بعد سنوات من العمل والانتظار تحقق الحلم المصري بامتلاك محطة طاقة نووية، بصب الخرسانة بقاعدة وحدة الكهرباء رقم 4 بمحطة الضبعة للطاقة النووية، حينما وقعت مصر عام 1981 مع فرنسا اتفاقية للتعاون في المجال النووي، تتضمن إنشاء محطة للطاقة النووية علي الأراضي المصرية، وتعد محطة الضبعة أول محطة للطاقة النووية في مصر، وتقوم شركة «روساتوم» الروسية ببنائها في محافظة مطروح على شواطئ البحر الأبيض المتوسط على بعد حوالي 300 كيلومتر شمال غرب القاهرة.

 وبحلول عام 2028 ستقوم الشركة الحكومية الروسية ببناء أربع وحدات من المحطة لتوفر الوقود النووي طوال دورة حياة محطة الطاقة النووية البالغة 60 عامًا، فضلاً عن توفير خدمات التدريب والصيانة والإصلاح لمدة 10 سنوات بعد انتهاء المشروع. 

ومر تنفيذ المشروع علي عدة مراحل، ففي 19 نوفمبر 2015، وقع البلدان اتفاقية حكومية (دخلت حيز التنفيذ في 13 يناير 2016)، نصت على بناء أربع وحدات طاقة بقدرة 1200 ميجاوات لكل منها (مفاعلات "في في يه ار" من الجيل الثالث).

روسيا تزود المحطة بالوقود النووي والتشغيل والصيانة وإصلاح وحدات الطاقة لمدة 10 سنوات وتدريب الطلاب من مصر في الجامعة الوطنية للبحوث النووية في موسكو

كما نصت الاتفاقية  أيضا على تزويد محطة الطاقة النووية المستقبلية بالوقود النووي، والتشغيل والصيانة وإصلاح وحدات الطاقة لمدة 10 سنوات، وتدريب الطلاب من مصر في الجامعة الوطنية للبحوث النووية في موسكو، بالإضافة إلى ذلك، تعهد الجانب الروسي ببناء منشأة تخزين خاصة وإرسال حاويات مخصصة للوقود النووي المستهلك.

بلغت تكلفة العقد 30 مليار دولار، منها 25 مليار دولار قرضا روسيا، سيبدأ سداده بعد تشغيل المحطة، وتخطط القاهرة لاستكمال السداد خلال 35 عامًا.

وفي 19 مايو 2016، أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي قرارًا بالموافقة على إنشاء المحطة بأموال القروض المقدمة من روسيا.

وفي 5 سبتمبر 2017، وافق مجلس الدولة المصري على عقود بناء محطة من قبل شركة روساتوم، وفي 11 ديسمبر من نفس العام، تم التوقيع على بدء العمل وفق العقد العام لإنشاء المحطة وعقد توريد الوقود النووي لها في أعقاب زيارة الرئيس الروسي لمصر، وكان من المقرر أن يبدأ البناء في 2020، لكنه أجل بسبب جائحة كورونا، ليبدأ إنشاء وحدة الطاقة الأولى في يوليو 2022، والثانية في نوفمبر 2022، والثالثة في مايو 2023.

أشرف الحجر: مشروع الضبعة النووية يجعل مصر مركزًا إقليميًا لتبادل الطاقة.. ويتضمن إنشاء أول وحدة للتخزين الجاف للوقود النووي المستهلك بحلول عام 2028

في البداية؛ أكد أشرف الحجر، رئيس مركز مصر للدراسات الاقتصادية، أن مصر تمضي قدما في استكمال حلمها لبناء محطة طاقة نووية سلمية، والذي بدأ منذ ستينات القرن الماضي، وهو المشروع الذي من شأنه أن يوفر طاقة كهربائية مستدامة ورخيصة، ويسهم في التنمية المستقبلية للبلاد.

وأضاف الحجر، ترجع أهمية المشروع النووي المصري كونه بداية توطين التكنولوجيا النووية، واستكمالا للمشروعات التنموية القومية التي يتبناها  الرئيس السيسي منذ توليه رئاسة مصر، حيث اتخذ السيسي قرارا فى عام 2015 بإعادة إحياء المشروع النووي المصري، وشدد السيسي على أن الدولة المصرية لديها رؤية بعيدة المدي من أجل مستقبل أفضل، حيث بات لدى الدولة حاليا بنية تحتية على أعلى مستوى.

