في إطار فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، تلك الواحة الثقافية التي تنير سماء مصر والعالم كل عام، ألقى الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- الضوءَ على جسر الأصالة والمعاصرة الذي يربطنا بعظماء العلماء المصريين، أجدادنا الروَّاد الذين أسَّسوا علوم الفتوى المعاصرة وشقُّوا طريق العلم والاجتهاد بفكر متجدد منضبط.

وقال المفتي خلال الندوة التي أقيمت اليوم، والتي حاوره فيها الإعلامي حمدي رزق ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 55 تحت عنوان "الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي مصر الأسبق وأثره في تجديد الخطاب الديني": في هذا العام، اخترنا الشيخ محمد بخيت المطيعي كعنوان ومحور لندوتنا السنوية في معرض القاهرة الدولي للكتاب، تكريمًا لمسيرته العلمية الرائدة في الإفتاء ولإسهاماته الجليلة في تجديد الخطاب الديني ودعم قضايا الوطن.

واستعرض المفتي مسيرة الشيخ المطيعي بدايةً من نشأته، ومرورًا باجتهاده في طلب العلم من قنواته الشرعية، عن المشايخ المتخصصين بالأزهر الشريف، مشيرًا إلى عدة مواقف تؤكد شدة صبره في طلب العلم، تكللت بحصوله على أكبر الشهادات العلمية في عصره، فضلًا عن تقلُّده عدة مناصب من أرفع المناصب الشرعية في عهده، منها منصب الإفتاء.

وأضاف مفتي الجمهورية، موقف الدولة المصرية، قضية فلسطين، معرض الكتاب، الإعلامي حمدي رزق، الدولة المصرية، دار الإفتاء، الشيخ المطيعي، المفتي العالمي، الأمانة العامة، ثورة 1919م: لقد كان الشيخ المطيعي مثالًا للعالِم الجامع بين الأصالة والمعاصرة، الذي استطاع أن يقدم رؤى فقهية وإفتائية مستنيرة تتجاوز حدود زمانه ومكانه، ولذا وصفه مؤرخو العصر الحديث بالمفتي العالمي، ويمكن القول إن إنشاء الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء جاءت اتساقًا مع أفكاره في صورة متطورة، فضلًا عن تقيُّده بالقوانين باعتبار أن حكم الحاكم يرفع الخلاف في أي مسألة، وخاصة الأحوال الشخصية.

وأكد مفتي الجمهورية أن الشيخ المطيعي كان ذا ثقافة موسوعية اتَّسمت بالعمق وبالجمع بين الماضي والحاضر، والتنوع والمتابعة لكل جديد، مشيرًا إلى تقديمه العديد من المؤلفات الموسوعية الشاملة والمتكاملة، فضلًا عن أكثر من 2000 فتوى.

وأشار مفتي الجمهورية إلى أن الشيخ المطيعي بفهمه العميق واجتهاده البارع، كان سباقًا لعصره، مقدمًا حلولًا فقهية وفتاوى لقضايا عدة، منها فتوى جواز التصوير الفوتوغرافي، وحكم السبرتو، مشيرًا إلى أن مَن جاء بعده من المفتين قد استفاد كثيرًا من تراثه الإفتائي، مما يدل على رؤيته الثاقبة وفهمه المتجدد الذي تجاوز حدود زمانه.

وثمَّن مفتي الجمهورية نبذ الشيخ المطيعي للتشدد والتعصب مستدلًّا بتحديده ضوابط مفهوم البدعة عنده على أنه ليس كلُّ مُحدَث في العبادات أو المعاملات منهيًّا عنه، بل الأمور المحدثة تعتريها الأحكامُ التكليفيةُ الخمسة بحسب ما تدل عليه الأصول الشرعية، وهو ما يتسق تمامًا مع رؤية دار الإفتاء المصرية حاليًّا، كما جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأشار المفتي إلى أن الشيخ المطيعي قدم نظرة عميقة لمفهوم الدولة المدنية في الإسلام، وكذلك التأكيد على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام دولةً في المدينة على أساس المساواة والمواطنة.

