أسامة فخري الجندي يكتب: صناعة المعروف.. وثقافة المواساة
تاريخ النشر: 26th, January 2024 GMT
من أرقى وأسمى القيم الإنسانية والثقافات الاجتماعية «قيمة صناعة المعروف» هذه القيمة التى تؤسس لثقافة المواساة وتُبرز فقه الشعور بالآخر، وتحقق مجموعة من القيم النبيلة التى تتعلق بالتكافل والتراحم والتكامل والتعاون وحب الآخر ورفع الحرج وإزالة المشقة، كما أنها دليل على نفس زكية تتسم بالبذل والعطاء والسخاء والجود والكرم.
إن مما ينبغى أن يكون عليه المسلم عموماً التكافل والتراحم مع الفقراء، فيراعى غيره ممن هم فى حاجةٍ وضيق، وهذا كان خُلُق رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ (رضى الله عنهما) قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِى رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِى كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ). [أخرجه البخارى ومسلم].
ويلاحظ هنا فى هذا التشبيه الرائع لإنفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وجودِه بأنه كالريح المرسلة (أمور ثلاثة): فالريح المرسلة (متعاقبة - تشمل الكل - السرعة)، وهكذا ينبغى أن يكون المسلم فى إنفاقه وجوده، أن يكون سريعاً لا يبطئ، أن يكون فى نفقته شاملاً لمن يستحق نفقته، أن تتعاقب النفقات فلا تتوقف، وأن يكون فى ذلك كلِّه مبتغياً به وجه الله عز وجل، محققاً أسمى معانى الجسد الواحد للأمة.
ولا شك أن فى الإنفاق والصدقة دواءً وشفاءً للأمراض والأدواء البدنية، ولها تأثير عجيب فى دفع أنواع البلاء، فإنّ الله تعالى يدفع بها أنواعاً من البلاء، وذلك كما فى قوله صلى الله عليه وسلم، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): (دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلاَءِ الدُّعَاءَ)(سنن البيهقى). فالصدقة لها أثر عجيب فى مداواة الأمراض، قال على بن الحسن بن شقيق، سمعت ابن المبارك، وسأله رجل عن قرحة خرجت فى ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجتها بأنواع العلاج فلم أنتفع به، فقال له: اذهب فاحفر بئراً فى مكان حاجة إلى الماء، فإنى أرجو أن ينبع هناك عين، ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل، فبرأ.(سير أعلام النبلاء). يقول ابن القيم: فالصدقة لها تأثير عجيب فى دفع أنواع البلاء، فإنّ الله تعالى يدفع بها أنواعاً من البلاء، وهذا أمر معلوم عند النّاس خاصتهم وعامتهم وأهل الأرض مقرون به لأنّهم قد جربوه.
ومن هنا لا بد أن ندرك «ثقافة المواساة وصناعة المعروف»؛ لنيل أعظم الثواب من الله (عز وجل).
وبالنظر فى واقعنا المعاصر فإن من ثقافة المواساة وصناعة المعروف: إغاثة المرضى، ومساعدة الفقراء والمساكين وأصحاب الأعمال المؤقتة وغير المنتظمة أو العاملين بالأجور اليومية، وما يتعلق بالمستشفيات من توفير الأدوات والمستلزمات الطبية وأدوات الوقاية، والمساعدات الفورية للعلاج ولحفظ الإنسان وصيانته ووقايته من هذا المرض، ومن ثمّ فإن الصدقات هى من أكثر وجوه الإنفاق فى هذه الآونة التى تشتد فيها حاجة هؤلاء إلى المعونة العاجلة، وهو واجب الوقت الذى يتعين أداؤه.
فكن من أهل المواساة، بمعنى أن تتفقد أهلك وجيرانك وزملاءك وأصدقاءك. وتبحث عمن هم فى احتياج، وكيفية مساعدتهم على قدر استطاعتك.
كل إنسان منا يستطيع أن يحقق ثقافة المواساة حسب طاقاته وقدراته وإمكاناته من مال وإطعام، ومساعدات عينية، وإذا كان ثواب الصَّدقة والإنفاق عظيماً، فإن ثوابها فى وقت الأزمات أعظم، فحين سُئل (صلى الله عليه وسلم): يَا رَسُولَ اللهِ أىُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْراً؟ قَال: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى..»، أى: إنَّ أعظم الصَّدقات أجراً مالٌ يُخرجه الإنسان وهو يخشى أن يُصيبَه مِن الفَقرِ ما أصابَ غيره.