وقال إن مشروع الضبعة، أكبر مصدر للطاقة النظيفة والذي يتماشي مع توجه الحكومة المصرية بإنتاج الطاقة النظيفة، وتماشيا مع الحفاظ علي البيئة وتقليل الانبعاثات الكربونية، بالإضافة إلي توفير الآلاف من فرص العمل للشباب المصري في بناء وتشغيل المفاعلات،  لأن معظم العاملين بالمشروع النووي في الضبعة من المصريين، بالإضافة إلي توفير كميات كبيرة من من البترول والغاز الطبيعي والمازوت المستخدم في تشغيل محطات توليد الكهرباء العادية والتي يتم استيراده بملايين الدولارات، وإعادة استخدامه في باقي الصناعات لزيادة معدلات التصنيع المحلي وإعلاء مصطلح نتمنى عودته بقوة “صنع في مصر” وترشيد فاتورة مصر الاستيرادية من الخارج.

وأضاف رئيس مركز مصر للدراسات، أن مصر حاليا بدأت تنفيذ المخطط الاستراتيجي للتحول إلي مركز إقليمي لتبادل الطاقة، وبدأت فعلا في مشروعات الربط الكهربائى مع دول أفريقيا من خلال خط كهرباء عن طريق السودان، ومشروعات للربط الكهربائي مع دول قارة أوروبا من خلال خط كهربائي يمر تحت الماء مع إيطاليا، وأخيرا الربط الكهربائي مع قبرص واليونان عبر جزيرة كريت، لتبادل الطاقة الكهربائية وكلها مشروعات سوف تساهم في زيادة إيرادات الدولة  الدولارية سنويا.

وأوضح أشرف الحجر، أن العقد بين مصر وروسيا، ينص على إنشاء أول وحدة للتخزين الجاف للوقود النووي المستهلك بحلول عام 2028، وتتوقع مصر أن تصل محطة الطاقة النووية إلى طاقتها الكاملة بحلول عام 2030.

ويخدم المشروع امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية في مصر في إنتاج الكهرباء وتحلية مياه البحر، إضافة إلى قطاعات صناعية وزراعية عديدة؛ مؤكدا أن  التعاون بين (مصر وروسيا) في بناء محطة الضبعة النووية، بداية لجذب استثمارات في مجالات متعددة، خاصة الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة. 

ونفي “الحجر” ما يتردد من  أن محطة الطاقة النووية بالضبعة في مرحلة التنفيذ، سوف ترهق الاحتياطى النقدي المصري، موضحا أن  روسيا قدمت لمصر قرضاً لتمويل الأعمال والخدمات والشحنات الخاصة بمعدات الإنشاء والتشغيل لوحدات الطاقة بمحطة الضبعة، بقيمة 25 مليار دولار، وجميع الدفعات التي يتم اعتمادها من القرض الروسي تذهب للشركات بالعملة الأجنبية لأنها تورد مهمات ومعدات للمشروع من خارج مصر، بينما الأعمال التحضيرية والتجهيزية لموقع المشروع، والتي  تمولها هيئة المحطات النووية تم سدادها  للشركات بالجنيه المصري.

من جانبه، قال الدكتور سمير رؤوف، الخبير الاقتصادي والمحلل المالي، إن صب خرسانة أولى الوحدات الأربع في مشروع الضبعة النووي بدأ بالفعل، والذي يضم أربعة مفاعلات تعمل بالماء المضغوط، بطاقة 1200 ميجاوات لكل منها وبطاقة إجمالية تبلغ 4800 ميجاوات للوحدات الأربع، والتي تبلغ تكلفتها الإجمالية 28.5 مليار دولار، وسيتم تشغيل بقية المفاعلات تباعا وفق الجدول المعلن، يساهم بشكل كبير في تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة، ويجعل من مصر مركزا إقليميا للطاقة وبصفة خاصة الطاقة النظيفة.

وأكد رؤوف، أن مشروع المحطة النووية  يؤكد دور مصر الريادي في منطقة الشرق الأوسط وقارة أفريقيا ووضعها على خريطة الدول المتقدمة في مجالات إنتاج الطاقة النظيفة، وسوف يؤدى المشروع إلى تنمية منطقة الضبعة وحدوث رواج اقتصادي بالمنطقة وسكاني بالمنطقة، وتطوير البنية التحتية من مرافق (مياه وكهرباء وطرق واتصالات).

أوضح رؤوف، لـ«البوابة» أن الدولة المصرية تتحرك وفق خطوات ناجحة وسريعة لإنجاز مشروع الضبعة النووي  ليبدأ التشغيل في الوقت المحدد له عام 2028،  سيساهم في توفير عشرات الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة سواء في مرحلة البناء التي تستغرق سنوات أو أعمال التشغيل والصيانة للوحدة النووية على مدار عمرها الذي يقدر بـ 60 عاما.

وأضاف، أن محطة الضبعة النووية ستحقق دفعة هائلة للتنمية الاقتصادية والتكنولوجية، مشددا علي أن المشروع يمثل أمناً قومياً تكنولوجياً لمصر كما أنه مشروع استثماري في المقام الأول، ومن المستهدف أن يغطى المشروع تكاليفه في مدة تقل عن 15 سنة، بالإضافة إلى أن المشروع أمن قومي للطاقة الكهربائية النظيفة والرخيصة للوفاء باحتياجات نهضة البلاد وتنميتها الاقتصادية الشاملة، ويحقق خطة «مزيج الطاقة» وهي الخطة الاستراتيجية للدولة في توليد الطاقة الكهربائية.

وأضاف الخبير الاقتصادي، أن مشروع الضبعة سوف يساهم  في خلق  12 ألف فرصة عمل في مراحل الإنشاء و3 آلاف فرصة عمل متوقعة في مرحلة التشغيل، وبهذا يكون من أهم مشروعات الاستثمار في القوة البشرية التي تمتلكها مصر وتعمل علي تنميتها، وأيضا أحد أهم وسائل الحماية المجتمعية التي توفرها الدولة لأهالي مطروح، لأن الأولوية للعمل بالمحطة  ستكون  لأبناء المنطقة المحيطة بالموقع في الضبعة. 

وفي نهاية تصريحاته لـ"البوابة" قال سمير رؤوف، إن إقامة محطة الضبعة النووية تؤكد علي عمق العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين مصر وروسيا والتي شهدت تطورا ملحوظا خلال السنوات الماضية في عهد الرئيس السيسي، حيث تمثل مصر الشريك التجاري الأول لروسيا في القارة الأفريقية بنسبة تعادل 83% من حجم التجارة بين روسيا وأفريقيا، كما تحصل على 33% من حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول العربية.

ووفقا للإحصائيات الرسمية، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وروسيا خلال عام 2022 نحو 4.7 مليار دولار مقابل 4.1 مليار دولار خلال عام 2021، كما يعمل في مصر أكثر من 467 شركة روسية في مجالات مختلفة كالبترول والغاز، إضافة إلى المنطقة الصناعية الروسية في مصر ومن المتوقع أن تضخ استثمارات بنحو 7 مليارات دولار، وتوفر 35 ألف فرصة عمل، كما بلغت الاستثمارات الروسية في مصر خلال العام المالي 21/22 نحو 34.5 مليون دولار، كما سجلت قيمة تحويلات المصريين العاملين بروسيا خلال نفس العام 16.4 مليون دولار.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: محطة الضبعة النووية وحدة الكهرباء مشروعات الطاقة في مصر الاقتصاد المصري الانبعاثات الكربونية محطة الطاقة النوویة محطة الضبعة النوویة مشروع الضبعة ملیار دولار مصر وروسیا فی مصر

إقرأ أيضاً:

الاندماج النووي.. تقدّمٌ كبير لكن الطريق ما يزال طويلًا

يعدّ تاريخ الخامس من ديسمبر عام 2022 نقطة تحولٍ في مجال الأبحاث حول الاندماج النووي. فبعد مضيّ أكثر من مائة عامٍ عن تصريح عالم الفيزياء الفلكية البريطاني آرثر إدينغتون (Arthur Eddington) أن تقنية الاندماج النووي ستكون «مصدرًا لا ينضب للطاقة إذا تم التحكم فيها»، نجحت منشأة الإشعال الوطنية (National Ignition Facility) في الولايات المتحدة، ولأول مرة، في توليد كمٍّ من الطاقة من خلال تفاعلات الاندماج النووي يفوق الطاقة المطلوبة لتحفيز هذه التفاعلات. فماذا تعني هذه النتائج؟ ولما يعدّ هذا إنجازًا حقيقيًّا للبحث العلمي في هذا المجال؟ وما العواقب المترتبة عن تطوير عملية الاندماج النووي كمصدرٍ للطاقة منخفضة الكربون؟

الاندماج النووي هو العملية التي تحدث في قلب النجوم - حيث تقوم شمسنا مثلا بدمج حوالي 600 مليون طن من الهيدروجين في الثانية الواحدة، مما يؤدي إلى توليد كمٍّ من الطاقة في الثانية الواحدة يعادل ما تستهلكه البشرية جمعاء في عامٍ كامل (حوالي 418 إكساجول بناءً على أرقام عام 2021).

تركّز معظم الأبحاث على الاندماج بين نظيرين للهيدروجين هما الديوتيريوم (Deuterium) والتريتيوم (Tritium)، وينتج عن هذا الاندماج نيوترون عالي الطاقة وذرة هيليوم. يعدّ هذا النوع من التفاعل الاندماجي أكثر سهولة مقارنةً بالتفاعل الذي يحدث في قلب الشمس.لكي يحدث الاندماج النووي فإننا نحتاج إلى توفير ظروف جد متطرفة، حيث ينبغي أن تصل الحرارة إلى حوالي مائة مليون درجة. ويتطلّب الوصول إلى هذه الحرارة كمًّا كبيرًا من الطاقة، ولكي تكون عملية الاندماج مربحةً، فيجب أن تولّد قدرًا أكبر بكثير من الطاقة مما هو مطلوبٌ من أجل إحداثها. تسمّى النسبة بين الطاقة المستهلَكة والطاقة المنتجَة بالمكسب، فإذا كانت هذه النسبة أكبر من واحد فإن تفاعل الاندماج سيكون قد أنتج طاقةً أكبر من تلك التي تطلّبها.

ثمّة طريقتان محتملتان لتحقيق الاندماج النووي: الاحتواء المغناطيسي (Magnetic Confinement)، والذي يستخدم مغناطيسات قوية من أجل احتواء البلازما لفترات طويلة جدًا، والاحتواء بالقصور الذاتي (Inertial Confinement) الذي يحفّز التفاعل من خلال نبضات قصيرة جدًا ومكثّفة. تعمل منشأة الإشعال الوطنية على تقنية الاندماج بالقصور الذاتي مستخدمةً أشعة الليزر القوية للغاية.

وإلى وقت قريب، لم تنجح أي تجربة في الحصول على مكسبٍ يفوق الواحد. وكان الرقم القياسي للاندماج بالاحتواء المغناطيسي هو 0.65 في مفاعل توكاماك جت (Tokamak JET) بالمملكة المتحدة عام 1997، ولاحقًا وصلت منشأة الإشعال الوطنية بالولايات المتحدة إلى تحقيق نسبة 0.7 في شهر أغسطس من عام 2021. تجدر الإشارة إلى أن هذا المكسب حُسب بناءً على البيانات المسجّلة على مستوى البلازما وليس على مستوى المفاعل بكامله. وقد حقّقت منشأة الإشعال الوطنية نفسها مكسبًا أكبر من 1 لأول مرة نهاية عام 2022. لقد أنتج الاندماج (من خلال 192 ليزر) طاقةً بلغت 3.15 ميجا جول، مقارنةً بطاقة مستهلكة قدرها 2.1 ميجا جول ، وبالتالي كان المكسب واحدًا ونصف!

لما يعدّ ذلك إنجازًا حقيقيًا؟

بالإضافة إلى الجانب الرمزي الذي ينطوي عليه هذا الإنجاز، فإن النتيجة التي توصل إليها الباحثون تمثل تقدّمًا علميا حقيقيا. تستخدم منشأة الإشعال الوطنية مخطّطًا يسمّى بـ «الهجوم غير المباشر»، إذ لا يتم تسخين الوقود (كرة ماسية قطرها ميلمترين تحتوي على عنصري الديوتيريوم والتريتيوم) بشكل مباشر بواسطة أشعة الليزر. يُوضع الوقود في الواقع في أسطوانة معدنية (Hohlraum) يتم تسخينها بأشعة الليزر من أجل إنتاج أشعةٍ سينية ستقوم هي بتسخين الوقود وضغطه.

