تداعيات حذرة.. كيف تؤثر الحرب فى غزة على الاقتصاد الأوروبي؟
تاريخ النشر: 27th, January 2024 GMT
آثار منشور منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى جوزيب بوريل على منصة التواصل الاجتماعى "إكس" بعد 100 يوم من الحرب الإسرائيلية على غزة والذى قال فيه "أوروبا فى خطر" قلق الكثير من المحللين داخل الأوساط الأوروبية وخاصة على الصعيد الاقتصادي.
فخلال أكثر من شهرين منذ بدء الحرب بين حركة حماس الفلسطينية وإسرائيل، بذل الاتحاد الأوروبى جهودًا دبلوماسية مكثفة لإنهاء الحرب، ورغم أن هذه الجهود لم تكن مثمرة حتى الآن، إلا أن رؤساء الاتحاد ما زالوا يحذرون من مغبة عواقب إطالة أمد هذه الحرب.
فى وقت سابق، حذر الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إسرائيل من أن "التدمير الكامل لحماس سيجعل الحرب أطول بعشر سنوات"، كما أن ماكرون لم يعتبر أن تكلفة حياة الفلسطينيين ضمانة لتحقيق هدف "الأمن المستدام" لإسرائيل، والذى يعتقد أنه يمكن تحقيقه من خلال احترام الرأى العام فى المنطقة. ولكن بغض النظر عن المعادلات السياسية والتكاليف التى تفرضها الحرب على كافة الأطراف، فما مدى أهمية أمن إسرائيل المستقر من الناحية الاقتصادية بالنسبة للاتحاد الأوروبي؟
وهو ما يمكن توضيح أبرز ملامحه على النحو التالي:
أولًا: فقدان شريك تجارى موثوق
طبقًا للبيانات التى نشرها مكتب الإحصاء التابع للمفوضية الأوروبية (يوروستات) يعد الاتحاد الأوروبى أكبر شريك تجارى لإسرائيل، حيث مثل حجم التبادل التجارى فيما بينهما ٢٨.٨٪ فى عام ٢٠٢٢. وخلال العام ذاته، جاءت ٣١.٩٪ من البضائع المستوردة لإسرائيل من الاتحاد الأوروبى وكانت وجهة ٢٥.٦٪ من البضائع المصدرة لتل أبيب هى الاتحاد الأوروبي.
وتعد إسرائيل أيضًا الشريك التجارى الخامس والعشرين للاتحاد الأوروبي، وكانت حصتها ٠.٨٪ من إجمالى التجارة السلعية للاتحاد الأوروبى فى عام ٢٠٢٢. وبلغ إجمالى التجارة السلعية بين الاتحاد الأوروبى وإسرائيل فى الأشهر العشرة من عام ٢٠٢٣ ٣٥.٤٥ مليار يورو، وكان هذا الرقم ٤٦.٥ مليار يورو فى ١٢ شهرًا من العام الماضي.
فى عام ٢٠٢٢، صدرت إسرائيل ما مجموعه ١٧.٤٨ مليار يورو من البضائع إلى الاتحاد الأوروبي، بما فى ذلك الآلات ومعدات النقل (٧.٦ مليار يورو، ٤٣.٤٧٪)، والمواد الكيميائية (٣.٥ مليار يورو، ٢٠٪)، وسلع مصنعة أخرى (١.٩ مليار يورو، ١٠.٨٪). وفى المقابل، صدر الاتحاد الأوروبى ما يزيد على ٢٩ مليار يورو من البضائع إلى إسرائيل، معظمها آلات ومعدات نقل (١٢.٣ مليار يورو، ٤٢.٣٪)، مواد كيميائية (٥.١ مليار يورو، ١٧.٥٦٪)، وبضائع مصنعة أخرى (٣.٥ مليار يورو، ١٧.٥٦٪).
وتظهر هذه البيانات أن الميزان التجارى بين الاتحاد الأوروبى وإسرائيل على مدى السنوات الخمس الماضية كان دائمًا أكثر من ٨ مليارات يورو لصالح الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبي.
ثانيًا: قفزات فى تبادل الخدمات بين الطرفين
بالإضافة إلى تجارة السلع، شهد الجانبان أيضًا عملية تبادل تجارى متنامى فى مجال تصدير الخدمات خلال الـ ١٢ عامًا السابقة على عام ٢٠٢١؛ حيث وصلت صادرات الخدمات من الاتحاد الأوروبى إلى إسرائيل من نحو ٣ مليارات يورو عام ٢٠١٠ إلى ما يقرب من ١٠ مليارات يورو عام ٢٠٢١، وهو ما يمثل قفزة بنسبة ٢١٧.٧٪. وفى الفترة نفسها، زادت أيضًا صادرات الخدمات من إسرائيل إلى الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى بنسبة ١٤٧٪ من ٢.٨ مليار يورو إلى ما يقرب من ٧ مليارات يورو.