بل إن التَّصدُّق فى ظلِّ الأزمات أو الضيق، والعمل على رفع الحرج وإزالة المشقة هو سببٌ رئيسٌ لدفع البلاء، وسبب رصينٌ لكشْف الضُّر، وسبب عظيمٌ لسِعة الرّزق؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّمَا تُنصَرُونَ وتُرزَقُونَ بِضُعَفَائِكُم».
وليعلم كل إنسان أنه بصدقته وإنفاقه ومساعداته ومواساته لغيره قد نال وصفاً جليلاً منيراً من أجلِّ وأرقى وأسمى الأوصاف، وهو (صانع المعروف)، وصناعة المعروف سببٌ لنَيْل رضا الله سُبحانه، ولتنزُّل رحمته (عز وجل)، وأصل أصيل فى الحفظ من سيئ البلاءات، والأمراض، وضمان -بإذن الله تعالى- لحسن الخواتيم؛ فقد قال (صلى الله عليه وسلم): «صنائِعُ المعروفِ تَقِى مصارعَ السُّوءِ، والصدَقةُ خِفْياً تُطفِئُ غضبَ الرَّبِّ».
فاللهم اجعلنا من صانعى المعروف، واجعلنا من أهل المواساة، وارفع عنا البلاء والوباء
اللهم آمين
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: القيم الإنسانية الثقافات الاجتماعية التكامل والتعاون صلى الله علیه وسلم صلى الله ع أن یکون
إقرأ أيضاً:
ما هو سبب صيام شهر رمضان؟ اغتنم 6 نفحات ربانية تتنزل على الصائمين
لماذا نصوم شهر رمضان ؟ من أعظم الفروض والطاعات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه: صوم رمضان، وذلك بما فضله الله تعالى به؛ حيث خصَّه من بين سائر العبادات بأنَّه له سبحانه، وذلك فيما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «قالَ اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»، فلم ينص على عظيم ثوابه، وجعله مُقَدَّرًا عند الله تعالى لعظمه، إلا أنه مع ذلك بَيَّن أنَّ من ذلك الثواب والجزاء العظيم مغفرة جميع ما مضى من الذنوب والآثام؛ فقال تعالى: «وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ» [البقرة: 184].
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: «إِنَّ رَمَضَانَ شَهْرٌ افْتَرَضَ اللهُ صِيَامَهُ، وَإِنِّي سَنَنْتُ لِلْمُسْلِمِينَ قِيَامَهُ، فَمَنْ صَامَهُ وَقَامَهُ خَرَجَ مِنَ الذَّنْبِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» أخرجه أحمد وأبو يعلى الموصلي في "المسند"، وابن خزيمة في "الصحيح".
وقد أجمع المسلمون على أنَّ صيام شهر رمضان فرض عين على كل مسلم بالغ عاقل خالٍ عن موانع الصوم؛ كالحيض والنفاس، وكذا رخصه؛ كالمرض والسفر والكبر.. وقد تواردت النصوص في بيان جزيل ثواب من أطاع الله تعالى بصيام شهر رمضان؛ مما يدل على فضل صيام هذا الشهر الكريم.
قال إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالله البعيجان، إن الصوم عبادة من أعظم العبادات وقربة من أزكى القربات وطاعة من أجل الطاعات وحقيقة الإمساك عن المفطرات وترك الشهوات واتقاء المحرمات، وغاية الصوم تقوى الله عز وجل وتهذيب النفس وتزكيتها من النقص والخلل وحصول الأجر والثواب منه سبحانه وتعالى.
وأضاف «البعيجان» في خطبة سابقة له، أن الصوم عبادة من أفضل القربات وأجل الطاعات واعظم المثوبات وهو عبادة الصابرين وزاد المتقين وذخر الفائزين ويكفي أن الله قسم عمل ابن آدم إلى قسمين فجعل الصوم قسما مستقلا إضافة إلى لنفسه وجعل بقية أعماله قسما واحدا، فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف.
ولفت إلى أن الصوم جنة ووقاية من النيران وعصمة من اقتراف المعاصي واتباع الشهوات والشيطان وللصائم فرحتان وله في الجنة باب يقال له الريان وأفضل الصيام أداء الركن الواجب بصيام شهر رمضان وأفضل صيام التطوع صيام شهر شعبان.
وفي ختام خطبته حث إمام وخطيب المسجد النبوي المسلمين بالصيام بشهر شعبان قائلا: فصوموا عباد الله من شعبان ما استطعتم واقرضوا الله قرضا حسنا «وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا».