تمنح هذه المقاربة ميزةً تتمثل في توجيه أشعة الليزر بشكل أكثر سهولة، غير أن عيبها هو أن جزءًا فقط من طاقة أشعة الليزر (10-20%) يتحول إلى أشعةٍ سينية تعمل على تسخين الوقود. وعلى مستوى هذا الأخير، فإن طاقة الاندماج المنتجة تكون أكبر بكثير من الطاقة الواردة، فالبلازما تسخّن نفسها ذاتيًّا.

لقد تعالت العديد من الأصوات من أجل التقليل من أهمية النتائج التي تم الوصول إليها وإضفاء النسبية عليها من خلال الإشارة إلى حقيقة أن أشعة الليزر تتطلب حوالي 400 ميغا جول من الطاقة لكي تكون قادرة على توفير 2 ميغا جول التي تُضخّ في منشأة الإشعال الوطنية. غير أن من الواجب أن نضع بعين الاعتبار أن منشأة الإشعال الوطنية لم تُصمم من أجل توليد الكهرباء، وإنما فقط لإثبات الاشتعال. كما أن بناء المنشأة قد شُرع فيه عام 1997، وبدأت عملياتها عام 2009، وقد تطورت تكنولوجيا الليزر بشكل كبير منذ ذلك الحين.

الطريق نحو الاندماج ما يزال طويلًا

من الواضح، أن تحقيق مكسبٍ يفوق بكثير مستوى المائة سيكون ضروريا من أجل إنتاج كهرباءٍ بتكلفةٍ مقبولة في المستقبل، وبالتالي فما يزال هناك الكثير مما يتعيّن القيام به في هذا المجال. كما أن إجراء التجارب في منشأة الإشعال الوطنية ما يزال يتطلّب الكثير من الوقت من أجل الإعداد لتنفيذ كل تجربة، ولا يجرى سوى عدد قليل منها كل أسبوع. ينبغي أن يكون المفاعل قادرًا على العمل وفق وتيرة تصل إلى عشر طلقات في الثانية، على مدار 365 يومًا في السنة، وهو ما يمثل تحديًّا تكنولوجيا كبيرا. من الصعب تعميم المقاربة غير المباشرة التي تعمل بموجبها منشأة الإشعال الوطنية على المفاعلات لأنها تعقّد عملية تصنيع الوقود وتتطلب مكاسب أعلى للتعويض عن الخسائر. إلا أن ثمّة العديد من الشركات الناشئة التي تعمل بلا كلل من أجل تطوير مفاعلات تستخدم تقنية الاندماج بالقصور الذاتي.

لا تزال هناك أيضًا العديد من التحديات التكنولوجية الأخرى التي يجب التغلّب عليها من أجل بناء مفاعلات اندماجية جاهزة للعمل (سواء من خلال تقنية الاندماج المغناطيسي أو الاندماج بالقصور الذاتي). وتتمثل إحدى هذه التحديات في القدرة على الحصول على الوقود اللازم. فإذا كان الديوتيريوم متوفرًا بكثرة على الأرض، فإن التريتيوم بخلاف ذلك له عمر قصير جدا (12.3 سنة)، ويتم إنتاجه بشكل رئيسي في المفاعلات النووية من نوع كاندو (CANDU) في كندا. يُقدَّر المخزون العالمي من التريتيوم بنحو ثلاثين كيلوغراما، في حين أن مفاعلا اندماجيا واحدا سيتطلب حوالي تسعين كيلوغرامًا من التريتيوم سنويا من أجل إنتاج خمس مائة ميغاواط من الكهرباء.

