انضمام السويد للناتو.. هل اكتملت “الصفقة” من جانب تركيا؟
تاريخ النشر: 26th, January 2024 GMT
بعدما أعطى البرلمان التركي “الضوء الأخضر” للسويد تكون الدولة الاسكندنافية اقتربت على نحو كبير من أبواب حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وبينما باتت الأنظار موجهة إلى المرحلة الأخيرة من جانب تركيا والمتمثلة بتوقيع الرئيس، رجب طيب إردوغان على بروتوكول الانضمام تثار تساؤلات عن المقابل الذي حصلت عليه أنقرة.
ودائما ما كان المسؤولون الأتراك يربطون الموافقة على طلب الانضمام بضرورة إقدام ستوكهولم على اتخاذ إجراءات فعلية تتعلق بقضايا الإرهاب، قاصدين “حزب العمال الكردستاني” وأعضاء منظمة “غولن” التي تصنفها أنقرة كمنظمة إرهابية.
وشيئا فشيئا وعندما كانوا يشهرون باستمرار الكارت الأحمر أمام إكمال عملية الانضمام ويطالبون باتخاذ المزيد، سرعان ما اتضح من تصريحات المسؤولين على رأسهم إردوغان بأنهم يريدون من واشنطن مقابلا يرتبط بصفقة طائرات “إف 16” المعلّقة.
وكانت تركيا، قد سعت لشراء ما قيمته 20 مليار دولار من طائرات إف-16 و80 من مجموعات التحديث لطائرات حربية ضمن سلاحها الجوي.
لكن الصفقة توقفت بسبب اعتراضات من الكونغرس الأميركي على رفض أنقرة إعطاء الضوء الأخضر لتوسيع حلف شمال الأطلسي، وعلى سجل تركيا في مجال حقوق الإنسان وسياستها تجاه سوريا.
“ارتياح في الغرب”
ولأكثر من مرة أثار إردوغان قضية طائرات “إف 16″، وعندما أرسل إلى البرلمان التركي طلب السويد للانضمام في أكتوبر 2023، قال علانية إن التصديق “سيتوقف على الحصول على طائرات إف-16 في النهاية”.
ولم تخرج من جانب الولايات المتحدة الأميركية تصريحات رسمية علنية تؤكد الربط بين الموافقة على طلب السويد وصفقة “إف 16″، خلال الأشهر الماضية.
ومع ذلك ألمح الرئيس الأميركي جو بايدن في إحدى المناسبات إلى وجود صلة بين الصفقة وطلب السويد.
وبينما رفض وزير خارجيته، أنتوني بلينكن التلميح في وقت سابق إلى أن الإدارة الأميركية تربط الموافقة على الطلب بقضية المقاتلات قال إن “الكونغرس سيفعل ذلك”.
ورغم أن السويد لا تزال بحاجة إلى موافقة المجر قبل أن تتمكن من الانضمام إلى التحالف العسكري (الناتو)، إلا أن الخطوة التي اتخذها البرلمان التركي اعتبرها مراقبون “تاريخية”.
وأثارت خلال الساعات الماضية ارتياحا كبيرا في الغرب، وبدا من خلال تصريحات مسؤولين كبار في الولايات المتحدة والسويد وألمانيا.
وذكر مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جيك سوليفان عبر “إكس” أنهم يرحبون بموافقة البرلمان التركي على البروتوكول وأن ذلك يمثل “أولوية مهمة” للرئيس الأميركي، جو بايدن.
وأضاف أن السويد ستجعل الناتو “أكثر أمانا وأقوى”.
ووصفت ألمانيا الموافقة بأنها “خطوة مهمة وصحيحة”، وقال الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ إنه يتوقع نفس الخطوة من المجر.
بدوره قال وزير الخارجية السويدي، توبياس بيلستروم إن موافقة البرلمان التركي على البروتوكول تعد تطورا “جيدا بالطبع”.
وصرح رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون أيضا في منشوره على “إكس” أنهم “على بعد خطوة واحدة من عضوية الناتو بعد موافقة البرلمان التركي”.
“3 سيناريوهات تركية”
وتنقسم الآراء في الداخل التركي ما بين مؤيد لفكرة الانضمام وما بين الرافض لها.
ويرى المؤيدون كما بدا عبر تعليقاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي أن الخطوة لا تنفصل عن “مصالح الدولة”.