قالت دار الإفتاء المصرية، أولًا: إن الصوم ؛ وسيلة للتحلي بتقوى الله عز وجل، لأن النفس إذا امتنعت عن بعض المباحات الضرورية كالطعام والشراب؛ طمعًا في مرضاة الله، وخوفًا من غضبه وعقابه؛ يسهل حينئذ عليها الامتناع عن الْمُحَرَّمات، والتحلي بتقوى الله تعالى.
وأضاف الدار، في فتوى له، ثانيًا: أن الصوم وسيلة للتحلي بالإخلاص؛ لأن الصائم يعلم أنه لا يطَّلع أحد غير الله تعالى على حقيقة صومه، وأنه إذا شاء أن يترك الصوم دون أن يشعر به أحد لفعل، فلا يمنعه عن الفِطْر إلا اطِّلاعُ الله تعالى عليه، ولا يحثه على الصوم إلا رضاء الله، والنَّفْسُ إذا تعايشت مع هذه الرؤية صارت متحلية بالإخلاص.
وتابعت: ثالثًا: الصوم وسيلة للشكر؛ لأَنَّه بالامتناع في وقت الصوم عمَّا أنعم الله به على الإنسان من الطعام والشراب وسائر الشهوات المباحة يتبيَّن للإنسان مقدار تلك النِّعَم وحاجة الإنسان إليها، ومدى المشقة التي تلحق المحروم من تلك النِّعَم، فتتوق نفسه إلى شكر ذلك الْمُنْعِم العظيم الغنيِّ الذي وهب ومنح دون مُقَابل أو حاجةٍ لِمُقَابل.
وواصلت: رابعًا إن في الصوم من تَخَلُّق النفس بالصبر على الجوع والعطش والشهوة، والحد من نَهْمَتِهَا وانطلاقها الغاشم في الملذَّات، فالنفس المنطلقة في الشهوات اللاهثة وراء الملذات ما أسهل أن تستجيب للشيطان حين يُزَيِّن لها المهالك والموبقات؛ لذا كانت النفس في حاجة إلى الضبط والتنظيم في تنعُّمها بنعم الله تعالى.
وأكملت: خامسًا: أن الله تعالى نسب الصيام إليه، وتولى جزاء الصائمين؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللَّهُ : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» [رواه البخاري ومسلم]. وفي رواية: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ؛ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ».
سادسًا: ومن أسرار الصوم وحكمه أنه فيه صحة للبدن من الأمراض والأسقام؛ فبالصيام يطهر البدن من الفضلات والسموم التي نتجت عن أنواع الطعام الذي يُدخله المرءُ إلى جوفه طيلة العام، ومع الجوع يبدأ الجسم باستهلاك المخزون الجسدي، وطرد ما فيه من السموم والفضلات؛ فمع قلة الطعام الناتج عن صيام النهار ينتظم التنفس، ويقل العبء الملقى على القلب، ويتهيأ للجهاز الهضمي أن يجدد أنسجته التالفة، كما أن قلة الفضلات تسمح بإراحة الكلى وتجدد نشاطها، إلى غير ذلك من الفوائد الصحية العظيمة.
فضل صيام شهر رمضان
شهر رمضان فضّله الله على سائر السَّنَة بنزول القرآن الكريم فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ" [البقرة: 185]، وميز الله تعالى هذا الشهر الكريم بأن أمر بصيام نهاره؛ فقال: "فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ" [البقرة: 185].
والصيام من العبادات التي لها أثرٌ عظيمٌ في حياة الفرد والمجتمع؛ فهو يعود الإنسان على الصبر وتحمل المشاق ويرقق المشاعر والأحاسيس، ويربط العبد بربه وخالقه، وفي الصوم خضوعٌ وطاعةٌ وحرمانٌ من ملذات الحياة وشهواتها طيلة النهار إيمانًا واحتسابًا لله، وهو انتصارٌ على النفس والهوى والشيطان، ورمضان هو شهر المغفرة والعتق من النار، ويكفيه فضلًا أن الله سجّل فضله في القرآن الكريم، ليظل يُتلى على مَرِّ الأيام وكَرِّ الأعوام إلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومَن عليها؛ فهو الشهر الوحيد الذي ذُكر باسمه في القرآن الكريم.
فضل صيام شهر رمضان
خصَّ الله عز وجل عبادة الصيام من بين العبادات بفضائل وخصائص عديدة، منها: أولًا: أن الصوم لله عز وجل وهو يجزي به، كما ثبت في البخاري (1894)، ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي».