ولكي نتغلّب على هذه المشكلة، فسيحتاج المفاعل الاندماجي إلى إنتاج التريتيوم بنفسه، من خلال إحاطة البلازما بطبقة تحتوي على الليثيوم. وسوف تتفاعل النيوترونات الناتجة عن عملية الاندماج مع طبقة الليثيوم مكونةً بذلك التريتيوم. يتطلب تشغيل مفاعلات أخرى، أن يكون الإنتاج فقط أعلى بقليل من الاستهلاك. لكن هذه التكنولوجيا لم تُختبر بعدُ على نطاقٍ واسع. تقترح بعض الشركات الناشئة استخدام أنواع أخرى من الوقود مثل الهيليوم 3 أو البورون، غير أن الاندماج النووي على مستوى هذه العناصر يتطلب درجات حرارة أكبر يصعب بلوغها.

ثمّة تحديات أخرى تتعلق بالمواد التي تُصنع منها المفاعلات، حيث أنها سوف تُقصف بالنيوترونات النشطة للغاية على نحوٍ مستمر، وستحتاج إلى الحفاظ على خصائص ميكانيكية وفيزيائية كافية لفترات طويلة للغاية، وهذا مجال آخر تتسابق فيه الأبحاث بشكل كبير.

أي تأثيرٍ لهذه النتائج؟

من الواضح أن النتائج التي توصّلت إليها منشأة الإشعال الوطنية تمثل تقدّمًا كبيرا في مجال تكنولوجيا الاندماج النووي، وهو المجال الذي يشهد منذ عدة سنوات إقبالا وحماسًا من مستثمري القطاع الخاص، ويضم حوالي ثلاثين شركة ناشئة تعمل على تطوير نماذج لمفاعلاتٍ اندماجية. لقد أعلنت الحكومة الأمريكية في وقت سابق من هذا العام أنها تعمل على تطوير خطةٍ سوف تنفَّذ على عشر سنوات وتطمح إلى تسريع تطور تكنولوجيا الاندماج النووي. وبالتالي فإن النتائج الأخيرة تأتي في الوقت المناسب لتبرير هذه الطموحات، ويمكننا أن نتصور أن مستثمري القطاع الخاص سوف ينظرون إلى هذا باعتباره سببا إضافيا من أجل الاهتمام أكثر بهذا المجال.

ومع ذلك، فإن تطوير الاندماج النووي يظل مغامرةً تحتاج نفسًا طويلا، والوصول إلى نقطة التعادل ليس سوى خطوة ضرورية، لكنها تبقى غير كافية. وإذا كان تطوير أول مفاعل اندماجي أمرًا في غاية الأهمية، فلكي يلعب الاندماج النووي دورًا في مزيج الطاقة العالمي، سيكون من الضروري بناء قدر كبير جدًا من المفاعلات الاندماجية، مما سيستغرق بالضرورة وقتًا حتى مع تبنّي مقاربة استباقية. ولذلك يظل الاندماج خيارا طاقيًّا للأمد الطويل، في حين يتطلب التغير المناخي إحداث تغييرات سريعة على مستوى منظومة الطاقة العالمية.

ريمي دولابورت ماتوران باحث في مجال الاندماج النووي بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا

غريغ دوتمرمان باحث مشارك بالمدرسة الوطنية العليا للمناجم في باريس

المصدر: موقع The Conversation

مقالات مشابهة

  • رئيس "المحطات النووية": نجاح مشروع الضبعة يعتمد على الجهود المشتركة والعمل الجماعي
  • العربي للطاقة: اتفاقية لتنفيذ مشاريع طاقة شمسية بقدرة 75 ميجاوات في مصر
  • الحكومة توافق على تخصيص قطعة أرض بقنا لإنشاء محطة طاقة شمسية - تفاصيل
  • مجهولون يحطمون محطة شحن كهربائية مجانية في رأس العين / صور
  • الاندماج النووي.. تقدّمٌ كبير لكن الطريق ما يزال طويلًا
  • تطور جديد بمحطة الضبعة النووية.. تعرف على التفاصيل (صور)
  • اكتمال أعمال الصبة الخرسانية للمرحلة الأولى لوعاء الاحتواء الداخلي بمبنى مفاعل الضبعة بالوحدة النووية الثانية
  • "المحطات النووية" تكشف موقف تقدم الأعمال بمشروع محطة الضبعة
  • نصائح للبنات لرفع طاقة الأنوثة وزيادة الطاقة الإيجابية
  • إيرادات فيلم "Minecraft" تتخطى تكلفته الإنتاجية بنحو 5 مرات