاجتماع محسوبة على قوات الدعم السريع ولديها معها تفاهمات مسبقة وغير معلنة، لا سيما تحالف قوى المسار الذي كان يقاتل في ليبيا، وبعد الحرب التحقت أكثرية عناصره بقوات الدعم السريع.

وقدمت المنظمة الفرنسية الدعوة إلى كافة قوى الكفاح المسلح في دارفور، سواء تلك الموقعة على اتفاق السلام مع الحكومة أو غير الموقعة. لكن اثنتين من الحركات وهما "العدل والمساواة" بقيادة جبريل إبراهيم و"تحرير السودان" بزعامة مني أركو مناوي، قاطعتها احتجاجا على مشاركة قوات الدعم السريع.

بينما قال المتحدث باسم الجيش السوداني، في بيان الثلاثاء الماضي، إن "القوات المسلحة غير معنية بالورشة التي تيسّرها منظمة برومديشن الفرنسية، ولم تتلق دعوة رسمية، ولم تسمع بها إلا من خلال الوسائط".

غياب الجيش

وناقش المجتمعون إيجاد آلية مشتركة تضم الحركات المسلحة والجيش وقوات الدعم السريع لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب، كما أكدت ضرورة استمرار الجهود الرامية إلى حث الأطراف على العودة إلى طاولة التفاوض وتوقيع وقف إطلاق النار، حسبما ورد في البيان الختامي.

وركزت النقاشات، بحسب المتحدث باسم حركة العدل والمساواة جبريل آدم بلال، على إمكانية التوصل لوقف إطلاق نار وتكوين آليات مشتركة بين الدعم السريع والقوات المسلحة وقوى الكفاح المسلح، لمراقبة البند المتعلق بوقف إطلاق النار والتمكن بالتالي من تقديم المساعدات الإنسانية لكل السودان ولدارفور بشكل خاص.

وفرضت سيطرة الدعم السريع على 4 ولايات في دارفور وإيقاف الحكومة عمليات نقل المساعدات إلى الإقليم؛ على المشاركين تخصيص النقاشات حول كيفية استئنافها مجددا وفقا لحديث جبريل بلال، الذي يؤكد أن السلطات منعت كل أنواع المساعدات الدولية والإقليمية القادمة عن طريق بورتسودان باحتجازها في الإقليم الأوسط أو في كوستي بولاية النيل الأبيض، ومن ثم لم يتلق سكان دارفور مساعدات على مدى شهرين، كما توقفت القوافل التجارية.

وأعرب بلال عن أسفه، في حديثه للجزيرة نت، لغياب الجيش عن المناقشات، وهو أحد طرفي الصراع، معتبرا مقاطعته غير مبررة في ظل الأوضاع الإنسانية المعقدة للغاية بالإقليم، والتي كانت كفيلة كما يقول بدفعهم للحضور وبحث الحلول.

مئات الآلاف فروا هربا من العنف في دارفور (الفرنسية) مسارات للإغاثة

وأشار المتحدث إلى التأكيد خلال المناقشات على ضرورة فتح 3 مسارات بنحو عاجل لإيصال المساعدات عن طريق مصر وتشاد وجنوب السودان إلى دارفور مباشرة. كما تم بحث كيفية استخدام المطارات المحلية في مدن الفاشر ونيالا والجنينة، مع إمكانية تكوين آلية من كافة الأطراف لمخاطبة الجهات المسؤولة، والتأكد من أن المنقول للإقليم هو مساعدات إنسانية فقط.

وأضاف جبريل بلال "طالبنا أن تشارك في الآلية الإنسانية دول الجوار تشاد ومصر وجنوب السودان والمنظمات الإقليمية الفاعلة وفرنسا، والمنظمة (بروميديشن) هي المعنية بمتابعة مخرجات اللقاء في قابل الأيام".

وناقشت الورشة إمكانية أن تعمل الآلية المقترحة في جانب آمني وتتولى مراقبة وتهدئة الأوضاع بالتعاون مع القوات المشتركة والدعم السريع والجيش بجانب إدارة مناطق السيطرة، والعمل على تحويل الإدارة إلى عناصر مدنية بإشراف الآلية المشتركة، لتخفيف حدة التوتر بقدر الإمكان.

تباينات الحركات

ويقر بلال بوجود تباينات في قوى الكفاح المسلح من شأنها خلق تعقيدات، لكنه يلفت لتواصل المساعي بالتعاون مع الآخرين لتجاوزها. وبرزت التباينات التي عناها المتحدث في مقاطعة حركتي العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي لاجتماع القاهرة.

ورغم إرسال مناوي اثنين من كبار مستشاريه إلى مقر الورشة واجتماعهما بالقائمين عليها، إلا أنه أعلن لاحقا الانسحاب، وأوضحت الحركة، في بيان، أنها بعد مفارقتها الحياد حيال الحرب الحالية، فلن يكون لديها أي تنسيق بعيدا عن مخرجات مفاوضات جدة، وهو المنبر الذي يدار بوساطة سعودية أميركية لوقف الحرب في السودان.

وتحدثت تقارير صحفية عن أن المنظمة الفرنسية تجاوزت مناوي، ودعت القائد العام لجيش الحركة جمعة حقار. ونقلت التقارير عن مصادر أن مناوي أجرى اتصالا بمسؤولي "برومديشن" واتهمها بتنفيذ مخطط للدعم السريع يستهدف شق صفها.

وقبل هذه التطورات كانت الحركة قد عقدت اجتماعا، وقررت إرسال اثنين من القادة بجانب الفريق جمعة حقار شريطة تعديل الأجندة لتناقش الأزمة السودانية بشكل عام بدلا من حصرها في دارفور.

وقاطعت حركة العدل والمساواة الاجتماع أيضا؛ بسبب مشاركة الدعم السريع. ويوضح حسن فضل المتحدث باسم الحركة للجزيرة نت، أن حركته استفسرت من المنظمة عن مشاركة الدعم السريع، وأبلغتهم الأخيرة في بادئ الأمر بعدم حضوره، وتبيّن غير ذلك لاحقا.

وتابع "لدينا موقف معلن بأن الدعم ارتكب فظائع واستهدف المدنيين، وهذا ينافي مبادئ الحركة وقيمها، ولا يمكن أن نجلس معهم وهم لا يزالون ساديون في تصرفاتهم".

ويتحدث فضل عن غموض بشأن الأجندة وتخصيصها لدارفور، بينما خفض التوتر والتهدئة كان يجب أن يشمل كامل البلاد بما يتسق مع قيم الحركة ذات التوجه القومي.

ويقلل المتحدث من نتائج الاجتماع ويقول إنها "جزء من محاولات الإلهاء وتعديد المنابر، ولن تأتي بجديد في ظل الوضع الأمني الراهن؛ لأن الحاجة الملحة الآن هي إبداء كل الأطراف للجدية اللازمة، وأن يكف الدعم السريع عن الجرائم، ويتجه الجميع لمناقشة كيفية وقف الحرب، ومن ثم العمل في اتجاه المسألة السياسية".

ويعتقد المتحدث أن المجموعات المشاركة في الاجتماع كانت تحاور نفسها ودائما تحضر الاجتماعات مع الدعم السريع ولا خلاف بينهم. ويرى كذلك أن مقاطعة حركته وآخرين يجعل ورشة القاهرة بلا جدوى كما أن غياب الجيش -وهو رأس الرمح في القضية- يجعل الاجتماع كأنه "حرث في البحر".

مبارك بخيت: ناقشت الورشة تكوين آلية إنسانية مشتركة بقيادة دولية لإيصال المساعدات لدارفور (مواقع التواصل) صعوبة التنفيذ

وعلى النقيض يرى مبارك بخيت، أمين شؤون الرئاسة في حركة تجمع قوى تحرير السودان، أن غياب بعض الحركات لم يكن مؤثرا، لكن المؤسف وفق حديثه للجزيرة نت كان مقاطعة ممثلي الجيش، واصفا ذلك بأنه "انتكاسة".

ومع ذلك، يقول إنه جرى نقاش قضايا مهمة بينها تكوين آلية إنسانية مشتركة بقيادة دولية لإيصال المساعدات عبر جسر جوي أو بري بمراقبة المجتمع الدولي وإشراف القوة المشتركة للحركات المسلحة، خاصة أن توقف المساعدات الإنسانية عن دارفور لأكثر من شهرين كان له أثر بالغ في الأوضاع بالإقليم.

ويلفت بخيت إلى أن اجتماع القاهرة كان امتدادا للقاء عقد في أديس أبابا قبل نحو شهرين شاركت فيه الحركات المسلحة لبحث الوضع الإنساني في دارفور، وجرى تفاهم وقتها على ضرورة توجيه الدعوة إلى طرفي القتال لمناقشة أمرين أساسيين هما: وقف إطلاق نار محدود على الأقل على مستوى الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، ومنع قصف الطيران وإيصال المساعدات الإنسانية.

ورأى أن انحياز بعض الأطراف الموقعة على اتفاق جوبا للجيش السوداني أثر في إيصال المساعدات بتوقف القوافل التجارية والإنسانية التي كانت تشرف على تأمينها القوة المشتركة.

ولا يبدو للعيان أن توصيات الورشة الداعية لتخصيص مطارات في نيالا والجنينة لإيصال العون ستجد طريقها للتنفيذ، خاصة أن تلك المدن خاضعة لسيطرة الدعم السريع وبالإضافة لرفض الجيش المتوقع لهذه التوصيات.

كما أن قوى مسلحة في دارفور أيضا تعارض الخطوة خشية استغلال الدعم السريع للمطارات في نقل الإمداد العسكري، وهو خلاف من شأنه تفجير مواجهات بين الدعم والحركات الحليفة للجيش، وتتمتع بثقل عسكري واجتماعي خاصة في شمال دارفور.

ووفق مراقبين، فإن إيصال المساعدات عن طريق مطارات داخلية في دارفور معرض لخطر الاستهداف عن طريق الطيران الحربي الذي كثف خلال الثلاثة أسابيع الماضية عملياته الجوية في مناطق نائية بالإقليم وبعض المدن الرئيسة بزعم القضاء على إمداد عسكري وصل الدعم السريع، بينما يقول الأخير إن العمليات الجوية تسببت في مقتل أعداد كبيرة من المدنيين.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المساعدات الإنسانیة العدل والمساواة تحریر السودان الدعم السریع فی دارفور عن طریق

إقرأ أيضاً:

فك الخلاف ما بين تحالف السودان التأسيسي و”الديمقراطيين السودانيين” والدعم السريع

بقلم: على كمنجة

تواصل معنا العديد من الأصدقاء بشأن الخطوة التي أقبلت عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال ، بتوقيها على ميثاق السودان الجديد التأسيسي ، مع عدد من الأحزاب السياسية، والدعم السريع .
وأغلب المتواصلين كانو من المؤيدين للخطوة بقوة. بينما البعض ، وهم موضوع هذا المقال ، انتقدوا موقف الحركة الشعبية ، مقدمين بعض الحُجج ، أهمها حُجتين :
الحُجة الأولى : يقولون فيما معناه " أن الحركة الشعبية كان الأصح أن تحتفظ بتحالفاتها مع القوى الديمقراطية ، بدلا من تأسيها لتحالف جديد يتكون من عناصر مشكوك في ديمقراطيتها - حسب قولهم " .
اما الحجة الثانية : " لماذا تتحالف الحركة الشعبية مع الدعم السريع الذي يعتبر " حسب قولهم ايضا " مسؤولا عن الانتهاكات التي ارتكبت ضد المواطنين خلال حرب ١٥ ابريل الجارية.
وفي هذا المقال نريد ان نناقش هاتين الحُجتين بشئ من الحكمة ، وبعقل مفتوح ، عسى ولعل أن نضفي نوع من " الموضوعية " على النقاشات التي دارت حول هذا الأمر خلال الفترة السابقة
اولا : حسب ما درج في السودان ، فأن وصف " الديمقراطيين " يطلق على القوى التي قاومت شمولية الإنقاذ طوال فترة حكمها ، ابتداءا بالتجمع الوطني الديمقراطي ، الذي أُسس في تسعينيات القرن الماضي ، ومرورا بتحالفات الإجماع الوطني ، والفجر الجديد ، والجبهة الثورية ، ونداء السودان ، حتى تحالف الحرية والتغير .
وبالرغم من ان مصطلح " الديمقراطيين " يستخدم للاشارة الى القوى السياسية والمجتمعة التي تعمل من أجل تعزيز الديمقراطية في السودان ، لكن في حقيقة الامر هذه القوى يوجد بداخلها تباينات حول " تصور الديمقراطية " الذي يختلف من حزب لأخر .
الحركة الشعبية شمال مثلا ، تعتبر أنه لا وجود للديمقراطية بدون فصل الدين عن الدولة ( العلمانية ) ، بينما هناك قوى اخرى لم تحسم أمرها بعد بشأن هذه القضية .
وهناك العديد من القضايا الأخرى لا تزال غير متفق حولها ،كقضية العدالة الانتقالية / والعدالة التاريخية ، واسباب المظالم التاريخية التي وقعت ضد شعوب معينة في السودان ، وتماهي الدولة القديمة مع علاقات القرابة ، بدلا من علاقات المواطنة ، والكثير من التفاصيل الأخرى، التي ظلت محل خلاف بين " الديمقراطيين " طوال الثلاثين عاما الماضية .
وبالتالي فأن ادعاء أي طرف بأنه صاحب " الجلد والرأس " الوحيد للقوى الديمقراطية ، يعتبر ادعاء باطل ، وهذه ليست المرة الأولى التي تتباين فيها مواقف القوى الديمقراطية ، على سبيل المثال ، عقب اندلاع الثورة الشعبية الظافرة في ديسمبر ٢٠١٨ ، واطاحتها بنظام البشير ، اعتبرت الحركة الشعبية شمال أن سقوط نظام الأسلاميين في السودان يمثل لحظة تاريخية وفرصة لمعالجة أزمات الدولة ، التي تتجلى في العلاقة الملتبسة بين " الدولة والمجتمع " ، وعندما نقول المجتمع نعني بذلك الشعوب السودانية المتنوعة التي تقطن في داخل الحدود الجغرافية للسودان الحالي ، وايضا العلاقة الملتبسة بين الدين والدولة ، وبين القبيلة والدولة ، وبين الثقافة والدولة ، بين الحكومة والدولة ، وما تسببت فيه هذه الألتباسات من كوارث ، أدت إلى تعثر الديمقراطية في السودان ، واشعال الحروب الأهلية ، وتصدع لُحمة النسيج الوطني الذي يجمع بين السودانيين على أسس العدالة والمساواة .
لكن القوى المحسوبة على " الديمقراطيين السودانيين " والتي تشكلت في تحالف " الحرية والتغير " ذهبت في اتجاه مختلف تماما ، بقبولها للشروط التي وضعها المجلس العسكري حينها ، والتي اشترطت عدم المساس بطبيعة الدولة القائمة ، بالرغم من الاختلالات الفاضحة التي تقوم عليها هذه الدولة كما اسلفنا .
وقد رأئينا كيف سكتت اعداد كبيرة من " الديمقراطيين " عن الإجراءات الأنتقالية المهمة التي من شأنها أن تضع حدا " للدولة القديمة " القائمة على " اخضاع " الشعوب السودانية عبر العنف المفرط .
بالرغم من كل ذلك ، لم يحدث أن وصفت الحركة الشعبية شمال هذه القوى بأنها فارقت طريق الديمقراطية ، كما يصف الان البعض الحركة الشعبية بعد مشاركتها في تحالف السودان التأسيسي .
اضافة الى ذلك ، لا اعتقد اننا مضطرين بأن نُذًكر البعض " ان الشعب السوداني لم يعد في ذاك العصر الذي يمتلك فيه شخص واحد " مفاتيح التحالف الديمقراطي " في جيبه ... هذا زمانا ولى ولن يعود ".
أن تحالف قوى السودان التأسيسي يجمع في طياته قوى وطنية وديمقراطية وثورية لا تقل شأنا عن الديمقراطيين السودانيين الآخرين ، ولذلك فأن المزايدات والاتهامات العبثية ، والتشكيك في مواقف وتقديرات الأخرين ، لن تفيد بشئ ، وانما ما يفيد هو توجيه جهودنا نحو هدفنا المشترك كقوى تؤمن بضرورة تعزيز الديمقراطية في السودان ، بالرقم من التباين في المواقف ، التي يمكن ان نقلصها عبر معالجة قصورنا الذاتي ، و الاستمرار في الحوار فيما بيننا .
اما ما يتعلق بمشاركة الدعم السريع ، كعضو مؤسس في تحالف قوى السودان التأسيسي " تأسيس ) ، والحديث الكثيف الذي صاحب ذلك ، يجب أن نتفق اولا أن الدعم السريع حتى صبيحة ١٥ ابريل ٢٠٢٥ كان طرفا في حكومة السودان الانتقالية ، وقبل ذلك كان طرفا في الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس ٢٠١٩ ، وقبلها كان طرفا في تطورات الأحداث بعد إسقاط نظام البشير ، التناقض الوحيد الذي أثير وقتها ، هو وجود الدعم السريع كقوى منفصلة عن الجيش ، وهو ما تشكل على اثره توافق سياسي بضرورة مشاركة الدعم السريع في العملية السياسية المفضية إلى ادماجه في القوات المسلحة السودانية ، بالتالي فأن مسألة عزل الدعم السريع من العملية السياسية الانتقالية تعتبر قضية غير مطروحة من ضمن الاجندة ، على الاقل في حقل القوى الديمقراطية ، وهذا ما يهمنا .
ثانيا : الدعم السريع ليس حزب سياسي ، وهو بنفسه، لم يقول انه حزب سياسي ، وبالتالي فأن التسأولات التي يطرحها البعض حول ، كيف الحركة الشعبية شمال تعقد تفاهمات مع تنظيم ليس لديه رؤية سياسية معروفة ولا منفستو ولا هياكل تنظيمية ، تصبح تساؤلات لا مكان لها من الأعراب .
حقيقة الأمر هي أن الدعم السريع كان طرفا في حكومة الأمر الواقع في السودان ، التي تفاوضت معها الحركة الشعبية شمال حول السلام ، في عدد من الجولات منذ العام ٢٠١٩ ، والحرب التي اندلعت في ١٥ ابريل هي حرب بين طرفي المكون العسكري لحكومة الأمر الواقع ، وفي هذا السياق فأن الدعم السريع لا شك انه يلعب دور رئيسي في إيقاف الحرب وتحقيق السلام على مستويين ، المستوى الأول إيقاف حرب ١٥ ابريل المستمرة بينه وبين الجيش ، والمستوى الثاني إيقاف الحروب المستمرة في السودان منذ سنوات سبقت حرب ١٥ ابريل ، في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق ، وكل هذه العمليات تتحرك ضمن اطار أوسع يعمل من أجل وقف الحروب وتحقيق السلام في السودان ، تشارك فيه بأشكال مختلفة قوى داخلية ، وقوى اقليمية ودولية .
في هذا السياق تتحاور الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال ، مع الدعم السريع ، ومع جميع المكونات السياسية والمجتمعية الأخرى ، لأحلال السلام في السودان ، وللمعلومية أن الحركة الشعبية شمال ظلت منفتحة منذ العام ٢٠١٩ ، على الحوار مع المكونات التي ساهمت في ثورة ديسمبر المجيدة ، سوى كانت القوى السياسية الديمقراطية ، او المكون العسكرى ، او مجموعات المقاومة النقابية و الشعبية المستقلة ، إلى أن تتوج ذلك بميثاق قوى السودان التأسيسي " تأسيس " ، الذي خاطب القضايا الجذرية للأزمة في السودان .
هذا ما يتعلق بدور الدعم السريع ، وموقعه في العملية السياسية الانتقالية المقبلة في السودان ، والذي ذكرنا انه ليست محل اختلاف ، إلا لمن أراد ان " يختلق " اختلافا من العدم ، وبالتالي لا أحد يمكن ان يزايد على الحركة الشعبية شمال في هذا الأمر ، اما اؤلئك الذين يحاولون شن سهامهم تجاه تحالف قوى السودان التأسيسي عبر بوابة انتهاكات حرب ١٥ ابريل ، التي يحملون مسؤوليتها ( بضربة واحدة ) للدعم السريع ، فهؤلا إما خصوم ، ممن يهدد الميثاق التأسيسي امتيازاتهم غير المشروعة ، وهؤلا في الغالب هم كيزان او متملقين / انتهازيين مستفيدين من الحرب .
او إما ضحايا للخطاب السائد الذي تبثه الأجهزة الدعائية لجيش البرهان ، وهو خطاب مسموم ، مقصود به دق طبول الحرب تحت رايات العنصرية والكراهية التي ستحرق " البيت " على رؤوس الجميع .
هناك الكثير من " المسكوت عنه " .بشأن انتهاكات حرب ١٥ ابريل ، ومن مصلحة وطننا أن لا نغمض أعيننا عن ذلك . كما يعلم الجميع ، ان اغلب هذه الانتهاكات حدثت في ولايتي الخرطوم والجزيرة ، وهي من أكثر الولايات في السودان التي تظهر فيها تقسيمات المجتمع الطبقية متماهية مع التقسيمات الاثنية والقبلية في السودان بشكل صارخ ، وتظهر الفوارق في نوعية العيش بين الاحياء الفارهة التي تقطنها مكونات اجتماعية بعينها ظلت تتمتع بميزات اقتصادية وسياسية أفضل ، والحواري والكنابي التي تقطنها مجموعات مهمشة ظلت لسنوات طويلة يمارس ضدها ظلم شنيع تحت سمع ونظر الدولة ، فماذا يمكن ان نتوقع بأن يحدث بعد ان انهار الجيش والشرطة والأمن من أول طلقة .
الدعم السريع نفسه كان جزءا من مؤسسات حفظ الأمن وحماية ممتلكات المواطنين ، ولكن هذه المؤسسات بما فيها الدعم السريع والجيش وغيرها ، تشظت ودخلت في حرب فيما بينها .ولذلك من منظورنا أن مسألة الأنتهاكات التي تعرض لها المواطنين خلال حرب ١٥ اكتوبر كانت نتيجة لأزمة الدولة نفسها ، التي انهارت أجهزتها في غمضة عين ، في ظل وضع اجتماعي ملئ بالمظالم ، وقابل للانفجار في اي لحظة ، وليس كل من سرق ونهب هو من الدعم السريع ، هذه حقيقة بائنة للعيان ، الا من كان في عينه رمد .
شئ آخر ايضا ، ما يتعلق بالانتهاكات ونهب ممتلكات المواطنين التي حدثت في ولاية الجزيرة ، وسنار وسنجة هل المسؤول عنها قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو " حميدتي " ، ام ابوعاقلة كيكل قائد قوات " درع السودان" التي كانت موالية للجيش عند اعلانها ، ثم اصبحت فيما بعد مع الدعم السريع ، و هزمت الجيش في هذه المناطق ؟؟ .
واين يصطف " كيكل " الآن؟؟ .
لذلك ، فأن المشلكة لم تبدأ مع الدعم السريع ، بل هي مشكلة قائمة في عضم الدولة القديمة منذ سنين خلت ، وعلينا ان نتذكر أن ممارسات النهب والانتهاكات ضد المدنيين ظلت ترتكب ضد السودانيين في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق ، وقبلها جنوب السودان طوال السبعين عاما الماضية ، وحينها لم يكن الدعم السريع موجودا .
اغلب سكان هذه المناطق أخذتهم دوامة النزوح واللجوء اللعينة ، لا يتحدثون عن " منزل او مكان أقامة " من اساسه ، فذلك عندهم نوع من الترف .
هاولاء ايضا هم اُسر واطفال وأباء وامهات ، فقدوا كل شئ قبل اربعين وثلاثين عاما ، مثلما فقدت اُسر ومجتمعات وسط السودان " الخرطوم والجزيرة ، ممتلكاتهم ومنازلهم خلال حرب ابريل الجارية حاليا ، فكل هذه المآسي هي نتائج للحرب ، واذا اردنا معالجة ذلك يجب مخاطبة أسباب الحرب ، بدلا من البكاء على النتائج .
اخيراً وليس اخراً ، ان مشروع السودان الجديد التأسيسي " تأسيس " كما اسلفنا ، هو مشروع يستهدف " قلب قواعد اللعبة " chang the game ، وبالتالي فهو لا يتماشى مع اهواء عقلية " تكرار التجارب الفاشلة " the train track " ، لذلك فأن هذا المشروع ربما يأخذ وقتاً ، لكنه على أي حال لن يسرق سبعين عام أخرى من عمرنا .

ولنا عودة

aosman@alhagigasouthsudan.com  

مقالات مشابهة

  • السودان.. «الدعم السريع» يهدد بالتصعيد ويحدد خريطة عملياته
  • فك الخلاف ما بين تحالف السودان التأسيسي و”الديمقراطيين السودانيين” والدعم السريع
  • حميدتي: الدعم السريع لن يخرج من الخرطوم أو القصر الجمهوري
  • تجهيز مدينة سودانية لتكون عاصمة الحكومة الموازية
  • هل دخل السودان عصر الميليشيات؟
  • محمد أبو شهاب وأمين عام "أطباء بلا حدود" يبحثان الأزمة الإنسانية في السودان
  • تحليل الوضع الراهن في السودان وتحديات مستقبل الدعم السريع
  • أوضاع إنسانية كارثية.. القاهرة الإخبارية تكشف تطورات الأوضاع في قطاع غزة
  • ستة قتلى في قصف قوات الدعم السريع لمدينة استراتيجية  
  • السفير الحارث: الحرب لن تتوقف إلا حين توقِف الإمارات دعمها لمليشيا الدعم السريع