بوابة الوفد:
2024-10-05@06:59:05 GMT

صغارنا ليسوا مخلوقات أسطورية يحتاجون لدعم نفسى

تاريخ النشر: 26th, January 2024 GMT

 

 

الأطفال يصرخون بصوت واحد «بدنا ناكل»

النازح لا يملك سوى ما يرتديه رغم البرد الشديد

الخيام لا تعمر سوى دقائق وتنهار من شدة الرياح

نواجه أزمة الوقود بإشعال الحطب والأثاث

القطاع أصبح زنزانة ولا تستطيع الصحافة نقل الصور والأخبار

النازحون يعانون من الأمراض والجوع

المساعدات قليلة مع حجم الاحتياج الكبير

ﺻﻐﺎرﻧﺎ ﻟﻴﺴﻮا ﻣﺨﻠﻮﻗﺎت أﺳﻄﻮرﻳﺔ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮن ﻟﺪﻋﻢ ﻧﻔﺴﻰ

 

«نعانى من مجاعة داخل مركز الإيواء، الدواب أصبحت وسائل نقل للمرضى والمصابين، أطفالنا رغم صمودهم ليسوا كائنات إسطورية وهم مثل باقى الأطفال فى العالم، القطاع تحول لزنزانة مغلقة على الفلسطنيين، لم تدخل الملابس الشتوية القطاع منذ بداية الحرب» جزء من حديث مريم حجى الطبيبة والنازحة الفلسطينية على الحدود المصرية، كشفت فى حوار خاص لجريدة الوفد، عن معاناة الفلسطنيين فى ظل الحصار الإسرائيلي، وتحدثت عن جميع مشاكل النازحين التى لا يعلم عنها العالم، وروت لنا كيف تحولت غزة إلى سجن مغلق، لا يعلم عنهم أحد بسبب انقطاع الكهرباء والإنترنت أغلب الأوقات، وإلى نص الحوار:

- تتفاقم أزمة النازحين عند سماع قدوم منخفض جوى على الأراضى الفلسطينية، حيث بدأت الحرب فى شهر أكتوبر أحد أشهر الخريف وخرج معظم النازحين من غزة ممن حالفهم الحظ بحمل ملابس خفيفة معهم، وآخرون كثر قصفت بيوتهم دون أخذ أى شىء، وآخرون منعهم الاحتلال من المرور بمقتنياتهم أثناء النزوح إلى الجنوب، وبالتالى فإن النازح منهم لا يملك سوى ما يرتديه، بالإضافة لولادة 20 ألف طفل فلسطينى خلال الحرب جعل الأمهات عاجزات عن توفير ملابس لمواليدهن، واضطر الكثير من شراء ملابس قديمة مستعملة أو تبرعات من البيوت والمساجد، أو إعادة تدوير ملابسهن بما يتناسب مع أطفالهن، حيث لا توجد بضائع فى المحلات ولم تدخل الملابس الشتوية القطاع منذ بداية الحرب .

أما عن ساكنى الخيام فإنهم الأشد معاناة بداية من الرياح والعواصف حتى سقوط المطر بغزارة مما يتسبب بانهيار الخيمة البسيطة المكونة من خشب ونايلون (بلاستيك) والتى لا تصمد سوى بضع دقائق حتى تنهار من شدة الرياح أو تغرق من شدة المطر فيسارع صاحب الخيمة بصيانتها وإصلاحها أثناء العواصف.

- فى ظل التكدس والازدحام وانعدام النظافة وعدم نقل النفايات إلى أماكنها واختلاط المياه الصالحة بالشرب بالمياه العادمة بسبب قصف الاحتلال للبنية التحتية، توقف شركات تحلية المياه بسبب نقص الوقود، الأمر الذى جعل الوباء حاضرًا بقوة، وعانى الآلاف من نزلات معوية حادة واشتباه بحالات كوليرا فى بعض المراكز الصحية كما ظهرت حالات كثيرة من كبد الوبائى Aفى مراكز النزوح.

وكل هذه الأمراض يصرف لها دواء واحد (فلاجين) وهو مطهر معوى بكمية قليلة جدا لمدة يوم أو يومين التى بالعادة كان يصرف العلاج لمدة 10 أيام.

كما ظهرت أمراض جلدية وانتشار حشرة القمل بين النازحين بسبب قلة النظافة الشخصية والاستحمام حيث لا يتوفر ماء ولا مكان ولا ملابس ولا حتى مستحضرات كالشامبو والصابون..

ويعانى أصحاب الأمراض المزمنة من عدم توفر الأدوية بشكل مستمر وحرمان الآلاف من مرضى الكلى والسرطان من أخذ جلسات العلاج وتوقف تحويلات العلاج بالخارج مما أدى إلى وفاة الكثير منهم.

 

- الحديث عن المساعدات شق ووصولها شق آخر، فالجميع يعلم منع الاحتلال من إدخال المساعدات بشكل كاف والذى أدى إلى نشوب حالة من الفوضى والاستغلال والاحتكار وارتفاع جنونى فى الأسعار، وحاجة بعض النازحين للمال لشراء مستلزمات أخرى دفعهم إلى بيع المساعدات الغذائية فى الأسواق.

غير عمليات السطو والنهب وتوقيف القافلات أثناء مرورها أصبحت ظاهرة معروفة رغم محاولات تأمينها من قبل الأمن الذين يضطرون فى بعض الأحيان لإطلاق النار فى الهواء للتفريق ، وبالتالى فإن معادلة توزيع المساعدات القليلة مع حجم الاحتياج الكبير معادلة صعبة ومعقدة وتحتاج إلى إدارة وتنظيم ورقابة صارمة مدربة على إدارة الأزمات ولكن كل هذا لم يكن فى الحسبان. 

- أزمة الوقود وانقطاع الكهرباء هى أزمة قديمة يعانى منها سكان قطاع غزة منذ سنوات، ولكن ليس بحجم ما حدث فى الحرب، فمنذ اليوم الأول انقطعت الكهرباء فى المنازل بشكل كامل ونفد الوقود فى المحطات، واضطر المواطنون إلى استخدام وسائل بديلة كإشعال الحطب إما أشجارا أو أعمدة الكهرباء أو أثاث المدارس والمقرات التى نزحوا إليها وجمع كل ما هو قابل للاشتعال كالبلاستيك والأحذية والملابس المهترئة من المنازل المقصوفة.

كما تمت إعادة إحياء وسيلة النقل القديمة (العربة والحمار) كبديل للسيارات والتى لم تسلم من ارتفاع الأسعار بحجة ارتفاع سعر غذاء الدابة. 

وانقطاع الاتصالات والإنترنت لا يقل أهمية عن انقطاع المياه، وتعد من أكبر الأزمات التى مر بها المواطنون أثناء الحرب حيث أصبح القطاع فى زنزانة منفردة، لا تستطيع الصحافة نقل الصور والأخبار للعالم ويصعب على الأهل الذى تشتت شملهم الاطمئنان على أبنائهم فى الداخل والمغتربين فى الخارج وانقطاع الإنترنت أوجد أزمة إضافية، وهى عدم وصول الحوالات المالية التى أصبحت مصدر الدخل الوحيد للنازحين سواء من الأهل والأقارب فى الخارج أو تبرعات المؤسسات كحل بديل عن عدم وصول المساعدات العينية. 

- النازح فقد كل شيء لذلك يحتاج إلى كل شيء حتى الإبرة والخيط، فالأزمة التى نشهدها هى أزمة متراكمة على قطاع غزة، الذى كان يعانى من الحصار وإدخال البضائع بشكل شحيح منذ سنوات طويلة، وبالتالى نفد كل ما يمكن الاستفادة منه فى مواصلة الحياة، الماء والطعام والدواء والملابس والخيام والأغطية والأدوات المنزلية، ومستحضرات العناية الشخصية ومواد التنظيف، كل شيء كما لو كان يولد من جديد فى العراء.

كان من الممكن أن تكون الأزمة أقل حدة فى حال إدخال البضائع ولكن مع غلق الاحتلال المتعمد لمعبر كرم أبو سالم، وهو المعبر الوحيد لإدخال البضائع جعل رؤية البضائع على أرفف المحلات حلمًا بعيدًا. 

- قام معظم الناس بعمل الخيمة بأنفسهم من خشب ونايلون حتى أصبحت تكلفة الخيمة 1500 شيكل وسعر إنشاء مرحاض خاص 600 شيكل فى ظل ارتفاع الأسعار، أما عن الخيم الجاهزة والتى تأتى مساعدات فى الأساس حيث تفاوت سعرها حسب الدولة المقدمة، الخيمة السعودية 2000 شيكل، الخيمة القطرية والاماراتية 3000 شيكل، ويزداد سعرها كلما جاء منخفض جوى.

- بدأت أزمة الخبز مع بداية نفاد الدقيق الأبيض والوقود وقصف المخابز منذ بداية الحرب، وظهرت بدائل كدقيق القمح الكامل والذرة الصفراء وتناول الأرز أو المكرونة والعدس والحمص بدلا عن الخبز، أو بشكل متناوب للحفاظ على ما تبقى من دقيق فى المنازل خلال الشهر الأول من الحرب، حتى نفد جميع ما سبق واشتدت أزمة الجوع حتى تحولت لمجاعة، فأصبحنا لا نرى سوى الخضراوات التى يصعب الحصول عليها، وتباع بأسعار فلكية وكانت لوحدها لا تسد معدة جائعة، ثم ظهر الدقيق مرة أخرى بسعر تعجيزى حتى وصل سعر 25 كيلو ب 200 دولار الذى اضطر الناس لشرائه والاستكفاء برغيف واحد فى اليوم بحجم كفة اليد، حتى تحسنت الأوضاع مؤخرا وانخفض سعره بعد دخول المساعدات المحملة بالدقيق والذى يزيد سعره تارة وينخفض تارة أخرى حسب ما يتداول فى الأخبار عن نزوح جديد أو هدنة.

- تتم مراعاتهم من قبل الأهل والأقارب والمعارف أو من تبقى منهم، خاصة أن الاحتلال كان يقصف المنازل على ساكنيها ولم يتبق منها إلا شخص أو اثنان أو تمحى العائلة من السجل .

لا يوجد كفلاء أو جمعيات أو مؤسسات داعمة بشكل خاص للأيتام الجدد وكل ما يتلقونه من رعاية هى مقتصرة على من اصطحبه معه أثناء النزوح وضمهم إلى أبنائه، والعلاج النفسى أمر لابد منه عند انتهاء الحرب حتى ولو تجاهل الكثير هذا الجانب، حتى وإن كان أطفالنا أقوياء وصامدين كما يتصورهم العالم، فهم ليسوا مخلوقات أسطورية هم أطفال كأطفال العالم حرموا من طفولتهم وعانوا الجوع والتشرد، ورأوا أهوال القصف والخوف وتعرضوا لأصوات الانفجارات ورأوا الدماء والجثث فى الطرقات، وشعروا بالحزن لفقدهم ملابسهم وألعابهم المفضلة، عانوا الجوع وحرموا من كل طيبات الطعام والشراب والمسليات، حرموا من التعليم وقفوا فى طوابير حمل المياه.

أذكر عندما جاء مجموعة من الشباب لتقديم دعم نفسى فى مدرسة النزوح معهم ألوان للرسم على الوجه، فاجتمع عليهم الأطفال بصوت واحد «بدنا ناكل».

حاجة الأطفال للدعم النفسى هو دعم لمدى الحياة، وما نقش فى ذاكرة الطفل لا يمحوها أى دعم نفسى وستلازمهم وآثارها ستلازمهم مدى الحياة.

- لا أعلم إن كان هذا صمودا أم تجاوزا لاستمرار العيش ولكن الطفل الفلسطينى يعانى منذ نعومة أظافره ومر بأكثر من حرب خلال سنوات قليلة ماضية، فالكثير منهم وخاصة ما دون سن الرابعة لا يفهم ما نمر فيه ولكنه شعر بكل ما سبق وكيف تغيرت حياته من الرفاهية إلى التشرد، أذكر أن ابنة أخى البالغة من العمر 4 سنوات، جاءت إلى لتحدثنى عن صورة فى الموبايل التقطتها فى حديقة فى غزة خلال أحد الأعياد وهى ترتدى ملابس جميلة وبيدها شوكولاته وما لذ وطاب من الطعام، وقالت: (بدى نروح هناك) أى لتلك الحياة الجميلة التى كانت تعيشها، أما الأطفال ممن دخل سن المدرسة وأصبح على وعى ضئيل بما نمر فيه كان للأهل دور كبير فى مساندة أبنائهم وتخفيف عنهم وطأة الحرب وتقديم الدعم النفسى بالإمكانيات المتاحة.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الوفد الحدود المصرية الأراضى الفلسطينية حياة النازحين معبر رفح