ثانيًا: إن للصائم فرحتين يفرحهما، كما ثبت في البخاري ( 1904 ) ، ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ».
ثالثًا: إن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، كما ثبت في البخاري (1894) ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله عز وجل يوم القيامة من ريح المسك».
رابعًا: إن الله أعد لأهل الصيام بابا في الجنة لا يدخل منه سواهم، كما ثبت في البخاري (1896)، ومسلم (1152) من حديث سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ فِي الجَنَّة بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يدْخُلُ مِنْهُ الصَّائمونَ يومَ القِيامةِ، لاَ يدخلُ مِنْه أَحدٌ غَيرهُم، يقالُ: أَينَ الصَّائمُونَ؟ فَيقومونَ لاَ يدخلُ مِنهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فإِذا دَخَلوا أُغلِقَ فَلَم يدخلْ مِنْهُ أَحَدٌ».
خامسًا: إن من صام يومًا واحدًا في سبيل الله أبعد الله وجهه عن النار سبعين عامًا، كما ثبت في البخاري (2840)؛ ومسلم (1153) من حديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ عبدٍ يصومُ يوْمًا في سبِيلِ اللَّهِ إلاَّ بَاعَدَ اللَّه بِذلكَ اليَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سبْعِين خريفًا»..
سادسًا: إن الصوم جُنة «أي وقاية» من النار، ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الصيام جُنة»، وروى أحمد (4/22) ، والنسائي (2231) من حديث عثمان بن أبي العاص قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «الصيام جُنة من النار، كجُنة أحدكم من القتال».
سابعًا: إن الصوم يكفر الخطايا، كما جاء في حديث حذيفة عند البخاري (525)، ومسلم ( 144 ) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
ثامنًا: إن الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة، كما روى الإمام أحمد (6589) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ».
الأول: الجماع:فمتى جامَع الصائم بطل صومُه، فرضًا كان أو نفلًا، ثم إن كان في نهار رمضان، والصوم واجب عليه لزمه مع القضاء الكفارةُ المغلظة، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر بينهما إلا لعذر شرعي كأيام العيدين والتشريق، أو لعذر حسي كالمرض والسفر لغير قصد الفطر، فإن أفطر لغير عذر ولو يومًا واحدًا لزمه استئنافُ الصيام من جديد ليحصل التتابع، فإن لم يستطع صيام شهرين متتابعين فإطعام ستين مسكينًا لكل مسكين نصف كيلو وعشرة جرامات من البُرِّ الجيد.
وفي الصحيحين أن رجلًا واقع امرأته في نهار رمضان فاستفتى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فعن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ. قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟..".
مبطلات الصوم
الثاني من مبطلات الصيام: إنزال المني اختيارًا: سواء بتقبيلٍ أو لمسٍ أو استمناء أو غير ذلك في نهار رمضان؛ لأن هذا من الشهوة التي لا يكون الصوم إلا باجتنابها، كما جاء في الحديث القدسي: «يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي».
أما التقبيل واللمس بدون إنزال فلا يفطر لما في الصحيحين من حديث عائشة قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لإِرْبِهِ».وكذا الإنزال بالاحتلام لا يفطر، لأنه بغير اختيار الصائم، والتفكير معفوٌّ عنه لما صح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ».
الثالث من مبطلات الصيام: الأكل أو الشرب عمدًا:
إذا أكل الصائم أو شرب عامدًا مختارًا فسد صومه؛ لقوله تعالى: «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» (البقرة: 187).
الرابع من مبطلات الصيام: ما كان بمعنى الأكل أو الشرب:مثل الإبر المغذية التي يُكتفى بها عن الأكل والشرب؛ لأنها إن لم تكن أكلًا وشربًا حقيقة؛ فإنها بمعناهما، فتثبت لها حكمهما، ورأى بعض الفقهاء أنها لا تفطر، وذكرت دار الإفتاء المصرية، فيحكم الحقن والمحلول الملحي والجلوكوز والمانيتول، أنها جميعًا لا تفسد الصوم؛ لعدم دخولها في منفذٍ مفتوح؛ لأنها تدخل عن طريق الجلد، فهي كأنها تَشَرَّبَها الجِلدُ، ولا فرق بين أن يتشربها الجلد وبين حقنها.
الخامس منمبطلات الصيام : التقيؤ عمدًا:لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ»
السادسمنمبطلات الصيام: خروج دم الحيض والنفاس:
لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة: «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ»