ناقش الصالون الثقافي على هامش ثاني أيام الدورة الخامسة والخمسين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، قضية الثقافة العربية واستشراف المستقبل، بحضور الدكتور خالد بلقاسم من المغرب والدكتور علي بن تميم من المغرب، والدكتور عبدالله المطيري من السعودية، والدكتور محمد شوقي الزين من الجزائر، وأدار اللقاء الدكتور أنور مغيث.

 

ووجه جميع الضيوف الشكر لإدارة معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ55 على استضافتهم ومناقشة هذا الموضوع الهام المتعلق بمستقبل الثقافة العربية وتأثيرها على الأجيال المقبلة. 

في البداية تحدث الدكتور محمد شوقي زين، عن الثقافة العربية باعتبارها أفق واسع يجب أن نتأمله جيدًا، مؤكدا أن كل ما نقوم به في الحاضر هو مستقبل مُهيئ، لذا فإن الماضي يخص الذاكرة والحاضر مرتبط بالفعل، أما المستقبل فهو يخص الخيال. 

وأشار إلي إن هناك صعوبة في تخيل المستقبل، ولكن يمكن أن نضعه كمشاريع تبقى دائما في عداد الإمكان بحكم أن المستقبل الذي لم يحدث بعد يعد لا متوقع، ويمكن النظر له كاستراتيجية. 

وأكد إننا يمكن أن نتاقلم مع هذه التغيرات مثل الأوبئة كما شاهدنا كورونا، دخل في عداد اللامتوقع وذلك في كافة المجالات الثقافية، لافتا إلي أنه رغم مرور الدول العربية بتحديات في الوقت الراهن إلا أنها لا تزال تنظر للمستقبل وتهتم به. 

فيما شدد الدكتور خالد بلقاسم، على أن المستقبل ليس قادم من الحاضر فقط، بل من الماضي أيضا، كي نجعل المستقبل منير للماضي ومولد لما ينطوي عليه هذا الماضي من ترتيب معين. 

وقال خلال اللقاء النقاشي، إن الحديث عن الثقافة العربية يتسدعي منا خطاب متماسك يسعى للبناء والتحليل الثقافي، وضرورة الاهتمام بتاريخ البحث عن المعني وهو مسار ثقافي وحضاري له تأثير. 

وأضاف، بالنسبة للظاهرة الثقافية، هناك مواقع عديدة لتأمل الموضوع منها أفق الثقافة العربية اليوم ومستقبلها، وافق تتيح أن نتأمل في ضوء السعي لمتلاك سلطة، مشيرا إلي أنه اختار قوة واحدة وهي مسألة الفقد. 

وقسم الحديث عن الثقافة العربية التحديات التي تواجهها إلى ثلاثة عناصر منها: العنصر الأول الذي يسلط الضوء على التنامي في اللا معني، وخطورة البلاها ووصفه بـ"تفكير اللافكر"، والعنصر الثاني عن ما صنعه الإعلام من مصطلح خبير، ويؤدي لإنتاج خطاب وهمي. 

أما الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، استهل حديثه بالإشارة إلي معاهدة الشرف والاستقلال التي وقعتها مصر في عام 1936، مشيرا إلي أن حديث المصريين عن الثقافة قديم ومهم، وبدأ حديثهم بشكل كبير عن المستقبل والثقافة. 

وأشار إلي أن كتاب "مستقبل الثقافة في مصر" لطه حسين، فكَّر في فكرة الينابيع لتكون مستقبل الثقافة، كما تحدث عن التعليم والتنمية لكنه في الوقت نفسه حاول أن يعرف الثقافة، فهي مصطلح نستخدمه يوميًا، لكن حين نفكر في هذا المرادف نجده صعب الحديث عنه، هل هي الثقافة العربية أم المستَقبِل؟

وأضاف، أنه متفائل بمستقبل الثقافة العربية، وتعد محل افتخار كبير بالنسبة له، مضيفا: "لأنها تعلمني القيم النبيلة والانفتاح والحوار، وبدون الثقافة العربية لا نستطيع الذهاب للمستقبل". 

وأكد أن الثقافة العربية ستواجه تحديات في المستقبل، ولكن الدور الذي تقوم به المؤسسات العربية كبير جدا وقادرة على التصدي لهذه التحديات، لافتا إلي أن ما يحتاجه المصري من إرث ثقافي يختلف عن الإماراتي والمغربي والسعودي والجزائري وهكذا. 

وأوضح، أن الثقافة العربية قوية بما يكفي وقادرة على أن تصمد لأن وعائها كبير وقادرة على البقاء، وهناك سؤال يراودني عن ما الذي نفعله في المستقبل من أجل الثقافة العربية؟ وأرى أنه يجب أن تظهر كثير من المشروعات والمبادرات التي تحفز على القراءة، ولدينا جهود في مركز أبو ظبي للغة العربية بتشجيع من القيادة بضرورة استلهام والاحتفال بالثقافة العربية، لأن التحدي ليس أمامنا نحن بل الأجيال المقبلة. 

وقال عبدالله المطيري من السعودية، إن عنوان الندوة يمثل أفقا مشتركا أو أرضية مشتركة للمداخلات التي تقدم ضمنها. أحيانا تكون هذه الأرضية مألوفة للكاتب وبالتالي قد يرحب بها باعتبار مألوفيتها أو قد يرفضها لذات السبب.

وأضاف، قد تكون أرضا بكرا وهو ما قد يجعل الكاتب يرفضها راحما ذاته من تكبد عناء المشقة أو قد يقبلها طلبا للمغامرة. أنا من النوع الأخير فالعهد طويل بيني وبين قضايا وأدوار الثقافة وفي طول العهد هذه رحابة أستعين بها للحديث معكم اليوم.

وتابع: من المهام المتوقعة عادة من المثقف أن يتنبأ بالمستقبل وأن يخبر الناس العامة بما سيقع. أي أن يكون نبيّا أو كائنا لا تحدّه حدود الزمن. أي ألا يكون محصورا بما يقوله الماضي والحاضر بل أن يقول عن المستقبل الذي لم يأتي بعد. يلام المثقفون عادة حيث تقع الكوارث والأحداث الكبرى باعتبار أنهم لم ينبهوا الناس لها. هذا القول عن المستقبل قد يأخذ بعدا تفاؤليا فيسمى يوتوبيا وقد يكون العكس فيكون دستوبيا. انعكاس للموقف الإنساني الأول بين التفاؤل والتشاؤم. أطروحات اليوتوبيا سواء كانت دينية أم علمانية تعمل مباشرة على القول عن المستقبل.

واستطرد، نتذكر هنا أن كلمة يوتوبيا المتداولة اليوم تأتي من الجذر اليوناني Outopos "المدينة الفاضلة" والمركبة داخليا من ou والتي تعني (لا) و topos والتي تعني (مكان). لتصبح لا مكان. متعلقة بالزمن وحده. والأديان تخبر الناس بما سيحدث في المستقبل والهيجلية والماركسية كذلك تخبرنا عن حركة التاريخ والمراحل التي سيمر بها.

وأشار إلي أن عنوان الأمسية يقترح علاقة مختلفة، على الأقل لغويا، بين الثقافة وبالتالي المثقف مع المستقبل. علاقة تبدو مغايرة لعلاقة المعرفة والتنبؤ وهي علاقة الاستشراف. والكلمات كما تعلمون نوافذ على وجود الإنسان. من البداية تباشرنا كلمة الشرف الكامنة في الاستشراف. في العامية السعودية يقال الاستشراف بمعنى ادعاء الشرف ولو بلا حق. الشرف ذاته يعني الرفعة والعلوّ ولهذا نجد الشرف متعاليا transcendent و مفارقا للعادي هذه المفارقة التي تجعل منه لا يخضع لحسابات البيع والشراء مثلا. لذا يبني الناس دلالاتهم القيمية على إخراج المعاني المتصلة بالشرف من تداولية السوق بحيث لا تخضع لحسابات المنطق المادي والتبادلية الكامنة فيه. 

وقال، وهنا يبدو معنى كامن في الاستشراف يتجاوز به ما هو معتاد وسببي إلى ما هو مفارق، في كل استشراف للمستقبل قفزة في الهواء. تجاوز لتتابعية الاستنتاج المترابط بين مقدماته ونتائجه إلى قول زماني محض. قول بلا مكان.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الصالون الثقافي معرض القاهرة الدولي للكتاب الثقافة العربیة عن المستقبل عن الثقافة إلی أن

إقرأ أيضاً:

حين تكتب الحرب ذاكرة شعب- في مأساة المثقف السوداني ومعقولية الخراب

في عامها الثالث، لم تعد الحرب في السودان حدثًا عابرًا يُروى بين فقرات الأخبار، بل تحولت إلى نسيج يومي يُحاك من أشلاء الذكريات والجراح. صارت واقعًا يُعاش بكل ثقله: بيوتٌ تتهاوى كأوراق الخريف تحت دوي المدافع، وأطفالٌ يلهون فوق ركام مدارسهم، كأنهم يتحدون فكرةَ أن الطفولة لا بدّ أن تكون بريئة. هنا، لم يعد هناك فاصل بين الخاص والعام؛ فكل دمعة تسقط في بيت ما تُعد جزءًا من نهرٍ من الأحزان يغمر الأمة. الأحياء تتحول إلى خرائب، والأسواق التي كانت تعج بالحياة تصمت إلا من صدى الخطى الثقيلة لقدامى الجوعى.
الأمهات، بوجوهٍ نحتتها رياح اليأس، يُجدنَ فنَّ الصبر، بينما يتساقط الأقرباء والأصدقاء كأوراق شجر في عاصفة لا تنتهي.

في هذا المشهد الكابوسي، تبرز الكتابة كفعلٍ مُقاوِم، ليست مجرد أداة لتوثيق الألم، بل محاولة لإنقاذ الذات من الغرق في العدم. يكتب المثقفون بحبرٍ مخلوط بالتراب والدم، مسجلين تفاصيل البيوت التي انمحت، وأسماء الأحبة الذين صاروا ظلالًا في ذاكرة المدينة.
اليوميات التي يسطرونها ليست سردًا بطوليًا بقدر ما هي همساتٌ يائسة لاستعادة شيء من الإنسانية المهدورة. تصبح الكتابة بيتًا مؤقتًا، هشًا لكنه يقاوم السقوط، يحمل بين سطوره عبق الأيام الماضية ورائحة المقاومة.

الكتابة كوثيقة اجتماعية- بين التاريخ والوجع
لا تقتصر هذه النصوص على الرثاء، بل تتحول إلى وثائق تُجسد تداخل التاريخ مع المأساة؛ فهي تسجل تحول الوطن إلى شتات، والمستقبل إلى لغزٍ مُظلم. الكاتب هنا ليس مراقبًا من برج عاجي، بل هو ابن الأرض الذي يعيش تحت القصف، يكتب بألمٍ عن جاره الذي اختفى
وعن السوق الذي تحول إلى مقبرة جماعية. النصوص تكشف كيف صار "الوطن" فكرةً هاربة، بينما يختزل الواقع معاناة البحث عن رغيف خبز أو زجاجة ماء.

من الاستثناء إلى القاعدة- الحرب كحالة دائمة
في ذهن المثقف السوداني، لم تعد الحرب استثناءً، بل جزءًا لا يتجزأ من الهوية. يقول الكاتب أمير تاج السر: «نحن أبناء الحروب المتراكمة، نعرفُ صوت الرصاص أكثر من صوت الموسيقى»، معبرًا عن واقعٍ عاشه وجيله منذ طفولتهم في وطنٍ حُفر في ذاكرة الألم.
وقد أضاف الناشر العربي على غلاف إحدى الروايات عبارة "الحياة تستحق النشيد رغم قسوتها"، وهي ليست دعوة لتفاؤل ساذج، بل تأكيدٌ على إيمانٍ بأن الفن يعد آخر حصون الكرامة. وكأن صوت المثقفة البريطانية هيلينا كينيدي، حين تحدثت عن النزوح كجريمة ممتدة
يجد صداه في واقع الأسر السودانية التي تعيش التهجير كحالة متوارثة عبر الأجيال.

الخراب كوجهٍ للوطن- لماذا تصبح الحرب "معقولة"؟
وهنا يطفو السؤال الأقسى: كيف يصبح الدمار مألوفًا؟ قد تكون الإجابة في استبدال لغة الثورة بلغة التأمل، أو في تحول الألم إلى رفيق يومي. المعقولية هنا لا تعني الاستسلام، بل اعترافًا بفشل الخطابات الكبرى.
إذ أن المثقف الذي كان يرفع شعارات التحرر صار يكتب ليُثبت أنه ما زال حيًا، كأنه يردد روح محمود درويش عندما قال: «أنا لستُ لي، أنا وطني يكتبني»، مما يحوّل الكتابة إلى فعل أخلاقي، محاولة لإنقاذ المعنى من براثن العبث، وصرخة ضدّ التطبيع مع القتل.

ما بعد الكلمات- هل تكفي الكتابة؟
رغم كل هذا، تظل الحقيقة المرة أن الكتابة لا توقف الرصاص، ولا تُعيد الطفل إلى أمه. ففي الوطن الذي يموت فيه الإنسان، تموت معه الكلمات أحيانًا. لكن المثقف لا زال يكتب، لأن الصمت يعد خيانة، ولأن الحكاية لم تنتهِ بعد.
كما تقول الروائية بثينة خضر مكي: «نحن نكتب لنُثبت أننا لم ننزلق بعد إلى حافة الوحشية»، لتظل هذه النصوص، رغم دمويتها، بمثابة البذرة الأخيرة لشتلة أمل أو على الأقل شهادةً على تمسك شعبٍ برواية معاناته.

حين تصير الكلمات دمًا
في النهاية، يبقى المثقف السوداني حائرًا بين شقين- شاهدٌ على المأساة وضحيةٌ فيها. يرتجف قلمه ولكنه يرفض السقوط، إذ إن الحرب قد تسرق الأوطان لكنها لا تستطيع سرقة الكلمات التي تُخلّدها.
وكما كتب شابٌ عاقل في يومياته تحت القصف: «إذا متُّ، ابحثوا عني في كتبي».
أعلموا أيها القتلة- نحن الباكون على واقع اليوم ، ولكن من خلال الألم نصنع المستقبل.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • "الألكسو" تمنح حاكم الشارقة وسام الاستحقاق الثقافي العربي في نسخته الأولى
  • هيئة الكتاب تنظم فعاليات ثقافية وفنية للأطفال بمركز الشروق الثقافي.. صور
  • هيئة الكتاب تقيم ورشا للأطفال في الرسم والتشكيل والحرف اليدوية
  • «الألكسو» تمنح حاكم الشارقة وسام الاستحقاق الثقافي العربي في نسخته الأولى
  • الحرب في عامها الثالث.. ما الثمن الذي دفعه السودان وما سيناريوهات المستقبل؟
  • مراسل سانا: أهلي حلب يفوز على أمية بأربعة أهداف مقابل هدف واحد في نهاية المباراة التي جمعتهما على أرض ملعب الفيحاء بدمشق ضمن بطولة المستقبل لكرة القدم
  • خبيرة طاقة: القلم والورقة من أعظم الطاقات التي يمتلكها الإنسان.. فيديو
  • الثقافة تصدر «دراسات في الأدب الفارسي الحديث والمعاصر» بهيئة الكتاب
  • حين تكتب الحرب ذاكرة شعب- في مأساة المثقف السوداني ومعقولية الخراب
  • انطلاق العرض المسرحي «الوهم» وسط حضور جماهيري كبير على مسرح المركز الثقافي بطنطا