اليمن في غزة: ثورة ضد الحدود!
تاريخ النشر: 27th, January 2024 GMT
اليمن في غزة: ثورة ضد الحدود
هذه الثورة ضد الانعزالية القُطرية كانت ترياقاً فعّالاً لسموم الانقسامات التي أنتجت الحرب الأهلية.
الربط بين الوطني والقومي هو الأقدر على معالجة الانقسامات الداخلية. إهمال شرعية فلسطين والأمن القومي العربي ليس طريقاً للازدهار.
الأنظمة العربية تستبدل الأمن الوطني (أمن النظام) بالأمن القومي العربي، وتشدّد على هوية قُطريَّة، تتمحور غالباً حول تاريخ منقرض يعيش في المتاحف.
لم يقف ضرر الوطنية الانعزالية عند الإضرار بفلسطين والأمن القومي العربي وتكريس الهيمنة الغربية بالمنطقة بل امتدّ الضرر ليشمل الدولة العربية نفسها.
فاقم التخلّي عن شرعية فلسطين من أزمة شرعية الدولة الوطنية، وتبيّن أن الهويات القُطرية ليست سوى قشرة تغطي سيادة الهويات الفرعية، الطائفية منها والعشائرية
أثبت النموذج اليمني في نصرة غزة أن تحطيم الحدود القُطرية وكسر الحالة الانعزالية طوق نجاة للدولة العربية من أزمة شرعيتها، وطريق أساسي لتحقيق وزن نوعي إقليمي.
* * *
كانت قضية فلسطين، بفعل موقع فلسطين الجغرافي، والاستعمار الإحلالي فيها، عنواناً أساسياً للهوية العربية الجامعة، ومفهوم الأمن القومي العربي.
التخلّي عن هذه القضية بشكل رسمي من قبل بعض الأنظمة العربية، للانضواء ضمن شبكة المصالح الغربية، أو تعزيز موقعها فيها، جاء مصحوباً بنزعة وطنية انعزالية، تستبدل الأمن الوطني (أمن النظام) بالأمن القومي العربي.
وتشدّد على هوية قُطريَّة، تتمحور غالباً حول تاريخ منقرض يعيش في المتاحف، وعبادة الزعيم الفرد، والتناقض مع «الآخر» العربي والتمايز عنه، باعتباره مجرد حاقد على التاريخ العظيم، أو واقع الرفاه وخطط المستقبل المذهلة.
لم يقف ضرر الوطنية الانعزالية عند الإضرار بفلسطين، والأمن القومي العربي، بتكريس الهيمنة الغربية في المنطقة، وإنما امتدّ الضرر ليشمل الدولة الوطنية نفسها، فقد فاقم التخلّي عن شرعية فلسطين من أزمة شرعية الدولة.
وتبيّن أن الهوية القُطرية ليست سوى قشرة تغطي سيادة الهويات الفرعية، الطائفية منها والعشائرية، وتسبّبت الإخفاقات على أنواعها في تغذية الانقسامات الداخلية، ولم يحقق النموذج الانعزالي وعوده بالازدهار، وقاد كل هذا إلى مزيد من الهشاشة الداخلية، وضعف التأثير إقليمياً.
بعد السابع من أكتوبر، قدّم اليمن نموذجاً معاكساً. في سياق استمرار التخلي العربي الرسمي عن فلسطين، أو التواطؤ ضدها، تحركت حكومة صنعاء لتكسر قيود الانعزال في إطار الحدود القُطرية، وجمعت بشكل فريد بين نزعة ثورية ضد الحدود والاستعمار المتجسد في إسرائيل وداعميها، وخطاب دولة تقوم بمسؤوليتها في تفعيل مفهوم الأمن القومي العربي.
الخطاب المعبّر عن الفعل الميداني اليمني المؤثر في معركة غزة كان بدوره مؤثراً ومهماً، إذ جمع هذا الخطاب بين رفع شعار الانتصار لمظلومية أهل غزة، والاستجابة لنداءات أحرار اليمن والأمة. تمكّن هذا الخطاب من الصعود بالهوية الوطنية إلى معنى عربي جامع، وتعامل مع اليمنيين كجزء من أمّة تتعرض للعدوان، وتؤدي واجبها في التصدي له.
هذه الثورة ضد الانعزالية القُطرية كانت ترياقاً فعالاً لسموم الانقسامات التي أنتجت الحرب الأهلية في اليمن، فتوحّدُ المتخاصمين حول الفعل اليمني المساند لغزة، والدعم من غالبية الأطراف والنخب السياسية اليمنية لتحرّك حكومة صنعاء، قدّمَ فرصةً تاريخية لمخرجٍ من الحرب الأهلية.
قامت حركة «أنصار الله» بالدعوة إلى التوحّد على المستوى العربي، فقال مسؤولوها صراحةً إن الخسارة في الحروب الأهلية العربية أكبر من أي خسارة في مواجهة العدو الصهيوني، ودعوا إلى تجاوز الخلافات وعقد المصالحات والالتفات إلى المعركة الكبرى مع الصهاينة وداعميهم. أعطت هذه الدعوة صدقية عالية لخطابهم في الداخل اليمني، وتقديراً عالياً لهم على المستوى العربي.
في هذا النموذج اليمني، يبرز عمل الجمهور اليمني بوصفه العمل الشعبي العربي المؤثر في المعركة، فلم تكن الأزمات الاقتصادية والمعيشية، أو التهديد الأميركي ثم العدوان، عائقاً يمنع هذا الجمهور من الخروج والتظاهر دعماً لتحرك حكومة صنعاء.
عزلَ الجمهورُ اليمني، بالتفافه حول خيار إسناد غزة عسكرياً، الأطرافَ السياسية اليمنية التي اختارت الانحياز للغرب الاستعماري والعدوان على اليمن. ولم يتعامل هذا الجمهور، كما حكومة صنعاء، مع أهل غزة كـ«آخر» يستحقّ التعاطف، وإنما «أنفسنا» التي ندافع عنها.
هذا التجسيد العملي للعروبة، ولمجابهة الاحتلال الصهيوني بوصفه خطراً على الأمّة كلها، يفسّر احتفاء أهل غزة والجمهور الفلسطيني والعربي بالدور اليمني في المعركة. حين يقول مسؤولون يمنيون إنهم مستعدون للذهاب حتى النهاية نصرةً لغزة، ولو لم يبقَ منهم أحد، أو أن نفوسهم ترتاح وينزاح خجلهم حين يُقصفون كما يُقصف أهل غزة، فإن لهذا وقعاً كبيراً في نفوس أهل غزة وعامة الجمهور العربي، وخاصة أنه خطاب مصحوب بفعل ميداني كبير، له تأثيره على الصهاينة ومن يدعمهم.
أثبت النموذج اليمني في نصرة غزة أن تحطيم الحدود القُطرية، وكسر الحالة الانعزالية، طوق نجاة للدولة العربية من أزمة شرعيتها، وطريق أساسي للحصول على وزن نوعي إقليمياً، كما أن الربط بين الوطني والقومي هو الأقدر على معالجة الانقسامات الداخلية. إهمال شرعية فلسطين والأمن القومي العربي ليس طريقاً للازدهار.
*بدر الإبراهيم كاتب عربي
المصدر | الأخبارالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: اليمن غزة فلسطين النموذج اليمني نصرة غزة شرعية فلسطين الأمن الوطني الأمن القومي العربي الدولة العربية الأمن القومی العربی شرعیة فلسطین حکومة صنعاء أهل غزة من أزمة
إقرأ أيضاً:
مجلس الشباب العربي للتغير المناخي يطلق تقرير “تمكين أصوات الشباب في سياسة المناخ العربية”
أطلق مجلس الشباب العربي للتغيير المناخي، التابع لمركز الشباب العربي وبالشراكة مع فريق رائدة الشباب للمناخ لمؤتمر COP 28 ، تقرير بعنوان “تمكين أصوات الشباب في سياسة المناخ العربية”، ليسلط الضوء على المساهمة الفاعلة للشباب العربي في العمل المناخي مع تحديد الفجوات الملحة في تفاعلهم مع سياسات المناخ، وبهدف تعزيز المشاركة الفعالة للشباب العربي، وإنشاء منصة جامعة للعمل المشترك بين الشباب المتخصصين في ملف التغير المناخي و بالتنسيق المباشر مع صناع القرار في جميع أنحاء المنطقة العربية.
كما أطلق المجلس أول وحدة تعليمية في سلسلة من المبادرات بعنوان “نموذج بناء القدرات: فهم واستخدام تقرير السياسة”، التي تهدف إلى تعزيز مهارات الشباب في التفاعل مع السياسات المناخية، كما تعكس الوحدة الأولى مقترحات لزيادة مشاركة الشباب في السياسات المناخية في الدول العربية، وتغطي استراتيجيات ومقترحات لتعزيز دور الشباب في العمل المناخي، مع التركيز بشكل خاص على السياق الخاص بـ “مؤتمرات الشباب للمناخ”.
