ترامب يواجه بايدن ، ولا أحد يردع إسرائيل
تاريخ النشر: 27th, January 2024 GMT
أعلنت محكمة العدل الدولية بأنها ستصدر اليوم قرارها في الدعوى المقدمة من دولة جنوب أفريقيا ضد دولة إسرائيل التي تتهمها فيها بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ، وحقيقة الأمر أن المحكمة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، تكون بذلك لم تتأخر كثيراً، فهي بعد أسبوعين فقط من استماعها لمرافعتَي الادعاء والدفاع، تعلن قرارها، الذي رغم أن معظم العالم يتوافق مع فحوى الدعوى نظراً لما رآه بأم عينه، لأن إسرائيل ارتكبت ولاتزال ترتكب جرائم الحرب على مرأى ومسمع العالم، في عصر "السوشيال ميديا" والفضائيات، إلا أنه ليس من المؤكد أن يصدر القرار معبراً عن العدالة، أي لصالح الضحايا، وذلك لأن العالم ما زال يفتقر للعدالة والمساواة بين البشر، وما زال محكوماً بنظام عالمي ظالم، تتعرض فيه محاكم الدول والمحاكم الدولية للضغوط والاعتبارات السياسية.
ولكن حتى في حال تحلت المحكمة وقضاتها بالشجاعة، وقدمت أملاً البشرية بحاجة إليه حتى لا تفقد ثقتها بالإنسانية والتعايش بين الشعوب والبشر، وصدر قرارها، منسجماً مع الواقع، ومجرّماً إسرائيل التي عجز مجلس الأمن والمجتمع الدولي عن ردعها، أي لو صدر القرار مؤكداً ارتكاب إسرائيل جريمة الإبادة الجماعية، وطالبها بوقف الحرب فوراً، فإن السؤال التلقائي سيكون، هل ستذعن له إسرائيل، وعلى الأغلب فإن إسرائيل لن تفعل، وهي كانت قد أعلنت صراحة وعلى لسان العديد من قادتها بمن فيهم رئيس حكومتها نفسه، بأن قرار المحكمة لن يوقفها عن مواصلة الحرب، وذلك بعد أن هاجمت المحكمة نفسها، وبعد أن فعلت الشيء نفسه تجاه منظمة الأمم المتحدة وأمينها العام، حيث اعتبرت أكثر من مرة، منظمةَ الأمم المتحدة غير عادلة، بل وعملياً أوقعت إسرائيل العشرات من العاملين بالمنظمة الدولية وغيرها من المنظمات العالمية قتلى من بين ضحايا حربها على قطاع غزة.
والحقيقة أن إسرائيل قد وصلت إلى ذروة العنف والتطرف والإجرام الرسمي، وقد صارت _وحدها_ في جانب والعالم كله في جانب آخر، وحتى الولايات المتحدة، ظهرت خلال هذه الحرب المستمرة منذ شهور، غير منسجمة سياسياً مع إسرائيل، لكنها وقفت إلى جانبها ميدانياً وعملياً، بل ودخلت معها الحرب ضد اليمن، ودفعت بقوتها العسكرية على مقربة من حزب الله، أي أنها سهّلت الحرب ميدانياً وسياسياً على إسرائيل، بأن عبّدت لها طريق الانفراد بغزة، بمنع نصرة الآخرين لها، حزب الله في الشمال واليمن في الجنوب، ولم تنجح في إقناع إسرائيل بتجنب قتل المدنيين الفلسطينيين بالمئات يومياً، كذلك أعلنت أنها ضد تهجيرهم من وطنهم، وأنها ضد إعادة احتلال غزة، وضد حتى السيطرة الأمنية الإسرائيلية عليها، لكنها لم تنجح حتى في إجبار إسرائيل على تحويل أموال المقاصة، كما سبق لإسرائيل نفسها أن تعهدت، عبر نتنياهو وسموتريتش بتحويل تلك الأموال المستحقة للجانب الفلسطيني عبر النرويج، وأكثر من ذلك ما زالت إسرائيل تربك العالم بما تعلن عنه من تصريحات في غاية التطرف، فهذا هو الاتحاد الأوروبي قبل أيام وهو يعد خطة لحل سياسي، يُفاجأ بوزير خارجية إسرائيل الجديد، إسرائيل كاتس يقترح إقامة جزيرة صناعية في البحر لتوطين الفلسطينيين فيها، أي أن إسرائيل ما زالت مصرّة على التهجير الذي ترفضه دول الجوار (مصر والأردن) وكل الدنيا، فضلاً عن أنه جريمة حرب.
أي أن إسرائيل لم ترتدع، ولم تُقم للمحكمة الدولية، ولا للمجتمع الدولي كله أي اعتبار، فهي لم تكتف بما ارتكبته من جرائم، وهي ما زالت تعلن ليلَ نهار، عن مواصلة الحرب بنفس الوتيرة وبنفس الكيفية، وكأنها تقول لأميركا: عليكِ أن تقفي وراءنا وليس معنا فقط، كما وكأنها تقول للمحكمة الدولية: اتخذي قرارك ضدنا، فلن يغير ذلك من الأمر شيئاً، وتقول للأوروبيين، وللعرب كلهم فرادى ومجتمعين، بأنها لن تستجيب لأدنى مطلب أو حد أو حاجز، فهي ما زالت تواصل منع دخول المساعدات، ولتشرب مصر ومعها بايدن من البحر، وهي ما زالت تمنع نازحي الشمال وغزة من العودة، وهي بذلك تؤكد بأنها لا تحترم أحداً، لا من قريب ولا من بعيد، بل إن حكومتها لا تهتم بشأن الداخل لا باستطلاعات رأيه ولا بمظاهرات عائلات المحتجزين، فنتنياهو لا يهتم بصفقة تؤدي إلى الإفراج عنهم، معارضاً ما تطالبه به المعارضة، وكل هذا رغم ما يقال من خلافات داخل كابينت الحرب، وفي المجلس الوزاري المصغر، تماماً، كما كان حال النظام العنصري في جنوب أفريقيا، حين كانت كل الدنيا ضده، وظل يواصل سيره على طريق الفصل العنصري وإقامة المعازل ما بين البيض والسود من مواطني الدولة.
صحيح أن نتنياهو لا يلين، ولا حتى يُظهر أي مرونة ولا في أي مستوى، ولا حتى أنه يلجأ إلى حيلة الكذب أو بيع الكلام وإظهار المرونة فيما هو شكلي، كما يفعل الأميركيون مثلاً، وكل هذا لأنه في آخر مشواره السياسي، يتشبث بالسلطة حتى الرمق الأخير، رغم أن إسرائيل تخسر أكثر مما تخسره في الاقتصاد وفي أرواح جنودها، من مستقبلها وعلى الصعيد الاستراتيجي، فقد بدأ العالم كله يسميها بالدولة التي ترتكب جرائم الحرب، وجريمة الإبادة الجماعية، حتى قبل أن تدينها المحكمة رسمياً، وحتى لو عجزت، كما حدث مع مجلس الأمن من قبل، عن إدانتها، وستظل إسرائيل بعد حرب غزة، أيا تكن النتيجة دولة معزولة، بل إن حربها فيما بعد ستكون مع المجتمع الدولي كله.
أي أن مصلحة نتنياهو وشركائه من الفاشيين، في البقاء في الحكم عبر خيار استمرار الحرب، بات على حساب مكانة ومستقبل إسرائيل، وإذا كانت مؤسسات الدولة، من الجيش وأجهزة الأمن، والقضاء، عاجزة عن وضع حد لنتنياهو وبن غفير وماري ريغيف وسموتريتش ونير بركات، وحتى جدعون ساعر وافيغدور ليبرمان، لصالح مستقبل الدولة وتعايشها في المنطقة، فإن أحداً لا يمكنه أن ينقذ إسرائيل من مصير محتوم، هو المصير نفسه الذي واجهه نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
فقط أميركا وحدها يمكنها أن تضع حداً لحكام إسرائيل الحاليين الذين يواصلون حرب الإبادة الجماعية، التي تلحق الضرر الكبير بإسرائيل أيضاً، وتجعل منها دولة تندد بها الشعوب ليل نهار عبر التظاهرات التي لم تخرج ضد أي دولة في العالم، من قبل، فيما تعلن كل الحكومات بما فيها الإدارة الأميركية والحكومات الأوروبية عن مواقف تسارع إسرائيل فوراً لرفضها، حتى أستراليا استغربت مؤخراً من إعلان نتنياهو رفضه إقامة الدولة الفلسطينية، (صح النوم)، فنتنياهو هذا حكم إسرائيل ما بين عامي 1996_1999، ومن ثم ما بين عامي 2009 _2021، وحالياً هو رئيس الوزراء منذ أكثر من عام مضى، أي أنه قاد إسرائيل أكثر من 15 سنة بعد توقيع اتفاقيات أوسلو، كان خلالها قد فعل كل ما يمكنه فعله من أجل إفشال اتفاق السلام الوحيد الذي تم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو الذي كان يمكنه أن يحقق الأمن والاستقرار للشرق الأوسط قبل ربع قرن من الآن، فكيف يمكن لواشنطن أن تجبر إسرائيل على تغيير الاتجاه ووقف الحرب؟
أميركا يمكنها بالطبع أن تفعل ذلك لو أرادت عبر السماح بتمرير قرار بمجلس الأمن، ويمكن لبايدن أن يمتنع عن إرسال الذخائر، على الأقل دون موافقة الكونغرس، وأن يخرج من جبهة التصدي للحوثي ولحزب الله، بل يمكنه أن يسقط نتنياهو فوراً، فقط من خلال اعتبار أن نتنياهو لا يمثل إسرائيل، لكنه لا يفعل، وكل هذا لارتباط الموقف الأميركي بانتخابات الرئاسة، أما نتنياهو فيتشبث باحتمال عودة ترامب للبيت الأبيض، الذي بدأ طريق تلك العودة بالفوز بترشيح الحزب الجمهوري في ولايتَي أيوا ونيوهامبشاير، مع ترافق ذلك بانسحاب أبرز منافسيه رون ديسانتيس، أما بايدن فسيواجه ترامب مجدداً، أي أن أميركا قد دخلت فعلياً في "مرحلة البيات الشتوي" على صعيد السياسة الخارجية، وهكذا فإن المغامرة العسكرية الإسرائيلية محفوفة بالمخاطر، التي ستوقع المزيد من الضحايا الفلسطينيين، لكنها ستؤدي إلى تآكل ليس الردع العسكري الإسرائيلي وحسب، بل مكانة إسرائيل كدولة قابلة للحياة والتعايش في عالم، تتزايد رغبته في نظام عالمي أكثر مساواة وعدالة، عالم متداخل تتعايش فيه الشعوب في حب، وسلام، وليس في كراهية وتسلُّط وحروب أياً كانت طبيعتها. المصدر : وكالة سوا
المصدر: وكالة سوا الإخبارية
كلمات دلالية: أن إسرائیل أکثر من ما زالت
إقرأ أيضاً:
أوروبا في مواجهة ترامب جحيم نووي.. رؤية الرئيس الأمريكي الاستعمارية تجعل مشاهد أفلام الحرب حقيقة واقعة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يحلم ترامب بإمبراطورية ماجا، لكنه على الأرجح سيترك لنا جحيمًا نوويًا، ويمكن للإمبريالية الجديدة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن تجعل العالم المروع الذى صوره صانعو أفلام الحرب الباردة حقيقة.. هكذا بدأ ألكسندر هيرست تحليله الشامل حول رؤية ترامب.
فى سعيه إلى الهيمنة العالمية، أصبحت رؤية ترامب لأمريكا الإمبريالية أكثر وضوحًا. ومع استعانة الإدارة الحالية بشكل كبير بدليل استبدادى وإظهار عداء متزايد تجاه الحلفاء السابقين، أصبحت خطط ترامب للتوسع الجيوسياسى واضحة. تصور الخرائط المتداولة بين أنصار ترامب، والمعروفة باسم "مجال الماجا"، استراتيجية جريئة لإعادة تشكيل العالم. كشف خطاب ترامب أن أمريكا الإمبريالية عازمة على ضم الأراضى المجاورة، بما فى ذلك كندا وجرينلاند وقناة بنما، مما يعكس طموحه المستمر لتعزيز السلطة على نصف الكرة الغربى.
تعكس هذه الرؤية لعبة الطاولة "المخاطرة" فى طموحاتها، مع فكرة السيطرة على أمريكا الشمالية فى قلب الأهداف الجيوسياسية لترامب. ومع ذلك، فإن هذه النظرة العالمية تضع الاتحاد الأوروبى أيضًا كهدف أساسى للعداء. إن ازدراء ترامب للتعددية وسيادة القانون والضوابط الحكومية على السلطة يشير إلى عصر من الهيمنة الأمريكية غير المقيدة، وهو العصر الذى قد تكون له عواقب عميقة وكارثية على الأمن العالمى.
مخاطر منتظرةمع دفع ترامب إلى الأمام بهذه الطموحات الإمبريالية، يلوح شبح الصراع النووى فى الأفق. لقد شهدت فترة الحرب الباردة العديد من الحوادث التى كادت تؤدى إلى كارثة، مع حوادث مثل أزمة الصواريخ الكوبية فى عام ١٩٦٢ والإنذار النووى السوفيتى فى عام ١٩٨٣ الذى كاد يدفع العالم إلى الكارثة. واليوم، قد تؤدى تحولات السياسة الخارجية لترامب، وخاصة سحب الدعم الأمريكى من الاتفاقيات العالمية وموقفه من أوكرانيا، إلى إبطال عقود من جهود منع الانتشار النووى.
مع تحالف الولايات المتحدة بشكل متزايد مع روسيا، يصبح خطر سباق التسلح النووى الجديد أكثر واقعية. الواقع أن دولًا مثل اليابان وكوريا الجنوبية وكندا، التى اعتمدت تاريخيًا على الضمانات الأمنية الأمريكية، قد تشعر قريبًا بالحاجة إلى السعى إلى امتلاك ترساناتها النووية الخاصة. وفى الوقت نفسه، قد تؤدى دول مثل إيران إلى إشعال سباق تسلح أوسع نطاقًا فى مختلف أنحاء الشرق الأوسط، إذا تجاوزت العتبة النووية.
رد أوروبابدأ الزعماء الأوروبيون، وخاصة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، فى الاعتراف بمخاطر عالم قد لا تكون فيه الولايات المتحدة حليفًا موثوقًا به. وأكدت تعليقات ماكرون الأخيرة على الحاجة إلى استعداد أوروبا لمستقبل قد لا تتمسك فيه الولايات المتحدة بضماناتها الأمنية، وخاصة فى ضوء سياسات ترامب الأخيرة. فتحت فرنسا، الدولة الوحيدة فى الاتحاد الأوروبى التى تمتلك أسلحة نووية، الباب أمام توسيع رادعها النووى فى مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبى. ومع ذلك، يظل السؤال مطروحًا: حتى لو مدت فرنسا قدراتها النووية إلى أعضاء آخرين فى الاتحاد الأوروبى، فهل سيكون ذلك كافيًا لحماية أوروبا من التهديدات الوشيكة التى تشكلها كل من روسيا والدول المسلحة نوويًا الأخرى؟
إن التوترات المتصاعدة بين حلف شمال الأطلسى وروسيا بشأن غزو أوكرانيا والتهديدات النووية الروسية المتكررة تؤكد على الحاجة الملحة إلى أوروبا فى سعيها إلى رادع أكثر استقلالية وقوة. وإذا لم تتمكن أوروبا من الاعتماد على الولايات المتحدة، فقد تحتاج فى نهاية المطاف إلى إنشاء آلية دفاع نووى خاصة بها.
عالم منقسمقد تكون تداعيات رؤية ترامب كارثية. فمع إعادة تسليح العالم بسرعة، ترتفع مخزونات الدفاع، ويرتفع الإنفاق العسكرى إلى مستويات غير مسبوقة. ويتم توجيه الموارد التى ينبغى استثمارها فى الرعاية الصحية والتعليم وحماية البيئة واستكشاف الفضاء بدلًا من ذلك إلى ميزانيات الدفاع. وإذا سُمح لسياسات ترامب بالاستمرار، فقد تؤدى إلى عالم حيث تصبح الحرب حتمية، أو على الأقل، حيث يتحول توازن القوى العالمى بشكل كبير. مع ارتفاع الإنفاق الدفاعى العالمى، هناك إدراك قاتم بأن البشرية تتراجع إلى نظام عالمى خطير ومتقلب، حيث يتم التركيز بدلًا من ذلك على العسكرة والصراع.
ضرورة التأملويمضى ألكسندر هيرست قائلًا: فى مواجهة هذه التحولات الجيوسياسية، أجد نفسى أفكر فى التباين بين العالم الذى حلمت به ذات يوم والعالم الذى يتكشف أمامنا. عندما كنت طفلًا، كنت أحلم بالذهاب إلى الفضاء، ورؤية الأرض من مدارها. اليوم، أود أن أستبدل هذا الحلم بالأمل فى أن يضطر أصحاب السلطة إلى النظر إلى الكوكب الذى يهددونه من الأعلى. ولعل رؤية الأرض من الفضاء، كما ذكر العديد من رواد الفضاء، تقدم لهم منظورًا متواضعًا، قد يغير وجهات نظرهم الضيقة المهووسة بالسلطة.
إن رواية سامانثا هارفى "أوربيتال" التى تدور أحداثها حول رواد الفضاء، تلخص هذه الفكرة بشكل مؤثر: "بعض المعادن تفصلنا عن الفراغ؛ الموت قريب للغاية. الحياة فى كل مكان، فى كل مكان". يبدو أن هذا الدرس المتعلق بالترابط والاعتراف بالجمال الهش للحياة على الأرض قد ضاع على أولئك الذين يمسكون الآن بزمام السلطة. وقد يعتمد مستقبل كوكبنا على ما إذا كان هؤلاء القادة سيتعلمون يومًا ما النظر إلى ما هو أبعد من طموحاتهم الإمبراطورية والاعتراف بقيمة العالم الذى نتقاسمه جميعًا.
*الجارديان