الحوار مع (المؤتمر الوطني المحلول).. لوقف الحرب أم المكافأة عليها..؟!

ماهر أبو جوخ

تابعت خلال الفترة الماضية الحوار والنقاش الدائر بين أطراف من الفاعلين السياسيين حول ضرورة إشراك حزب المؤتمر الوطني (المحلول) في العملية السياسة كأحد إشتراطات وضرورات ومتطلبات إنهاء الحرب في السودان، وخلال حديثي في لايف مباشر على صفحتي بالفيسبوك مساء يوم الخميس 25 يناير 2024م تناولت هذه القضية ورأيت ضرورة عرضها في شكل مقال صحفي بغرض مخاطبة قطاعات أوسع لم تتاح لها فرصة متابعة اللايف على الفيسبوك لدوافع شتى.

أعتقد أن مسألة ضرورة الحوار مع المؤتمر الوطني (المحلول) كفكرة لم تكن أحد نتائج الحرب ولكنها ظلت مطروحة منذ أبريل 2019م بواسطة مفوض الإتحاد الإفريقي البروف محمد الحسن ود لباد ولعل التاريخ قد يبدو مدهشاً  لكونه لاحق لسقوط نظام البشير ويومها طرح ود لباد فكرته القائمة على إقرار مصالحة وطنية سودانية على نهج جنوب أفريقيا ما قبل الفصل العنصري رغم إغفاله المتعمد للقاعدة الأساسية لتلك المصالحة كانت قبول ورضوخ نظام الفصل العنصري على تفكيك بنية نظامه وليس منح نظام الأبارتيد المشروعية، وبالتالي فإن ود لباد ومنهجه ذلك (يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض) يريدها مصالحة تمنح اختلالات الثلاثة عقود (المشروعية) ولا تقود لتفكيكها وتأسيس واقع جديد.

أعاد ود لباد الكرة مرة اخرى في حوار السلام روتانا في يونيو 2022م ومعلوم النتيجة  بذات حصيلة الأولى، ويكررها للمرة الثالثة الان بعد الحرب مستغلاً جوده في مؤسسات الإتحاد الإفريي لتسويق فكرة جعل الحزب المحلول جزء من الحوار لضمان وقف الحرب لكون الحزب المحلول هو الطرف الفاعل والأساسي، وهو بذلك المنطق يقر بما تم إنكاره على الدوام بأن مشعل الحرب ومغذي إستمرارها هو الحزب المحلول نفسه !! المدهش أن ود لباد لا يجد حرجاً في التباهي بتمسكه بهذه الفكرة وهو ما يجعل السؤال المطروح مرتبط بالسر وراء إصراره المريب على تطبيق هذه الرؤية بشكل مستمر ومستمر منذ أبريل 2019م وحتى اليوم.

إن مسألة وجود المؤتمر الوطني المحلول في أي عملية سياسية مستقبلية ليست مرتبطة بالشكل اي وجود الحزب المحلول من عدمه لأن هذا الأمر يمكن حله ببساطة بتعديل اللافتة والوجود تحت مسمى جديد ولكنه يرتبط بـ(الجوهر) وهذا يقود لوضع الحصان أمام العربة عوضاً عن وضع العربة أمام الحصان بسؤال (الشكل)، وهذا يوقدنا لجعل المدخل الأساسي هو الإجابة على السؤال المفتاحي بداية هم المنادون بضرورة الحوار مع الحزب المحلول في ما يتصل بمقاصد هذا الحوار هل هو لإنهاء الحرب كقضية مبدئية أم لتقليل كوارثها ونتائجها ووقفها بأي صورة وإن اقتضى مكافأة الأطراف التي أشعلتها ؟! الإجابة تحدد المقصود والمطلوب وترسم ملامح المستقبل وتبعاته.

إذا كان المطلوب إيقاف الحرب كموقف مبدئي وليس لحصد ثمار الحرب والمكافأة عليها فإن التدابير المتعلقة بالحزب المحلول ليست مسؤولية الأطراف الرافضة للحرب أو قوى الثورة ولكنها تتوجه مباشرة للحزب المحلول ومواقفه، ولذلك فإن الشرط الواجب والأساسي في ظروف الحرب أن يعلن الحزب المحلول قولاً وفعلاً دون مواربة رفضه للحرب وطلب وقفها وامتناعه عن المشاركة فيها أو تصعيدها، ببساطة حجر الزاوية الأساسي الراهن هو وقف الحرب كلياً ونهائياً وليس منحها مشروعية أو الإصطفاف إلى جانب أي من أطرافها.

يجب النظر للموقف المنادي بوقف الحرب فوراً من قبل الحزب المحلول ليس مقايضة أو مساومة ولكنه يتحرك كموقف مبدئي وأخلاقي تجاه البلاد والعباد دون انتظار عائد من ورائه أو بعده لكونه يمثل بمثابة حجر الزاوية و(قلب) العملية السياسية المستقبلية و(وضوء) فرضها، فغياب هذا الأجراء يجعل الناتج مجرد شكل و(حركات) ومظهر فاقد للجوهر والمضمون، لأن الإستمرار في الحرب والتحشيد لها  بالتزامن مع دعوات الحوار يجعل التوصيف الصحيح ليس (مصالحة وطنية لوقف الحرب) وإنما منح المشروعية لأفعال عصابة احتلت مجمع تجاري بالسلاح واشتراطها للشرطة التي تحاصرها السماح لها بالخروج بكل الأموال وإصدار تشريع قانوني يمنع ملاحقتها بسبب سرقتهم وقتلهم تسعين في المائة من الرهائن المحتجزين !! .. ببساطة حصاد هذا المنطق وقف مؤقت للحرب لكن سيعقبها أخرى أشرس وأعنف لأن من أشعلها ينال المكافأة على ما ارتكبه من جرائم!!

إن العملية السياسية المستقبلية تتطلب الإيفاء الكامل بمتطلبات تحقيق السلام الشامل وتأسيس الإنتقال المدني الديمقراطي المستدام وهذا يتطلب إقرار وموافقة الجميع دون إستثناء على تفكيك التمكين الحزبي وإعادة تأسيس مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية والعدلية في القضاء والنيابة على أسس قومية مهنية احترافية غير حزبية ملتزمة بواجباتها الدستورية وخاضعة للسلطة المدنية الدستورية مع حل وتصفية أي تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية ذات طابع حزبي، والامتناع والالتزام التام بعدم استخدام العنف والقوة للوصول للسلطة والتوقف الفوري عن بث خطاب الكراهية والتحريض عليه.

يضاف لما ذكره سابقاً إعلان التعاون الكامل غير المشروط بصدق وأمانة مع لجان التحقيق المناط بها رصد وتوثيق والتحقيق في أسباب الحرب والتجاوزات التي تمت خلالها وتسليم ومحاكمة كل المتورطين في جرائمها والمحرضين على إرتكاب الجرائم والانتهاكات دون استثناء بما في ذلك المطلوبين للعدالة الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وتسليم المتهمين الهاربين من السجون استئناف محاكمتهم بما في ذلك المتهمين الذين صدرت أحكام قضائية في مواجهتهم على رأسهم المتهمين بقتل الثوار خلال ثورة ديسمبر.

من بين المطلوبات عدم عرقلة إجراءات إرجاع الأموال العامة المتحصل عليها بطرق غير مشروعة في الداخل والخارج، والامتناع عن توفير الغطاء السياسي والإعلامي المتهمين بقضايا الفساد المالي والإداري، والقبول والالتزام بالخيار السلمي الديمقراطي القائم على الإرادة الشعبية كوسيلة للوصول للسلطة، والاعتذار والاعتراف بارتكاب الأخطاء السياسية بالانقلابات العسكرية وتقويض الإنتقال الديمقراطي وإشعال الحروب ونشر خطاب الكراهية والعنف وانتهاكات الحروب، مع الإلتزام التام باستبعاد كل المتورطين الصادر في مواجهتهم إدانة أو أقروا بتقويض للإنتقال الديمقراطي أو أشعلوا الحرب من العملية والممارسة السياسية مستقبلاً.