وعن رؤية الشيخ المطيعي لمشاركة علماء الدين في القضايا الوطنية قال فضيلة المفتي: إن الشيخ المطيعي قدَّم نموذجًا راقيًا وإيجابيًّا يُحتذى به، فقد دعا إلى ضرورة مساندة العالِم الشرعي للوطن وقضاياه قولًا وفعلًا، فقد شارك في وضع دستور 1923م، حيث كان أحد أعضاء لجنة الثلاثين التي وضعت هذا الدستور برئاسة عبد الخالق ثروت باشا، فضلًا عن اعتزازه بمصريته ووطنيته أثناء ثورة 1919م.

وأشار مفتي الجمهورية إلى أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم جاء للبناء والعمران، ولم يأتِ لإقصاء أحد ولا للصراع مع أحد، ومن حادَ عن هذه الأفكار أو حاول هدم التراث الإنساني فهو يحيد عن سيرته العطرة.

وأردف قائلًا: إن الإسلام لم يهدُف أبدًا إلى صراع الحضارات أو العيش في عزلة وانغلاق عن الآخرين، بل هدف إلى إيجاد قدر كبير من الطمأنينة في العلاقات الإنسانية والتواصل والتعارف، فالتعارف الإنساني صيغة إلهية لتحقيق التعايش البشري ونبذ الخلاف والشقاق، بل إنَّ الإسلام أرسى قواعدَ وأسسًا للتعايش مع الآخر في جميع الأحوال والأزمان والأماكن.

وأكد المفتي على عدم تحيز الشيخ المطيعي لمذهبه الفقهي أو الإفتائي في فتاويه، بل لم يتحيز أيُّ مُفْتٍ من المفتين على مر العصور داخل دار الإفتاء المصرية لمذهبه الفقهي، بل إن مذهب المفتي لم يؤثر في حركة الفتوى.

واستعرض المفتي جهود دار الإفتاء في الحفاظ على الأسرة المصرية من خلال تدريب المقبلين على الزواج، فضلًا عن تقديم الدعم المتكامل للزوجين للتقليل من حالات الطلاق، مشيدًا بما قدمه السيد المستشار عمر مروان وزير العدل من اهتمامٍ بدورات تأهيل المأذونين، داعيًا إلى ضرورة توقف الأزواج عن التلفظ بألفاظ الطلاق.

وفي رده على سؤال لأحد الحضور عن حرب غزة، شدَّد فضيلته على أن الاعتداء الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة يحتاج إلى أن يتكاتف العالم كله في سبيل وقف هذه الحرب وضرورة حل القضية الفلسطينية حلًّا عادلًا بما يعطي للفلسطينيين حقوقهم، مشيرًا إلى أن الدولة المصرية ترفض تهجير سكان غزة إلى مصر، وهو الموقف الرسمي والشعبي للدولة المصرية، والذي سيظل فخرًا لها، فضلًا عن أن الشعب الفلسطيني متمسك بالأرض ولا يقبل التهجير.

وأشاد مفتي الجمهورية بموقف مؤسسات الدولة المصرية تجاه مشكلة غزة، مثنيًا على موقف الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر الشجاع نحو القضية الفلسطينية.

واختتم المفتي لقاءه بتوجيه الشكر والامتنان للأسرة الإفتائية وكل العاملين بدار الإفتاء المصرية على جهودهم الواضحة والمضنية خلال السنوات الأخيرة في مختلف الملفات.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: مفتي الجمهورية معرض الكتاب الدولة المصرية دار الإفتاء الأمانة العامة الإعلامي حمدي رزق قضية فلسطين موقف الدولة المصرية الشيخ المطيعي المفتي العالمي الدولة المصریة مفتی الجمهوریة دار الإفتاء مشیر ا إلى فضل ا عن إلى أن

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية: كل ما في حياة الإنسان أمانة يُسأل عنها يوم القيامة

أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الأمانة تعد واحدة من أهم الأخلاق التي عُرف بها الأنبياء والمرسلون عبر التاريخ، بدءًا من سيدنا آدم عليه السلام وحتى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، مشيرًا إلى أن القرآن الكريم نقل لنا تأكيدًا واضحًا على هذه الحقيقة من خلال تكرار عبارة  (إني لكم رسول أمين) في وصف عدد من الأنبياء، مما يبرز المكانة العظيمة لهذه الفضيلة التي ينبغي أن يتحلى بها كل مسلم.

