من أشد المواقف إيلامًا أن يكذب أحدنا على نفسه، والمصيبة أننا نصبر على عذابات النفس عند كل كذبة عليها، فأنفسنا تحاسبنا في اللحظة والحين، ولا تهادننا، ولذلك في لحظات كثيرة عندما ننهي مشروع الكذب على أنفسنا نعيش في حالة من الضياع، وحالة من اليأس، وحالة من التأنيب، ونخاتل أنفسنا من جديد، ونقول: «كان الظرف قاسيًا»، و«كان الموقف صادمًا» و«كان الأمر صعبًا» و«كان الزمن محرجًا» وتمضي اللحظات تلو الأخرى، وفي كل مرة نبرر، ونسوغ، مشروعات للكذب، إلى حد إحراج أنفسنا أمام أطفالنا الذين لم يدركوا بعد هذه المنازلات بيننا وبين أنفسنا، ولذلك هم سرعان ما يصدقون ما نقوله لهم، ويؤمنون؛ مع قرارة أنفسهم؛ أننا صادقون، حتى تتناسل الـ «كذبات» واحدة تلو الأخرى، عندها يعون أننا نكذب على أنفسنا، فلا يحترمون كبرنا، ولا مواعيدنا، ولا أوامرنا، ولا تعهداتنا، فيدركون بفطرهم التي لم تتلوث بعد أننا غير صادقين مع أنفسنا، فكيف لنا أن نصدق معهم، وعندما تأتي مواقف الترميم فيما بعد، كم تكون الصورة مشوهة، وغارقة في «الخربشات».
نتحدث كثيرا عن المفارقة الموضوعية بين الوهم والحقيقة، ونتفق مع ذواتنا أن الحقيقة هي الغاية، وأننا نستخدم الأوهام كوسيلة مؤقتة لإضفاء شرعية ممارساتنا، ولذلك؛ وخروجا عن الاتهام بممارسة الوهم؛ لأنه «معيبة» خلقية، فإننا سرعان ما نذهب إلى الكذب لنسوغ إنجاز مشروعاتنا بأقل الضرر، مع أن الكذب هو الضرر الأكبر على النفس، حيث فقدان الثقة، بيننا وبينها، وأي حقيقة هذه تبنى على وهم، وأي حقيقة هذه منشؤها كذب، ولذا فلا قيمة للتصالح في ظل هذه الصورة المشوهة، ومما يؤسف له أكثر؛ أنه؛ ومع التجربة الطويلة لنا كأناس، إلا أن ذلك لم يجد نفعا في الانعتاق والخروج من مأزق الكذب، على الرغم من النصوص الدينية، والمواعظ والأمثال؛ إلا أن كل هذا موضوع على أرفف النسيان، والانتظار تلو الانتظار إلى حين تحقق القناعة بأنه لا جدوى من الاستمرار في الكذب على النفس، وتأتي المرايا لتعرينا أمام أنفسنا أكثر، فنتوارى خجلا مما نحن فيه من الحرج.
مشروعات الكذب لا تعد ولا تحصى، وهي مشروعات مسوغة بحكم التفاعل البشري فيما بينهم، وبحكم الضعف البشري؛ وامتحانه مع ذاته «نفسه» فـ «النفس لوامة» والشيطان الرجيم عندما أراد أن يخلص نفسه من تبعية بني آدم له ولدسائسه، وإغواءاته المستمرة، قال بنص القرآن الكريم: «فلا تلوموني؛ ولوموا أنفسكم» وبكثرة أوجه مسوغات الكذب، إلا أنه؛ في المقابل؛ يبقى للصدق وجه واحد، والصدق نعمة، فلا يجب أن نألفها إلى حد النسيان من أنها نعمة «لا تألف فتجحد» بل يجب بحكم الأمانة وبكل مقتضياتها الدينية والدنيوية أن نعلي من سقف الصدق، لنتجاوز أرضية الكذب، في مشروعاته الكثيرة.
قد يظن البعض أن الكذب هو نوع من الفلسفة، ومن استطاع أن ينجز كمّا من الكذب مع نفسه، فإنه بذلك، تعامل مع من حوله بمنظور فلسفي يرى للحياة أكثر من وجه، فبدلا من الالتحام مع الصدق؛ والصدق؛ كما جاء أعلاه له وجه واحد؛ فإنه يستمرئ الكذب؛ مع أن «الصدق منجاة» ولو كان في ظاهر الأمر مهلكة، والكذب «ملهاة» ولو كان في ظاهر الأمر منجاة، هي معادلة شديدة الحساسية، يدركها أكثر من يحسب للنهايات خواتيمها المبهمة.
ويبقى السؤال المهم: من يستطيع أن يسحب نفسه من ركام الكذب، ويعلو بها إلى سموات الصدق والنقاء والطهر؟ ذلك هو الرهان الأصوب.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تقرير: «الأسد» احتجز الصحفي الأمريكي كرهينة «خوفا على نفسه»!
قالت منظمة “مساعدة الرهائن في جميع أنحاء العالم”، الثلاثاء، “إن المعلومات التي بحوزتها تشير إلى الصحفي الأميركي أوستن تايس، المختطف في سوريا، “كان على قيد الحياة حتى يناير 2024 على الأقل”، مضيفة أن نظام الرئيس السابق بشار الأسد “احتفظ به كرهينة خوفا من مصير مشابه” لما حدث للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي”.
وأشارت المنظمة الأميركية خلال مؤتمر صحفي عُقد في العاصمة السورية دمشق، إلى أن نظام الأسد “أفرغ بعض السجون قبل سقوطه بأيام”، مؤكدة أنها على “ثقة في الشعب السوري للمساعدة في الوصول إلى تايس”.
ونوهت بأن ثمة اعتقاد جدي بأن رأس النظام السوري السابق، “كان قد احتفظ بتايس كرهينة، بعد ما حدث مع الزعيم الليبي القذافي، خوفا على نفسه”، مردفة: “لذلك لا نعتقد بأنه سلمه إلى بلد آخر”.
ولفتت المنظمة إلى أنها قدمت أسماء بعض الشخصيات المسؤولة عن اختطاف الصحفي الأميركي، للمنظمات الحقوقية.
وعلى مدى الأشهر الأربعة الماضية ، قادت منظمة “مساعدة الرهائن” حملة في سوريا والدول المجاورة، حيث وصلت إلى ملايين السوريين أسبوعيا برسائل باللغة العربية، بحثا عن أي معلومات بشأن تايس.
وأدت هذه الحملة مؤخرا إلى اكتشاف ترافيس تيمرمان، وهو مواطن أميركي أبلغت الحكومة الأميركية عن فقده في المجر، بينما كان في الواقع، محتجزا في أحد سجون سوريا منذ أوائل عام 2024.
يشار إلى أن تايس من مواليد عام 1981، وينحدر من مدينة هيوستن في ولاية تكساس الأميركية، وقد اختفى عام 2012 عندما كان يغطي الحرب في سوريا.
وعمل تايس لصالح صحيفة “واشنطن بوست”، ووكالة “ماكلاتشي” للأنباء، ووكالة الأنباء الفرنسية، ومؤسسات أخرى. وقد تخرج من جامعة جورج تاون، وكان قائدا في مشاة البحرية الأميركية، وفقا للمعلومات المتوفرة عنه.
كما حصل على العديد من الجوائز عن تقاريره، بما في ذلك جائزة جورج بولك لتغطية الحروب عام 2012، وفقا لموقع إلكتروني أنشأته عائلته.
وتعتقد السلطات الأميركية أن نظام الأسد، احتجز تايس منذ اختفائه، وقد بذلت جهودا مستمرة للتفاوض من أجل عودته إلى الوطن.