الإيفاء بهذه المتطلبات بالإعلان قولاً ثم إتباعه بشكل فعلي في خطوات وقف الحرب يجعل الأمر يتجاوز فعلياً (الشكل) إلى (المضمون) ويضع أسس وإجراءات تفضي لأنهاء الحرب وتحقيق السلام وتأسيس انتقال مدني ديمقراطي مستدام، أما دون تحقيق تلك المتطلبات الموضوعية المرتبطة بمستقبل الإنتقال المدني الديمقراطي فهو يعني ببساطة إحتمال إيقاف الحرب بهدنة هشة سرعان ما تنهار لتأسيسها على قواعد غير متماسكة اشبه بمن ينتظر المشهد النهائي لمشهد الاسد الجائع المنهك عند إدخاله لحظيرة الدجاج والارنب فمن المؤكد سيلتهم الأسد كل الموجودين في القفص وربما بفضل الولائم الدسمة سيمنح طاقة تمكنه من كسر الحظيرة فيهدد محيطه وكل جيرانه … فذاك الأسد الجائع فما بالنا بحزب المؤتمر الوطني المحلول صاحب السجل الطويل في الإرهاب وتقويض الاستقرار إقليمياً ودولياً ستكون النتائج وخيمة على الجميع بداية بالمحيط الإقليمي المجاور للسودان.

لكل ذلك فمن الأفضل أن تحدد المطلوبات بشكل موضوعي ونركز على جوهر ومآلات عملية سياسة تقودنا لنتائج تضع حداً للحروب في السودان نهائياً وتحقق لسلام دائم وتؤسس لإنتقال مدني ديمقراطي مستدام  عوضاً عن مخاطبة القضايا من زاويا (العواطف) وتجاهل التبعات والنتائج فلا يزال لبنان يحصد ثمن تغليب عواطف قرار إقرار ومشروعية سلاح حزب الله ويدفع ثمن ذاك الموقف حتى اليوم.. ببساطة فإن خيار السودانيين والسودانيات الوحيد المتاح بعد هذه الحرب الكارثية ليس من بينه دحرجة الأزمات والهروب منها والقذف بها صوب المستقبل إنتظاراً لحرب جديدة قادمة ولكنهم بدلاً عن ذلك يختاروا تحويل المحنة الراهنة لنعمة مستقبلية بأن تكون حرب أبريل 2023م هي آخر حروب السودان.

منقول من قروب AGRB

الجمعة 26 يناير 2024م

الوسومالامن المؤتمر السودان المظاهرات الحرب السودان المؤتمر الوطني تفكيك التمكين خطاب الكراهية ماهر أبوجوخ

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحرب السودان المؤتمر الوطني خطاب الكراهية الحوار مع وقف الحرب

إقرأ أيضاً:

«لا نملك الحماية»: الأزمة المتفاقمة في منطقة أبيي المتنازع عليها

التغيير: وكالات

في أبيي، المنطقة الغنية بالنفط المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان، أدى الفراغ السياسي لفترة طويلة إلى تأجيج الصراعات المحلية وترك المنطقة مهملة من قبل جماعات الإغاثة الدولية. لكن الوضع بالنسبة للسكان أصبح أكثر صعوبة على مدى السنوات الثلاث الماضية، حيث أثارت النخب السياسية صراعات جديدة ومع تسبب الحرب في السودان في ارتفاع الأسعار ودفع اللاجئين والعائدين إلى البحث عن الأمان هناك.

وقال ماكواك دينج، وهو صحفي محلي، “مع قدوم الأشخاص من السودان، هناك نقص في الكثير من الأشياء مثل الرعاية الصحية والوصول إلى المياه داخل أبيي”. “حتى في المنازل، تستضيف عائلة واحدة الآن عائلتين”.

وقال دينج إنه نازح بنفسه، بعد أن نجا من هجمات الميليشيات في الجزء الجنوبي من أبيي في عام 2022. وقال إن معظم النازحين في المنطقة يتلقون الدعم من الأقارب ويفتقرون إلى فرص العمل للعيش بشكل مستقل.

كان من المفترض أن تعقد أبيي استفتاءً جنبًا إلى جنب مع تصويت استقلال جنوب السودان عام 2011، مما يسمح لسكانها بالبت فيما إذا كانوا يريدون الانضمام إلى الجنوب.

ومع ذلك، وعلى الرغم من استقلال جنوب السودان رسميًا، لم يتم إجراء استفتاء أبيي أبدًا بسبب النزاعات حول من يحق له التصويت، وبسبب المصالح المتنافسة للسودان وجنوب السودان، والتي تستفيد أيضًا من الوضع الراهن.

خريطة أبيي

توضح هذه الخريطة منطقة أبيي الإدارية، وهي منطقة تقع بين السودان وجنوب السودان. تُظهر الخريطة الرئيسية حدود السودان إلى الشمال وجنوب السودان إلى الجنوب. تم تسليط الضوء على أبيي كمنطقة صغيرة على طول الحدود بين البلدين. يقوم مربع أحمر مُدرج بتكبير منطقة أبيي الإدارية، مما يُظهر حدودها بمزيد من التفاصيل. داخل هذه المنطقة، تم تحديد موقعين: أبيي (باتجاه المركز) وأجوك (أبعد إلى الجنوب).

وقد أدى الجمود اللاحق إلى شعور السكان الرئيسيين في أبيي، وهم قبيلة دينكا نقوك، بأنهم أصبحوا منسيين. ونظراً لأن العديد منهم يعتبرون أنفسهم من جنوب السودان، فقد انحازوا إلى المتمردين الجنوبيين خلال نضالهم الذي استمر عقوداً من الزمان ضد حكومة شمال السودان.

وفي زيارة حديثة لأبيي، قال السكان المحليون لصحيفة نيو هيومانيتاريان إن حالة عدم اليقين بشأن الحدود الإقليمية أعاقت قدرة المنطقة على جذب المساعدات الإنسانية الكافية، وجعلتها عرضة للهجمات والهجمات.

وفي السنوات الأخيرة، شمل ذلك غارات مميتة على الأجزاء الجنوبية من أبيي من قبل ميليشيات دينكا تويك من ولاية واراب المجاورة لجنوب السودان. ويتهم سياسيو تويك بتأجيج الصراع من خلال الادعاء بأن أجزاء من أبيي تنتمي إلى أراضيهم.

كما كانت هناك اشتباكات طويلة الأمد بين رعاة قبيلة دينكا نقوك ومسيرية، الذين يهاجرون موسميًا عبر أبيي وكانوا تاريخيًا بمثابة وكلاء للحكومة السودانية؛ على الرغم من انخفاض التوترات في السنوات الأخيرة.

قال نيانكوك نجور، وهو مدرس وسياسي محلي: “لم يتم حل وضع أبيي، وهذا يعني أننا لا نملك ضمانًا للسيادة. عادة ما ندخل في صراعات مع المجتمعات المجاورة بسبب ذلك”.

“استغل الساسة الشباب”

كان التأثير الإنساني لهذه الصراعات واضحًا عندما سافرت نيو هيومانيتيريان إلى أبيي قبل بضعة أسابيع على متن طائرة استأجرتها إدارة أبيي من جوبا، عاصمة جنوب السودان.

عند القيادة من الأجزاء الجنوبية من أبيي، حيث يقع أحد مهابط الطائرات الرئيسية في المنطقة، كانت المنازل المحترقة والقرى والحقول المهجورة تشير إلى المناطق التي شنت فيها ميليشيات دينكا تويك هجمات.

تعود جذور الصراع إلى مزاعم دينكا تويك في عام 2017 بأن أجزاء من جنوب أبيي – ولا سيما بلدة أغوك ومنطقة سوق أنيت الصاخبة – تقع داخل مقاطعة تويك.

يشعر الكثيرون أن هذه المطالبات الإقليمية تخفي رغبة نخب دينكا تويك في السيطرة على منطقة يُنظر إليها على أنها مركز اقتصادي محلي وقاعدة ضريبية. ونظرًا لوضعها غير المؤكد، تُعتبر أبيي هدفًا سهلاً لمنطقة مجاورة مهمشة أيضًا.

بدأت غارات ميليشيات دينكا تويك والانتقام من مجموعات دينكا نقوك في عام 2022، مما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من دينكا نقوك من جنوب أبيي. تم نشر جنود من جنوب السودان لإنشاء منطقة عازلة، لكن السكان يقولون إن التوترات لا تزال مستمرة.

مع وجود عدد قليل من مجموعات المساعدة الدولية المتاحة للمساعدة، اعتمدت الاستجابة الإنسانية إلى حد كبير على الأسر المضيفة التي كانت تتقاسم مواردها الشحيحة وإقامتها المحدودة لعدة سنوات.

قال ميجاك ماكول باشول، وهو مقيم يبلغ من العمر 29 عامًا في بلدة أبيي – حيث لجأ معظم النازحين – إن عائلته تستضيف 23 قريبًا فروا من الهجمات على أنيت.

وقال باتشول “إن الطعام ليس كافياً. كما أنه من الصعب الحصول على العلاج عندما يمرض الناس، والحياة صعبة للغاية”. “في أنيت، كان أقاربي يزرعون، لكنهم الآن يعتمدون علينا في معيشتهم”.

وقال دينج، الصحفي النازح، إن أنيت كانت سوقاً رئيسياً في أبيي ورمزاً للوحدة بسبب مجتمعها المتنوع من التجار. وقال إن تدميرها من قبل ميليشيات دينكا تويك كان له تأثير كبير على اقتصاد المنطقة الأوسع.

وقال دينج “كانت السوق كبيرة جداً، وكانت توفر فرص العمل للشباب وكانت مصدر دخل للجميع – وليس فقط الحكومة”.

وقال سكان أبيي والباحثون لصحيفة نيو هيومانيتاريان إن الصراع كان مؤلماً بشكل خاص بسبب العلاقات التاريخية القوية بين دينكا نقوك ودينكا تويك.

وقال الباحث لوكا بيونج من جنوب السودان، وهو من منطقة أبيي، إن أنظمة معيشتهم مترابطة، والزواج المختلط شائع للغاية، وأن سكان أبيي لجأوا في كثير من الأحيان إلى قبيلة دينكا تويك أثناء النضال من أجل الاستقلال.

ومع ذلك، قال بيونج إن مقاطعة تويك لم تكن ناجحة اقتصاديًا في الآونة الأخيرة مثل أبيي، التي تتمتع بأراضي خصبة بالإضافة إلى النفط. وقال إن النخب السياسية في تويك سعت إلى معالجة هذا “التفاوت” من خلال حشد الشباب المضطهدين. وقال بيونج: “استخدم السياسيون الشباب للانخراط في أنشطة إجرامية وتسببوا في الخلاف بين نقوك وتويك”. وأضاف: “ما حدث هو بالضبط ما يحدث في جميع أنحاء جنوب السودان”، في إشارة إلى الطريقة التي غالبًا ما تثير بها النخب السياسية والعسكرية ما يسمى بالصراعات الطائفية هناك.

تأثير حرب السودان

في حين تدهورت التفاعلات بين دينكا نقوك ودينكا تويك في السنوات الأخيرة، قال سكان أبيي إن العلاقات مع مجتمعات المسيرية، الذين يهاجرون عبر الأجزاء الشمالية من أراضي أبيي، قد تحسنت.

تم تجنيد المسيرية سابقًا في ميليشيات حكومية من قبل الخرطوم، واستخدموا لإخراج سكان دينكا نقوك من مناطق النفط التي لا تزال السلطات السودانية تسيطر عليها.

لطالما كان دينكا نقوك، الذين يعتبرون أنفسهم المقيمين الدائمين الوحيدين في أبيي، قلقين من أنه إذا شاركت المسيرية في الاستفتاء، فإنهم سيسجلون المسيرية غير المهاجرين للتأثير على نتيجة التصويت.

على الرغم من أن هذه التوترات لا تزال دون حل، قال العديد من سكان أبيي إن الحرب المستمرة في السودان بين جيش البلاد وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، والتي بدأت في أبريل 2023، خلقت فرصة لمزيد من المشاركة الإيجابية بين الطوائف.

“عندما يسعل أهل الخرطوم، أو عندما يعطس أهلها، فإننا ندفع الثمن في أبيي هنا”.

ومع انقطاع طرق الإمداد من شمال السودان، أصبح المسيرية، الذين كانوا يعتمدون ذات يوم على السلع من الشمال، يعتمدون الآن على الغذاء القادم من جوبا في الجنوب والذي يمر عبر أبيي ـ وهو الاعتماد الجديد الذي عزز التعايش السلمي.

وقال بيونج، الباحث: “هناك شبه بالسلام النسبي. فقد بدأ الناس يتحلون بالواقعية، ثم بدأوا يتحدثون كمجتمع، دون شرط أن تكون هذه أرض شعب أبيي أو المسيرية”.

ومع ذلك، كان للحرب في السودان تأثير سلبي على أبيي بطرق أخرى. فقد أدى وصول النازحين إلى إجهاد البنية الأساسية المحلية، كما أدى اعتماد أبيي المتزايد على السلع من جوبا البعيدة إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق.

وقد ظهرت في الأسواق المحلية سلع رخيصة نهبتها قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، تتراوح من الإلكترونيات إلى السيارات. وقال بعض السكان إن ماشيتهم تعرضت أيضًا لغارات من قبل الميليشيات التي تقاتل في حرب السودان، على الرغم من أنهم لم يحددوا المجموعات التي قامت بذلك.

وقال تشول دينج ألاك، كبير الإداريين السابقين لأبيي: “كل ما حدث هناك يؤثر علينا. عندما يسعل الخرطوم، أو عندما يعطس، فإننا ندفع الثمن في أبيي هنا”.

وقال أيواك روكديت دينج، من منظمة العمل المجتمعي لأبيي من أجل التنمية، وهي منظمة غير حكومية محلية، لصحيفة نيو هيومانيتاريان إن منظمته تتلقى طلبات وشكاوى كل يوم من النازحين القادمين من السودان في حاجة ماسة إلى الغذاء والمأوى.

وقال دينج: “في كل مرة تجد فيها أشخاصًا يأتون يطلبون المساعدة، ماذا نفعل؟ نأخذ البيانات وعليهم الانتظار لأننا لا نملك الموارد”.

حل وضع أبيي

وعزا تشول تشانجات تشول، وزير بناء السلام في أبيي، الافتقار إلى الدعم الإنساني إلى الوضع المتنازع عليه في المنطقة والتحديات السياسية التي تواجهها منظمات الإغاثة في العمل هناك. وقال تشول: “المنظمات مترددة. فهي لا تفهم ما إذا كان هذا جزءًا من السودان أو جزءًا من جنوب السودان، ولهذا السبب لا يدفع المانحون أحيانًا الأموال لمساعدة الناس”.

وقال تشول إن التأخير المطول في حل وضع أبيي يجعل المنطقة عرضة للنزاعات والصراعات الحدودية، خاصة وأن أراضيها خصبة للغاية ولديها موارد مثل النفط.

وقال تشول: “نحن مثل سلة الغذاء هنا لكل مجتمع يحيط بنا، لكن المشكلة هي أننا لا نتمتع بالحماية. يريد بعض الجيران ما لدينا في هذه الأرض”.

وقد ردد بيونج، الباحث، مخاوف تشول، مجادلاً بأن التأخير لا يؤدي فقط إلى تأجيج الصراعات الحدودية، مثل تلك التي اندلعت مع قبيلة دينكا تويك، بل إنه يعوق أيضاً التنمية الأوسع في المنطقة.

وقال: “عندما تكون في حالة من عدم اليقين، فليس من الصحي أن تخطط، وليس من الصحي حتى للتنمية طويلة الأجل، ونعم، ليس من الصحي حتى للأنشطة الإنسانية”.

ومع ذلك، أكد بيونج أن أبيي وجيرانها لا ينبغي لهم أن يعتمدوا على السودان وجنوب السودان لحل النزاعات المحلية. وقال إن مسؤولية تعزيز السلام يجب أن تقع بدلاً من ذلك على عاتق المجتمعات نفسها.

وقال: “لا يتعلق الأمر بما إذا كانت حكومة جنوب السودان ستساعد، أو حكومة السودان ستساعد. بل يتعلق الأمر [بهم] أنفسهم بخلق بيئة ملائمة لبقائهم وتعايشهم مع المجتمعات المجاورة”.

thenewhumanitarian

أوكيش فرانسيس

صحفي مستقل يغطي جنوب السودان

حرره فيليب كلاينفيلد.

الوسومأبيي الاستفتاء الخرطوم السودان المسيرية جنوب السودان جوبا حرب السودان دينكا قوات الدعم السريع

مقالات مشابهة

  • «لا نملك الحماية»: الأزمة المتفاقمة في منطقة أبيي المتنازع عليها
  • الحزب الشيوعي السوداني: وحدة السودان وسلامة أراضيه واجب الساعة ولا شرعية لحكومات نتجت عن الانقلاب وحرب ابريل 2023
  • منير أديب يكتب: سوريا بلا حوار
  • الحَرْبُ مُنْعَطَفٌ تِكْتِيكِيٌّ أَمْ مُطَبٌّ دْيالِكْتِيكِيٌّ (2)
  • قرار رئاسي سوري يقضي بتشكيل لجنة خبراء لصياغة مسودة إعلان دستوري
  • بريطانيا وفرنسا تتجهان لإعداد خطة لوقف الحرب الروسية الأوكرانية
  • ستيفان شنيك المبعوث الألماني إلى دمشق لـ«الاتحاد»: «الحوار الوطني» فرصة لبناء سوريا جديدة وحرة
  • موسم التشرذم السياسي في السودان
  • حزب العمال الكردستاني يعلن الامتثال لدعوة أوجلان لوقف النار
  • قراءة في مؤتمر الحوار الوطني السوري