مفتي الجمهورية: الصوم أعلى درجات الأمانة.. فيديومفتي الجمهورية: الأمانة في الإسلام تحمل المعنى الأشمل والأعممفهوم الأمانة

وأضاف مفتي الجمهورية، خلال لقائه الرمضاني اليومي مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج "اسأل المفتي" الذي يذاع على فضائية "صدى البلد"، أن بعض الناس قد يضيّقون مفهوم الأمانة بحصره في الجوانب المادية فقط، كحفظ المال ورد الحقوق المالية إلى أصحابها، في حين أن الأمانة في المنظور الإسلامي أوسع من ذلك بكثير، إذ تشمل جميع شؤون الحياة، بدءًا من العلاقة بين الزوج وزوجته، إلى الكلمة التي ينطق بها الإنسان، إلى حفظ العهد بين العبد وربه، وصيانة الأعراض، والالتزام بالواجبات والمسؤوليات، موضحًا أن الإسلام قد أولى هذه الفضيلة اهتمامًا كبيرًا، حتى جعلها ميزانًا للإيمان الصحيح، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له"، وهو تعبير شديد الدلالة على أن الإيمان الحقيقي مرتبط بالأمانة، وأن الوفاء بالعهد هو السبيل إلى الدين القويم والمسار المستقيم.

وأشار مفتي الجمهورية إلى أن القرآن الكريم لم يكتفِ بالدعوة إلى الأمانة، بل أوضح كيفية تطبيقها في الحياة العملية، فقال الله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)، مما يدل على أن أداء الأمانات لا يقتصر على الأمور الفردية فحسب، بل يمتد إلى المسؤوليات المجتمعية الكبرى، وعلى رأسها العدل بين الناس، وهو ما يعزز فكرة أن الأمانة لا تقتصر فقط على حفظ المال، وإنما تشمل كل ما استؤمن عليه الإنسان، من حقوق وأقوال وأفعال.

وفي سياق الحديث عن الأمانة، أوضح الدكتور نظير عياد أن الصيام في شهر رمضان يعد مدرسة عملية لغرس هذه الفضيلة في النفوس، حيث إن جوهر الصيام يقوم على الأمانة بين العبد وربه، فالإنسان الصائم يمتنع عن الطعام والشراب وسائر المفطرات ليس خوفًا من أعين الناس، ولكن التزامًا بأمر الله تعالى، وإيمانًا بمراقبته، وهذا أرقى صور الأمانة التي تجعل من الصيام عبادة تدريبية للالتزام بالمسؤولية في جميع شؤون الحياة.

وأضاف أن الصيام له مراتب متعددة، تبدأ بصيام العوام، الذي يقتصر على الامتناع عن الطعام والشراب والشهوة، ثم يرتقي إلى صيام الخواص، الذي يشمل إضافة إلى ذلك حفظ الجوارح من المحرمات، ثم يأتي صيام خواص الخواص، وهو الامتناع ليس فقط عن المفطرات الظاهرة، ولكن عن كل ما قد يعكر صفاء العلاقة بين العبد وربه، كالتفكير في المعاصي، أو الميل إلى الأهواء، أو أي فعل قد يخدش نقاء القلب.

وأكد المفتي أن الانتقال من مرتبة إلى أخرى في الصيام يتطلب أدوات معينة، أهمها فهم المقاصد الحقيقية لهذه العبادة، مشيرًا إلى أن من يدرك أن الصيام مدرسة أخلاقية تهدف إلى تهذيب النفس، سيسعى إلى تحقيق ثماره المرجوة، وأبرزها التقوى، كما قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).

واستشهد المفتي بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش"، مؤكدًا أن هذه إشارة واضحة إلى أن الصيام لا يحقق أهدافه إذا لم يترجم إلى التزام عملي بالأمانة، والوفاء بالعهود، وضبط السلوكيات، وهو ما يجعل الصيام تجربة روحانية لا تقتصر على الامتناع عن الطعام، بل تتعداه إلى التخلق بفضائل الأخلاق، والتقرب إلى الله بحسن التعامل مع الناس.