في المقابل أعاد معارضون التذكير بالعلاقة بـ”حزب العمال” و”غولن” ونشاط هاتين المنظمتين في ستوكهولم، من بينهم سياسيون في أحزاب المعارضة.
ويرى سنان أولغان، وهو دبلوماسي تركي سابق، أن التوصل إلى صفقة كاملة لم يتم بعد رغم موافقة البرلمان التركي على بروتوكول الانضمام.
ومن غير الواضح أيضا ما إذا كان إردوغان سيختار الآن انتظار وزارة الخارجية الأميركية لإخطار الكونغرس رسميا بإعادة تسليم طائرات “إف 16” إلى تركيا.
أولغان يشير إلى 3 سيناريوهات قد ينعكس إحداها على المشهد خلال الأيام المقبلة.
الأول بأن يوقع إردوغان مشروع القانون خلال 15 يوما، وينشره في الجريدة الرسمية، وهنا يمكن القول إن “الصفقة قد تمت بشكل كامل”.
السيناريو الثاني هو أن يقرر إردوغان انتظار الإخطار الرسمي بصفقة طائرات “إف 16” إلى الكونغرس الأميركي من قبل وزارة الخارجية.
وبعد أن يتم الإخطار بشكل رسمي “سيوقع الرئيس التركي على مشروع القانون ويكمل الصفقة بالكامل”.
السيناريو الثالث حسب الدبلوماسي التركي السابق هو أن يقرر الرئيس التركي انتظار الإخطار الرسمي من وزارة الخارجية الأميركية.
وبعد ذلك تقرر الأخيرة انتظار توقيع إردوغان على مشروع القانون.
ويوضح أولغان أنه وخلال هذه الفترة تكون مدة الـ15 يوما قد انتهت، ما يدفع إردوغان إلى إعادة مشروع القانون للبرلمان للتصويت مرة أخرى، وهو ما يشكل “عودة إلى المربع الأول”.
ما الذي تغيّر؟
ومنذ تقديم الطلب، قدمت السويد مشروع قانون لمكافحة الإرهاب يجعل العضوية في منظمة إرهابية غير قانونية.
وبالإضافة إلى ذلك، خففت إلى جانب كندا وفنلدا سياسات تصدير الأسلحة إلى تركيا.
ورغم أنه لا يعرف حتى الآن ما الذي تغير تركيا، يبدو للباحث في الوكالة السويدية لأبحاث الدفاع (FOI)، آرون لوند أن “تركيا سعيدة بكل الضمانات التي تلقتها من الولايات المتحدة فيما يتعلق ببيع طائرات إف 16 وغيرها من القضايا”.
ويبدو له كما يقول لموقع “الحرة” أن “الجزء التركي من العملية وكأنه في طريقه إلى الحل”.
لكن الباحث لا ينفي ضرورة وجود حاجة إلى بعض التنسيق، مشيرا إلى أنه “لا يزال يتعين على إردوغان التوقيع على القرار ولا يزال تصديق المجر عليه قائما”.
ويعتقد كبير الخبراء الأميركيين في “المجلس الأطلسي”، ريتش أوتزن أن أنقرة “حصلت على جزء مما أرادت”.
ويوضح لموقع “الحرة” أن “صفقة إف 16 ستحال الآن إلى الكونغرس بدعم من الرئيس (بايدن)”، بينما “غيّرت السويد قوانين مكافحة الإرهاب وأسقطت القيود على الأسلحة الخاصة بها”.
ورغم أن ما سبق “لا يعد موافقة على طائرات إف 16 ولا تنفيذا كاملا لقوانين مكافحة حزب العمال الكردستاني من قبل السويديين” يرى أوتزن أنه “يعد تقدما كافيا للمضي قدما”.
ويوضح الباحث التركي المختص بالسياسة الخارجية، عمر أوزكيزيلجيك أن “السويد اتخذت خطوات مهمة ضد الإرهاب، بل وغيرت دستورها.
لكن عندما كان ذلك غير كافيا بالنسبة لتركيا، تدخلت الولايات المتحدة ووضعت نفسها في منتصف المفاوضات، وفق أوزكيزيلجيك.
الباحث التركي يشير إلى أنه “فقط وبعد أن اقتنع رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان التركي، فؤاد أوقطاي بوعود السويد والولايات المتحدة تم طرح طلب الانضمام للمناقشة في البرلمان”.
ويقول لموقع “الحرة”: “ليس لدى تركيا أي رفض جيوسياسي لطلب السويد الانضمام إلى الناتو. ولذلك، لم يكن هناك أي نقاش حول انضمامهم، ولم تكن تركيا تريد سوى رؤية التزام حقيقي من حليفها ضد الإرهاب”.
ماذا عن الكونغرس؟
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أبلغ تركيا في زيارتين أجراهما في الأشهر الثلاثة الأخيرة بأن المصادقة على طلب السويد من شأنها تليين موقف الكونغرس الذي يجمّد صفقة بيع مقاتلات “إف 16” لأنقرة.
ورغم أن أحد أقوى المعارضين في الكونغرس لإتمام الصفقة السيناتور بوب مينينديز لم يعد رئيسا للجنة العلاقات الخارجية القوية بمجلس الشيوخ لم يعبّر بديلة السيناتور بن كاردين عن موقفه بشأن البيع.
وبينما قال بعض كبار المشرعين إن تصويت السويد سيمهد الطريق أمام طائرات إف 16 أصر آخرون على أن هناك مشاكل أوسع مع تركيا، بما في ذلك “انتهاكات حقوق الإنسان والهجمات التركية المستمرة على حلفاء الولايات المتحدة الأكراد في سوريا”، وفق صحيفة “واشنطن بوست”.
ويعتبر أوتزن أن المصادقة التي حصلت من جانب البرلمان التركي الثلاثاء تعني أن “الباب مفتوحا لتحسين العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة”.
ويتعين على الولايات المتحدة الأميركية، حسب قوله أن تُظهر حسن النية فيما يتعلق بضماناتها، وهو الأمر الذي قد يكون “شائكا” مع الكونغرس.
ويضيف: “بمجرد أن يسمح الكونغرس ببيع طائرات F16 والانتقال إلى الموافقة الكاملة يمكننا عندها التحدث عن التحسن في العلاقات”.
وإذا حدث ذلك، يعتقد أوتزن أن “حلف شمال الأطلسي سيكون أقوى”، و”أننا سنشهد تعاونا ثنائيا أفضل في التجارة والشؤون الإقليمية وإدارة أو إنهاء العديد من الأزمات التي تؤثر على مصالح البلدين”.
وبعد الموافقة من جانب البرلمان التركي يشير الباحث أوزكيزيلجيك إلى أن “العلاقات التركية الأميركية ينبغي أن تتسارع”.
لكن في المقابل يضيف: “إذا لم توافق الولايات المتحدة بطريقة أو بأخرى على مبيعات طائرات إف 16 قريبا فإن الضرر في العلاقات سيكون لا يمكن إصلاحه”.
ضياء عودة – الحرة
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: موافقة البرلمان الترکی الولایات المتحدة مشروع القانون طائرات إف 16 طلب السوید الترکی على موافقة على من جانب إلى أن
إقرأ أيضاً:
سياسة “ترامب” وثنائية الهيمنة والفوضى الأمريكية
يمانيون../
بات حلفاء واشنطن في موقع حرج للغاية؛ فسياسية الرئيس الأمريكي ترامب ومواقفه الأخيرة أحرجتهم، بل الأصح أنها وضعتهم أمام اختبار حقيقي لعلاقتهم بأوطانهم، إذ بات عليهم بعد واقعة ترامب – زيلينسكي أن يختاروا إما مصالح شعوبهم، وإما الخضوع لواشنطن على حساب مصالحهم الوطنية.
منذ اليوم الأول لتوليه منصبه ودخوله البيت الأبيض، لم يتوقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الخروج بتصريحات منفلتة عن الضوابط الدبلوماسية ومتناقضة أحيانًا واتخاذ قرارات تثير القلق في العالم.
تصريحات ترامب غير المنطقية وغير الواقعية، يمكن قراءتها بوضوح من خلال التوقف أمام رغبته في الاستيلاء على قطاع غزة من فلسطين، وغرينلاند من الدنمارك، وأن تصبح كندا الولاية الحادية والخمسين للولايات المتحدة، وأن تستعيد الولايات المتحدة المسيطرة على قناة بنما.
والأخطر في تلك التصريحات هو ما يهم منطقتنا العربية في رغبة ترامب في الاستيلاء على قطاع غزة مع تأكيده مجددًا على ضرورة تهجير الفلسطينيين من القطاع إلى مصر والأردن، وهو ما خلف العديد من ردود الأفعال الرافضة لهذا المخطط ولهذا المنطق في آن.
كما نراه يعلن انسحاب واشنطن من مجلس حقوق الإنسان ووقف تمويل الأونروا إرضاء للكيان الصهيوني، ويقول إنه لا ضمانات بصمود اتفاق غزة، ويوقع على أمر تنفيذي يفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت مذكرتي اعتقال بحق رئيس حكومة الكيان الصهيوني مجرم الحرب بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت.
وبهذه المواقف المخالفة للعقل والمنطق والقوانين والشرائع، فقد أطلق ترامب منذ اللحظة الأولى لإعادة انتخابه لرئاسة الولايات المتحدة، وبمساعدة “صديقه الرئاسي” الملياردير إيلون ماسك، العنان لفوضى عارمة من خلال تشتيت انتباه العالم، فالأوامر والتصريحات الرئاسية تصدر بوتيرة سريعة للغاية بما يكفي لتفتيت أي معارضة، وحاليًا لا يوجد من يمكنه متابعة كل هذه الأوامر والتصريحات، سواء كان شخصا أو حكومة.
اختار ترامب كولومبيا لتكون نموذجًا لما يمكن أن يحدث لأي دولة عندما تقول لا للرئيس الأمريكي، فقد قاوم رئيس كولومبيا لفترة وجيزة استقبال طائرات قادمة من الولايات المتحدة لإعادة مهاجرين غير شرعيين، لكن الرئيس الأمريكي هدد بفرض رسوم بنسبة 50% على صادرات كولومبيا، فاضطر رئيس كولومبيا إلى التراجع والموافقة على طلب ترامب.
لا يتوقف ترامب كثيرًا عند حقيقة أن أصدقاء الولايات المتحدة وخصومها بدءا من الشرق الأوسط المتقلب وحتى الصين ناهيك عن بريطانيا يعارضون خطته لغزة التي يمكن أن تنسف وقف إطلاق النار الهش في غزة، وكذلك اتفاقية السلام بين مصر والكيان الصهيوني، كما أنها تمثل انتهاكا للقانون الدولي أيضا.
لكن في المقابل، فقد أربكت مشاهد تدفق النازحين الفلسطينيين العائدين إلى بيوتهم المدمرة في شمال القطاع بعد وقف إطلاق النار وتشبثهم بأرضهم، حسابات ترامب وإدارته.
كما لاقت خطة ترامب الرامية لتهجير الفلسطينيين من أرضهم رفضا عربيا وإسلاميا ودوليا.
وسبق أن انسحب ترامب في ولايته الأولي التي سبقت جو بايدن من منظمة اليونسكو تضامنا مع الكيان الصهيوني فى 2017، وانسحب من الاتفاق النووى مع إيران فى 2018، ويُصرح ــ فى 2018 بعد زيارته لفرنسا للاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لنهاية الحرب العالمية الأولى ــ أنه لولا الولايات المتحدة لتحدث الفرنسيون بالألمانية! ويُخفِّض من عدد قواته فى ألمانيا فى 2020، فى محاولة لابتزاز ألمانيا لدفع تكاليف قواته!
وبالتالي يحدث ما يسميه حلفاء ترامب “إغراق المنطقة”، بينما يرد ترامب بكلمة واحدة هي: “فافو”، كاختصار لعبارة “أخلق الفوضى ثم رتبها” باستثناء أن الكلمة الأولى فيها ليست “فوضى”.. وهو في كل ذلك يؤكد النزعة الفوقية والاستيلائية والاستعمارية في وعي السلطة الامريكية.
وتباين تفسير ذلك بين فريق يرى أن قرارته فجائية غير مدروسة ومدفوعة بمنطق القوة، وفريق آخر ينظر إليها باعتبارها فلسفة لتحقيق رؤيته من خلال الارتفاع بسقف المطالب حتى ينال ما يستهدف من خلال التفاوض؛ لكنها في الأخير تقدم بكل وضوح الوجه القبيح لأمريكا ويقف خلفها هدفها الاستعماري الواضح في السيطرة.
السياسية: عبدالعزيز الحزي