إقرأ أيضاً:

عادل حمودة يكتب: سنة على الحرب فى غزة انتهت بمشهد اغتيال «نصر الله»

لا إنقاذ لحزب الله

إلا بقطف رأس نتنياهو سريعًا


الحزب فقد سمعته السياسية وكوادره العسكرية وعانى من الاختراقات الأمنية ولعبة الصمت الاستراتيجى الإيرانية  الاستخبارات الإسرائيلية قصقصت ريش «نصر الله» باغتيال مساعديه الكبار والصغار ثم تخلصت منه  عملية الاغتيال استغرقت ثوانى وشاركت فى تجهيزها ثلاث فرق عسكرية

أطلقت إسرائيل على عملياتها فى لبنان «سهام الشمال» للرد على صواريخ «حزب الله».

استهلكت فى هذه العملية ٣٥٠٠ قنبلة وصاروخ ومسيرة أدت إلى ترك نحو مليون لبنانى منازلهم.

لكن ما إن اغتالت أمين عام الحزب «حسن نصر الله» حتى غيرت الاسم إلى «ترتيبات جديدة».

كأنها تعلن أن التخلص من الرجل الأول فى الحزب تحت أنقاض مقره فى «الضاحية الجنوبية» من بيروت بداية سيناريوهات مختلفة فى الحرب على لبنان.

كانت ساعة الصفر الساعة السادسة والعشرين دقيقة من مساء يوم الجمعة حين انطلقت ثلاث طائرات «إف ١٥» من قاعدة «حتسريم» الجوية القريبة من مدينة «بئر سبع» فى طريقها إلى الهدف الذى لا يبعد أكثر ٢٩٣ كيلومترا.

أطلقت الطائرات ثلاثة صواريخ فى ثانية واحدة وألقت ٨٠ قنبلة من طراز «هايفى هايد» التى تزن الواحدة منها طنا وتخترق التحصينات حتى ٧٠ مترا تحت الأرض.

لم يزد التوقيت عن عشر ثوان.

نفذت العملية الوحدة «١١٩» فى سلاح الجو الإسرائيلى المعروفة باسم «بات» بعد معلومات سيبرانية أكدتها مصادر بشرية على الأرض.

تدرب الطيارون على العملية ثلاثة أيام ولم يعرفوا شخصية الضحية إلا قبل ساعة من التوقيت المحدد.

قبل ثلاثة أيام أيضا بالتحديد يوم الأربعاء ضغط وزير الدفاع «يواف جالنت» وقيادات الجيش فى اجتماع مجلس الوزراء المصغر «الكابنيت» ليحظوا بالموافقة على تنفيذ العملية لرفع معنويات الضباط والجنود الذين يحاربون فى غزة وهم فى حالة نفسية سيئة بعد نحو السنة من القتال الذى بدا بلا نهاية.

لكن اعترض الوزراء الأكثر تشددا على العملية.

رفضها وزير المالية «بتسلئيل سموتريش» ووزير العدل «ياريف لافين» وانسحب «نتنياهو» دون التصديق على العملية.

فى الاجتماع أثيرت أسئلة تتعلق بشكل العملية وطريقة تنفيذها وحدود التنسيق مع الولايات المتحدة.

استمرت المباحثات يوم الخميس التالى وامتدت المشاورات بين «نتنياهو» و«جالنت» عبر التليفون ثم كانت مشاورات أخرى بين «نتنياهو» ورئيس هيئة الأركان «هرتسى هاليفى» وبينه وبين مدير الموساد «ديفيد برنباع» ومدير المخابرات العسكرية «شلومى بيندر».

سافر «نتنياهو» إلى نيويورك ليلقى كلمة إسرائيل أمام الجمعية العامة دون أن يصدق على العملية.

كان فى الفندق حين أعطى إشارة البدء ثم اتجه إلى مبنى الأمم المتحدة القريب ليلقى خطابه وما إن انتهى منه حتى تلقى تمام المهمة وفى هذه اللحظة بدأ حالة نشوة لم يخفف منها سوى المظاهرات التى طالبت باعتقاله كمجرم حرب بسبب ما يفعل فى غزة.

ولكن الشرطة الأمريكية لم تعتقله وإنما اعتقلت ٢٨٤ ناشطا مسلما ويهوديا تضامنوا معا ضده.

سارع بالعودة إلى تل أبيب وفى لحظات هبوط طائرته تعرض مطار «بن جوريون» إلى صاروخ أطلقه الحوثيون فى اليمن لكنه لم يصب شيئا.

شارك «نتنياهو» أيضا فى خطة الخداع التى سبقت العملية حين تحدث عن مناقشة جدية لوقف القتال فى غزة بينما هو فى الحقيقة أمر بتوسيع الحرب فى لبنان.

فى صباح يوم الجمعة وقبل التنفيذ بساعات التقى «جالنت» بقائد المنطقة العسكرية الشمالية اللواء «أورى جوردين» ليطمئن منه على استعداد قواته لخوض عمليات كاملة فى لبنان تحسبا لرد فعل اغتيال «نصر الله».

بعد وقت قصير أبلغه رئيس الأركان أن كل الظروف متاحة للتخلص من الرجل الذى هجرت صواريخه نحو ١٥٠ ألف إسرائيلى من بيوتهم وأجبرتهم على الإقامة فى الملاجئ ثم كان ما كان.

حسب صحيفة «يديعوت أحرنوت» فإن التخطيط لعملية الاغتيال تمتد إلى عقد من الزمن وساهمت فى تنفيذها ثلاث وحدات عسكرية.

الوحدة ٩٩٠٠ التى تجمع المعلومات البصرية وتحدد إحداثيات المكان.

الوحدة ٥٠٤ المتخصصة فى جمع المعلومات من العملاء.

والوحدة ٨٢٠٠ التى تعتمد على التكنولوجيا المتطورة.

لكن أخطر معلومة سربتها إسرائيل عن العملية وجود جواسيس على الأرض جندهم الموساد أبلغوا بدقة عن توقيت اجتماع «نصر الله» مع مساعديه كما قدموا رسومات تفصيلية عن مقر إقامته وعاداته اليومية ومواعيد تناول الطعام.

إن عملاء إسرائيل هم أهم أسباب سلسلة الاغتيالات التى نفذتها إسرائيل ضد قيادات حزب الله وتصاعدت وتيرتها قبل أسبوعين انتهت باغتيال «الرجل الكبير».

لقد تأسس الحزب فى عام ١٩٨٢.

أعلن أنه حزب سياسى إسلامى شيعى مسلح ليكون جزءًا من المقاومة فى المحور الذى تقوده إيران ضد الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما فى الشرق الأوسط.

فى عام ١٩٨٩ انتخب الحزب قيادته من ثلاثة أمناء عامين وهم من رجال الدين الشيعة المعتمدين يعتمر أولهم «صبحى الطفيلى» عمامة بيضاء بينما يضع الآخران وهما «عباس الموسوى» و«حسن نصر الله» العمامة السوداء التى يعتمرها من يحملون لقب «السيد» نسبة إلى امتداد نسبهم للسلالة النبوية.

كان «صبحى الطفيلى» أول أمين عام للحزب ولكنه أبعد بعد عامين ليتولى المنصب «عباس الموسوى».

فى ١٦ فبراير ١٩٩٢ وبعد أقل من عام فى المنصب اغتالته إسرائيل بطائرة مروحية تربصت بموكبه وأطلقت صواريخ حرارية حارقة على سيارته فقتل هو وزوجته (سهام) وولدهما الصغير (حسين) وتحول مرقده إلى مزار.

لكن ما إن انتصر الحزب فى حربه ضد إسرائيل التى استمرت من ١٢ يوليو إلى ١٤ أغسطس ٢٠٠٦ حتى بدأ الموساد فى تصفية القيادات العسكرية للحزب.

بدأت المخابرات الإسرائيلية بأهم قائد عسكرى وهو «عماد مغنية».

فى ١٢ فبراير ٢٠٠٨ قتلته فى حادث انفجار سيارة فى حى كفر سوسة فى دمشق.

بعد الحادث ساد هدوء بين الطرفين وبدا أنهما اتفقا على هدنة غير معلنة بينهما.

كان السبب تورط حزب الله فى السياسة الداخلية والخارجية فى لبنان وتحكمه فى اختيار الرئيس نفسه.

ثم امتد الانشغال إلى دول الإقليم المجاورة وعلى رأسها سوريا والعراق ثم فلسطين ليتحول من قوة مقاومة إلى قوة سيطرة.

ولا شك أن هذا التحول الذى أفسد الحزب وأفسد الحياة فى الدولة اللبنانية وجيرانها كان أحد أسباب انهيار الحزب التى ستظهر فيما بعد.

حاول الحزب أن يسترد ما فقد من هيبة وشعبية بمساندة المقاومة فى غزة بعد عملية «طوفان الأقصى» التى بدأت يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وردت عليها إسرائيل بإعلان حرب على غزة استمرت نحو العام دون توقف لتسجل أطول حرب خاضتها إسرائيل منذ فرضها على المنطقة العربية عام ١٩٤٨.

لكن حزب الله لم يساند المقاومة الفلسطينية كما يجب واكتفت بإطلاق دفعات صواريخ من وقت إلى آخر لم تحقق خسائر تذكر للطرف الإسرائيلى الذى بدأت التخطيط لإضعاف الحزب بالعودة إلى تصفية قياداته العسكرية كما حدث من قبل.

فى ليلة ٤ ديسمبر ٢٠١٣ أطلق مسلحون النار على رأس القائد العسكرى فى الحزب «حسان اللقيس» من مسافة قريبة عند وصوله إلى بيته.

وفى يوم الثلاثاء ٣٠ يوليو استهدفت غارة إسرائيلية «فؤاد شكر» المستشار العسكرى للأمين العام للحزب.

وفى ٢٠ سبتمبر ٢٠٢٤ اغتيل «إبراهيم عقيل» عضو مجلس الجهاد فى الحزب ومسئول وحدة الرضوان (وحدة النخبة) فى غارة جوية إسرائيلية على بيروت وقتل معه عشرة من القيادات العسكرية المساعدة.

وبعد أربعة أيام استهدفت إسرائيل «إبراهيم قبيسى» قائد منظومة الصواريخ فى غارة جوية على الضاحية الجنوبية.

وبعد يومين اغتيال «محمد حسين سرور» قائد القوة الجوية فى غارة نفذتها طائرة إسرائيلية (إف ٣٥) أطلقت ثلاثة صواريخ على مبنى يسكنه فى الضاحية الجنوبية.

وفى الفترة ذاتها أجهزت إسرائيل على نحو خمسة آلاف عضو فى الحزب بتفجيرات البيجر وأجهزة اللاسلكى.

وبدا واضحا أن خطة الاغتيال لم تكن عشوائية وإنما استهدفت القيادات العسكرية العليا والوسطى والصغرى قبل التخلص من الرأس الكبير «حسن نصر الله».

قصقصت ونتفت ريشه حتى أصبح عاريا ثم فجرته ليصبح الحزب فى أزمة صعبة ومعقدة يصعب الخروج منها بعد اغتياله.

ولكن الحقيقة أنه هو من بدأ الأزمة حين شعر «نصر الله» أنه السلطة العليا فى لبنان يأمر وينهى فى البلاد كما يشاء.

وبمساهمته فى عمليات عسكرية فى سوريا والعراق واليمن صنفت الولايات المتحدة الحزب منظمة إرهابية واعتبرت اغتيال «نصر الله» تحقيقًا للعدالة بعد اتهامه بقتل جنود من مشاة البحرية الأمريكية فى لبنان.

بل اعتبرت الولايات المتحدة مقتله لا يقل أهمية عن مقتل «أسامة بن لادن».

يضاف إلى ذلك الاختراقات الأمنية المتوالية التى تعرض لها الحزب بصورة يصعب تصديقها وبتكلفة متدنية تحملتها إسرائيل وكأن جزءًا من التجسس على الحزب هو الكراهية التى تحملها جماعات كثيرة فى لبنان وما حولها.

لكن هناك سببًا أهم وراء انهيار الحزب وهو موقف إيران الذى يوصف بالصمت الاستراتيجى الذى لجأت إليه حتى لا ترد على اغتيالات علمائها المسئولين عن برنامجها النووى واغتيال رئيسها «إبراهيم رئيسى» واغتيال «إسماعيل هنية» على أرضها وسرقة الأسرار النووية باختراقات سيبرانية.

بل أكثر من ذلك تركت أذرعها فى المنطقة تحارب وحدها وراحت تتفرج عليها.

وكانت حجتها أنها لا تريد أن تتورط حتى تنتهى من القنبلة النووية وساعتها ستكون قادرة على الردع النووى بينها وبين إسرائيل.

والحقيقة أن هذه سذاجة استراتيجية فى التحليل السياسى فالردع النووى لا يوقف الصراعات الإقليمية مثل الهند وباكستان وروسيا وأوكرانيا.

وعندما تصل إيران إلى ما تحلم به ستكون إسرائيل قد حققت كل ما تريد عسكريا وسياسيا لتصل بالمنطقة إلى نظام إقليمى جديد لن يكون لنظام آيات الله فى طهران تأثير يذكر فيه.

ويبدو الحديث عن مستقبل حزب الله المرشح لقيادته «هاشم صفى الدين» حديثا مؤسفا فقد أصابه الضعف ويعانى من صورة ذهنية سيئة.

ولن تقوم له قيامة إلا إذا نجح فى تغيير الصورة الذهنية السيئة بعدم التدخل فى شئون الدول مهما كان وجوده فيها.

بجملة أخرى يجب تغيير سياساته الداخلية والإقليمية.

لكن الأهم لا بد من عمليات عسكرية نوعية قوية حاسمة ومؤلمة وسريعة ضد إسرائيل تعادل اغتيال «نصر الله» ومساعديه الكبار والصغار.

دون هذه العمليات الموجعة غير القابلة للانتظار لن يثق أحد فى الحزب وسينتظر الجميع مراسم دفنه.

ليكن «صفى الدين» عند كلمته عندما أعلن أنه سيقصف بيت «نتنياهو» ولكن بشرط أن يقتله كما توعد وإلا اعتذر عن قيادة الحزب.

ولن تكون هذه العمليات مجرد انتقام فقط وإنما ستوقف المخطط الإسرائيلى عند حده.

إن إسرائيل حاصرت لبنان بعد اغتيال «نصر الله» ومنعت طائرة إيرانية من الهبوط فى مطار بيروت كما حذرت السفن الإيرانية من الرسو فى موانئ لبنان.

وعندما تغير إسرائيل اسم عمليتها فى لبنان إلى «تقديرات جديدة» فإنها تفتح جميع السيناريوهات للتعامل معها ومنها الغزو البرى واحتلال خطوط استراتيجية فاصلة آمنة لها.

لقد حاربت «حماس» إسرائيل سنة كاملة ولا تزال صامدة ونجحت فى وضع مؤسساتها العسكرية والأمنية والسياسية فى حرج شديد وأشعلت الغضب فى شعوب العالم ضدها واستردت القضية الفلسطينية وجودها رغم الثمن الفادح الذى دفعه الشعب فى غزة والضفة الغربية.

لكن بمشهد اغتيال «حسن نصر الله» الذى سيطر على الدنيا كلها قبل أن تكمل الحرب سنتها الأولى بدأت إسرائيل تسترد بعضا من هيبتها وسمعتها وقدرتها المفقودة على الردع.

إن الضربة للأسف جاءت للمقاومة من جهة المساندة.

على أن عواصف النار لم تهدأ بعد.

ولا أحد يعرف من سيحترق بها فى بداية السنة الثانية من الحرب.

 


بالاشتراك مع: الحسين محمد

مقالات مشابهة

  • معارك ذات الكبارى وآخر اليد
  • الشامي: لا نريد الحرب بل تطبيق القرار 1701
  • غزة عام الحرب والمقاومة
  • مبادرة لأساتذة الجامعات السودانية لدعم نازحي ومتضرري الحرب
  • بداية الحرب العالمية الثالثة ضد الأمة والمقاومة الشعبية كخيار إستراتيجى لها
  • 13 كاتبا فلسطينيا يقدمون شهاداتهم عن عام الإبادة الجماعية
  • حرب أكتوبر.. وصناعة التاريخ
  • «نصر أكتوبر» معجزة التاريخ
  • عادل حمودة يكتب: سنة على الحرب فى غزة انتهت بمشهد اغتيال «نصر الله»
  • 310 حالة تسمم في بنها خلال شهر.. أزمة صحية تستدعي التدخل