وتابع حديثه مشيرًا إلى أن تفريط الناس في الأمانة بات من الظواهر المؤسفة في المجتمع المعاصر، حيث انتشرت مظاهر الخداع والتدليس في المعاملات، وضاعت حقوق العمل والإنتاج، وتراجع الالتزام بالوقت والمسؤوليات، موضحًا أن هذا يعد صورة من صور خيانة الأمانة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "من غشنا فليس منا"، مما يدل على خطورة هذه السلوكيات وآثارها السلبية على الفرد والمجتمع.

وأردف قائلًا إن الإنسان مسؤول أمام الله عن كل ما ائتُمن عليه، مستشهدًا بقوله تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا)، موضحًا أن الأمانة تشمل جميع التكاليف الشرعية، وهي الضابط الأساسي لإتقان العمل، وحفظ الحقوق، والالتزام بالواجبات، وستر العيوب، والبعد عن الاحتكار، والمبادرة إلى فعل الخيرات، مشددًا على أن من يتهاون في هذه الجوانب يكون قد خان الأمانة التي كلفه الله بها، وأن التكاليف الشرعية ليست خيارًا، بل التزامًا ومسؤولية لا بد من أدائها.

وفي ختام حديثه، أكد مفتي الجمهورية أن من يتحلى بالأمانة يقتدي بالمنهج النبوي، إذ اشتهر النبي صلى الله عليه وسلم بين قومه بلقب "الصادق الأمين"، وهو ما يدل على أن الجمع بين الصدق والأمانة هو أساس الشخصية الإسلامية السوية، مستدلًا بقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، موضحًا أن الكذب والخيانة والتدليس من الصفات التي تتنافى مع الإيمان، وأن التحلي بالصدق والأمانة هو السبيل إلى بناء مجتمع قوي يسوده العدل والاستقامة.

ودعا الدكتور نظير عياد إلى التمسك بهذه الفضيلة العظيمة، وجعلها منهجًا لحياتنا اليومية، سواء في العلاقات الأسرية، أو المعاملات المالية، أو الالتزام بالعمل، أو أداء الحقوق لأصحابها، مشددًا على أن الصيام فرصة عظيمة لتدريب النفس على الأمانة، والارتقاء بالسلوك، وتعزيز القيم التي دعا إليها الإسلام، والتي يقوم عليها أي مجتمع صالح يسعى إلى رضا الله وتحقيق الخير للبشرية.

وفي ختام اللقاء، أجاب مفتي الجمهورية، عن عدد من أسئلة المشاهدين، حيث تحدث عن معاني الحب في الإسلام، ومفهوم الشفاعة، وأهمية الأمانة في العلم والفتيا والدعوة، ودور الأفراد في الحفاظ على الوطن باعتباره أمانة يجب صونها.

وأوضح أن الحب في الإسلام ليس مجرد مشاعر، بل هو التزام وإخلاص واتباع لنهج النبي صلى الله عليه وسلم، حيث استشهد بحديث النبي الكريم الذي أجاب فيه رجلًا سأله عن موعد القيامة، فرد عليه بقوله: «ماذا أعددت لها؟»، فقال الرجل: «إني أحب الله ورسوله»، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «أنت مع من أحببت». وقد كان هذا الحديث من أكثر ما أفرح الصحابة، لأنهم كانوا جميعًا يسعون إلى رفقة النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة، لكنه أشار إلى أن هذه المحبة تقتضي الإخلاص والاتباع، والالتزام بالحدود الإلهية والأوامر النبوية، وهو ما يميز الحب الحقيقي عن مجرد العاطفة المجردة.

الشفاعة

وعند الحديث عن الشفاعة، أكد المفتي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان دائم الحرص على أمته، وهذا ما ظهر في العديد من الأحاديث التي تناولت شفاعته يوم القيامة، حيث جاء في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم إني لا أسألك فاطمة ابنتي، ولا صفية عمتي، ولا العباس عمي، ولكن أقول: أمتي، أمتي»، فيجيبه الله تعالى: «يا محمد، ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، وعزتي وجلالي، أنت تقول: أمتي، أمتي، وأنا أقول: رحمتي، رحمتي». ولكن هذه الشفاعة ليست مطلقة، بل ترتبط بالاتباع والاقتداء والمحبة الحقيقية للنبي صلى الله عليه وسلم، فمن أراد أن ينال شفاعته، فعليه أن يسير على نهجه، ويتمسك بسنته.

وحول الأمانة، أوضح المفتي أن العلم من أخطر أنواع الأمانة، لأنه مسؤولية عظيمة تتعلق بنقل المعرفة الصحيحة، وبيان الأحكام الشرعية، والتوجيه إلى الصلاح، وهو ما أشار إليه الله تعالى بقوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، فقد وصف العلماء بأنهم أهل الخشية الذين يدركون حدود الله، ويعلمون حقوقه وصفاته، ومن هنا جاءت خطورة خيانة العلم، لأنها تؤدي إلى تشويه الدين، وتخريب العقول، ونشر الفوضى الفكرية، وقد يصل أثرها إلى إفقاد الناس الثقة في الدين نفسه.

وتطرق إلى الحديث عن الفتيا، مؤكدًا أنها أمانة عظيمة، لأن المفتي عندما يصدر حكمًا شرعيًا، فإنه يوقع عن الله تعالى، وهو ما يقتضي أن يكون أمينًا، ملتزمًا بالدقة والورع، وإلا فإنه يكون قد خان الأمانة، وابتعد عن الحق، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا إيمان لمن لا أمانة له»، فالمفتي مسؤول أمام الله عن كل كلمة يقولها، لأن الفتوى قد تؤدي إلى صلاح المجتمعات أو فسادها.

كما تحدث عن أمانة الدعوة إلى الله، مشيرًا إلى أن الداعي ينبغي أن يتحلى بالحكمة، والصبر على المدعوين، ومراعاة أحوالهم، والتدرج معهم، كما قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، محذرًا من أن بعض الدعاة يسيئون إلى الدين بسبب سوء فهمهم لمضامينه، أو عدم استخدامهم للأساليب الصحيحة في الدعوة.

أما عن أمانة الوطن، فقد أكد المفتي أن كل فرد مسؤول عن وطنه، وأن حب الوطن لا يكون بالشعارات، بل بالعمل والاجتهاد والحرص على مصلحته، مشيرًا إلى أن بعض الناس يعتقدون أن الغش في الامتحانات أو العمل أو التجارة نوع من الذكاء، ولكن الحقيقة أن هذه الأمور تندرج تحت خيانة الأمانة، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»، مؤكدًا أن الخيانة في الأمانة من أخطر الصفات، حيث يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا}، كما وصف المنافقين بأنهم في الدرك الأسفل من النار، بسبب خيانتهم للأمانة.
وفي ختام الحلقة، وجه المفتي نصيحته للجميع بضرورة التمسك بالأمانة في كل مجالات الحياة، سواء في العلم أو الفتيا أو الدعوة أو الحفاظ على الوطن، مشددًا على أن الأمانة مسؤولية عظيمة، وأن الله سبحانه وتعالى سيسأل كل إنسان عما استرعاه من أمانات يوم القيامة.

مقالات مشابهة

  • مفتي الجمهورية يلقي درس التراويح بالجامع الأزهر حول غزوة بدر الكبرى
  • مفتي الجمهورية يلقي درس التراويح في الجامع الأزهر حول غزوة بدر الكبرى
  • مفتي الجمهورية: غزوة بدر مدرسة في التخطيط وحسن التدبير
  • مفتي الجمهورية: استشارة النبي لأصحابه في بدر درس في القيادة الرشيدة
  • مفتي الجمهورية: القول بأن الشريعة الإسلامية غير مطبقة مغالطة كبرى
  • اليمن.. محورُ ارتكاز فلسطين
  • مفتي الجمهورية: كل ما في حياة الإنسان أمانة يُسأل عنها يوم القيامة
  • مفتي الجمهورية: الصوم أعلى درجات الأمانة.. فيديو
  • مفتي الجمهورية : يوم المرأة المصرية تكريمٌ لها ولدورها في بناء الوطن
  • حكم الطلاق عبر الهاتف ووسائل التواصل الحديثة .. مفتي الجمهورية يجيب