وبذلك، ارتفع إجمالى تبادل الخدمات بين الدول الأعضاء الـ ٢٧ فى الاتحاد الأوروبى وإسرائيل، بين عامى ٢٠١٠ و٢٠٢١، من ٥.٨٩٥ إلى ١٦.٧ مليار يورو. ولذلك يمكن القول إن الحرب فى غزة وفقدان عملة إسرائيل الشيكل لقيمتها سيكون له عواقب وخيمة على العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبى وتل أبيب.
ثالثًا: انخفاض قيمة الاستثمار الأجنبى المباشر
من المؤكد أن إطالة الحرب الدائرة فى غزة ستؤدى إلى التأثير بالسلب على قيمة الاستثمار الأجنبى المباشر بين بروكسل وتل أبيب، فبحسب إحصاءات مكتب الإحصاء التابع للمفوضية الأوروبية (يوروستات)، بلغت القيمة التراكمية للاستثمار الأجنبى المباشر الأوروبى فى إسرائيل فى نهاية عام ٢٠٢١ ٦٠.٥ مليار يورو، وبلغ متوسطها على مدى أربع سنوات أكثر من ٤٨.٢ مليار يورو.
كما بلغت القيمة التراكمية للاستثمار الأجنبى المباشر من قبل الإسرائيليين فى الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى فى نهاية عام ٢٠٢١، ٥٠.١ مليار يورو. وبين عامى ٢٠١٨ و٢٠٢٠، انخفض هذا الرقم من ٦٥.٥ إلى ٤٦.٩ مليار يورو، لكنه ارتفع مرة أخرى بعد عام.
رابعًا: البحث عن مصدر جديد للطاقة
قدمت إسرائيل نفسها خلال ما يقرب من عامين منذ الهجوم العسكرى الروسى على أوكرانيا، باعتبارها أحد المصادر البديلة لصادرات النفط والغاز الروسية إلى الاتحاد الأوروبي. وفى فبراير الماضي، أرسلت تل أبيب أول شحنة من النفط إلى أوروبا، وهو النفط المستخرج من حقلها الواقع فى شرق البحر الأبيض المتوسط. كما قامت شركة توتال الفرنسية بأعمال الحفر فى حقل إسرائيلى آخر يسمى "قانا".
وأعلنت إسرائيل فى يوليو الماضى عن استثمار ٥٦٨ مليون دولار من أجل بناء خط الأنابيب الثالث لمشروع تصدير غاز حقل ليفياثان، والذى كان الهدف الرئيسى منه تصدير الغاز الطبيعى وتصديره إلى أوروبا، وبسبب عدم الاستقرار الذى تعانى منه تل أبيب فى الوقت الحالي، ستضطر الدول الأوروبية إلى البحث عن مصدر آخر للطاقة، ومن المتوقع أن تكون التكلفة أعلى فى مثل هذه الحالة ولاسيما فى ظل حالة عدم الاستقرار التى تعانى منها أسواق الطاقة فى الوقت الحالي.
خامسًا: زيادة الدعم المالى الأوروبى لتل أبيب
بالإضافة إلى خطة الاتحاد الأوروبى الهادفة لتطوير التجارة مع إسرائيل على أساس الاتفاق بين الجانبين فى عام ٢٠٠٠، يقدم الاتحاد الأوروبى المساعدة السياسية والمالية لإسرائيل فى إطار سياسة الجوار الأوروبية. وتخصص هذه المنح فى معظمها لمشاريع فى مجالات التعليم والاتصالات وإدارة المياه، والتى تبلغ فى المتوسط ١.٨ مليار يورو سنويًا.
وانطلاقًا من استمرار الحرب فى غزة وتدهور وضع الاقتصاد الإسرائيلي، تطالب بعض التيارات داخل الاتحاد الأوروبى بضرورة زيادة المساعدات المقدمة لتل أبيب لمحاولة إنقاذ اقتصادها، وهو ما يفرض ضغوط كبيرة على اقتصاد دول الاتحاد الأوروبى الذى لا يبدو فى أفضل حالاته. ويأتى ذلك فى سياق نية الاتحاد الأوروبى لمواصلة تطوير تعاونه مع إسرائيل فى شكل ميزانيته المحددة للفترة ٢٠٢١-٢٠٢٧، باستخدام الإطار الجديد المصمم لتطوير التعاون الدولى (NDICI).
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: حرب غزة الاقتصاد الأوروبي الاتحاد الأوروبی الاتحاد الأوروبى الدول الأعضاء ملیارات یورو ٥ ملیار یورو من البضائع فى الاتحاد إسرائیل فى عام ٢٠٢١ ٨ ملیار فى عام فى غزة
إقرأ أيضاً:
باحثة سياسية: انسحاب إسرائيل من لبنان ضرورة.. والحكومة تضع الإصلاحات أولويتها
أكدت الدكتورة زينة منصور، الأكاديمية والباحثة السياسية، أن تصريحات رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام بشأن أولوية انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي اللبنانية تأتي في إطار الالتزام بالتعهدات الدولية.
وأشارت إلى أن الحكومة اللبنانية الحالية تحظى بدعم دولي وعربي غير مسبوق، كما نالت الثقة المحلية للعمل على تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الحيوية خلال فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز 14 شهرًا.
وفي مداخلتها مع الإعلامية حبيبة عمر في برنامج "المشرق العربي" على قناة "القاهرة الإخبارية"، أوضحت منصور أن الحكومة وضعت على عاتقها مجموعة من الملفات الحيوية على رأس أولوياتها، أبرزها تطبيق القرار الدولي 1701، الذي ينص على ضرورة احتكار الجيش اللبناني للسلاح، إضافة إلى إجراء الانتخابات النيابية والبلدية في مواعيدها المحددة.
إصلاح القطاع المصرفي وإعادة هيكلة الاقتصاد اللبنانيكما تطرقت إلى أهمية التعيينات الإدارية في قطاعات حيوية مثل الكهرباء، والاتصالات، والطيران المدني، والإعلام. وأكدت أن الحكومة تسعى أيضًا إلى إصلاح القطاع المصرفي وإعادة هيكلة الاقتصاد اللبناني، الذي يعاني من أزمة مالية مستمرة منذ عام 2019.
وقالت منصور إن لبنان يواجه أزمة مالية خانقة، حيث بلغ الدين العام 100 مليار دولار، في حين تتراوح الخسائر المالية في البنك المركزي اللبناني بين 70 و77 مليار دولار. كما أكدت أن لبنان يواجه تحديات اقتصادية ضخمة، من أبرزها ضرورة استعادة أموال المودعين التي تقدر بحوالي 90 مليار دولار، بينما لا يتجاوز احتياطي البنك المركزي 11 مليار دولار. وأوضحت أن الحكومة تهدف إلى تنشيط الاقتصاد الإنتاجي لزيادة النمو وتقليل الاعتماد على القروض والمساعدات الخارجية، فضلاً عن السعي لاستعادة الثقة في النظام المالي، خاصة بعد وضع لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF) بسبب الشبهات المتعلقة بتمويل الإرهاب وغسل الأموال. وأضافت منصور أن الحكومة تسعى أيضًا إلى إعادة هيكلة القطاع المصرفي بشكل عادل، بحيث لا يتحمل المودعون وحدهم الخسائر.
فيما يخص ملف إعادة الإعمار، أشارت منصور إلى أنه يمثل أولوية قصوى، خاصة أن الخسائر الاقتصادية جراء الحرب الأخيرة تُقدر بين 8 و10 مليارات دولار. تشمل هذه الخسائر حوالي 5 مليارات دولار نتيجة لتدمير الوحدات السكنية، سواء بشكل كلي أو جزئي، بالإضافة إلى خسائر مماثلة في المؤسسات التجارية والشركات.
وذكرت أن الدول المانحة تشترط تقديم المساعدات والقروض الميسرة مقابل التزام لبنان بالقرارات الدولية، وأبرزها القرار 1701، الذي يطالب بإحتكار السلاح بيد الجيش اللبناني، وكذلك تنفيذ الإصلاحات المالية والإدارية المطلوبة.
وأكدت منصور أن الحكومة اللبنانية تواجه اختبارًا بالغ الصعوبة في إعادة بناء الاقتصاد الوطني. وشددت على أن نجاحها في تحقيق الإصلاحات المطلوبة على الصعيدين الدولي والمحلي سيكون مفتاحًا لاستعادة الثقة في النظام اللبناني، وضمان استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية في البلاد على المدى الطويل.