وجاء ذلك خلال مشاركة مجلس الشباب العربي للتغير المناخي، في مؤتمر COP29، الذي اختتمت فعالياته مؤخرا في باكو، وذلك بهدف إشراك الشباب العربي في العمل المناخي، وتوظيف طاقاتهم لاقتراح الحلول والإبداعات المستجدة في المجال البيئي، والعمل على تنفيذ الحلول المستدامة لتحديات التغير المناخي.
وقال معالي الدكتور سلطان النيادي، وزير دولة لشؤون الشباب ونائب رئيس مركز الشباب العربي: إن إطلاق هذا التقرير يفتح آفاقاً جديدة لتعزيز تفاعل الشباب العربي مع سياسات المناخ، ويُسهم في بناء قيادات شبابية عربية قادرة على قيادة العمل المناخي في المستقبل وتنفيذ مبادرات مناخية أكثر تأثيراَ في المجتمعات، ومن خلال برامج مجلس الشباب العربي للتغير المناخي، نعمل على تزويد الشباب بالمهارات الأساسية لمواجهة التحديات المناخية الإقليمية وضمان مشاركتهم الفاعلة وتأثيرهم في النقاشات العالمية حول السياسات والقضايا المناخية المختلفة “.
وأكدت معالي شما بنت سهيل المزروعي وزيرة تمكين المجتمع ورائدة الشباب للمناخ لمؤتمر الأطراف كوب28، أن الشباب العربي يشكلون جوهر مستقبل المنطقة، ويتميزون بطاقتهم وابتكارهم في مواجهة التحديات المناخية التي يواجهها العالم اليوم، ومع استضافة منطقتنا لمؤتمرين متتاليين للأطراف، كوب27 وكوب28، كان لا بد من توجيه طاقاتهم وقدراتهم بما يحقق نتائج ملموسة في ملف المناخ، ويعد هذا التقرير خطوة محورية في معالجة التحديات التي تواجه الشباب، كما يقدم إطارًً واضحاً لإطلاق قدرات الشباب الكبيرة وذلك بالتعاون مع الجهات الإقليمية الرائدة، ونحن على ثقة بأن أصوات الشباب ستسهم في إحداث تغيير حقيقي ومؤثر في مجتمعاتهم.”.
وأكد معالي الدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة، رئيس المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الشباب والرياضة العرب، أن الإطار الشامل الذي قدمه التقرير يعكس منظومة استراتيجية متكاملة بين مختلف القطاعات، ويجسد التزاماً حقيقياً بمشاركة الشباب في تطوير حلول مناخية تعكس التحديات والفرص الخاصة في منطقتنا العربية”.
وأكد معاليه، على أهمية تعزيز الجهود بين الأجيال لتحقيق الأهداف المناخية المشتركة، و إن إنشاء مجالس شبابية دائمة ضمن الهيئات المناخية يمثل قيمة كبيرة لتحقيق هذا الهدف، حيث يضمن التفاعل المستمر ويسهم في تطوير برامج التوجيه بين الأجيال لتعزيز التعاون وتبادل المعرفة بين صانعي القرار والشباب الناشطين في مجال المناخ.
قالت معالي السفيرة د. هيفاء أبو غزالة “الأمين العام المساعد- رئيس قطاع الشؤون الاجتماعية ” بجامعة الدول العربية: “أن الإطار الاستراتيجي الذي يعتمده التقرير يمكن أن يفتح إمكانيات كبيرة في تعزيز تفاعل الشباب العربي مع السياسات المناخية، من خلال تحديد المجالات الرئيسية للتنمية واتخاذ خطوات عملية نحو حلول قابلة للتنفيذ، يمكنها أن تحقق قفزة نوعية في مشاركة الشباب في السياسات المناخية في المنطقة بأكملها”.
ويواصل مركز الشباب العربي عمله المستمر بتمكين الأجيال القادمة وتفعيل مشاركة الشباب العربي في القضايا البيئية، ولا سيما من خلال مبادرة مجلس الشباب العربي للتغير المناخي (AYCCC)، بالتعاون مع صناع القرار وشركائه الاستراتيجيين في المنطقة، بما يؤسس لمنظومة تكون فيها أصوات الشباب جزءًا أساسيًا في صياغة وتنفيذ التوجهات الإقليمية والعالمية نحو العمل المناخي المستدام.